" نفسه ياخد دُش قبل ما يموت " جملة ليست من فيلم كوميدى بل هى جملة قالها " عم حسن " وقبل أن أعرفك على عم حسن دعنى أضف إلى معلوماتك عزيزى القارىء أن هناك 6مليون مصرى يعيشون فى المقابر بين الموتى فى ظروف معيشية وصحية متدهورة للغاية وسط تجاهل المسئولين ، صديقى " الحسين حسان " أسس حملة " مين بيحب مصر " وأخبرنى عنها وعن أن هذه الحملة تبنت قضية سكان القبور والعشوائيات وأن هدفها هو مساعدة هؤلاء الناس ومحاولة إيجاد سكن آدمى مناسب لهم وبذلك أصبحت مسئول الإتصال السياسى بالحملة ، وفى يوم قررنا زيارة بعض هؤلاء الناس فى مساكنهم لنتحدث معهم ونرى معاناتهم على أرض الواقع وبالفعل ذهبنا إلى مقابر " المجاورين " والتى تقع بالقرب من حديقة الأزهر بالدّراسة وأعتقد أنك سمعت عن حديقة الأزهر عزيزى القارىء وربما تكون رأيتها ورأيت كم هى رائعة ومساحتها شاسعة ويتوافد عليها آلاف الزائرين ليتنزهوا ويستمتعوا بوقتهم بالذات فى الأعياد وأعتقد أنك ربما تكون لمحت مقابر " المجاورين " من بعيد ولكن من المؤكد أنه لم يخطر ببالك أن تلقى نظرة على سكانها ، لم يخطر ببالك قط أن ترى كيف يمكن أن يعيش الأحياء جنبأ إلى جنب الموتى ، لا تقسو على نفسك عزيزى القارىء فالمسئولين فى الدولة أنفسهم لم يضرهم أن يكون هناك مكان يمثل أبسط معانى الحياة اللاآدمية بجانب مكان رائع مثل حديقة الأزهر ؛ مكان للتنزه يرى الإهتمام بجانب مكان يضم الموتى اللذين ارتاحوا مع الأحياء اللذين شقوا وتعبوا فى هذا البلد ولا يرون سوى الإهمال والتجاهل . أثناء جولتنا تحدثنا مع بعض ساكنى المقابر ويا لهول ما سمعت منهم, استوقفنى منهم ثلاث شخصيات ؛ أولهم " محمد بسيونى " وهو عامل باليومية فى الثلاثينات من عمره وأسرته مكونة من خمسة أفراد ويعيشون بغرفة صغيرة تحتوى على مقبرة مدفون بها خاله وعمه والعديد من أقاربه !! نعم عزيزى القارىء يسكن هو وزوجته وأولاده جنباً إلى جنب أقاربه المتوفين بلا دورة مياه ولا صرف صحى والملفت أيضاً أنه عندما يخرج يغلق المكان بالقفل على زوجته وأولاده خوفاً عليهم من أن يقعوا فريسة لبلطجى أو مغتصب ، وعندما تحدثت معه أخبرنى بأنه نزل فى ثورة 25يناير أملاً فى حياة أفضل ثم نزل مرة أخرى فى ثورة 30يونيه استكمالاً لأمله ولكن للأسف ذهبت آماله أدراج الرياح ولم يجد التغيير الذى يبحث عنه ؛ فقبل الثورتين كان مطحوناً وبعدهما ظل مطحوناً ، ثانيهم كانت السيدة " كريمة محمد " والتى جاءت لتسكن فى الحوش وهى عروس عمرها 16عاماً والآن عمرها 68عام ، وآخرهم " عم حسن " والذى ولد فى المقابر وعاش عمره كله بها وكل حلمه غرفة صغيرة بدورة مياه يعيش بها ليومين فقط وقال لى " نفسى آخد دُش قبل ما أموت " ! . مهما تحدثت أو وصفت لك عزيزى القارىء لن أستطيع أن أوصل لك شعورى الحقيقى بالأسف والأسى لهؤلاء الناس وللحال الذى وصل إليه الناس فى مصر ، وأتساءل وأتعجب من إبراهيم محلب رئيس الوزراء والذى يعلم أن هناك مئات الملايين من الجنيهات المهدرة من قبل الشركة المصرية لتجارة الجملة برئاسة أيمن سالم والتابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية برئاسة حسن كامل ومع ذلك لم يتخذ أى موقف ولم يحاول حسابهم أو إسترداد الأموال المهدرة والتى هى من حق هؤلاء الغلابة، نعم أموال الدولة من حق هؤلاء الغلابة ليعيشوا حياة كريمة مثلهم مثل أى إنسان فى هذا البلد ، بأى حق يعيش الفاسد فى هذا البلد مستمتعاً بأموال الدولة وأموال هؤلاء المساكين اللذين يضطرون للحياة جنباً إلى جنب الموتى بلا صرف صحى وبلا مياه نظيفة وبلا أبسط حقوقهم فى الحياة الكريمة وكل ذلك والحكومة تتجاهلهم وتتجاهل وجودهم ، من أجل ذلك انضممت إلى حملة " مين بيحب مصر " لكى أطالب بحق هؤلاء المنكوبين من سكان المقابر فى مسكن آمن به صرف صحى وبه مياة نظيفة وبه أبسط أدوات الحياة الآدمية الكريمة ، انضممت للحملة لكى أوصل أصواتهم المتألمة للمسئولين ولكل من يرغب بالتعاون وتقديم يد العون لهم ، وأدعو كل مصرى يحب بلده أن يضم صوته لصوتنا ويساعدنا لنخرج بهؤلاء الناس من المقابر الموحشة للنور ، لسكن كريم وآمن ، لنخرج بهم من بؤر الفقر والبطالة والمرض ، فلا صلاح لهذا البلد طالما بها مخلوق مطحون مظلوم وللأسف مصر بها أكثر من 6 مليون مطحون .