شهداء كنيسة مار مينا فى حلوان اليوم؛ لن يكونوا آخر ضحايا الوحش السلفى للمتعطش للدم.. فمهما طارده رجال الأمن؛ سيظل قابعا يخرج لنا لسانه من بين طيات الكتب المدرسية والأزهرية خاصة.. أو من فوق منابر الزوايا المنتشرة فى المدن والقرى؛ أو على ألسنة الدعاة المتنطعين فى البرامج الدينية بأكثر من قناة تليفزيونية. هنا قسم آخر من قصيدتى: [ارسم صليبا كالهلال] التى لم تنشر فى ديوان بعد:- ************************* ارسُمْ صليبًا جامعًا.. لا مانعًا هو للإناثِ و للذُّكورِ.. وللقريبِ وللبعيدِ.. وللغنىِّ وللفقيرِ.. فإنْ رسمْتَ.. فَوفِّهِ حقَّ الأَرُومةِ.. صِلْهُ بالنّسَبِ.. اجتَنِبْ شَطحاتِ أَهْلِ الفنِّ فى تصنيعِهِ لا تَستَجبْ لمُغامراتِ الشكْلِ.. كىْ يَبقَى يذكِّرُ بالصليبِ الأصلِ: (مِفتاحِ الحياةِ)! ………………………………………. ارسُمْ صليبًا.. وادْعُهُ: عيْنَ المُعاناةِ التى شيئًا فشيئًا قد تكوَّنَ ماؤُها من كلِّ مَن ذرَفَ الدُّموعَ.. وعاشَ.. لم يشْكُ الضَّنَى والجُوعَ.. أو مِن كلِّ مَن نزفَ الدماءَ.. وظلَّ بين مدينةِ الأحياءِ والأمواتِ حتى ماتَ.. أو فقدَ الرجاءَ.. ارسُمْ كأنَّ الأرضَ قد وَبِئتْ وقُلْ: طُوبَى لمن شَهِدَ الوباءَ! ……………………………………… ارسُمْ صليبَكَ يا صديقُ.. وكُنْ على حذَرٍ كأنَّكَ فوق مُنحَدَرٍ فَتسقُطُ تارةً وتَقومُ! قُمْ وارسُمْ.. فموعِدُ ساعةِ الدَّيْنونةِ المحتومُ كادَ يجىءُ.. بلْ جاءَ! ارسم الأخيارَ والأشرارَ.. والآباءَ والأبناءَ ولْتَجعلْ إِزاءَ الخَاطِئينَ: الأبْرِياءَ تَهيَّأ الفِرْدوْسُ.. واسْتَعَرَ الجَحيمُ الحُكْمُ هذا اليومَ لابْنِ اللهِ والإنسانِ فلْيقْضِ القضاءَ: السَّيدُ (الأُقْنومُ) أمَّا أنتَ.. فَلترسُمْ على عجلٍ كأنكَ مِن على جَبلٍ تُحاكى الماءَ فى جرَيانِهِ.. وتُثبِّتُ الأشياءَ.. أو فارسمْ كأنَّكَ إن رسمتَ ستُنقِذُ الفقراءَ.. أو فارسمْ كأن الرسْمَ: يَسمعُ من فمِ المرضَى الدُّعاءَ.. ويسْتجيبُ لهُ.. فيكتشِفُ الشفاءَ.. ……………………………………. ارسمْ على مهْلٍ كأنكَ تُطعمُ الجَوْعَى الثَّريدَ.. وتلهمُ الشُّعراءَ! ولْتتَخيَّلِ البُؤَساءَ والمسْتَضعفِينَ وقد أتَوْا يَتطلعونَ معًا إلى ما قد رسمْتَ ويهتِفونَ: الربُّ صارَ لنا الفِداءَ.. ارسمْ.. فهم لا يَملِكونَ اليومَ شيئًا من حُطامِ الكوْنِ.. غيرَ سرابِ مَملكةٍ يلُوحُ لهمْ برجْمِ الظنِّ! فلترسمْ لهمْ لكنْ حَذارِ.. حَذارِ لا تَأمَنْ على الأرضِ السماءَ! ………………………………….. ارسُمْ.. ولا تَخْشَ المغَبَّةَ واجْعلِ السِّرَّ: الضَّميرَ الحُرَّ.. والدِّينَ: المحبَّةَ أو إذا- شِئتَ- اصْنعِ الآنَ الصليبَ كما تُريدُ لهُ على النَّحوِ الذى تَهواهُ: فَوِّفْهُ.. وزخْرِفْهُ! وإن أَسرفْتَ فى تَمويهِهِ فاعقِفْهُ.. حتى ربَّما لو- فجأةً- رجَعَ المسيحُ اليومَ.. لم يَعرفْهُ! أو فى وجْهِ من يسْعَى لذبْحِ أخيهِ.. فاقْذِفْهُ! كذلكَ يَستَبينُ الحدُّ.. إذ يبقَى الصليبُ الفردُ حيًّا.. كالمسيحِ الحىِّ صاحبهِ له الملكوتُ فى عليائِهِ والمجْدُ.. يسْمو كلَّما نَسمُو.. ويَنكفِئُ الصليبُ الضِّدُّ! فلترسمْ صليبَكَ من جديدٍ يا صديقُ بحيثُ يتَّحدُ الصليبُ بمن عليْهِ ارسمْ بحيثُ تُجسِّدُ الغيْبىَّ فى المَرْئِىِّ وارسمْ يا أخى لتُتَرجمَ المجهولَ بالإحساسِ! ………………………………………………. هيَّا يا صديقى إنْ يكنْ لا بدَّ من رسمِ الصليبِ اليومَ فلْترسُمْ صليبًا خافتًا كلَّ الخُفوتِ.. اسمعْ لَهُ.. وتعلَّمِ التعبيرَ منْهُ حين يَنطِقُ بالسُّكوتِ! فيطمئِنُّ الطيِّبونَ لَهُ وتَبتهِجُ الأراملُ والثَّكالَى فى البيوتِ.. ارسمْ لنفْسِكَ يا صديقُ.. ولِى كأنى واحدٌ من حامِلى: هذا الصليبِ الشَّاعرِ المتكلَّمِ.. الخَجِلِ الصَّموتِ! ………………………………………….. ارسمْ صليبًا مانعًا.. لا جامِعًا واجعلْ لهُ فى الرَّسمِ حدًّا قاطعًا من أجْلِ فصلِ القُوتِ فى الأَيْقونةِ العُظمَى عن الياقوتِ! …………………………….. فَلْترسمْ لنفْسِكَ يا أخى فأنا صليبِى لا يُرَى بالعيْنِ.. ليس بذِى كِيانٍ بلْ صليبٌ كائنٌ فى لا مكانٍ! لا صليبٌ بين صُلْبانٍ! فهَيَّا ارسُمْ صليبَكَ باتساعِ جروحِ أرضِكَ كلِّها فبشرقِها وبغرْبِها.. بشَمالِها وجنوبِها صلِّبْ صليبَكَ يا صديقُ.. وإن يكنْ لا بدَّ من تَجميلهِ.. جَمِّلْهُ! ثم احمِلْهُ وحدَكَ تحتَ وهْجِ الشمسِ أو فى الرِّيحِ حالَ هُبوبِها! فإذا الرِّياحُ محَتْهُ.. فانْحَتْهُ! وبشِّرْ بالخلاصِ الناسَ واكْرُزْ تحتَ ظلِّ صليبِكَ المنحوتِ فى المَلكوتِ.. أنتَ الآنَ أَصبحْتَ الصليبَ الحقَّ يُمكِنُ أن تُسافِرَ فى الزمانِ بحيثُ تَحيا الفِصْحَ.. تَمتحِنَ النصوصَ بما جَرى.. حتى تَصِحَّ! الآنَ يمكنُ أن تهاجِرَ فى المكانِ كما تَرى! قد تَرتقِى جَبلا لِكىْ تعِظَ الوَرَى من فوقِهِ أو تَنتقِى سَهْلا وتُسْدِى النُّصحَ! …………………………………. أنتَ الآنَ يمكنُ أن تَجوبَ الأرضَ: تبدأُ عَبْرَ أَدْناها وتَسعَى فى قُراها حيثُ تبلغُ مُنتهاها ثُم تجلِسُ تحتَ ظلِّ شُجيْرةٍ بَلُّوطةٍ.. أو نخلَةٍ ستكونُ قد أَنْهيتَ أوَّلَ خُطوةٍ فى رحلةٍ فخرجتَ من عَتَبٍ إلى عتبٍ وقدْ تَغفُو قليلا تحتَ هذا الظلِّ حتى يَستريحَ الجِسمُ مِن تَعبٍ وتحلُمُ بالصليبِ الطَّيفِ.. أشْبَاهًا! وتَتْلُوَ ما تيسَّرَ من نصوصِ العهْدِ أَوَّاهًا.. وتدَّكِرُ الحبِيبَا ……………. فاذكُرْ صديقَكَ كلَّما استَيقظْتَ من نومٍ هناكَ.. اذكُرْ صديقَكَ.. يا صديقُ وإن يكنْ لا بدَّ من رسمِ الصليبِ فلا غَضاضةَ يا أخِى دَعْنى أنا كى أرسُمَ اليومَ الصَّليبَا!