ميلاديّات (7) فرح انتظار الرّبّ مسيرتنا نحو عيد التّجسّد الإلهي هي مسيرة فرح انتظار الرّبّ. فكما أنّ مريم حملت الطّفل الإلهي في أحشائها، وانتظرت تسعة أشهر حتّى انبلج منها كالفجر، كذلك نحن نحمله في داخلنا وننتظره وهو الحاضر فينا، " وهو الّذي أعطانا أن نلمسه ونأكله ونقبله في داخلنا "، كما يقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم. عادة، تكون حالة الانتظار مرتبطة بشخص لم يأتِ بعد، وقد تحمل في ذاتها حزناً وقلقاً. إنّما مع المسيح تختلف حالة الانتظار في نوعيّتها إذ إنّنا ننتظر السّاكن فينا والحاضر بيننا كلّ حين. هو انتظار من نوع آخر يتخطّى الزّمان، وترقّب لتجلّيات الرّب المستمرّة يرتفع عن المكان، ما يجعل من حياتنا مسيرة انتظار للّذي أتى ويأتي. إنّه فرح التّحرّر من كلّ قيود العالم الماديّة والرّوحيّة، فنفرغ ذواتنا من كلّ شيء حتّى نمتلئ من الكلمة، وتكون لنا الحياة. كذا يقول الرّبّ: "جئت لتكون لهم الحياة، وتكون وافرة" (يو 10: 10). لذا فإن صمنا أو امتنعنا عن مغريات هذا العالم فلا يكون هذا الامتناع مرحليّاً أو عادة نمارسها بفتور وبرود، وإنّما هو شوق لحضور السّيّد فينا أكثر فأكثر ممزوج بالانجذاب الكلّي نحوه. فوَهو الكامل فينا نحتاج أن يكون حاضراً أكثر فأكثر، حتّى نعيش ملء المحبّة ونصل إلى ملء قامة المسيح. إنّ آباءنا القّديسين عاشوا هذه المسيرة طيلة حياتهم وتأمّلوها بصمت ورهبة، لذا ورغم كلّ ما عانوه من آلام وصعوبات كانوا يحملون في داخلهم يسوع المسيح، منتظرين تجلّياته في حياتهم بفرح ، واثقين أنّه آتٍ لا محالة، وذلك لأنّ الإنسان كريم في عيّنيّ الرّبّ. إنّه القيمة الّتي خلقها الله على صورته كمثاله، وها هو يأتي إلى صغرها ليرفعها ويسمو بها إلى قدس مجده العظيم. السّيّد يأتي ليبحث عنّا ويعيدنا إلى الفرح، ويدخل بيوتنا ويتعشّى معنا ولا يتوانى عن قبولنا كما نحن، مهتمّاً أبداً بالخير الّذي أعدّه لنا. في كلّ الأديان يبحث الإنسان عن الله، ويمضي عمراً بأكمله في بحث مستمرّ، وقد لا يجده أو لنقل قد يكوّن مفهوماً مغايراً عنه. وأمّا في المسيحيّة فالله أتى بنفسه ليبحث عن الإنسان ويلتقي به ويبني معه علاقة حميمة تظهر له بهاء الله وجماله وتكشف له إنسانيته وقيمتها. فمن وجد المسيج وجد نفسه ومن لقي المسيح التقى الله. أيّها المسيح الإله الحبيب، ها إنّنا ننتظر ميلادك بفرح عظيم، فأهّلنا نحن الضّعفاء بشفاعة والدة الإله الكّلّيّة القداسة، أن نتأمّل سرّك العظيم، ونغوص في عظمة رحمتك الّتي هي فوق كلّ إدراك. أنت وحدك الّذي يليق لك كلّ الحبّ والمجد والإكرام، مع أبيك وروحك الحيّ القدّوس، الآن وكل أوان وإلى دهر الدّاهرين.