تامر و أنغام.. أمسية غنائية فى حب سيناء على «الحياة»    نادر نسيم: استرداد سيناء سيظل ملحمة وطنية تتناقلها الأجيال    استقرار أسعار الخضراوات والذهب.. والركود يسيطر على سوق الحديد    قنا تعلن مواعيد غلق المحال التجارية خلال فصل الصيف    غموض موقف ضريبة الأرباح الرأسمالية يهدد البورصة بخسائر فادحة    وزيرة «التخطيط» تشارك بمنتدى التمويل من أجل التنمية بالأمم المتحدة    "تقدم إيجابي".. عماد الدين حسين يكشف تفاصيل المقترح المصري لوقف الحرب على غزة    صدمة قوية للزمالك قبل مواجهة دريمز بالكونفدرالية.. إصابة جديدة    مكون من 5 طوابق .. السيطرة على حريق داخل عقار بقنا    نواب سوهاج يشكرون وزير التربية والتعليم لمواجهته لجان «ولاد الذوات»    أوس أوس يسخر من أحمد فهمي بسبب نومه في الطائرة    حضور جماهيري كامل العدد بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    الأونروا: قطاع غزة يشهد موجة حر غير عادية فاقمت الأزمة المعيشية    سميرة أحمد تكشف أسباب خلافها مع وفاء صادق: «بتيجي متأخرة»    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى فاقوس المركزي ويحيل مشرف التغذية للتحقيق    المؤلف حسام موسى: مسلسل بدون مقابل يقدم هاني رمزي بصورة جديدة.. ونستأنف التصوير قريبا    غدا.. ضعف المياه بالأدوار العليا بأطراف قرى غرب طهطا بسوهاج لإجراء الصيانة الدورية بمحطة مياه شطورة    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    النصر يتعادل مع اتحاد كلباء في الدوري الإماراتي    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    إزالة 15 إنشاء مخالفا للقانون في مركز العريش    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    صحة دمياط تطلق قافلة طبية مجانية بقرية الكاشف الجديد    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    نائبة تطالب العالم بإنقاذ 1.5 مليون فلسطيني من مجزرة حال اجتياح رفح    مصرع طفل سقط في مصرف زراعي بالفيوم    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    أول تعليق من كلوب على إهدار صلاح ونونيز للفرص السهلة    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    مصدر رفيع المستوى: مصر حذرت مرارا من تداعيات عزم إسرائيل اقتحام رفح    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الظلم «الاحتياطي»
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 09 - 2016

كما قلت قبل ذلك بوضوح، فهذا المقال، أو غيره ليس مقالا عن هذا أو ذاك ممن تصادف أن وردت أسماؤهم في سطوره بل عن كل (أكرر: كل) من أخذته «الهيستريا في مصر» إلى غياهب السجن، ليس فقط، عقابا له على «الحلم»، بل أحيانا جَرَّاء وشاية، أو تقرير أمني «نمطي» لا تتغير فيه غير الأسماء. أو حتى لمجرد «مصادفة» قادته مثل بطلي «إحنا بتوع الأتوبيس» إلى ما وراء الأسوار والقضبان. ثم كان أن نُسي «مثل يوسف» في سجنه «الاحتياطي».. أحيانا حتى بلا قرار اتهام أو محاكمة.
***
الرسم للفنان وليد طاهر
لا ينبغي للحبس «الاحتياطي» أن يتحول بحال إلى عقوبة، أو تدبير احترازي هو في مصاف العقوبات. تضيع فيه «ظلما» سنوات من عمر هذا «البريء» أو ذاك

في كتاب مهم عن «الحبس الاحتياطي في التشريع المصري» للنائب السابق، ورئيس محكمة النقض الأسبق «القاضي» سري صيام (أصدرته «دار الشروق» 2007) نقرأ: أن «الحبس الاحتياطي ينبغي ألا يتحول بحال إلى عقوبة، أو تدبير احترازي هو في مصاف العقوبات، وذلك التزاما بقواعد الشرعية الدستورية التي لا تجيز توقيع عقوبة إلا بحكم قضائي وبعد محاكمة عادلة تتوافر فيها للمتهم ضمانات الدفاع عن نفسه، كما يجب ألا يخرج عن طبيعته الاستثنائية، أو عن أهدافه التي حصرها الدستور في ضرورة وصون أمن المجتمع».
ويذكرنا الدكتور أحمد فتحي سرور في تقديمه للكتاب ذاته بما نعرفه مما استقرت عليه محكمة النقض من قواعد للعدالة تقضي بأنه «لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس وحبسهم دون وجه حق».
