فى أولى لقاءاته مع مجتمع الأعمال، المفتوحة للصحفيين، قال وزير الاستثمار الجديد، يحيى حامد، إنه يستهدف الوصول بمعدل النمو إلى 7% خلال عامين، وهو الرقم الذى يحمل دلالة خاصة، إذ كان هذا المستوى هو ذروة النمو الذى حققته آخر حكومات مبارك فى عام 2007، وبالرغم من أن حامد ركز فى كلماته على استعادة ثقة مجتمع الأعمال لدفع النمو مجددا، فإن التحديات التى تواجه الاقتصاد حاليا تنذر بأن من يحاول تكرار قصة 2007 تنتظره العديد من المعوقات. توقف الاضطرابات السياسية مع تقديم رؤية اقتصادية واضحة تشمل محفزات لاستعادة ثقة الاستثمار، هى المعادلة التى يرى اقتصاديون انها قادرة على إعادة النمو القوى الذى عاشه الاقتصاد فى عام 2007، ويعتبر بعض الاقتصاديين الذين عايشوا تجربة نظيف أن الاقتصاد المصرى لاتزال به الفرص الكامنة للنمو، وإذا تمكن من تجاوز الآثار السلبية لاضطرابات ثورة يناير، يستطيع «تحقيق نمو اقتصادى بنسبة 6% بسهولة» على حد تعبير أنجيس بلير، رئيس مركز سيجانت للأبحاث.
وتعزز هذه الرؤية المتفائلة استمرار بعض القطاعات الرائجة منذ حقبة نظيف فى النمو بمعدلات معقولة، كالقطاع العقارى، معتمدة على قوة الاستهلاك الخاص «إحدى الشركات العقارية اعلنت خلال العام الحالى عن إحدى مراحل مشروعاتها الذى يستهدف فئة مرتفعة نسبية من الدخل، بسعر 5000 جنيه للمتر، وتم بيعها فى يوم واحد» كما تقول رحاب طه، محللة القطاع العقارى ببنك الاستثمار برايم.
إلا أن قراءة الأداء الاقتصادى فى السنوات التالية ل2007، تُظهر أن مشكلات الاقتصاد لا تقتصر على تحديات الثورة من اتساع اعمال العنف وعدم استقرار الحكومات، حيث بدأ النمو الاقتصادى يتراجع بالفعل من قبل الثورة «لقد كان نموا غير مستداما تراجع بشكل قوى بعد الأزمة المالية العالمية التى لا تزال تؤثر علينا حتى الآن» كما يقول عمرو عادلى، الخبير الاقتصادى بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وكان نمو الناتج الاجمالى قد انخفض إلى 4.7% فى العام المالى التالى للأزمة المالية العالمية.
هذا التراجع يدفع بعض الخبراء للتشكيك فى قدرة الاقتصاد على النمو بدون إجراء إصلاحات عميقة «اقتصاد نظيف كان ريعى بدرجة كبيرة حتى الصناعة كانت تعتمد على الطاقة الرخيصة، هذا وضع لا يمكن تكراره خاصة مع أزمة الطاقة الحالية» كما يضيف عادلى، مشيرا إلى ضرورة بناء سياسة جديدة لتحفيز دخول استثمارات أكثر تنوعا.
لماذا تراجع النمو؟ الطابع الريعى للاقتصاد المصرى يجعل التحديات التى تواجه قطاع البترول ضمن ابرز معوقات النمو الاقتصادى نظرا لإسهامه الكبير فى الناتج الاجمالى، حيث بلغت نسبة الاستخراجات البترولية من الناتج 13.2% ونصيب صناعات تكرير البترول بنحو 6.6% بحسب بيانات 2011 2012، وهو القطاع الذى يواجه تحديات موروثة من حقبة مبارك ومستجدة بعد الثورة.
فبعد أن كانت معدلات نمو قطاع الاستخراجات البترولية 4% عام 2007 2008، تراجعت معدلات نموه إلى 0.6% و0.1% فى العامين الماليين 2010 2011 و2011 2012، بحسب بيانات وزارة التخطيط عن الناتج الاجمالى بالأسعار الثابتة، «لقد تأثر نشاط الاستخراجات البترولية بمخاوف المستثمرين الأجانب من عدم الاستقرار السياسى فى البلاد، بالإضافة إلى حديث أحد السياسيين عن مراجعة عقود الاستخراج لشركة بريطانية تعمل فى مصر، وما شهدوه فى قطاع التعدين من رفع دعاوى ضد اتفاقية منجم السكرى» يقول وزير البترول السابق اسامة كمال، ل«الشروق».
نشاط الاستخراج تأثر ايضا بتعثر الحكومة عن سداد بعض مستحقات الشركاء الأجانب فى الأشهر الأولى التالية للثورة، كما يضيف كمال، وهو ما تداركته الحكومة بإعادة هيكلة مدفوعاتها فى نهاية نفس العام.
اما قطاع صناعات التكرير فقد انحدرت إنتاجيته إلى مستوى النمو السلبى بنسبة 4.7% فى 2011 2012، بعد أن كان نموه قد ارتفع ب8.4% فى عام 2007 2008 «فى سنوات النمو القوية قبل الثورة تم اهمال الاستثمار فى صيانة معامل التكرير، وهو ما ظهرت اثاره السلبية فى الفترة الماضية وادى إلى تراجع انتاجيتها، وهى تحتاج حاليا إلى استثمارات صيانة ب18 مليار دولار» يقول كمال.
