براتب 5000 جنيه.. وزارة العمل تعلن عن وظائف جديدة بالقاهرة    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 21 مايو 2024    محافظ جنوب سيناء يلتقى عددا من رؤساء وأعضاء البعثات الدبلوماسية الأفريقية    بوريل يعلق على قرار «الجنائية الدولية» بشأن إسرائيل وحماس    مستشار الأمن القومي الأمريكي يطالب إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات إلى جميع أنحاء غزة    ترتيب الدوري المصري 2023-2024 قبل مباريات اليوم الثلاثاء    عباس أبو الحسن يتكفل بعلاج المصابتين في حادث الدهس بسيارته| خاص    ننشر بالأسماء ضحايا حادث العقار المنهار بالعياط    مصرع طفل وإصابة شقيقه بحلوان.. والسبب «حلة شوربة» ساخنة    الثلاثاء 21 مايو.. توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية    شهداء وجرحى جراء غارة إسرائيلية على منزل لعائلة "أبو طير" شرق خان يونس    اليوم.. طلاب الشهادة الإعدادية بالشرقية يؤدون امتحان مادة الهندسة    خالد عبد الغفار: مركز جوستاف روسي الفرنسي سيقدم خدماته لغير القادرين    قبل طرحه في السينمات.. أبطال وقصة «بنقدر ظروفك» بطولة أحمد الفيشاوي    وزير الصحة: لا توجد دولة في العالم تستطيع مجاراة الزيادة السكانية ببناء المستشفيات    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    أمير هشام: الكاف تواصل مع البرتغالي خوان لإخراج إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات كثيفة شرقي مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة    تفاصيل طقس الأيام المقبلة.. ظاهرة جوية تسيطر على أغلب أنحاء البلاد.. عاجل    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    وزير الصحة: صناعة الدواء مستقرة.. وصدرنا لقاحات وبعض أدوية كورونا للخارج    وزير الصحة: 700 مستشفى قطاع خاص تشارك في منظومة التأمين الصحي الحالي    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    رفع لافتة كامل العدد.. الأوبرا تحتفي وتكرم الموسيقار عمار الشريعي (تفاصيل)    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    على باب الوزير    كأس أمم إفريقيا للساق الواحدة.. منتخب مصر يكتسح بوروندي «10-2»    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شلبى: خمسة من جيل الستينيات جديرون بنوبل.. ومحفوظ استحقها قبل حصوله عليها
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 12 - 2010

لا يقدر الواحد منا أن يستثنى من وجه عم خيرى ابتسامته، لذا أدهشنى، وأنا أرى الابتسامة عالقة لا تزال، أن أسمع منه كلاما كالذى قاله.
قال لى إنه والأديبين إبراهيم أصلان وعبدالرحمن الأبنودى يبحثون عن مقابر لهم فى القاهرة ولا يجدون. قال أيضا: إنه صار يتمنى الموت لأن الحياة لم تعد مبهجة، والكتابة كذلك فات أوان الابتهاج بها!.
سألته إذا كان لهذا علاقة بالجنازات التترى، التى شهدتها مؤخرا ساحة مصر الثقافية، فوجدته يجاور ما بين رحيل أمل دنقل ويحيى الطاهر عبدالله، ورحيل أسامة أنور عكاشة، وعفيفى مطر، ومحمد صالح، وفاروق عبدالقادر، ونصر أبوزيد، وعبدالسلام العمرى، وكأن جميعهم ماتوا فى عام واحد!.
نعى صاحب «الوتد» كل من سماهم أبناء الجيل الذين «يتساقطون فى لمح البصر وهم لا يزالون فى الريعان»، وكان خيرى شلبى يقصد جيل الستينيات الذى يعتبر أحد أبرز علاماته، ويعتبره هو جيلا استثنائيا يقول
«لقد أثمر هذا الجيل إثمارا ملحوظا، ولا أظن أن جيلا سبقه حظى بكل هذا العدد من المواهب، الروائية والقصصية والشعرية والتشكيلية والموسيقية وشتى نواحى الفن».
