عندما تشعر الشعوب بالإحباط، وتفقد الأمل أو تكاد، في إصلاح حقيقي وعدل يكفل للمواطن البسيط العيش بصورة كريمة، تصبح مهيأة للانفجار.. وهذا الانفجار يأخذ أشكالا عديدة وتسبقه علامات كثيرة، وإحدي هذه العلامات شن حرب شعبية بأسلحة "النكتة" ضد الحكومات الظالمة والأنظمة الجائرة. وإذا كان هذا الكلام ينطبق علي كثير من شعوب الأرض، فهو ينطبق أكثر علي المصريين؛ لأن النكتة تكاد تكون اختراعا مصريا خالصا، أو هي بمعني أدق منتج مصري لا يمكن الاستغناء عنه؛ وقد أثبتت دراسة أجراها قسم المصريات بالمتحف البريطاني أن أول نكتة في التاريخ أطلقها المصريون القدماء عام 2600 قبل الميلاد، ومن نكت الفراعنة : أن قاضيا سأل لصا عن سبب سرقته كنوز الفرعون من داخل الهرم، فقال له اللص: ألستم تقولون إن الملك هو الإله، فلماذا لم ينهض من نومه ويمنعني من السرقة؟! ورغم أن النكتة الفرعونية بمقاييس الوقت الحالي "بايخة"، إلا أنها لا شك وقتها كان لها وقعها وتأثيرها وظروفها، لكن هذا لا ينفي حقيقة أن المصريين لا يستطيعون الاستغناء عن النكتة، وأنهم أصحاب براءة اختراعها! والمصريون يطلقون النكات بشكل مستمر، ويسخرون من كل شيء في حياتهم حتي من أنفسهم.. لكن النكتة تتحول إلي سلاح وقت الأزمات، وتصبح شكلا من أشكال الاحتجاج والرفض وإعلان الغضب مما يجري؛ لذلك تزداد النكت وقت الشدائد والأوقات العصيبة التي تمر بالناس، خاصة الأزمات السياسية أو الاقتصادية؛ لتصبح النكتة مقياسا - لا يكذب - لاتجاهات الرأي العام وإنذارا مبكرا لأحداث قد تقع إذا لم ينتبه لها النظام. واعتاد المصريون علي السخرية والاستهزاء من الحكام والحكومات التي لا ترضيهم، فسخروا من الفراعنة، والرومان، واليونان، ودفعوا نابليون بونابرت حين احتل مصر إلي إصدار أوامره بالقبض علي مروجي النكت وجلدهم أو قتلهم من شدة السخرية التي تعرض لها! وقد قيل إن أحداث 18 و 19 يناير 1977 كان يمكن تجنبها لو نظر المسئولون باهتمام للتقارير الخاصة بالنكت التي عرضها جهاز أمن الدولة علي مجلس الوزراء. وفي مصر حوالي 56 مركزا للإعلام الداخلي تابعة لهيئة الاستعلامات كل مهمتها تجميع النكت و تحليلها و توصيل النتائج إلي الجهات المسئولة بالدولة. وخلال الفترة الماضية انتشرت النكت بشكل ملحوظ للسخرية من الأوضاع ومما يجري في مصر، تعبيرا عن رفض الرأي العام لسياسة الحكومة وفشلها في علاج عدد كبير من الأزمات، وعدم مراعاتها لمحدودي الدخل خاصة بعد الزيادة الأخيرة في الأسعار! لذلك جاءت أول نكتة عن رئيس الوزراء أحمد نظيف، تقول النكتة: قابل نظيف جماعة من المصريين فلاحظ أحدهم أن الليلة باردة جدا والدكتور نظيف يسير بدون قفاز، فسأله: غريبة.. ليه سعادتك مش لابس جوانتي رغم إن الجو برد جدا؟ فرد عليه آخر: وهو عاوز الجوانتي ليه وإيده في جيوبنا؟! والطريف أن هذه النكتة لم تخترع وليست جديدة، وإنما هي إعادة إنتاج لنكتة قديمة كان يسخر المصريون بها من الأتراك! وهناك نكتة أخري يمكن أن توضح حقيقة نظرة الناس للحكومة الحالية، تقول النكتة: اجتمع مجلس الوزراء لبحث كثرة الحوادث بسبب حفرة كبيرة موجودة في الطريق. قال أحد الوزراء: يجب أن نقوم ببناء مستشفي بجانب الحفرة، فعارضه وزير آخر وقال: لا.. يجب أن نشتري سيارات إسعاف لنقل المصابين إلي المستشفي العام، فعارضهما ثالث قائلا: وليه نشتري سيارات إسعاف أو نبني مستشفي جديدا ونكلف نفسنا.. إحنا نردم الحفرة دي ونحفر غيرها بجانب المستشفي العام الموجود أصلا!!