متحدث الحكومة: المرحلة العاجلة من تطوير جزيرة الوراق تشمل تنفيذ 50 برجا سكنيا    أسعار البصل الأحمر اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024 في سوق العبور    مسئول فلسطيني: حالة نزوح كبيرة للمدنيين بعد سيطرة الاحتلال على معبر رفح    بتسديدة صاروخية.. عمر كمال يفتتح أهدافه بقميص الأهلي    "جلب السيطرة والقيادة والقوة لنا".. سام مرسي يحصد جائزة أفضل لاعب في إبسويتش    عاجل| أول تعليق لشقيق ضحية عصام صاصا: "أخويا اتمسح به الأسفلت"    إليسا تحتفل بطرح ألبومها الجديد بعد عدد من التأجيلات: الألبوم يخص كل معجب أنتظره بصبر    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    رئيس جامعة المنوفية يهنئ الأقباط بعيد القيامة المجيد    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    رئيس وزراء فرنسا يعرب مجددًا عن "قلق" بلاده إزاء الهجوم الإسرائيلي على رفح    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    خالد الجندي يوضح مفهوم الحكمة من القرآن الكريم (فيديو)    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    وزير الدفاع يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    خطة الزمالك لتأمين شبابه من «كباري» الأهلي (خاص)    مواعيد منافسات دور ال32 لدوري مراكز الشباب    «مهرجان التذوق».. مسابقة للطهي بين شيفات «الحلو والحادق» في الإسكندرية    كيف يمكنك ترشيد استهلاك المياه في المنزل؟.. 8 نصائح ضرورية احرص عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    «الأعلى للطرق الصوفية» يدين هجمات الاحتلال الإسرائيلي على رفح الفلسطينية    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بقرى الرواتب والحسينات وبخانس بأبوتشت    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ    وزير الصحة يؤكد أهمية نشر فكر الجودة وصقل مهارات العاملين بالمجال    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    سب والدته.. المشدد 10 سنوات للمتهم بقتل شقيقه في القليوبية    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    إيرادات «السرب» تتجاوز 16 مليون جنيه خلال 6 أيام في دور العرض    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارسم صليبا كالهلال
نشر في اليوم السابع يوم 23 - 10 - 2008


هَذا صَليبُكَ يا أخِى
فارسُمْهُ..
أو -إن شِئتَ- لا ترسُمْهُ..
عبِّرْ يا أخى عَمَّا تَدِينُ بهِ
أو اكتُمهُ
ولكنْ لا تُجادِلْ فى الذِى -إنْ قِيلَ-
لم تَفهمْهُ..
فلترسُمْ صليبَكَ..
إن يكنْ لابدَّ من رسمِ الصَّليبِ..
وإن يكنْ يَعْنِيكَ
رأيُ أخِيكَ فيكَ
إليكَ.. فاعْلمْهُ:
الصليبُ أنا وأنت.. نَعمْ
فإن صدَّقتَنى حقاً
وإلا فاتَّخذْ وضعا عمودياً
وقفْ.. واجعلْ ذراعيْكَ:
امتداداً جانبياً
واعتدِلْ.. تُصبحْ صليباً آدمياً
إن يكُنْ لابدَّ من رسمِ الصليبِ الآنَ..
فلترسُمْ على جسدِى
ولو بِيدى
لكنت أقمتُ داراً للعبادةِ..
تجمعُ الأديانَ فى بلدِى
فتلكَ كنيةٌ.. بجوارِها ديْرٌ
بجانِبِ مسْجدٍ.. أو معبَدٍ
فلعلَّها تَتزوجُ الجِيران من جيرانِها
فى مشهَدٍ!
ولعلَّ -من يدرِىَ-
يكونُ الدِّينُ والمتَديِّنونَ..
كمثلِ ذلكَ فى غدٍ
لمَ لا يكونُ الدينُ للديَّانِ مُنزِلِهِ
وللوطنِ الجَميعَُ
وكيف لا نسعَى
إلى ما -لو أردْنا- نستطيعُ!