«كنا جيلا ذا طبيعة استثنائية» يشير صاحب «ثلاثية الأمالى»، ويوضح قائلا: «فقد ولدنا عقب حرب عالمية، وكانت طفولتنا المبكرة فى مهد حرب عالمية ثانية، وجاءت طفولتنا الثانية فى ظل حرب 1948 التى عانت مصر ويلاتها، ثم ما كدنا نصل مرحلة الصبا حتى داهمتنا حرب 1956وعانيناها، وما كدنا نصل إلى الشباب حتى داهمتنا نكسة 1967، وجند الكثيرون منا فى الجيش، ليبقوا فى الميدان حتى حرب 1973».
يضيف: «كل هذه الحروب كانت فوق أدمغتنا، وكانت النتيجة الساخرة هى أن الذين استفادوا بثمرة هذا الكفاح هم طبقة الانتهازيين، الذين ركبوا على نصر أكتوبر، وأقاموا عصر الانفتاح الذى ديست فيه كل القيم، وأصبح الجادون والشرفاء والموهوبون الحقيقيون خارج السياق وخارج الحياة، لذا أعتبر الكثيرين من جيل الستينيات فعلا شهداء، دفعوا أغلى الأثمان حتى لا يتخلوا عن شرفهم وعن القيمة التى لا يزالون يؤمنون بها إلى اليوم.
●لكنه أيضا الجيل الأكثر جدلية وتحققا وتحقيقا للمكاسب؟
غير صحيح على الإطلاق. فأنا مثلا ما هى المكاسب التى حصلت عليها؟ وما الذى حصل عليه البساطى أو الغيطانى أو صنع الله إبراهيم وإبراهيم أصلان.
أن يكون هناك كاتب مشرف على سلسلة أو عضو فى جهة، ليست مكاسب أبدا، ولا يعنى هذا أنه فى أحضان السلطة، بل على العكس مشرفو سلاسل الهيئات يقومون بواجب تطوعى بالمجان، يكلفهم من الجهد ما لا قبل لهم به.
ثم إن بعضنا لا يزال للآن يسكن بالإيجار، وأنا منذ أشهر وأنا أبحث والأبنودى وإبراهيم أصلان عن مقابر لنا ولا نجد، حتى المقبرة التى سندفن فيها لا نجدها!
● الحديث عن المقابر تهيؤ بشكل أو بآخر للموت ألا تخشاه؟
إطلاقا بل إننى أتمناه، لأن الحياة أصبحت غير مبهجة، حتى الكتابة أصبحت غير مبهجة، لأننا نضجنا حينما انفض السرادق، فأصبحنا كالمطرب الذى أمضى ثلاثة أرباع عمره يتدرب على الغناء، فلما استوت حنجرته وكثر فنه وأصبح مؤهلا للغناء كان الجمهور انصرف من الحفل.
لقد نضجنا فيما الكتاب يتعرض لأزمة، ويكاد يطرد من الحياة أمام التليفزيون وغول الإنترنت البشع الذى سيدمر الإنسانية لا محالة، بعدما يحول الإنسان إلى أرقام، ويفقده ذاكرته ويقضى على ملكاته، إننى شديد التوجس من عصر الديجيتال اللاهث نحو الدمار الشامل، ولهذه الأسباب الكتابة لم يعد لها طعم، وصرنا نكتب بحكم أننا لا نملك إلا الكتابة.
● لكن أجواء كهذه ألا تدفعك لتغيير رأيك بشأن كتابة سيرتك الذاتية أم ستظل تكتفى بتقاطعاتها، كما ذكرت قبل، مع السيرة التى كتبها ماركيز عن نفسه؟
بادئ ذى بدء أنا من أشد المحبين لفن السيرة، أقرأه بشغف، وأبحث عنه فى المكتبات بغض النظر عن صاحب السيرة سواء كان شخصا مهما أو رجلا عاديا، لكن حينما أفكر فى كتابة سيرتى أفاجأ بأن الإنسان لا يملك وحده سيرته الذاتية، وإنما يشاركه فيها أطراف عديدون، بداية من الأب والأم والمحيط الذى عاش فيه، ومدرسيه وجيرانه وأصدقائه وكل من عاشوا معه وتركوا فيه أثرا، كل هؤلاء أطراف لا يجب أن تغفلهم السيرة وإلا تكون كاذبة ومفتئتة على الحقيقة. كما أن أى كاتب سيرةِ لا يستطيع أن يضمن الموضوعية حين يكتب عن ذاته، ولا يستطيع، مهما حاول، أن يتجرد تماما من الأناوية، وسيبقى فى النهاية ظل منها يسيطر على السيرة.
