جاء قرار الرئيس محمد مرسى بالعفو الشامل عن المعتقلين والمحبوسين على ذمة قضايا أو من صدر بحقهم أحكام منذ انطلاق ثورة يناير وحتى توليه منصب الرئاسة فى 30 يونيو الماضى ليفجر حالة من الجدل بين عدد من خبراء الأمن ورجال القضاء الذين طالبوا بتفسير واضح للقرار ومن سيشملهم العفو . «أكتوبر» التقت بنخبة من الخبراء لاستيضاح القرار ووقع أصدائه على الشارع المصرى . . بداية يرى اللواء ممدوح كدوانى محافظ سوهاج الأسبق والمساعد السابق لوزير الداخلية أن هذا القرار له جانبان أولهما الجانب السياسى، ويعبر عن المصالحة من جانب رئيس الجمهورية والحكومة مع كافة أطياف المجتمع خلال الفترة التى أعقبت الثورة والهدف منه تهيئة الظروف لحالة من التفاهم والتقارب بين وجهات النظر المختلفة سعيًا للوصول بالسفينة والوطن إلى بر الأمان وتحقيق أهدافه وهذا يتوازن مع سياسات سابقة يذكرها التاريخ مثل تصالح الزعيم الراحل السادات مع التيارات الدينية والإفراج عنها لممارسة نشاطها فى الفترة مابعد حرب أكتوبر1973. ويضيف أن الجانب الثانى هو الجانب الأمنى ويقع على عاتق أجهزة الأمن ودورها فى متابعة أنشطة هذه العناصر الثورية المفرج عنها وهل ستنخرط وستنصهر داخل منظومة المجتمع عامة والمعارضة السليمة خاصة وتحديدًا فى مقارعة الرأى بالرأى أم ستتخذ منحى آخر يخل بقواعد الأمن العام وأمن المجتمع وهذا ما ستظهره الأيام القادمة وهو مايضع على عاتق أجهزة الأمن جهودًا مضاعفة. ويؤكد اللواء ممدوح أن العفو الشامل هذا سيشمل القضايا السياسية دون الجنائية ويقصد بهم الأشخاص الذين كان لهم دور فى أحداث مابعد الثورة مثل المصادمات المختلفة، وهذا العفو لاينطبق على الجرائم الجنائية حتى فى ذلك التاريخ بل ينطبق على قضايا الرأى والتظاهر والاحتجاجات وكافة الأحداث التى تتخذ طابعًا سياسيًا أو الأحداث المسيئة. ويؤكد المستشار علاء شوقى رئيس محكمة جنايات الجيزة ورئيس الاستئناف أن الدولة حاليًا فى فترة انتقالية وعليها أن تتريث فى القرارات والقوانين والإسهال فى إصدار هذه القوانين والقرارات لابد أن تصدر بحكمة وبحق ونحن نحتاج للتأنى والتروى وترقب ما يحدث فيما هو قادم. مضيفًا أنه لابد أن يدرس المستشارون بالرئاسة كل حالة على حدة بحيث لا يخلى سبيل إلا من يستحق إخلاء سبيله. ويؤكد أننا لانحتاج لقانون رئاسى للعفو حاليًا ولكن نحتاج إلى تنقية وغربلة لكل من يوجد بالسجون منذ الثورة وحتى الآن فمن يستحق إخلاء سبيله يجب أن يتم له ذلك فورًا مع اعتذار علنى وإعلامى لمن سجن كل هذه المدة دون مبرر قانونى بل يكون له الحق على الدولة فى المطالبة بالتعويض؛ أما الآخرون الذين يثبت تورطهم فى الأحداث التى ألمت بمصر وعاصرناها جميعا كأحداث محمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية فمن يثبت تورطه فى أى من هذه الأحداث فيجب أن يقدم للمحاكمة سريعًا ونبدأ فى تنفيذ مطالب الثورة. ويضيف أن فكرة العفو غير ملحة أو مطلوبة حاليا ولاسند لها خاصة أن السيد رئيس الجمهورية يملك طبقا للدساتير المتعاقبة حق العفو سواء لأسباب صحية أو غيرها طبقًا لما يراه.. وأن صدور قانون بالعفو فى هذا التوقيت سيفتح الباب لضياع الفرصة التاريخية لمعرفة أسباب الأحداث التى ألمت بمصر وكل من كان وراءها وبغير هذا ستظل مصر محلك سر. ويضيف أنه يجب أن يتم التدقيق الكامل فى كل من يستحق العفو وتحديد دقيق لمن ينطبق عليه القانون ليطبق عليه وإلا ضاعت حكمة صدوره إذ يختلط الحابل بالنابل فيعود الجناة وينشرون فسادًا فى أرض الكنانة من جديد. وهنا يجب أن يحدد