الأمرُ لو بِيدى
لقلتُ: ارسُمْ صليبَكَ يا أخى
وارفَعْ أَذانَ الفجْرِ فى المحرابِ..
واشرَعْ فى الدعاءِ المْستجابِ..
لهؤلاءِ المؤمنينَ:
من العقائدِ تلكَ.. أو أهْلِ الكتابِ..
وقُلْ: هَبُوا أنّى: »أبومحذُورةَ القُرشِىُّ«..
بلْ و»بِلالُُ الحبَشىُّ«..
كىْ لا يَقتلَ الشكُّ اليقينَ..
وتَسْتكينَ حَفيظة المتعصِّبِ السَّلَفِى..
هيَّا ارسمْ صليبا
فيه خط الباطلِ الأفقىّ
يقطعُ ضدَّهُ الرأسىّ
حتى تُوجِزَ الإيمانَ فى خطَّيْنِ..
لِلمتَشككِينَ..
ارسمْ صليبا نيِّراً.. ومُرورا
مثلَ الهلالِ..
ولكن اسْتدرِكْ
لا تُشرِكْ صليبَكَ -أو هلالَكَ-
فى الجِدالِ..
ارسُمْ صليباً فى الخيال..
تراهُ وحدَكَ..
ثُم بالسَّبَّابةِ اكتُبْهُ:
أشِرْ فوق الجَبينِ..
إشارةً عجلى
فمن أعلَى لأسفَلَ..
ثم من جِهةِ اليسارِ إلى اليمينِ..
ارسُمْ صليبا
تستطيعُ بسِرِّ رُوحِ القُدْسِ فيهِ..
أن تُميِّزَ وجه »قيصَرَ«
عن قناعِ الرَّبِّ..
ثم تُميزَ الدِّين..
الملاكَ عن ابْنِ آدمَ..
والخيالَ عن امتلاكِ الواقعِ
اصْحبْنى إلى بهوِ الكنيسةِ يا صديقى
ملثما أمسِ اصطحبكَ
نحو صحنِ الجَامعِ..
اشربْ وارْوِنى برحيقِ سر ِّالسرِّ..
واذكُرْ لى نبيذَ المعْمدَانيِّينَ..
أَسْمعِنى تراتيلَ الصَّلاةِ..
أعِدْ على سمْعِى رَنيمَ الرَّاهباتِ..
وجَوْقةَ المتَرنِّماتِ من البناتِ..
مع البنينَ
ارسمْ.. وصوِّرْ لى بهاءَ المرْيَماتِ..
وهاتِ ذكِّرْنى
بما قد جاءَ فى الإِصحاحِ
حولَ خِيانةِ الأجسادِ لِلأرواحِ..
أَسْعدْنى ب»يُوحنَّا الحبيب«
وما تَواترَ عنهُ فى الكُتبِ..
اسْقِنى واشربْ
وأشبعْنى من الأدبِ..
اسْتعِدْ كلماتِ »متَّى«
واجْتهِدْ فى شَرح أحْلامِ الحواريِّينَ..
حَدّثنى عن اسْتشهادِ »بَرنابا«
وخُذْ فى سِيرةِ المحمودِ:
»يُوحنا العمودِ«..
وثَنِّ بالممدُوحِ: »يُوحنّا فمِ الذَّهبِ«
الْتَمستُ إليكَ:
زِدْنى عن كُنوزِ سَميِّهِ:
»يُوحنا سَابا«
والدِّمشقىِّ الذى قد أكرمَ الصُّورَ..
وقُلْ لى.. ثم مثّلْ لى
فمِثلى يعشُق الغُرَرَ..
ارْوِنى من ذلكَ الدَّنِّ العتيقِ..
ويا أخى
إن تنْسَ.. لا تنْسَ التياعَ النفْسِ
والصَّدأَ الذى ملأَ الحواسَّ الخَمسَ..