لكن فى نفس الوقت هناك فى حياتى أشياء يجب أن تكتب، ولا تستطيع الرواية أو القصة أن تستوعبها، ومن هنا فقد وصلت إلى قناعة بأن أنتقى الشخصيات التى كان لها تأثير فى حياتى بشكل أو بآخر، وأحاول استجلاءها بقدر ما أستطيع من التجرد والموضوعية، وقد أنجزت بالفعل بعد الفصول، هى ما أنشره حاليا فى الأهرام، عن فترة التكوين، وحينما تنتهى سأجمعها فى كتاب.
●بمناسبة الكتابة عن بعض الشخصيات، ما سر حضورك لأكثر من مرة فى كتابات إبراهيم أصلان وما مدى رضاك عن هذا الحضور؟
هو شىء طبيعى أن يوجد كل منا فى حياة الآخر وواقعه اليومى، لأن ما بيننا من علاقة عمره نصف قرن، وكل منا يعرف دقائق حياة الآخر، وكل منا رأى الآخر فى أشد حالات الضعف والقوة، وتعاطف كل منا وتناحر مع الآخر، فهى علاقة إنسانية وفنية ذات حميمية خاصة، وقد يعترينا الغضب المتبادل بعض الأحيان، لكنه سرعان ما يزول.
لعم خيرى مهارة فى فرز المواهب الأدبية المحيطة به وتصنيفها، بشكل تشعر معه بأنك أمام مؤرخ أو لنقل «شيخ حارة» كتابة. تلمس هذا وهو يشرح كيف تشبه موهبة أحد الكتاب التسعينيين «فِلّة» زجاجة نبيذ سقطت خطأ بداخلها أثناء الفتح، فجعلته لا يقطر من موهبته إلا ما تسمح به هذه «الفلة» التى تعوق السيلان، وموهبة كاتب آخر «ألفينى» ذى كتابة «شكلها حلو» لكنها بلا قيمة غذائية، تماما كحلوى غزل البنات.
●سألته وماذا عن جيلك؟ بالإضافة إليك من من كتاب الستينيات يستحق نوبل بعد نجيب محفوظ؟
فأجاب: بدون ذكر أسماء، هناك خمسة على الأقل من كتاب الستينيات يستحقون نوبل فى الآداب والفنون، لكن نجيب محفوظ كان الأقوى، وكان الأستاذ، وأى عاقل مهما كبر حجمه، يخجل أن يقارن نفسه بمحفوظ الذى كان يستحق نوبل قبل حصوله عليها بثلاثين عاما، هذه الحقيقة حينما أتذكرها أعرف أن حصول الواحد منا على هذه الجائزة لا يزال بعيد المنال، فالأعمال العربية التى تترجم للغات العالمية ليست للقارئ العام، وهى لا تشكل ظاهرة يمكن أن نقول معها إن الأدب العربى أصبح مقروءا فى الغرب.
● الحديث عن الجوائز يأخذنا إلى تشجيعية طارق إمام التى كانت الواقعة الأبرز فى جوائز الدولة هذا العام، ما تعليقك على سحب الجائزة منه؟
طارق إمام من أفضل كتاب جيله وأكثرهم موهبة، كنت أتمنى أن ينال الجائزة، وأصابنى اصطدامه باللائحة بكدر شديد، وأكثر شىء نكّد علىّ طوال هذه السنة وجعلنى غير مبسوط هو أمر طارق، فأنا متحيز له ولكل صاحب موهبة، وحينما أضع يدى على موهبة أكاد أطير بها فرحا، وأحدث عنها كل من ألتقيه، وأنتهز أى فرصة للحث على قراءتها والكتابة عنها، ومن هذا المنطلق كان طارق يستحق الجائزة لولا أنه اصطدم باللائحة، وأنا شخصيا لم أكن أعلم بحصوله على ساويرس.
●لكن أحد أعضاء اللجنة قال إنه نبهك إلى التجاوز القانونى فى هذا؟
كذب فى كذب، لجنة الجائزة بأكملها تتحمل نتيجة اختيار طارق إمام وفوزه، أما مسئولية أنه خالف اللائحة بقصد أو بغير قصد، وأنا موقنٌ أنه بغير قصد، فهذا أمرٌ لا دخل لنا فيه
.