قبل ذلك وبعده، كنا قد قرأنا (ووافقنا بأغلبية 98٪) على دستور يقرر أن «الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس» (المادة 54)، قبل أن يؤكد هذا في مادته السادسة والتسعين بأن: المتهم «بريء» حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه.. وهو النص الذي يمثل الجوهر الذي نعرفه «لمعنى العدالة»، والذي تواترت عليه الدساتير المصرية، منذ أن عرفت الدولة المصرية الدستور (المادة 67 من دستور 1971 مثالا).
أسترجع المبادئ الدستورية المستقرة، التي بدون الالتزام بجوهرها «لا استقرار» لمجتمع أو دولة. وأعود إلى ما كتبه الدكتور سرور والمستشار صيام عن خطورة أن يتحول «الحبس الاحتياطي» إلى عقوبة في ذاته. وأستعيد ما ذكراه من «شروط» لهذا الإجراء المقيد لحرية الناس (بل والمدمر لمستقبلهم) كما في حالة الطلبة المحبوسين على سبيل المثال، ثم أطرح السؤال الذي طرحه الدكتور نور الدين فرحات (أستاذ القانون) على صفحته على فيس بوك قبل أيام (وهو سؤال يعرف مغزاه كل دارس للقانون). يتساءل د. فرحات ونحن معه:
لا أتحدث هنا عن شخص بعينه، بل عن «كل هؤلاء» الذين أخذتهم الهيستريا المجتمعية، بل وحتى «المصادفة» إلى ماوراء القضبان .. ثم نسيناهم هناك
«السؤال الذي يشغلني كمشتغل بالقانون ما يزيد على أربعين عاما:
النيابة العامة تصدر قرارات بحبس شباب المعارضين السياسيين احتياطيا بتهم مختلفة تضمنتها تحريات الشرطة المرسلة.
النيابة العامة تجدد الحبس كلما قارب موعده على الانتهاء مرة تلو مرة.
محاكم الجنح المستأنفة غالبا ما ترفض استئناف المتهمين الشباب على قرارات حبسهم.
ثم أخيرا وبعد زمان يطول، وعندما يصل الأمر إلى محكمة الجنايات التي يجلس بها شيوخ القضاء، تأمر المحكمة بالإفراج وغالبا بضمان محل الإقامة.
هل من تفسير؟».
انتهى سؤال دكتور فرحات. ولا أحب أن أتطوع بالإجابة. ولكن واجبي أن أضع سؤال أستاذ القانون أمام رجال القانون والمشتغلين به، والذين يعلمون بالضرورة معنى أن تصدر المحكمة في نهاية المطاف قرارها بالإفراج (بالضمان الشخصي، أو بضمان محل الإقامة)، بعد أن يكون «البريء» قد ضاع منه ما ضاع؛ من معيشته ومن مستقبله، أو على الأقل سنوات من عمره، قد لا يحدها غير «ضمير قاض» أمام حالة من الهيستريا تعصف بالمجتمع.
أحسب أن السؤال، ضمن أسئلة أخرى طرحناها في هذه الصفحة كثيرا يهم بالضرورة كل من يهمه مستقبل مؤسسةالعدالة في هذا البلد الطيب الذي كان سباقا في محاولة بناء نظام قضائي متكامل الأركان. يعمل على إرساء العدالة «الحقيقية».. ومن ثم الاستقرار للمجتمع والوطن.
***
كما هو المعتاد في دولة لا تعرف «الشفافية»، وفي غياب بيانات «حكومية» وأرقام «رسمية» عن عدد المحبوسين احتياطيا، لا يملك مثلنا غير الاعتماد على ما هو متوافر من بيانات صادرة عن نقابة الصحفيين، أو المجلس القومي «الرسمى» لحقوق الإنسان، أو غيرهما من هيئات المجتمع المدني عن أعداد المحبوسين احتياطيا، وعن ظروف احتجازهم، وعن مدى مطابقة ما يجري معهم من إجراءات (أهمها التجديد الذي يبدو مفتوحا لقرارات الحبس).
أمامي تقرير «موثق» صادر عن «وحدة العدالة الجنائية / المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» في أبريل الماضي (2016) يشرح «كيف تحول الحبس الاحتياطي في غياب الطوارئ إلى أداة للعقاب السياسي». يصدمنا التقرير «الموثق» الذي أعدته المحامية هدى نصر الله، وراجعته هبة مرايف بحقيقة أن ما أمكن حصره من أعداد المحبوسين احتياطيا لأكثر من عامين بالمخالفة للقانون، وفي أربع محافظات فقط يصل إلى (1464 مواطنا) الأصل فيهم البراءة، كما يقول الدستور، والقواعد القانونية المستقرة.
