«الحر طفشنا من البيوت وكتمتها».تجلس أم سعيد مع أحفادها وأبنائها فى حديقة بالقرب من مطار ألماظة. العائلة الصغيرة تعودت الهروب إلى هذا المكان فى ليالى الصيف الخانقة «علشان نشم نسمة هواء فى وسط الزرع وبالمرة نتسحر هنا». يختلف الموقف هذا العام، فأغسطس، أكثر أيام الصيف سخونة، تزامن مع شهر رمضان المبارك، مع انقطاع الكهرباء، والموجة الحارة، كما يتوقع وحيد سعودى، مدير مركز التحاليل الجوية الرئيسى، مستمرة إلى نهاية الأسبوع، لكن مع انخفاض طفيف فى درجات الحرارة يبدأ من اليوم، «لكن نسبة الرطوبة العالية هتمنع الاستمتاع بهذا الانخفاض». تتذكر الحاجة أم سعيد أجواء رمضان آخر عاشته فى جو كهذا منذ 30 عاما، وكان الطقس وقتها «مش حر أوى كده»، لكن النزهات الليلية مستمرة. تنظر أم سعيد إلى حفيدتها الصغيرة نجلاء وعمرها عامان، «وقتها كان سعيد ابنى عنده 5 سنين، وكنت حامل فى هدى»، هى الابنة الوسطى ووالدة نجلاء. وجبة السحور يتم تحضيرها فى البيت، ثم تنطلق الأسرة بالسيارة إلى الحديقة التى تبعد 15 دقيقة من منزل العائلة فى شارع جسر السويس. وعلى الرغم من أن أفراد الأسرة كلهم أعضاء فى أحد النوادى الاجتماعية، لكن أم سعيد السيدة الخمسينية ترى «القاعدة على النجيلة فى وسط الهواء أحسن من تكتيفة الكرسى». بعض المصريين انطلقوا إلى شوارع وسط المدينة، فعانت محال الفول والفلافل هناك من زحام لم يكن فى الحسبان، طبقا لمصطفى أحد العاملين بمطعم مأكولات شعبية فى وسط البلد. يبتسم الشاب الذى لا يسعفه الوقت للحديث، «أنا مش عارف أرد على مين ولا مين». الزبائن يملأون المكان الصغير الذى جهزه المطعم فى الحديقة المقابلة، «احنا أول مرة نشوف المنظر ده»، تكدس الزبائن على الطاولات القليلة والبعض لم يجد مكانا إلا على الرصيف المقابل للمطعم. أحد الزبائن يصرخ، فالساعة تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل، «يا بنى حرام عليك الفجر هيأذن واحنا لسه مطلبناش الأكل». مصطفى وزملاؤه يهرولون بين الطاولات، يأخذون الطلبات ويبلغون عند الكاشير، أصوات صاخبة من داخل المطعم بسبب سقوط الأوانى على الأرض، تسابق مع الزمن قبل انطلاق أذان الفجر. تقول مروة إحدى الجالسات على الرصيف، «أنا مش لاقية ترابيزة قلنا نجيب ساندوتشات وخلاص». مروة كانت تقف مع أسرتها الصغيرة: زوجها وطفلاها أحمد والرضيع مروان، لم تطق الجلوس بين جدران المنزل عقب الافطار، «البيوت حر نار خدنا العيال وجرينا على الكورنيش». الزبائن مازالت تتسارع على الطعام، بعض الزبائن يصرخ من أجل الخبز الذى نفذ، وآخرون يستعجلون الطلبات. أحمد، ابن التسع سنوات، لم يصم هذا العام: «مش هيقدر يصوم لأن رمضان السنة دى حر أوى». وحيد سعودى، مدير مركز التحاليل الجوية، ينصح الهاربين إلى الشوارع بسبب الحر، بتجنب الجلوس فى أماكن سيئة التهوية نظرا لارتفاع نسبة الرطوبة، وعدم التعرض للشمس ما بين وقت الظهيرة إلى العصر. العام الماضى، استطاع أحمد أن يصوم نصف الشهر، على الرغم من ذهابه إلى المدرسة، لكن مروة تشفق عليه من العطش إن صام هذا العام، وتستطلع يوميا درجات الحرارة، لعلها ترضى الصبى بصيام يوم: «رحمة من ربنا انه مافيش مدارس».