بخلاف أمر هذه الجائزة هل أنت راض عن أداء المؤسسة الثقافية الرسمية؟
لست راضيا عن أى شىء فى البلد، فما معنى أن أتوقف عند وزارة الثقافة؟
ومع ذلك فإنه والعيب هكذا فى كل الجهات تصبح الثقافة أكثر الجهات أمانا، ووجود بعض الفاسدين بها لا يتعدى عشر معشار الموجودين بالمؤسسات الأخرى.
وأود أن أقول إن وجودنا فى بلد يعمه الفساد، يجعلنا فى حاجة إلى التعامل مع العناصر النقية التى تظهر فى أية مؤسسة، لأن دورنا ليس مقاطعة المؤسسات بعنترية خائبة، وجنون نلبسه ثوب النضال.
إن موقفى من وزارة الثقافة شريف جدا، وهى من أنظف الجهات فى مصر، وأستطيع أن أعدد لك شخصيات يمكن أن تشرف بهم البلد، ولأول مرة سأذكر أسماء مثل: جابر عصفور، فوزى فهمى، زاهى حواس، صابر عرب، عبدالمعطى حجازى، صلاح عيسى، وسامح مهران وغيرهم، فضلا عن نخبة المثقفين من أعضاء المجلس الأعلى للثقافة.
لقد ظلمت الوزارة للأسف بوجود نفر قليل من ضعاف النفوس، رغم ذلك أرى أن من وقعوا فى القضايا ليسوا بالضرورة فاسدين، ولا أحب المبادرة بالحكم عليهم أو الموافقة على اتهامهم، بل إننى مستعد أن أتفهم أوضاعهم.
من ناحية أخرى يجب أن يقابل النشاط الذى تقدمه وزارة الثقافة بالشكر، فالسلاسل التى تصدرها وتبيعها بقروش قليلة جهد عظيم، وحتى المهرجانات التى يسخر البعض منها بفجاجة أنا من أشد المعجبين بها، لأن مجرد وجود تجمعات تتردد فيها كلمة الثقافة، أمر نحن أحوج إليه أمام طيور الظلام التى ترفرف على مصر.
● ماذا عن الشعارات فى حياتك؟ وما أطول مدة تمسكت فيها بشعار؟
فى حياتى لم أعرف الشعارات ولم أعترف بها، لأن بها منحى دعائيا وأنا شخص غير دعائى. أنا ظللت أكتب لعشرين عاما دون أن تشغلنى مسألة النشر أو التقدير، أكتب فحسب، وانعزلت لربع قرن فى أماكن قد تبدو غريبة، لكنها أفادتنى فى التركيز، ولولا هذه العزلة ما استطعت أن أكتب مطولات، كثلاثية الأمالى، والشطار، وموال البيات والنوم، ووكالة عطية، وصالح هيصة، ومنامات عم أحمد السماك وصحراء المماليك، وزهر الخشخاش وإسطاسية، إلى آخر الأعمال الطويلة التى كانت تحتاج إلى قراءة فى الواقع والتاريخ.
من يكتب هذه المطولات وهو يعيش براتبه دون دخول مادية أخرى من أى جهة، لا يمكن أن يفكر فى أى مقابل للكتابة.
لقد قدمت التضحية فى سبيل الفن، وفى سبيل أن أكتب شيئا ذا فائدة للناس، وبطبيعة الحال فإن شخصا هذه حياته وهذا وضعه لا يمكن أن يكون مؤمنا بأية شعارات، اللهم اكتب ثم اكتب ثم اكتب.
● وماذا عن النوم؟ يعتقد الكثيرون أن كاتبا بغزارة إنتاجك إما أنه لا ينام أو يكتب وهو نائم؟
لو قرأت «موال البيات والنوم» سترين أن النوم فى حياتى قضية أزلية، سنواتٌ قضيتها فى القاهرة دون بيت ودون أصدقاء قادرين على المعاونة، وكان النوم خلالها محنة ليلية، إلى أن اكتسب جسمى مناعة ضده، فأصبحت قليل النوم بطبيعة الحال، حتى عندما أصبح لدى بيت وزوجة وأولاد، صرت بالطبع أنام لكننى لا أستغرق فى نوم.