العديد من القطاعات الأخرى المؤثرة فى النمو شهدت أيضا تراجعا خلال الفترة الماضية، فقطاع الفنادق والمطاعم والسياحة حقق نموا سلبيا ب5.9%فى العام المالى الذى تخللته الثورة، 2010 2011، متأثرا بالاضطراب الأمنى، وعاد للنمو ببطء فى العام المالى التالى ب2.3%، بعد أن كان نموه يتجاوز مستوى 20% فى سنوات سابقة.
وبالرغم من أن السياحة نمت ب10.2% خلال الاشهر التسعة الماضية إلا أن محللون كعالية ممدوح، محللة الاقتصاد الكلى فى سى آى كابيتال، يحذرون من أن يكون حساب تدفق اللاجئين السوريين لمصر من الحرب الاهلية الدائرة فى بلادهم قد ساهم فى المبالغة فى تقديرات السياحة.
وشهد قطاع الإنشاءات شبه ثبات بعد الثورة فى مستويات النمو السنوى عند 3%، وهو ما يمثل تقريبا خمس معدل نموه فى 2007 2008، بينما أظهر تعافيا نسبيا خلال الأشهر التسعة الماضية بنموه 6.6% «قبل الثورة كانت الحكومة تمثل 40% تقريبا من الطلب على خدمات الإنشاءات، بعد الثورة تراجع طلب الحكومة والطلب الخاص وارتفعت معدلات التأخر فى سداد مستحقات شركات الإنشاءات، العديد من المقاولين أفلسوا ولا أعرف ما هو المخرج من تلك الأزمة» يقول حسين صبور، رئيس شركة الأهلى للاستثمار.
عندما تجتمع الأزمات على قطاع التصدير الصناعات غير البترولية هى الأخرى كانت تتحرك فى مستويات متدنية، بين التراجع بنسبة 1% فى 2010 2011 والزيادة ب1% فى العام المالى التالى، وهى النتائج التى تتسق مع تراجع قيمة ما يصدره القطاع الصناعى من المنتجات تامة الصنع فى 2011 2012 بنسبة 4.5% مقارنة بالعام السابق.
«نواجه ضغوطا مثل ارتفاع تكاليف القروض المقدمة من البنوك فى ظل انجذاب المصارف لإقراض الحكومة مقارنة بتمويل الاستثمار، لما تقدمه الدولة من أسعار فائدة مرتفعة فى تلك الفترة، هذا بجانب سوء الإدارة الحكومية فى تلك الفترة الذى يتسبب فى مشكلات كتباطؤ صرف دعم الصادرات»، كما يقول مجدى طلبة رئيس غرفة الملابس الجاهزة بقطاع الصناعات.
وبالرغم من ان بعض الخبراء توقعوا أن تستفيد الصناعات التصديرية من انخفاض سعر الجنيه امام الدولار، لما يساهم فيه من تخفيض السعر النهائى للصادرات المصرية فى الأسواق المشترية لتلك المنتجات إلا ان طلبة يقول انه» مع ارتفاع سعر الدولار ليتجاوز مستوى السبعة جنيهات اصبحت تكاليف مدخلات الإنتاج عبئا علينا، ففى صناعة الملابس تصل نسبة المستلزمات المستوردة نحو 75%». ويضيف طلبة «المشكلة الاكبر من ارتفاع سعر الدولار هى عجز سوق الصرف عن توفيره لتيسير تعاملاته مع الشركات الخارجية».
وفى المقابل فإن بعض الصناعات التصديرية التى حققا رواجا خلال السنوات الماضية، كان المكون الرئيسى لديها هو الطاقة التى شهدت تراجعا فى مستوى ضخها للمصانع مما أثر على إنتاجية تلك الصناعات «بينما استطاعت صادرات كالأغذية الاستمرار فى النمو ظهر تأثير أزمة الطاقة بشكل واضح على الصناعات كثيفة الاستهلاك الطاقة»، كما يقول على عيسى، رئيس المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية.
ومن ابرز صادرات الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة التى شهدت تراجعا كان تراجع صادرات الأسمدة فى 2011 2012 بنسبة 48% مقارنة بالعام السابق، وتراجع صادرات الحديد والصلب بنسبة 46.3% فى نفس الفترة.
«مشكلة نقص الغاز الطبيعى الحالية تعود إلى التقديرات المبالغ للإنتاج المتوقع منه والتى تم بناء سياسات الطاقة على أساسها بشكل خاطئ» كما يوضح كمال مضيفا: «وزير البترول السابق سامح فهمى توقع أن يصل إنتاجنا السنوى من الغاز إلى 8.8 مليار قدم مكعب سنويا فى 2012 2013، بينما يقتصر الإنتاج حاليا على 5.8 مليار قدم مكعب».
النجاح فى مواجهة التحديات الاستراتيجية امام الاقتصاد، كمشكلات الطاقة وضعف الاستثمارات العامة، مرهون بصياغة سياسة اقتصادية جديدة لم تعرض حكومة هشام قنديل رؤية واضحة بشأنها حتى الآن برأى الخبراء، حيث تنشغل أولى الحكومات المنتخبة بعد الثورة فى مواجهة تحديات عاجلة كتذبذب سعر الصرف وعدم الاستقرار الأمنى، وهى الملفات التى يرى.
عادلى أن القدرة على تجاوزها مرهونة بقدرة النظام السياسى الحالى على خلق بيئة أكثر ديمقراطية «الرئيس أمامه طريقان أما دفع النمو الاقتصادى برؤية سياسية أكثر قدرة على استيعاب التيارات السياسية المختلفة أو الاستمرار فى الاقتراض من الخارج لتخفيف لحل المشكلات المالية مما سيفاقم وضع مديونياتنا».