والظمأَ الذى تَدْريهِ..
فاشرَبْ.. واسْقِنى..
وارسُمْ صليباً كالهلالِ..
وأَبْقهِ حُرًّا أَمامَ الذَّاهبينَ الرائحينَ..
هناكَ فى خطِّ الزوالِ
وأَبْقِنى
وارسمْ.. ودَعْهُ كى يَسُودَ على الحدودِ
بشكلِهِ البكرِ الجديدِ..
بما يُميِّزُهُ عن الأشكالِ..
أبْقِ عليهِ حرًّا كى يميل إلى اليمين..
أو الشَّمالِ..
فَيسْتضىء الرائحونَ الذاهبونَ بهِ
إليهِ ينتمونَ
ارسمْ.. وَزوِّدْنى عن السِّحرِ الحلالِ..
ودَاوِنى بجوامعِ الأمثالِ..
قد حانَ اعترافى أننى:
دنَّسْتُ رُوحى بالخطيئةِ..
أيها الآبُ المقدَّسُ: نَقِّنِى
أسلمتُ نفسى للغوايةِ..
كانَ ما قد كانَ
والشيطانُ حاصَرَنى
فيا ابْنَ أبِى: قِنِى
وارسمْ صليبا.. ثم دعْهُ لِى
لِألتمسَ الخلاصَ بهِ.. وأغْنمَ خَيرَهُ
دعنِى لأَنجوَ يا أخى بصليبِكَ المخطوطِ..
وارسمْ غيرَهُ
وتعالَ ننسِجْ فى الطريقِ شِباكَنا
من بعْضِ هذا الغزْلِ.. أو تلكَ الخيوطِ..
مبزُّ المعجزاتِ جَميعَها
بمسيحِها وصَليبِها
تعلُو على كلِّ الشروطِ..
لكيْ نردَّ الكائناتِ.. بَقضِّها وقَضيضِها
لبراءَةِ الكيْنونةِ الأُولَى
نُعيدُ نَعيمَ ما قبْلَ السقوطِ
إذ السَّلامُ سبيلُها.. والحبُّ قوتُ قُلوبِها
ولعلَّ -من يَدرىَ-
فقد يَتحولُ الوحشُ الذى فى داخلِ الإنسانِ
عن غاياتهِ
فتكُفُّ عن سفْكِ الدماءِ نُيوبُهُ
ويُبدِّلُ الحيوانُ فى الغاباتِ من عاداتهِ
والطيرُ والحشراتُ.. من أُسلوبِها!
فارسُمْ صليباً.. وادْعُهُ: شبَحَ الحقيقةِ
حين يسقطُ ظلُّ صالبِها
على مصْلوبِها
فَتذوبُ شمعَتُها.. يَغيبُ شعاعُها
ويُطلُّ باطلُها.. ليُشعِلَ شرَّ معركةٍ
يَحيدُ الحقُّ عن مغلوبِها
وارسمْ صليبا من تَعاشيقِ الزُّجاجِ..
يكونُ مرآةً لمن يأتى
من الأجيالِ والأفواجِ..
أو نَجما يُضىءُ..
علامةً لقوافلِ الحُجَّاجِ
ثم انثُرْ عليهِ من الزهورِ..
أو اطْلِهِ مرّ الدُّهورِ..
لخيْرِ مصلوبَيْنِ قد ماتا عليهِ:
»يسوع« و»الحلاَّجِ«
فلتصنَعْ صليبا.. واعتبِرْهُ بُوصلةً
حتى تُحدِّدَ ما يَحِقُّ -ولا يحقُّ- بهِ
ولكنْ -إن غُصِبتَ- تجاوَز الحدَّ..
الذى يَعدُو عليكَ:
إن استطعتَ الردَّ.. رُدَّ
ولا تُدِرْ للمجرمينَ الخدَّ
فَلتصنَع صليبَكَ..
لا يهمُّ من النُّضارِ..
أو اللُّجيْنِ..