أنا بطبيعتى كائن ليلى، لا ينتعش جسمى، ولا تصح عواطفى إلا فى الهزيع الأخير من الليل، وأظل طوال الليل فى مكابدات ومحاسبات للنفس، واسترجاع لما قلته وفعلته طوال هذا اليوم، إلى أن تطمئن نفسى إلى أنها لم تخطئ فى شىء إلا قليلا، فيعود إلى دماغى فأبدأ التفكير.
● والكتابة؟
الكتابة هى آخر شىء أعمل به، أفكر سنة كاملة لأكتب يوما أو يومين، ولا تجيئنى الكتابة إلا بعد معاناة طويلة فى التفكير والمراجعة.
● هذا الكلام سيفاجئ من يتصورون أنك تكتب طوال الوقت..
هذا تصور خاطئ، وغزارة إنتاجى أساسها تنظيم الوقت، لأننى متفرغ 24 ساعة للكتابة، وهو وقت طويل جدا لو نحينا أكذوبة أن «مفيش وقت»، ولم نهدره فى المكالمات التليفونية لساعة أو اثنتين بلا أهمية، فضلا عن الوقت المهدر فى كلام المحمول بما فيه من ثرثرة وادعاء وكذب على النفوس، والوقت الضائع فى المجاملات والمقاهى والتليفزيون والنميمة والمواصلات وغيرها، وأنا حينما كنت أجلس على المقهى فى منتجع حى قايتباى، لم أكن أضيع دقيقة واحدة هباء، فإن لم تكن فى ذهنى كتابة أراقب الناس وأدرسهم لأتعلم منهم وأستلهم الأفكار، وعندما كنت أستقبل أصدقائى على المقهى، كثيرا ما كنت أجلس معهم وأنا أبيض إحدى المسودات فلا أتعطل عن الكتابة ولا عن مجاملتهم.
●وماذا عن الكذب؟ ما هى الحدود بينه وبينه الكتابة؟
الكتابة لا تعرف الكذب، هى على عداء مستحكم معه، وإن عرفته سقطت، ذلك لأن القارئ، مهما كانت ثقافته محدودة، أذكى من الكاتب، سيكتشف بسهولة شديدة هذا الكذب، فيترك هذا الكتاب أو يقرأه بلا اهتمام، ولا يمكن أن ينتشر كاتبٌ يكذب أو يدلس على نفسه أو يمالئ السلطة أو القارئ ويتملقهم.
أدلل على هذا بأن كتاباتى أخذت طريقها إلى القارئ مباشرة دون أدنى مساعدة من نقاد أو دعاية صحفية لما فيها من صدق ومعاناة، وحينما قلت لك منذ برهة إننى أفكر سنة لأكتب يوما أو يومين، فمعنى هذه العبارة يتضمن محاولات الوصول إلى حالة المصداقية، فقد أكتب مائة صفحة ثم أمزقها فى الحال، وأبقى على سطر واحد أعتبره مدخلا إلى الصدق، فالعناء كله هو فى الوصول إلى لحظة الصدق فى الكتابة.
●قرأت على لسانك أنك تشعر بأنك تتهيأ لكتابة مختلفة تمام الاختلاف عما كتبته سابقا، قلت: «أشعر أن ما كتبته قبلا لم يكن إلا نوعا من التدريبات المهنية، أخطط لكتابة مختصرة وبسيطة، وأكثر غنى من السابق، كتابة من علو» هل يشبه هذا ما ذكرته من انقلاب على المائة صفحة من أجل سطر؟ وهل يعد كفرا أو تمزيقا لكل كتابات الرحلة؟
إطلاقا، بل تدشينٌ لهذه الكتابات، لأنه لولا كتابتى لهذه الأعمال ما توصلت إلى هذه القناعة، لقد بنيت قصرا شاهقا ووقفت فوقه فرأيت الحياة من أفق أوسع، ودعينى أذكرك بمناسبة هذا الكلام، فقد قلته بعد أن وصلت إلى سن ال70، وأنجزت ما يقرب من 70 كتابا، فقلت: أشعر بالكاد أننى تعلمت الكتابة، فالكتابة ليست سهلة كما يتصور البعض، وهو ما أوضحته آنفا بشأن المعاناة التى تسبق الكتابة.
