الزيارة الأخيرة التى قام بها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون مؤخرًا إلى ساحل العاج والنيجر حملت إلى بلدان غرب إفريقيا مهام كبرى منها تصدى فرنسا عبر قواتها المتواجدة بالمنطقة للتنظيمات الإرهابية النشطة والتابعة لتنظيم بوكو حرام الذى يعمل تحت إمرة تنظيم داعش الإرهابى من جهة ومن جهة أخرى مباركة فرنسا مؤخرًا لعملية الإصلاح الاقتصادى الذى طال انتظاره من خلال تحول ثمانى دول بغرب إفريقيا لتغيير عملتها من الفرنك الأفريقى إلى عملة جديدة تسمى الإيكو وفقًا لما أعلنه رئيس ساحل العاج الحسن واتارا خلال مؤتمر صحفى، بحضور الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون يوم السبت قبل الماضى الذى صرح ولأول مرة بأن الاستعمار الفرنسى كان خطأ جسيما ارتكبته الجمهورية داعيًا فى نفس السياق إلى فتح صفحة جديدة فى العلاقة بين بلاده وبين مستعمراتها الأفريقية السابقة، وتلك الدول الأعضاء فى الاتحاد الاقتصادى والنقدى لغرب إفريقيا هى بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا بيساو ومالى والنيجر والسنغال وتوجو. إن هذا الإصلاح الاقتصادى لتلك الدول الأفريقية كثيرًا ما كان يمثل مطلبًا ثوريًا وتحرريًا هامًا لدى مناهضى الاستعمار وبقاياه، كما يمثل رغم انتقاده من جانب بعض المحللين والمراقبين الاقتصاديين ومناهضى الاستعمار عهدًا جديدًا من التحرر الاقتصادى والسياسى وخطوه هامة نحو تحرر التجارة النينية وتحرير نظم التجارة والعمالة وعلى مقدراتها الشرائية بين تلك الدول وبعضها البعض بعيدا عن التبعية المرتبطة بحقب الاستعمار، ويؤكد أيضًا على البعد القومى وسيادة تلك الدول من خلال تلك العملة التى تشتمل على تغييرات هامة وجوهرية منها تغيير الاسم، والكف عن إيداع تلك الدول الإفريقية الثمانى لخمسين بالمائة من الاحتياطى النقدى الخاص بها لدى الخزانة الفرنسية؛ ثم انسحاب فرنسا من الهيئات الحاكمة التى تتمثل فيها، وكلها خطوات إصلاحية تعمل على استكمال حق الشعوب فى تقرير مصيرها وفق ما أكده الرئيس ماكرون واعتباره أن تلك التعديلات تعتبر إصلاحًا تاريخيًا مهمًا وموضحًا بأن الإيكو الإفريقى سيولد خلال يناير المقبل2020 بدلاً من الفرنك الفرنسى الذى كان ينظر إليه باعتباره من بقايا العلاقات الاستعمارية بين فرنسا وأفريقيا ويشكل تبعية إفريقية مهينة لفرنسا ، وتأكيدا على حسن النوايا الفرنسية ومحاولة التخفيف من مآسى الماضى الاستعمارى وتحسين صورة فرنسا دعا الرئيس الفرنسى من أبيدجان إلى فتح صفحة جديدة وشراكات مثمرة ومتوازنة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة فى القارة الأفريقية. هذا وتسعى الدول المستخدمة لعملة الإيكو لأن يتم توسيعه خلال السنوات المقبلة ليشمل جميع دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التى تتشكل من 15 دولة أفريقية، إلا أن نيجيريا الناطقة باللغة الإنجليزية والتى تمثل قرابة ثلثى الناتج المحلى الخام لهذه المنطقة لا تزال متحفظة على الإيكو وتراه مع دول أفريقية أخرى ناطقة بالإنجليزية مجرد خطوة غير كافية لفك الارتباط مع فرنسا، وبخاصة أن فرنسا لا تزال هى الدولة الضامنة للإيكو وبالتالى إطالة أمد ارتباط الدول الإفريقية بفرنسا. وبرغم الكثير من الانتقادات الأفريقية الموجهة إلى تلك الخطوة إلا أنها تلقى ترحيبا ودعما دوليًا كبيرًا من كثير من الدول الأفريقية والدولية ومن كثير من المؤسسات والهيئات الدولية ومنها ترحيب صندوق النقد الدولى بالإصلاحات التى خضع لها الفرنك الأفريقى باعتبارها خطوة رئيسة لتحديث الترتيبات القائمة منذ فترة طويلة بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وفرنسا ومن ثم استعداد صندوق النقد الدولى من خلال بيان صحفى له مفاده أنه على استعداد لتقديم الدعم لتطبيق هذه الإصلاحات التى يمكن أن تدفع تلك الدول إلى حالة اقتصادية أكثر تحررًا وأكثر تطورًا فى النشاط الاقتصادى وأكثر توازنا فى المالية العمومية بعيدًا عن التضخم والإفلات من المديونيات الكبيرة التى تعانى منها تلك البلدان، فهل تنجح تلك الخطوات فى تخلص بلدان أفريقيا من صور وأشكال الاستعمار المتوارثة، والسماح لها من جانب الدول الاستعمارية فى تحررها واستقلاها وتقرير مصائرها بنفسها وفق مصالحها لتحقيق مستقبل أفضل لشعوبها؟