يقام حاليا بقاعة الزمالك للفن معرض الفنان جمال السجيني نحت ونحاس مطروق والذي يضم34 تمثال برونز و8 لوحات نحاس مطروق تشهد جميعها علي عظمة هذا الفنان وموهبته في فن النحت فلم يكن يرضي بالتقليد والجمود وإنما كان مجددا متفردا يتفاعل مع الأحداث بصدق وعمق دون افتعال, كما قال عنه تلميذه الدكتور محمد العلاوي أستاذ النحت الميداني بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة. وجمال السجيني(1977-1917) ذلك الفنان المبدع كان مؤمنا بأن فن النحت قادر علي تعميق الحس الوطني لدي المتلقي, ومن هنا كانت رؤيته الداعية إلي خروج التماثيل إلي الميادين وضرورة أن تكون جزءا لا يتجزأ من المدينة والتخطيط العمراني كما يقول الفنان الدكتور أحمد نوار- ومع أنه حارب كثيرا حتي يتحقق هذا الحلم, لكن بلا جدوي. لقد اتسمت أعمال جمال السجيني بالبلاغة في مفردات البناء التشكيلي, والعظمة في الخبرة الإبداعية والتقنية حتي تكاد أعماله تنطق وتتحرك ويتفاعل معها المتلقي لتحرك مشاعره كما أنه استوحي التراث الشعبي في لوحاته من النحاس المطروق وقدمها في تصور فني فريد يعالج أفكاره الاجتماعية والسياسية التي ارتبطت بسنوات الثورة وما تبعها من هزيمة1967 ثم حرب الاستنزاف ثم نصر أكتوبر المجيد وبعده سعي مصر إلي تحقيق السلام الشامل, فكان من أوائل الفنانين الذين عبروا عن الموضوعات القومية في النحت, فسجل العبور والانتصار والدعوة للسلام, كما أنه اهتم بقضايا المجتمع في أعماله إيمانا منه بأن الفن جزء أساسي في تشكيل وجدان الشعب وانعكاس لإرادته الحرة, كما يعتبر السجيني مرجعا أساسيا لارتباط الفنان المصري بتراثه الشعبي, فلا تخلو أعماله من رموز شعبية, كما أنه من أوائل الفنانين التشكيليين الذين استخدموا أسلوب الحكي أو الراوي في معادل تشكيلي في لوحاته من النحاس المطروق. لقد كان السجيني فنانا مناضلا صرحي الطابع كما تقول ابنة شقيقه زينب السجيني فقد انبثق عنده الإبداع بين ما هو تراث وجذور وبين ما هو حاضر, فعندما تطوف بين أعماله الرائعة تري علاماته الرامزة لما يجول بخاطره.. كان السجيني مهموما بمشاكل وطنه, مصر في حراكها السياسي والاقتصادي والاجتماعي, هذا في إطار من الثراء لتعدد أشكاله وتنوع خاماته وتقنياته, يكشف عن مخزون ثقافي وتراثي ذي بعد درامي وحس إنساني متفرد. وهذا المعرض التاريخي النادر الذي يستمر حتي نهاية نوفمبر الحالي يضم مجموعة من التماثيل منها العبور العظيم لقناة السويس وقصة العبور العظيم وناصر ومصر.. المستقبل وأمومة والقرية والأرض وخوف الأمومة والرجل العربي وبيت السلام ومصر.. أرض الوطن. كما يضم المعرض تماثيل لشخصيات من مصر منها سيد درويش وعبد الحليم حافظ وأحمد رامي وسيف وأدهم وانلي ومصطفي وعلي أمين وعلي إسماعيل وتوفيق الحكيم ووجه من النوبة. أما اللوحات من النحاس المطروق فمنها: شجرة القدر- خطوة حرب وسلام- المعدة العمياء- المسيح- هيروشيما- الوداع, وآخر لوحة من النحاس المطروق بعنوان: إرادة الفنان والتي تحمل جملة: عاش من أجل مجتمعه عدوا للاستغلال والعبودية.. نصيرا للحرية والسلام وذلك علي الجانب الأيمن في أعلي اللوحة, وفي الجانب المقابل كتب هذه الجملة جمال الدين السجيني بن عبد الوهاب سجيني- ولد في7 يناير.1917 وهذه اللوحة مع أنه أبدعها في عام1954 لكنه يصور نفسه فيها وكأنه في قبره داخل تابوت ويده اليمني علي قلبه الذي يحمل توقيعه بأول حرفين من اسمه وفوقه مباشرة طائر السلام وشجرة العمر وريشته وأدواته الفنية ورأس تمثال يبدو أنه لمصر والنجمة الخماسية التي كان العلم المصري يحملها آنذاك تعبيرا عن حبه لوطنه وحول الشاهد غصنان من الخوص يحيط بهما عدد كبير من النجوم. والفنان الراحل المثال جمال السجيني ولد عام1917 وحصل علي دبلوم مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة عام1938 ودبلوم فن النحت من البعثة التعليمية بالقاهرة عام1947 كما حصل علي ليسانس أكاديمية الفنون الجميلة بروما عام1950 في تخصص فن الميدالية, وعمل مدرسا بقسم النحت بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام1951 ورأس قسم النحت بالكلية عام1964 ونال منحة التفرغ في مارس من نفس العام لكنه تركها ليعود رئيسا لقسم النحت حتي إحالته للتقاعد عام1977 وهو نفس العام الذي توفي فيه. ومن أشهر أعماله تمثاله الشهير أمير الشعراءس البرونز لأمير الشعراء أحمد بك شوقي جالسا علي قاعدة ويوجد في قمة حدائق فيلا بورجيزي بالعاصمة الإيطالية روما بلد الفن والتاريخ, ويوجد نسخة أخري من نفس التمثال بحديقة متحف أحمد شوقي كرمة ابن هانئ علي كورنيش النيل بالجيزة, ويوجد نسخة ثالثة من نفس التمثال من خامة البرونز في موقع متميز أمام حديقة الأورمان بالجيزة وفيها ينظر أمير الشعراء نحو جامعة القاهرة وأهرامات الجيزة. ومن أعمال السجيني الشهيرة أيضا تمثال العبورس من خامة الحجر الصناعي أبدعه جمال السجيني عام1975 ويبلغ طوله الأفقي خمسة أمتار ونصف المتر وارتفاعه مترين ويتكون من كتلة أفقية مندفعة كالصاروخ علي شكل جندي في حركة انطلاق أفقية ممتد الذراعين والكفين كرأس حربة أو مقدمة صاروخ. مصوب نحو العدو الصهيوني, وعندما نلتف حول التمثال نجد جسد الجندي وقد تحول إلي قارب يعبر من خلاله عدد من الجنود تقبض سواعدهم علي المجاديف في حركة عنيفة تطرد مياه القناة للخلف لتندفع هذه الطاقة إلي الأمام, وهذا التمثال نموذج فريد ونادر علي المستويين الإبداعي والوطني. أيضا من إبداعات جمال السجيني تمثال ز س, وكان مقررا تكبيره ووضعه مكان تمثال ديليسبس, وفي هذا التمثال الذي يعلو متخذا الشكل الهرمي نشاهد الفلاحة المصرية رمز لمصر- تمسك غصن الزيتون وترفعه بيدها اليسري بينما تضم بيدها اليمني ابنها الجندي الباسل بطل حرب أكتوبر المجيد, وسلاحه في يده, وفي هذا رمز إلي أن مصر تمد يدها بالسلام إلي العالم ولكن من منطلق القوة والقدرة علي الدفاع عن الوطن وحماية أراضيه.