هل هو «الاعتقال» بمسمى آخر؟
لم يفاجئني المحامي الكبير، ذو الخبرة الطويلة عندما قال لي إن حالنا للأسف كان أفضل مع قرارات الاعتقال أيام الطوارئ (!) أضاف: على الأقل كانت هناك قواعد مستقرة ومعروفة. تذهب بالتظلم من قرار الاعتقال الإداري إلى المحكمة، وبغض النظر عن أن الداخلية كانت تلتف عادة على قرار القضاء بإصدار قرار جديد «سابق التجهيز» بالاعتقال، إلا أن «قواعد اللعبة كانت معروفة». كنا نعرف ما في قانون الطوارئ من غياب للقواعد المتعارف عليها للعدل، ولكننا كنا «نعرف ما فيه من إجراءات تطبق». الآن: «لا قواعد.. ولا التزام بما في أى قانون نعرفه من إجراءات». فضلا عن أننا لم نعرف أيامها، ما نسمع عنه الآن من حالات «الاختفاء القسري». التي تساعد استهانة الجهات الأمنية بما يقتضيه الدستور وصحيح القانون في زيادة اللغط حولها. فإسلام خليل مثلا، كما عرفنا لاحقا من الصحف ظل 122 يوما مختفيا، لتبلغ فترة احتجازه بين الاختفاء والحبس الاحتياطى 455 يوما كاملة قبل أن «يُجبر القضاء» الجهات الأمنية على الإفراج عنه.
يعرف تاريخ «العدالة المهدرة» في مصر الاحتجاز دون محاكمة، ولفترة قد تصل إلى سنوات. فلثلاثين عاما كاملة، وتحت مظلة قانون الطوارئ 162 لسنة 1958، كانت السلطات تحتجز آلافا من المصريين (لم يعرف أحد عددهم أبدا)، حتى أصدرت المحكمة الدستورية أخيرا في 2 يونيو 2013 قرارها بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة رقم 3 من قانون الطوارئ، والتي كانت تخول رئيس الجمهورية رخصة القبض والاعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بقانون الإجراءات الجنائية (صدر قرار المحكمة بعد عشرين عاما كاملة من تقديم الطعن القضية رقم 17 لسنة 15ق دستورية). وكان المأمول، بعد هذا الحكم أن يعود الأمر إلى نصابه، وأن تعود العدالة إلى مكانتها، فلا تُهدر الضوابط والشروط التي من جراء إهدارها أن يتحول «الحبس الاحتياطي» واقعيا إلى «عقوبة» في ذاته، سواء كان على ذمة تحقيق «يُفتح ولا يُغلق»، أو على ذمة محاكمة تطول لسنوات.
***
لا تنسوا من فضلكم أن المتهم «برئ» حتى تثبت إدانته. أكرر: «بريء حتى تثبت إدانته»
قوائم «المنسيين» المحبوسين «احتياطيا» هؤلاء طويلة جدا. فيها أسماء سمعنا عنها. وفيها آلاف من أسماء «مواطنين» ربما لم نسمع عنهم أبدا (ولكن دعواتهم عند الله مسموعة).
أشرف نصار من المنوفية، يحكى عن ولده «أحمد» الطالب في السنة النهائية بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، والذي ألقى القبض عليه من الشارع يوم 18 ديسمبر 2011 بعد أدائه الامتحان، وأثناء توجهه إلى منزله، الذي تصادف أنه قريب من مجلس الوزراء، الذي كان يشهد يومها صدامات بين الأمن ومتظاهرين. وعلى الرغم من أن النيابة في حينه أفرجت عنه دون ضمانات (مع إثبات ما تعرض له من إصابات على يد القوات التي ألقت القبض عليه) فإن قرارالاتهام الخالي من الشهود وأدلة الثبوت تضمن اسمه ليحكم عليه المستشار ناجى شحاته غيابيا بالمؤبد، ثم يُلقَى به في السجن في فبراير من العام الماضي، وحتى اليوم، وإلى أمد لا يعلمه إلا الله محبوسا «احتياطيا» على ذمة القضية التي ستعاد فيها محاكمته «حضوريا»، وقد يُقضى له فيها بالبراءة. ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل. يحكي والد طالب الصيدلة كيف حصلوا على موافقة بدخول طالب الصيدلة الامتحانات إلا أنه، واقعيا لم يتمكن من أدائها خمس مرات متتالية»… يروح ضابط الترحيلات يستلمه من السجن وبدل ما يروح به الكلية، يروح قسم السيدة يفطر ويشرب الشاى ويرجعه السجن تانى» هكذا تقول رسالة الوالد، وهي، كما يعلم آلاف من الآباء والطلاب المحبوسين ليست أكثر من مثال يتكرر.
