بوصفه "كائنا اجتماعيا"، كما عرّفه الفيلسوف اليوناني أرسطو، فإن الإنسان يميل دائما وبشكل غريزي إلى بناء وتكوين علاقات مع أقرانه. وتتعدد طرق التواصل مع توالي الحقب والأزمان، فمع توسّع المجتمعات، بات الإنسان في حاجة إلى مراسلة غيره بنطاق أكبر من المشافهة، ثم تطور الأمر أكثر ليكون عبر برامج وتطبيقات الإنترنت. ورغم مميزات السرعة والسهولة، فإنه لا يزال هناك مذاق مختلف مهما مر الزمن للرسائل المكتوبة بخط اليد، وعبّر عن ذلك الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، بقوله: "الكلمة المكتوبة على الورق باقية، والكلمة المسموعة على الإذاعة والتلفزيون عابرة، والكلمة المكهربة على الكمبيوتر فوّارة، وهي مثل كل فوران متلاشية". ومن منطلق تعبير هيكل، فإننا سنقوم بدور "البوسطجي"، وننقل عبر حلقات مسلسلة مجموعة من الرسائل الخطية، التي كُتبت على يد سياسيين بارزين ومفكرين أعلام ومواطنين عاديين، الذين رغم الاختلاف والتباين الظاهري، إلا أنهم اشتركوا جميعا في التعبير عن واقع وروح الفترة الزمنية التي عايشوها. وإلى الحلقة الثامنة.. يأتي سعد باشا زغلول كشخصية بارزة في التاريخ المصري الحديث، بدفاعه المستميت عن حق مصر في استقلالها عن الاحتلال الإنجليزي، وبذل في ذلك من جهد كبير بدوره في الدعاية العالمية لقضية مصر في المؤتمرات والمحافل الدولية، لذا كان مشهد تفويض المصريين له من خلال توقيع الملايين من التوكيلات ليكون ممثلا لهم، مشهد تاريخيا في الذاكرة المصرية. ومن الطبيعي أن تكون خزائن الزعماء ممتلئة برسائل الإعجال والدعم من المريدين والمحبين؛ لكن قد يندر - أحيانا- الرسائل المكتوبة بخط يد زعيم لأحد محبيه. ومن تلك الأوراق النادرة، نستعرض برقية صادرة من سعد زغلول باشا، لأحد المواطنين، والتي جاءت كالآتي: حضرة صاحب الفضيلة السيد أبو الوفا الشرقاوي.. نجع حمادي أشكر لسيادتكم ما أبتديموه من جميل الشعور، ورقي العواطف. ولنا وطيد الأمل في لت يتوك المولى أعمالنا بالنجاح ونيل الأمة استقلالها التام، بفضل تضافر جميع عناصرها واتحاد أبنائها وتمسكهم بحقوق الوطن المقدسة، وبفضل دعواتكم وبركاتكم المتوالية. برقية من سعد باشا زغلول يونيو 1921. وغدا ينقل لكم "البوسطجي" خطابا جديدا.