أو الصفيحِ
أرسمْ صليبا يملأُ الأفقَ الفسيحَ..
وقفْ مكانَكَ.. وانتظِرْ
مهما انتظرتَ.. فإنَّهُ:
لن يُرجِعَ الرسْمُ المسيحَ!
ويا أخِى
إن كنت قد أَحْسسْتَ بالتَّعبِ
اسْترِحَ
دعْ ما صنعتَ.. وقلْ لَهُ:
ما أنتَ -لولا نحنُ-
إلا محض عارِضَتينْ من خشبِ تقاطَعَتا
مُجرَّدُ فِلقتيْنِ فقطْ
من الخشبِ!
استرحْ -إن شئتَ- أو فاصنعْ صليبا آخر..
اصْنعْهُ..
ونوِّعْ فى الطرازِ..
أرطلْهُ.. أو ربِّعْهُ..
أو رصِّعهُ بالحجرِ الكريم..
وزِنْهُ بالتشَبِ
اتَّخذْهُ تميمةً
يَتبرَّكُ الموتى بها فى القبْرِ..
أو حِرْزاَ من الأحرازِ..
تستكفِى به الأحياءُ فى أجسادِهمْ:
خَتْما على رُسْغ الفتى
وشما على عَضلاتِهِ
أو زينةً بعلامةٍ فتَّانةٍ
تهتزُّ فى نحْرِ الفتاةِ..
على الهِلاليْنِ اللذيْنِ:
يُكوِّرانِ مَشارفَ الهَديْنِ..
يكْتنفِانِ أطرافَ الحقيقةِ بالمجازِ!
فَدعْهُ..
دعْ هذا الصليبَ الماجِنَ المحظوظَ..
يَلْهو كيفَ شاءَ هناكَ:
حيثُ احتَلَّ ذاكَ الحيِّزَ الملحوظَ..
دعْهُ الآن يلعبُ فى مُروج النورِ..
يمرحُ وحدَه
فى هضْبِة البلُّورِ..
أما أنتَ..
لترسُمْ صليباً جامعاً
لا مانعاً
هو للإناثِ وللذكور..
وللقريَب وللبَعيد..
وللغنىِّ وللفقير..
فإن صنعْتَ.. فَوفِّه حقَّ الأرَوُمَةِ..
صِلْهُ بالنّسَبِ..
اجتنِبْ شَطحاتِ أَهْلِ الفنِّ فى تصنيعِهِ
لا تَسْتجبْ لمغامراتِ الشكلِ..
كىْ يَبقَى يذكِّرُ بالصليب الأصلِ:
»مِفتاحِ الَحياةِ«
ارسُمْ صليباً.. وادْعُهُ:
عيْنَ المعاناةِ
التى -شيئاً فشيئاً- قد تكوَّنَ ماؤُها
من كلّ من ذرَفَ الدموعَ..
وعاشَ: لم يشْكُ الضَّنَى والجُوعَ..
أو من كِّل من نزفَ الدماءَ..
وظلَّ بين مدينةِ الأحياءِ والأمواتِ..
حتى ماتَ.. أو فقدَ الرجاءَ..
أرسُمْ كأنَّ الأرضَ قد وَبِئتْ.. وقُلْ:
طُوبَى لمن شَهِدَ الوباءَ..
ارسمْ صليبَكَ يا صديقُ..
وكُنْ على حذَرٍ
كأنَّكَ فوق مُنحدَرٍ
فَتسقُطُ تارةً وتَقومُ..
قُمْ.. وارسمْ
فموعِدُ ساعةِ الدَّيُنونةِ..
كاد َيجىءُ.. بلْ جاءَ!
ارسُمِ الأخيارَ.. والأشرارَ
والآباءَ.. والأبناءَ..
ولْتَجعلْ إِزاءَ الخَاطِئينَ:
الأبْرِياءَ..
تَهيَّأ الفِرْدوْسُ..
واسْتَعَرَ الجَحيمُ..
