منذ وقوع الانقلاب فى النيجر الذى أطاح بالرئيس محمد بازوم فى 26 يوليو الماضى، والحديث لا ينقطع فى وسائل الإعلام الغربية عن أسباب فشل أوروبا وأمريكا فى منطقة الساحل الأفريقى التى تضم إلى جوار النيجر، بوركينا فاسو وتشاد ومالى وموريتانيا وكذلك معظم منطقة غرب أفريقيا، التى تكتسب أهمية استراتيجية كبيرة لاحتوائها على الكثير من المواد الخام التى تحتاجها أوروبا، ولموقعها الاستراتيجى وكذلك لتحولها لمسرح تنتشر عليه العديد من التنظيمات الإرهابية التى يمكن أن تهدد أوروبا مباشرة عبر انتقال عناصرها فى موجات الهجرة غير الشرعية التى يصعب فيها تحديد الإرهابى فيها من غير الإرهابى. يمكن تلخيص الأسباب التى أدت لفشل الغرب وتحديدا الاتحاد الأوروبى فى هذه المنطقة الأفريقية التى صارت مسرحا لتمدد استراتيجى روسى وصينى إلى عدة عوامل، يمكن تلخيصها فى النقاط التالية: 1 يتنامى يوما بعد آخر لدى شعوب منطقة الساحل شعور بأن أوروبا تمارس نوعا من الاستعمار الجديد على بلدانهم، وذلك الشعور يمتد إلى المستعمرات الفرنسية السابقة فى غرب أفريقيا، فينظر على سبيل المثال إلى ربط «الفرنك الأفريقى» باليورو على أنه إمبريالية جديدة، خاصة أن احتياطيات هذه العملة الافريقية لا تزال مخزنة فى فرنسا. تعود قصة «الفرنك الأفريقى» إلى مرحلة التحرر من الاستعمار، فبعد أن نالت 14 دولة استقلالها (مجموعة الدول الفرنسية) فى 1960 أرغمت باريس هذه الدول على استخدام عملة موحدة وهى «الفرنك CFA» اختصارا ل Communauté Financière Africaine أو المجتمع المالى الأفريقى. ومن خلال الفرنك الأفريقى نجحت فرنسا فى الحفاظ على دورها فى الهيمنة الاقتصادية على اقتصادات هذه الدول والسيطرة على 14 دولة بالقارة السمراء (منها 12 مستعمرة سابقة لها) منذ ذلك الحين. 2 هناك أيضا شعور عام داخل منطقة الساحل وخصوصا فى النيجر بأن أوروبا وتحديدا فرنسا تسرق المواد الخام الموجودة فيها، ويدخل فى إطار هذه السرقة الشراء بثمن بخس، ويدللون على ذلك بأن عوائد خام مثل اليورانيوم منخفضة للغاية. كما أن شركات استخراج المواد الخام الأوروبية لم تخلق وظائف كافية لأبناء هذه الشعوب، بل تعاملت معها بفوقية واستبداد مطلق حسب الكثير من الدراسات الأوروبية. 3 اتفاقيات الهجرة الجديدة التى يضغط الاتحاد الأوروبى لفرضها على الدول الأفريقية خصوصا فى منطقة الساحل وغرب أفريقيا (وكذلك فى شمال أفريقيا حاليا) من خلال توقيعها على بروتوكولات أو اتفاقيات تلزمها بقبول استقبال طالبى اللجوء المرفوضين أوروبيا ساهمت فى تآكل شعبية الغرب وأوروبا تحديدا، ففى بلدان الساحل ومعظم بلدان غرب أفريقيا، تشكل التحويلات المالية من المغتربين فى أوروبا أكثر من عشرة بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى، وسياسات مكافحة الهجرة الأوروبية المعتمدة على تقديم حزمة من المساعدات لمرة واحدة سوف تحرم هذه الشعوب من هذا المورد المتدفق والمستمر من العملة الصعبة. 4 بينما يرفض الغرب وأوروبا التعاون بجدية مع جيوش دول الساحل التى تقاتل الإرهاب خصوصا فى المثلث الحدودى بين مالى وبوركينا فاسو والنيجر الذى حل منذ فترة طويلة محل الشرق الأوسط كمركز للإرهاب الدولى بعد أن صارت نقطة جذب للعديد من التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى وحركة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد فى غرب أفريقيا وجماعة المرابطون وتنظيم الدولة الإسلامية فى الصحراء الكبرى فإن روسيا، التى أصبحت أكبر تاجر أسلحة فى القارة، تحركت بامتنان لملء هذا الفراغ، وصارت قوات فاجنر رقما صعبا فى هذه المنطقة من خلال دعم الجيوش الحاكمة بالتدريب فى المقام الأول، بخلاف العتاد العسكرى الذى تقدمه موسكو الساعية لبسط نفوذها فى أفريقيا وفى منطقة الساحل الواقعة إلى الجوار القريب لأوروبا الغربية. وعوضا عن الاستعلاء الفرنسى تحديدا فتحت دول الساحل أحضانها لروسيا، خصوصا أنها بالفعل تحتاج دعمها العسكرى، ذلك أن هذه الدول لديها جيوش صغيرة العدد، كل منها يتراوح بين عشرة آلاف وعشرين ألف جندى فقط تنتشر على مسارح شاسعة ووعرة، مع تسليح وتدريب محدود ومتأخر.