يعد موسم الانتخابات من المواسم التى تنتشر فيها ظاهرة البلطجة والعنف، ويتوقع مراقبون أن تشهد انتخابات مجلس الشعب المقرر إجراؤها نهاية العام الجارى أحداث عنف غير مسبوقة، وهو ما دعا النائب عبدالأحد جمال الدين زعيم الأغلبية بمجلس الشعب إلى المطالبة بضرورة تطبيق القانون بشكل صارم لتحرير العملية الانتخابية من سطوة المال والبلطجة. وبدأت ظاهرة البلطجة فى التصاعد بشكل لافت فى انتخابات عام 2000 ونجح البلطجية فى فرض نفوذهم وتمكن بعض المرشحين ممن استعانوا بهؤلاء البلطجية من الفوز فى تلك الانتخابات، وفى انتخابات 2005 بدأت الظاهرة تتفاقم وتزايدت أعداد البلطجية وارتفعت أسعارهم بشكل مبالغ، وصدرت تقارير للمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية حذرت من الظاهرة وتناولت الأساليب المختلفة التى استخدمها البلطجية فى الانتخابات الأخيرة. وكانت دوائر الإسكندرية قد شهدت فى 2005 أعمال عنف واسعة وصلت ذروتها بمقتل سائق يعمل لدى أحد المرشحين بعد تعرضه لضرب مبرح، ووقع قتيل آخر من أنصار النائب حمدين صباحى فى دائرة بلطيم بكفرالشيخ، ويتوقع مراقبون أن تصل ظاهرة البلطجة إلى ذروتها فى الانتخابات المقبلة. اللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية، حذر من محاولة إثارة الشغب فى الانتخابات، وتوقع أن تتسم انتخابات مجلس الشعب المقبلة ب«السخونة»، وقال فى تصريحات بثتها وكالة أنباء الشرق الأوسط مطلع الأسبوع الجارى: «نحن متوقعون أحداثا خارجة على القانون فى هذه الانتخابات، لكن أجهزة الأمن لن تقف مكتوفة الأيدى تجاه من يحاول إثارة الشغب والبلطجة». «الشروق» رصدت أنواع وأسعار البلطجية الذين يستعين بهم بعض المرشحين فى الانتخابات. المقاول هناك من يتعامل مع الموسم الانتخابى مقاولة واحدة ويحصل بلطجى المقاولة الواحدة على نحو 30 ألف جنيه خلال شهر أو شهرى الانتخابات ومنهم من يحصل على أكثر أو أقل كل حسب تاريخه فى البلطجة وقدرته على حماية مرشحه وإرهاب أنصار المرشح المنافس، فضلا عن خبرته فى تقفيل اللجان وقدراته البدنية ونوعية الأسلحة التى يستخدمها. مسجلات آداب بلطجية الانتخابات نوعان: الأول من مسجلى الخطر رجال ونساء ويستعين بهم بعض المرشحين فى إرهاب المنافسين، كأن تقوم احدى البلطجيات بالتحرش بالنساء اللاتى يصوتن للمرشح المنافس للمرشح، وتقوم البلطجية التى تنتمى لهذا النوع بعمل أى شىء مقابل مبلغ تتفق عليه مع مقاول «الانفار» الذى يستعين به المرشح، ولا يزيد سعر البلطجية «مسجلة الخطر» على 500 جنيه فى اليوم ولا يقل عن 100 جنيه فى حال ما إذا كانت المهمة بلطجة عادية أما إذا وصل الأمر إلى «التحرش وهتك العرض والردح وتقطيع الملابس» فقد يصل سعر الواحدة إلى 1000 جنيه فى اليوم الواحد، وغالبا ما تكون هذه البلطجية من مسجلات الآداب والمتهمات فى قضايا دعارة. والبلطجة النسائية غير معروفة فى الوجه القبلى «نظرا للقبلية المنتشرة فى هذه الأماكن» وتنتشر الظاهرة فى القاهرةوالإسكندرية وبورسعيد وبعض مدن الوجه البحرى». ورصدت تقارير حقوقية انتشار ظاهرة البلطجيات فى انتخابات دائرة مدينة نصر عام 2005 حينما كانت تتنافس المرشحة الإخوانية مكارم الدريرى مع رجل الأعمال مصطفى السلاب «نائب الوطنى». ومن أشهر البلطجيات التى تم رصد أسمائهن من قبل منظمات المجتمع المدنى فى التقارير التى أعقبت انتخابات 2005 «نجلاء لوكس وشر الطريق ونفتالين بليه وأم شرشر وكيداهم وسكسكة». أصحاب السوابق أما البلطجية الرجال فينقسمون إلى نوعين: أرباب السجون والمسجلون وأصحاب السوابق وبعضهم يعمل يوم الانتخابات وفى جولة الإعادة فقط ويحصلون على مبالغ مالية تتراوح ما بين 500 و1000 جنيه فى اليوم وقد يتضاعف المبلغ وفقا لسخونة المنافسة، ويعمل هؤلاء تحت إمارة بلطجى كبير يستعين به المرشح «مقاولة»، ويقوم