الحَكْمُ -هذا اليومَ- لابْنِ الله - والإنسان..
فليَقْضنِ القضاءَ:
«السَّيدُ» الأُقنومُ..
أمَّا أنتَ.. فَلترسُمْ على عجلٍ
تَحاكِى الماءَ..
فى جرَيانِهِ
وتثبِّتُ الأشياءَ..
أو فارسمْ.. كأنَّك -إن رسمتَ-
سَتنقِذُ الفقراءَ..
أو فارسمْ كأن الرسْمَ:
يسمعُ من فِم المرضَى الدُّعاءَ..
ويَسْتجيبُ لهُ
فيكتشِف الشفاء..
ارسمْ على مهْلٍ
كأنكَ تُطعمُ الجَوْعَى الثَّريدَ..
وتلهمُ الشعراءَ!
وَلْتتخيَّلِ البُؤَساءَ..
وقد أتَوْا يَتطلعونَ معاً إلى ما قد رسمتَ..
ويهتِفونَ:
الربُّ صارَ لنا الفِداءَ..
ارسمْ لهمْ
هم يَملِكونَ اليومَ شيئاً من حُطامِ الكوْنِ..
غير سَرابِ مملكةٍ
يلوحُ لهمْ برجْمِ الظنِّ..
فلترسمْ لهمْ.. لكنْ حَذارِ.. حَذارِ..
لا تَأمَنْ على الأرضِ السماءَ!
ارسمْ.. ولا تَخْشَ المغََبّةَ
واجْعلِ الشرَّ: الضَّميَر الحُرَّ
والدِّينَ المحبَّةَ..
أو -إذا شِئتَ- اصْنعِ الآنَ الصليبَ
كما تُريدنهُ
على النَّحوِ الذى تَهواهُ:
فَوفْهُ.. وزخْرِفهُ..
وإن أَسْرفتَ فى تمويههِ
فاَعْقِفهُ..
حتى ربَّما لو -فجأةً-
رجَعَ المسيحُ اليومَ..
لم يَعرفْهُ
أو فَأدِرْهُ بيْنَ يديْكَ..
حتى إن تكوَّرَ مثلَ قُنبلةٍ
فحاذِرْ منهُ..
كى لايَنسِفَ الدنيا وما فيها
بنارٍ منه مُرسَلةٍ
وبادِرْ أنتَ.. فانسِفْهُ!
لِتأمَنَ شرَّهُ الآتى
وما سَيليهِ..
أو فى وجْهِ من يسْعَى لذبْح أخيهِ..
فاقذِفهُ
كذلكَ يَسْتبين الحدُّ..
إذ يبقَى الصليبُ الفردُ..
حيًّا كالمسيِح الحىِّ صاحبِهِ
له الملكوتُ فى عليائِهِ
والمجْدُ
يَسْمو كلَّما نَسمُو
ويَنكفئُ الصليبُ الضِّدُّ..
فَلْتختَرْ صليبكَ يا أخى
مهما يكنْ عندَ الخِيارِ الجَهْدُ..
كلاَّ.. لا تُقِمْ لغريزةِ العُدوانِ فيكَ:
كنيسةً
فَتَدقَّ بالأجراسِ!
أنتَ صَنعتَ فى يومٍ: صليبَ الزَّيْفِ..
من خامِ الحديدِ..
أو البُرونْزِ..
أو النحاسِ..
وجِئتَ مُنتمِياً إلى هذا الصليبِ السيفِ..
أنتَ شَحذَْتَ شَفرتَهُ
حصَدْتَ بهِ رُؤوسَ الناسِ..
كم بالأمسِ قد أَشعلتَ من حربٍ مقدسةٍ
ضحاياها قَضَوْا
من سائرِ الأديانِ والأجناسِ..
فلترسمْ صليبَكَ من جديدٍ يا صديقُ..
بحيثُ يتَّحدُ الصليبُ بمن عليْهِ
ارسمْ بحيثُ تُجسِّدُ الغيْبىَّ..