ما يتعرض له زميلنا الصحفي والباحث المهذب والخلوق «هشام جعفر»، الذي أمضى عمره كله في مكافحة أفكارالتطرف بين الشباب (340 يوما من الحبس بلا محاكمة) ليس أكثر من مثال آخر على ما يجب أن يؤرق كل من يعنيه أمر العدالة في هذا البلد. تحت يدي، ليس فقط وثيقة الأزهر التي شارك في كتابتها، بل تلغرافان من محاميه يطلب في أحدهما «تمكينه من الإطلاع» والحصول على صورة رسمية من القضية المحبوس على ذمتها جعفر (!) ويطلب في الآخر «تمكينه من الاستئناف» على أمر تجديد حبسه الاحتياطي (وفقا لنصوص المواد 161 166 من قانون الإجراءات الجنائية).
أعرف أن ما جرى، ويجرى مع هشام جعفر (المهدد بفقد بصره) يجرى مع كثيرين، ولكن بعيدا عن النصوص والإجراءات فقد يظل الأكثر دلالة هو الدعوة التي أطلقتها أسرته قبل أيام، ليس لإقرار العدالة (بمحاكمته، أو الإفراج عنه) بل «بالمطالبة بظروف حبس أفضل وأكثر إنسانية». هل هناك شعور باليأس أكثر من ذلك؟
***
الوالد: لحظة قرار الحبس، ولحظة قرار الإفراج / الابن: 666 يوما في السجن
مثلما يشعر «بالألم» ذوو الضباط والجنود الذين يُقتَلون غدرا، يشعر به ذوو «الأبرياء» الذين يُقتلون أو يُحبسون «ظلما»
اليأس؛ القاتل لصاحبه، أو المدمر لمجتمعه (كما يعرف علماء النفس) كان للأسف السمة الغالبة لما انهمر على بريدي من رسائل (بعد ما كتبت الأحد الماضى عن «قرارات العفو الغائبة»)، يبحث أصحابها عن قشة يتعلقون بها «أملا» في عدل (أو عفو) يرونه بات بعيدا، أو حتى «مستحيلا»، كما قالت لى يائسة (عشية الحديث الإعلامى الكاذب عن قرارات العفو) شقيقة عبدالرحمن الجندي، طالب الهندسة بالجامعة الألمانية الذي قاده قدره، لا جرمه (مثل الكثيرين) إلى السجن، بلا أمل أن يغادره قبل خمس عشرة عاما كاملة. أو كما سمعنا من والدة عمر محمد على (24 سنة) الذي حكم عليه القضاء «العسكرى» بالمؤبد قبل أسبوع.
***
وبعد..
ربما لا أكون في مكان يسمح لى بالخوض في «تفاصيل» مثل هذه القضايا. ولكننى قرأت في التاريخ الحديث، وفي أدبيات «العدالة الانتقالية» كيف تعبر المجتمعات «الواعية» إشكاليات مراحلها الانتقالية الصعبة، وصولا إلى ما يصبو إليه أى مجتمع من استقرار «وسلام اجتماعي»
أما عن «الأبرياء» بحكم تعريف الدستور والقانون، المحبوسين «احتياطيا» بهذا القرار أو ذاك، فخلاصة القول أننا نعرف أن للحبس الاحتياطي «ضرورة قانونية» ولهذا أجازه المشرع. ولكننا نعرف أيضا أنه ككل ضرورة له ضوابطها كما اشتراطاتها. وأهمها، كما يُذكرنا كتاب المستشار سري صيام، (وكذا مقدمته التي كتبها الدكتور سرور) أن «لا يتحول بحال إلى عقوبة، أو تدبير احترازي هو في مصاف العقوبات».
هذا باختصار خلاصة «ما ندفع به» هنا، كما يقول التعبير القانونى الشهير. والأمر برمته مطروح أمام سدنة العدالة الأجلاء، الذين ليس أكثر منهم حرصا على أن «تستقيم العدالة»، وليس أكثر منهم معرفة «بكيف تستقيم العدالة»، كما ليس أكثر منهم خبرة وإدراكا لخطورة «ألا تستقيم العدالة»، مهما تذرعت القرارات والإجراءات بنص هنا، أو بمحضر تحريات هناك.
ثم إن «القضية» في النهاية معروضة أيضا على مواطني هذا البلد، أصحاب المصلحة الأولى في أن تسود العدالة بين الناس، كشرط لا بد منه للأمن والاستقرار.. والمستقبل. كما أن «القضية»، شئنا أم أبينا ستكون أمام «محكمة التاريخ». ومن بعد ذلك كله وقبله أمام «الحكم العدل» سبحانه. الذي « لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ».
لمتابعة الكاتب:
twitter: @a_sayyad
Facebook: AymanAlSayyad.Page
روابط ذات صلة:
عن العدل .. والعفو
حين تكلم الرئيس عن «المظلومين»
من يحرس العدالة .. والوطن
قضاء مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.