رسائل القراء التى اتلقاها كل فترة تشعرنى بأن الشارع المصرى على علم ووعى تام بكل ما يدور حوله.. وأن المواطن غير مغيب عن الأحداث وأنه يتابع ويرصد ويفسر كل الأحداث بطريقته الخاصة! من بين الرسائل التى وصلتنى رسالة موقعة باسم سيد إبراهيم مصطفى من الإسكندرية يقول فيها: «أستاذ نجاح.. بعد التحية أنا مواطن سكندرى تجاوز عمرى الثمانين عامًا.. عشت وشفت كتير.. عشت وشفت الملك فاروق والذى كان يسمى ملك مصر والسودان.. شفت موكب الملك فاروق وهو يسير على الكورنيش وكان الملك يركب سيارة حمراء.. وكانت عادة الملك واسرته وحاشيته قضاء شهور الصيف بالإسكندرية إذا لم يكن مسافرًا خارج البلاد.. وفى يوم 23 يوليو 1952 صحيت مصر كلها على صوت أنور السادات وهو يعلن قيام الثورة.. وكان الملك فاروق وأسرته فى ذلك الوقت يقيمون بالإسكندرية.. عندما أعلن عن قيام الثورة خرج أهالى الإسكندرية فى مظاهرات عفوية للتعبير عن فرحتهم بقيام الثورة فمن كان يصدق أن مصر ستقوم فيها ثورة! بعدها بثلاثة أيام كانت الإسكندرية على موعد مع التاريخ فى يوم 26 يوليو 1952 وقع الملك على التنازل عن العرش!وفى مساء نفس اليوم كان الملك وأسرته يغادرون الإسكندرية على ظهر اليخت الملكى المحروسة! وشفت الملك وهو يغادر مصر فى رحلته الأخيرة وقد أدى اللواء محمد نجيب التحية العسكرية بينما كانت المدفعية تطلق 21 طلقة! بعدها شفت عبدالناصر وهو يخطب فى الإسكندرية ومحاولة الإخوان المسلمين اغتياله بإطلاق النار عليه من مسافة قريبة! وعشت وشفت وعبدالناصر يعلن فى 26 يوليو 1956 فى خطابه الشهير بميدان المنشية عن تأميم قناة السويس لتعود لأحضان مصر بعد سنوات طويلة من استحواذ الأجانب عليها! وطبعًا كان العدوان الثلاثى على مصر ردًا على قرار عبدالناصر تأميم القناة! عشت وشفت عبدالناصر وهو يأتى كل عام فى ذكرى تأميم القناة ليخطب من ميدان المنشية.. كان يوم قدوم عبدالناصر للإسكندرية عيدًا لكل سكندرى وعيدًا لكل مصرى على امتداد مصر.. وفى يوم 5 يونيه 1967 صحيت وصحيت مصر كلها على عدوان إسرائيل على مصر ولم أشعر بمرارة الهزيمة ووقوع النكسة إلا عندما وقف جمال عبدالناصر يعلن يوم 9 يونيه تنحيه عن الحكم ومسئوليته الكاملة عن النكسة! بعد هذا الخطاب خرجت الإسكندرية كلها تعلن تمسكها بعبدالناصر رئيسًا للبلاد وترفض تنحيه عن الحكم! ولم تكن الإسكندرية وحدها التى فعلت ذلك! خرجت جموع الشعب فى مختلف محافظات مصر تعلن تمسكها بعبدالناصر رئيسًا ولم يكن أمام عبدالناصر إلا أن يستجيب للضغط الشعبى ويعلن عدوله عن الاستقالة.. وكم كانت فرحتى وعبدالناصر يعلن فى نوفمبر من نفس العام أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.. وعشت وشفت كيف بدأ الجيش المصرى إعادة بناء نفسه وبدأت ملامح قوة وصلابة الجندى المصرى تظهر فى الدفاع عن جزيرة شدوان ومعركة رأس العش.. وبدأت حرب الاستنزاف.. وفجأة وفى يوم 28 سبتمبر عام 1970 أعلن عن وفاة عبدالناصر ونزل الخبر على وعلى كل مواطن مصرى كالصاعقة.. وخرج معظم أهالى الإسكندرية يعربون عن حزنهم لوفاة عبدالناصر وسافرت إلى القاهرة وشاركت فى تشييع جنازة عبدالناصر واعتقد انك توافقنى أن جنازة عبدالناصر كانت أكبر جنازة فى التاريخ! وإذا كانت الملايين التى خرجت تعترض على تنحيه وتتمسك به رئيسًا للجمهورية قد أعطته تفويضًا جديدًا لقيادة البلاد فإن الجنازة كانت تعبيرًا عن حب الناس الجارف لعبدالناصر ورغم كل ذلك عشت وشفت بعض الذين ابتلانا الله بهم يعلنون أن عبدالناصر خائن وعميل بأمارة إيه؟ وبعد عبدالناصر عشت وشفت أنور السادات وهو يفرج عن قيادات الإخوان المسلمين من السجون بعد أخذ مشورة بعض مستشاريه بأن ذلك من شأنه التصدى للناصرين واليساريين وتحجيمهم! وعشت وشفت الرئيس أنور السادات يعلن عن ندمه وخطئه من الإفراج عنهم! وبالطبع كانت نهاية الرئيس المأساوية على يد من أفرج عنهم! وعشت وشفت حسنى مبارك وهو يخلف أنور السادات وكيف كان الحال فى عهده! وعشت وشفت الشباب وهم يثورون يوم 25 يناير 2011 ولم يكن الشباب وحدهم ولكن الشعب المصرى كله خرج ليعلن عن غضبه واستمر الغضب والاعتصام فى ميدان التحرير حتى يوم 11 فبراير 2011 وهو اليوم الذى أعلن فيه حسنى مبارك تخليه عن الحكم كما جاء فى البيان الشهير الذى ألقاه عمر سليمان.. كل ذلك عشته وشفته بعينى ورغم كل اللى عشته وشفته.. ما عشتش وما شفتش أسوأ من الأيام التى نعيشها الآن! كنت باشوف الإسكندرية ضاحكة ومستبشرة.. الناس بتنكت وبتضحك وكانت شوارعها تستقبل النوات بأمطارها الغزيرة وهى فرحانة وكأنها مستنياها علشان تغسل همومها وتزيل عنها كل ما علق بها من الأتربة والاوساخ وكنت باشوف البحر وكأنه يضحك إلا اليومين دول بقيت أشوف بلدى غضبانة زعلانة وناسها غير الناس عرفتهم يا ترى تقدر تقوللى يا استاذ إيه السبب وشكرًا.. انتظر يا استاذ سيد ردى عليك العدد القادم نشر بتاريخ 28/12/2012 العدد 633