هذا البلطجى بتوزيع المقاولة وفقا لما اتفق عليه مع المرشح على باقى البلطجية الصغار وفقا لدور كل واحد منهم، وقد يلازم البلطجى الكبير مرشح مجلس الشعب طوال فترة الدعاية الانتخابية وفى أيام الانتخابات لحمايته، وقد يكون ذلك بمقابل مادى إضافى أو قد يكون بوعد بالحصول على وظيفة حكومية أو قطعة أرض أو شقة. وفى انتخابات 2005 تم استخدام هذا النوع من البلطجية بشكل غير مسبوق فى جميع محافظات الجمهورية، وبدا فى بعض الصور التى تم التقاطها لهذه الانتخابات أن بعض البلطجية كانوا يمارسون عملهم أمام قوات الشرطة ودون أدنى تدخل لرجال الأمن وأظهرت إحدى الصور مجموعة من البلطجية يحملون السيوف والسنج ويقفون أمام إحدى اللجان ويقف خلفهم مباشرة ضباط وعساكر الأمن المركزى، وانتشرت تلك الصورة بشكل كبير واعتمدت عليها تقارير المنظمات المعنية بمراقبة العملية الانتخابية. البودى جارد النوع الثانى من البلطجية الرجال هم البلطجية المودرن أو البودى جارد، وهؤلاء غالبيتهم من حملة المؤهلات العليا ويستخدمهم بعض المرشحين خاصة رجال الأعمال كنوع من المظهرة والبرستيج، وهناك من يستخدمهم فى المعارك الانتخابية والبلطجة، ويقفز سعر البودى جارد من 500 جنيه فى اليوم إلى 1000 أو 2000 جنيه. وتنشط صالات «الجيم» فى فترة الانتخابات لتخريج البودى جاردات الذين سيتم استخدامهم فى العملية الانتخابية، ولأن معظم البودى جاردات خريجو صالات الجيم من المتعلمين فإن كثيرا منهم يرفض استخدام العنف ويكتفى فقط بحراسة المرشح فى مقابل مادى معين. ومن المتوقع أن تشهد أسعار البلطجية والبودى جاردات فى انتخابات 2010 قفزة غير مسبوقة وان تتضاعف عدة مرات وفقا لقراءات بعض السياسيين «أسعارنا هترفع فى الانتخابات دى طبعا.. الأسعار ولعت وكل حاجة غليت» هكذا قال «مجانص» أحد مقاولى بلطجية الانتخابات ل«الشروق». كتائب الردع الإخوانية بعيدا عن البلطجية والبودى جاردات المأجورين هناك نوع آخر من البودى جاردات وهم المتطوعون الذين لا يتقاضون أجرا ولا يحصلون على مليم واحد مقابل حماية المرشحين وهؤلاء من أنصار الإخوان، وقد تجد من بينهم المهندس والطبيب والمحاسب والمحامى لكن أبرزهم خريجو كليات التربية الرياضية ومدربو الرياضات العنيفة المنتمون للجماعة. ويختلف بودى جاردات الإخوان عن بلطجية «الوطنى» فى أنهم لا يمارسون البلطجة إلا إذا وقع عليهم أو على أتباعهم ضرر، وهم لا يستخدمون أى نوع من الأسلحة البيضاء ويجيدون الألعاب القتالية مثل الكاراتيه والكونغ فو واستخدام الشوم والعصى. وظهر هذا النوع من البودى جارد الإخوانى فى انتخابات 2005، ووقع العديد من الاشتباكات بينهم وبين بودى جاردات «الوطنى»، فعند محاولة تقفيل بعض اللجان أو منع الناخبين من الوصول إلى اللجنة يتم استدعاء ما أطلق عليه «كتائب الردع الإخوانية» التى عادة ما تنجح فى فك حصار اللجان. ومن المتوقع أن يكون ل«كتائب الردع الإخوانية» دور مهم فى الانتخابات المقبلة سواء فى حماية مرشحى الإخوان من التحرشات أو فى التصدى لمحاولات التزوير أو التقفيل أو التعدى على الناخبين. حمدى حسن، المتحدث الإعلامى للكتلة البرلمانية للإخوان، يتوقع أن تصل أعمال البلطجة فى الانتخابات المقبلة إلى صورة غير مسبوقة ودعا إلى تبنى دعوة لكشف البلطجية ومن يحرضهم فى الانتخابات المقبلة. وقال حسن إن الحزب الوطنى يخرج البلطجية وأصحاب السوابق من السجون أيام الانتخابات ويستخدمهم فى إرهاب الناخبين، مضيفا: «ليس من الشرف أن يفوز الدكتور مفيد شهاب أو الدكتور عبدالسلام المحجوب وغيرهما من الوزراء فى انتخابات يديرها ويحسمها البلطجية». واعتبر حسن أن انتشار آلاف اللافتات لرجال الأعمال ومرشحى الحزب الوطنى حتى قبل فتح باب الترشيح هو بداية البلطجة، ورفض النائب الإخوانى الإجابة عن سؤال «كيف ستتصدى جماعته للبلطجة».