وارسمْ يا أخى فى المرْئىِّ..
لِتُتَرجمَ المجهولَ بالإحساسِ..
هيَّا يا صديقى
إنْ يكن لابدَّ من رسمِ الصليبِ اليومَ..
فلترسمْ صليباً خافتاً
كلَّ الخُفوتِ!
اسمعْ لَهُ
وتعلَّمِ التعبيرَ منْهُ..
حِين يَنطِقُ بالسَّكوتِ
فيطمئِنُّ الطيِّبونَ لهُ
وتَبتهجُ الأراملُ والثكالى فى البيوتِ
ارسمّْ لنفْسِكَ يا صديقُ.. ولى
كأنِّى واحدُُ من حامِلىِ:
هذا الصليبِ الشاعرِ.. المتكلَّمِ
الخَجِلِ.. الصَّموتِ!
ارسَمْ صليباً مانعاً
لا جامِعاً
واجعلْ لهُ فى الرسْمَ:
حدّاً قاطعاً
من أجْلِ فصلِ القُوتِ -فى الأَيْقونةِ الكُبرَى
فَاْرسمْ لنفْسِكَ يا أخى
فأنا صَليبِى لايُرى بالعيْنِ
ليس بذِى كِيانٍ
بلْ صليب كائنُُ
فى لا مكانٍَ!
لا صليب بين صُلبانٍ..
فهَيَّا: ارسّم صليبَكَ
فاتساعِ جروح أرضِكَ كلِّها
فبشرَقِها.. وبغرْبِها
بشماِلها.. وجنوبِها
صَلِّبْ صليَبكَ يا صديقُ..
وإن يكنْ لابدَّ من تجميلِهِ
جَمِّلْهُ.. ثم أحمِلْهُ وحدَكَ
تحتَ وهْجِ الشمسِ..
أو فى الرِّيحِ حالَ هُبوبِها
فإذا الِّرياحُ محَتْهُ..
فانْحتْهُ..
وبشِّرْ بالخلاِص الناسَ..
واكْرُزْ تحتَ ظلِّ صليبِكَ المنحوتِ
فى الملَكوتِ..
أنتَ الآنَ أَصبحْتَ الصليبَ الحقَّ..
يُمِكنُ أن تُسافِرَ فى الزمانِ..
بحيثُ تَحيا الفِصْحَ..
تَمتِحنُ النصوصَ بما جَرى
حتى تَصِحَّ
الآنَ يمكنُ أن تهاجِرَ فى المكانِ..
كما تَرى
قدْ تَرتقِى جَبلاَ لِكىْ تعِظَ الوَرَى
من فوقِهِ
أو تنَقِى سهْلاً.. وتُسْدِى النُّصحَ..
أنتَ الآنَ يمكنُ أن تَجوبَ الأرضَ:
تبدأُ عَبْرَ أَدْناها
وتسعَى فى قُراها
ثم تبلغُ مُنتهاها
حيثُ تجلِسُ تحتَ ظلِّ شُجيْرةٍ
توطةٍ.. أو نخلةٍ
ستكونُ قد أَنْهيتَ أوَّل خُطوةٍ
فى رحلةٍ
فخرجتَ من عَتَبٍ.. إلى عتبٍ
وقدْ تَغفُو قَليلاً تحتَ هذا الظِّل
حتى يَسْتريحَ الجِسمُ من تعَب
وتحلُمُ بالصليبِ الطَيِف.. أشْباهاً
وتَتُلو ما تيسَّر من نصوصِ »العْهدِ«.. أَوَّاها
وتذكرُ الحِبيبا
فاذكُر صديقَكَ..
كلَّما اسْتيقظْتَ من نومٍ هناكَ..
أذكُرْ صديقَكَ يا صديقُ..
وإن يكنْ لابد من رسمِ الصليبِ:
فلا غَضاضة يا أخِى
دَعْنى أنا
كى أرسُمَ اليومَ الصَّليبَا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.