من هؤلاء الثوار وعلى من ينطبق لفظ الثائر والهدف من وراء جريمته وحتى يتم هذا فلابد من التحقق من كيفية القبض على كل من هو قيد الحبس الآن وما هى الجريمة المسندة إليه وما هى الأدلة المنطبقة عليها أو بعبارة أخرى حتى يتم تفعيل القانون بشكل عادل يتعين التحقق بشفافية عن دور كل متهم من هؤلاء الذين سينطبق عليهم قانون العفو الرئاسى الصادر حتى لا يدعى البطولة من هو غير أهل لها أو يدعى بطولة مزيفة وحتى لايخرج البلطجية أو المتهمون جنائيًا فى جرائم يعاقب عليها القانون مطلوب من اللجنة الشفافية المطلقة والحيدة الكاملة لمن يناط به تحديد من هو الثائر. حق الرئيس ويؤكد المستشار ياسر رفاعى رئيس الاستئناف بمحكمة استئناف القاهرة والمحامى العام الأول أن رئيس الجمهورية يملك الحق فى العفو الشامل عن الجرائم أو عن المتهمين بمقتضى سلطته من الدساتير وهى سلطة تقديرية. فالرئيس ومايريد فبعض الرؤساء لايستخدمون هذا الحق والبعض الآخر يستخدمه للعفو عن متهمين فى جرائم معينة لا تتسم بالخطورة على المجتمع والبعض الآخر يستخدمه إما لكسب شعبيته وإما للتعاطف مع فئة معينة، وفى حالتنا هذه الثوار أو من ساند الثورة كما نص القرار. ويضيف أن هناك قرارات عفو فى المناسبات الوطنية والأعياد وأحيانا يكون قرار العفو شاملاً مثل رد الاعتبار بالضبط وهى أيضًا سلطة تقديرية للسيد رئيس الجمهورية. ويؤكد أن القرار لابد أن يحدد من الثائر ومن البلطجى حتى ينطبق القرار على من استهدف التطبيق عليه أو يستفيد منه. ويضيف المستشار ياسر أن تطبيق العفو الرئاسى يحتاج إلى دراسة كل حالة على حدة لأننا نحن فى وقت اختلط فيه الحابل بالنابل ويكون من الصعوبة بمكان تحديد معايير تطبيق هذا القرار والحل فى رأيى دراسة كل حالة على حدة وتحديد من ينطبق عليه القرار وأسباب العفو عنه وقبل ذلك تحديد من الثائر ومن البلطجى. ويضيف أن تطبيق القرار سيؤثر على الحالة الأمنية فى البلاد وسيضع مجهودًا أكبر على عاتق أجهزة الأمن حيث تحتاج أجهزة الأمن إلى مزيد من الجهود الأمنية فى متابعة من سيشملهم قرار العفو الشامل ومراقبة تحركاتهم بعد الإفراج عنهم وشمول قرار العفو عليهم. يرى الدكتور رمضان بطيخ أستاذ القانون الدستورى بجامعة عين شمس وعضو الجمعية التأسيسية للدستور أن القرار الرئاسى بقانون بالعفو الشامل عن الجرائم هو عفو عن الجريمة وليس عن الأشخاص؛ لأن هناك العفو البسيط الذى ينفذ فى الأعياد ويصدر بقرار من رئيس الجمهورية أو وزير الداخلية. ولكن العفو الشامل يعتبر أن الفعل الذى كان يشكل جريمة لم يعد كذلك، بمعنى آخر أن الفعل أصبح مباحًا ومادام أصبح مباحًا فلا جريمة فى الأمر فلابد من الإفراج عن الأشخاص الذين حوكموا أو اعتقلوا بسببه، وهذا ينطبق على الجرائم السياسية التى ارتكبها الثوار فى الفترة المحددة، وبالتالى استثنى منها جرائم القتل والنهب والسلب والبلطجة والترويع وهذه جرائم جنائية ينطبق عليها قانون العقوبات. ويضيف الدكتور بطيخ أنه إذا كانت الأفعال التى اعتقل بسببها الثوار أفعالاً لها علاقة بالثورة ونجاحها وبالسياسة القائمة عليها الثورة فمن المنطقى جدًا ألا تعتبر هذه الأفعال جرائم يحاسب عليها القانون. ويضيف أنه لابد من تحديد سبب الاعتقال فكل معتقل لابد أن تكون له صحيفة تتضمن الأفعال التى اقترفها بل لابد أن يبلغ بها. ويؤكد أن حصر العفو فى الأفعال الثورية السياسية غير المجرّمة بقانون العقوبات وكانت تخضع فى الماضى لقانون الطوارئ وهذه مهمة لجنة تقصى الحقائق التى شكلتها رئاسة الجمهورية لإعمال القرار الرئاسى