بوصفه "كائنا اجتماعيا"، كما عرّفه الفيلسوف اليوناني أرسطو، فإن الإنسان يميل دائما وبشكل غريزي إلى بناء وتكوين علاقات مع أقرانه. وتتعدد طرق التواصل مع توالي الحقب والأزمان، فمع توسّع المجتمعات، بات الإنسان في حاجة إلى مراسلة غيره بنطاق أكبر من المشافهة، ثم تطور الأمر أكثر ليكون عبر برامج وتطبيقات الإنترنت. ورغم مميزات السرعة والسهولة، فإنه لا يزال هناك مذاق مختلف مهما مر الزمن للرسائل المكتوبة بخط اليد، وعبّر عن ذلك الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، بقوله: "الكلمة المكتوبة على الورق باقية، والكلمة المسموعة على الإذاعة والتلفزيون عابرة، والكلمة المكهربة على الكمبيوتر فوّارة، وهي مثل كل فوران متلاشية". ومن منطلق تعبير هيكل، فإننا سنقوم بدور "البوسطجي"، وننقل عبر حلقات مسلسلة مجموعة من الرسائل الخطية، التي كُتبت على يد سياسيين بارزين ومفكرين أعلام ومواطنين عاديين، الذين رغم الاختلاف والتباين الظاهري، إلا أنهم اشتركوا جميعا في التعبير عن واقع وروح الفترة الزمنية التي عايشوها. وإلى الحلقة السابعة… بدأت العلاقة بين نجيب محفوظ وطه حسين مبكرا؛ قبل أن يكمل نجيب عامه العشرين ويبدأ مشواره الأدبي؛ إذ جمعهما موقف طريف عند اختبارات دخول نجيب الجامعة، حيث سأله الدكتور طه حسين لماذا تريد أن تدرس الفلسفة، فيجيبه محفوظ: لأننى أريد معرفة الكون وأسرار الوجود.. فيضحك طه حسين ويقول له: أنت جدير بالفلسفة فعلا، لأنك تقول كلاما غير مفهوم، وذلك بحسب ما قاله الناقد محمد شعير في كتابه "أعوام نجيب محفوظ.. البدايات والنهايات"، الصادر عن "دار الشروق". وحرص نجيب محفوظ، أن يبلغ أستاذه وأحد ملهميه مدى الحب والتقدير الذي يحمله له، وذلك من خلال خطاب كتبه، والذي جاء نصه كالآتى: سيدى العميد.. هذه أول كلمة استطيع أن أسطرها بعد فترة طالت في علاج عيني، فكان أول ما فكرت فيه أن أكتب إليك لأعبر عن بعض ما يفيض به قلبي من امتنان ومحبة لكم، والحق لقد ارتج عليّ القول ساعة لقياكم في "نادي القصة" فقدت عنى كلمات شكر مقتضبة سجلت عجزي عن الشكر لا الشكر نفسه. ولكن ما عسى أن اقول يا سيدى العميد؟! لقد غمرتني بعطفك وتشجيعك، وهيهات أن استطيع أن أعبر عن الأثر العميق الذي حفرته كلماتك الطيبة في نفسي، وحسبي أن أقول إنها كانت العزاء الأكبر عن كل ما لقيت في دنياتي، من متاعب وما أكثرها، وبفضلها عددت نفسي أسعد السعداء في هذا الوجود كل ما في وسعي أن أدعو لكم بطول العمر والسعادة، أما المجد؛ فقد اعلتيت ذروته.. وفي الختام تفضلوا بقبول أصدق تحيات الحب والولاء. تلميذكم المخلص نجيب محفوظ. وغدا ينقل لكم "البوسطجي" خطابا جديدا. اقرأ أيضا: البوسطجي (6).. خطاب مرسل ل جمال عبدالناصر من صديق له أثناء حرب فلسطين: نحن رهن الإشارة