● نستشعر فى كتاباتك ثمة شبه بينها وبين شعر العامية، الروايات بشخوصها وطينها وقشها وعوالمها، تبدو مواويل طويلة، يغنيها فلاحون أو عمال تراحيل أثناء الكدح؟
ربما لأننى كنت فى الأصل شاعرا، لى تجربة فى شعر الفصحى وأخرى فى العامية، وشهدت نشأة حركة شعر العامية منذ بدايتها على يد فؤاد حداد وصلاح جاهين، وتابعتها فى تطورها منذ فؤاد قاعود والأبنودى وسيد حجاب ومجدى نجيب إلى آخر الأجيال الحديثة فى العامية المصرية.
فى داخلى شاعر، يقول أحد أصدقائى إننى استهترت به، وربما يكون هذا صحيحا لأن هناك الكثير من الخطرات التى كان يمكن أن تكون قصائد، والأفكار التى كان من الممكن أن تكون مسرحيات شعرية لكننى أجهضتها فى كتابات نثرية. ثم عن العالم الفنى الذى أنتمى إليه ينبع من ينابيع شعرية، خاصة عالم القرية، ولهذه الأسباب جاءك هذا التصور.
●بالإضافة إلى عالم القرية هناك الأوباش والشطار وغيرهم من رموز الهامش الذى هو موضوعك الأثير، إلى أى مدى تغير مدلول المهمشين عن وقت كتابتك له؟
فى أول كتابتى عن الأوباش والسنيورة، عن عمال التراحيل والأنفار، والناس الذين لا أهل لهم ولا سكن، كنت أتخذ منهم رمزا لطبقة مغبونة، لكن بعد ذلك أخذ ما كتبته فى عهد الانفتاح مدلولا أوسع، ليصبح الشعب المصرى كله، الذى صار يعيش على الهامش، منذ الانفتاح إلى اليوم.
الشعب الذى تكون من 4 أو 5 شعوب: فلاحون وعمال وموظفو دولة وقطاع عام، وصغار تجار، ممن يعيشون على بطاقة التموين، وأنبوبة البوتاجاز، وطوابير الخبز، والجمعيات التعاونية، ويكدحون لإدخال أولادهم المدارس، والذين يعجنهم الزحام فى علب اسمها أوتوبيسات النقل العام، ويتنفسون هواء السحابة السوداء، ويشربون مياه المجارى، والخضراوات المروية بمياه الصرف الصحى، ولا يعرفون اللحوم إلا فى المواسم والأعياد، هؤلاء هم الشعب المصرى، الذى تهمش وانسحبت الدولة من مسئولياته فى كل الأمور، وتركته وحيدا شريدا، يتساقط بالعشرات فى حوادث المرور.
لم يكن عم خيرى علم بعد أن روايته الأحدث «إسطاسية» قد دخلت القائمة الطويلة للبوكر ومعها روايتان مصريتان أخريان لميرال الطحاوى وخالد البرى، عندما سألته عما إذا كانت الجوائز والكرنفالات العربية يمكن أن تسحب البساط من الأدب المصرى، فقال:
هذا التصور به ظلم وجهالة بقدر مصر وتاريخها، لأنه على العكس من ذلك تكرس المهرجانات والجوائز العربية الضخمة للثقافة المصرية، لأن مصر هى الرائدة، وهى التى علمت العالم العربى هذه المهرجانات، وإذا رفعت مصر يدها عن أى نشاط عربى يضعف.
وأضاف: سنظل منارة للثقافة وقبلة للعرب، وهذا لا يمنع أن تكون هناك عصور خمول كالذى نعيشه الآن بسبب ضيق أفق الأنظمة السياسية التى تحكمنا، وقسوة الظروف الاقتصادية، لكن هذا لا ينفى أن مصر ستظل قوية دائما بموقعها وتاريخها وبنيانها، التى تفرخ الكفاءات باستمرار، لذا فإننى غير منزعج من خفوت ريادة مصر بعض الشىء، لأن هذا الوضع مؤقت، وسوف تسترد مصر موقعها الريادى فى أقرب وقت.
● أخيرا هل تشعر أنك ظلمت؟ أو لم تنل فى مشوارك التقدير المناسب؟
لا. على الإطلاق. أعتقد أننى أخذت ما أستحقه من الجمهور، أصبحت مقروءا بشكل يسعدنى جدا جدا، وهذا ما كنت أبحث عنه، أنا لم أكن أبحث عن جوائز أو مكاسب، فقط كنت أبحث عن القارئ وقد وصلت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.