وهى خطوة جيدة لترسيخ حرية الرأى ومباشرة العمل السياسى فى إطار القانون وترسيخًا لمناصرة الثورة وتدعيمًا للثوار الحقيقيين الذين دعموا كل خطوات الثورة ووقفوا معها وبجانبها. ويشير المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولة السابق إلى أن العفو الشامل يفترض أن يصدر بقانون وقد اصدر السيد الرئيس قانونًا رئاسيًا بالعفو الشامل الذى يجب أن يطبق على من حوكم أو صدرت بحقه عقوبة، فيصدر عفو عن العقوبة والعفو الشامل ينطبق على الجريمة والعقوبة والآثار المترتبة على العقوبة سواء كانت تكميلية أو تبعية؛ وبالتالى فإن هذا العفو الشامل لايستفيد منه المعتقلون فهم معتقلون ولم توجه إليهم جريمة ولم توقع عليهم عقوبة ولم تتم محاكمتهم وبالتالى يكتفى بقرار بالإفراج عنهم. ويضيف أنه من أجل تحديد نطاق هذا القانون الرئاسى بالعفو الشامل والأشخاص المستفيدين منه لابد من الرجوع للمذكرة الايضاحية الخاصة به، وقد تم بالفعل تشكيل لجنة من النيابة العامة والقضاء العسكرى لتحديد نطاق هذا القانون والمستفيدين منه. ويضيف المستشار خلوصى أن هذه اللجنة ستحدد الأشخاص الذين ينطبق عليهم هذا القانون ونطاق تطبيقه، وسوف يتضح ذلك من نصوص القانون والمذكرة الإيضاحية التى تحدد من تنطبق عليه. حق التظلم من القرار ويضيف يمكن أن هذا القانون ينطبق على كل من قبض عليه منذ 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2012 فهنا يمكن أن يشمل العفو الشامل أى شخص سواء ارتكب جريمة أو لم يرتكب أو شارك فى أحداث الثورة أو تظاهر أو قام بالاحتجاج. ويمكن لأى شخص معتقل ولم يفرج عنه أن يتظلم من عدم تطبيق القانون عليه فحق التظلم مكفول للجميع من هذا القانون ويمكن لأى شخص أن يرفع دعوى أمام مجلس الدولة للتظلم من قرار عدم الإفراج عنه أو عدم تطبيق القانون عليه وهذا حق مكفول للجميع. وأنا أتوقع أن ترفع دعاوى عديدة من أشخاص لم يشملهم قرار الإفراج طبقا لقانون العفو الرئاسى الشامل الذى صدر فى هذا الشأن. ومن جانبه يرى المستشار الدكتور محمد حامد رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة أنه كان لابد أن يحدد القرار أولاً نوعية الجرائم التى ينطبق عليها قانون العفو فمن أحرق المجمع العلمى هل يعتبر ثائرًا؟! إن الباعث على الجريمة ليس سببًا للعفو أبدًا ولكننا لابد أن ندرس ونبحث كل حالة على حدة ونفحص الباعث من وراء العقوبة أو الجريمة.. لابد أن تبحث كل حالة على حدة؛ لابد أن نستبعد البلطجة وحرق المجمع العلمى فهؤلاء كانوا يذهبون لحرق وزارتى الداخلية والدفاع واسقاطهما؛ فهؤلاء لابد أن تطبق عليهم العقوبة؛ المطلوب فرز هؤلاء المتهمين كلاً منهم على حدة لدراسة الباعث والدافع للجريمة فإذا كان هذا الدافع والباعث خالصًا للثورة أو الثوار فهنا يصدر العفو. أما إذا كان الباعث أو الدافع البلطجة وحرق المبانى والاعتداء على الوزارات الحكومية مثل الدفاع أو الداخلية فهذا لا ينطبق عليه لفظ ثائر. ويضيف أن من ينطبق عليهم العفو الشامل يقرب عددهم من أكثر من 3 آلاف ولا يصح أن ينطبق على الجميع ومايقرب من ثلاثة أرباعهم حكم عليه بينما ينتظر بعضهم المحاكمة وقانون العفو الشامل ينطبق عليهم إذا صدر بعمومية شديدة. ويؤكد المستشار حامد أنه لابد من التدقيق فى كل حالة على حدة لكل متهم أو محبوس أو معتقل ويتم فحص الباعث أو الدافع على الجريمة ثم يتم تطبيق القانون عليه والمطلوب الفرز أولاً وتحديد موقف كل معتقل أو محبوس حتى لا يختلط الصالح بالطالح وحتى لا يتم خلق بطولات وهمية لكل من ادعى أنه ثائر.