موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    عُمان تستضيف اجتماع لجنة الشرق الأوسط بالأمم المتحدة للسياحة    البنك المركزي يسحب سيولة بقيمة 3.7 تريليون جنيه في 5 عطاءات للسوق المفتوحة (تفاصيل)    محافظة أسوان تستعد لإطلاق حملة التوعية "اعرف حقك" للأمان الإلكترونى    «القومي للمرأة» ينظم تدريب لميسرات برنامج نورة بسوهاج وأسيوط    الخارجية الإماراتية: لولا الدعم المصري ما استطاع أحد إيصال المساعدات إلى غزة    قبل لقطة كلوب.. كيف خطفت زوجة صلاح الأنظار في كل ختام للدوري الإنجليزي؟    "عبر الفيديو كونفرس".. اجتماع بين اتحاد الكرة وكاف والأهلي بخصوص تنظيم نهائي أبطال أفريقيا    يورو 2024، أول تعليق من راشفورد على قرار استبعاده من قائمة إنجلترا    لست وحدك يا موتا.. تقرير: يوفنتوس يستهدف التعاقد مع كالافيوري    "بشرى سارة لجماهير الأهلي".. قناة مفتوحة تعلن نقل نهائي دوري أبطال أفريقيا (فيديو)    الحماية المدنية تسيطر على حريق محل أدوات منزلية بالجمالية    بها 17 طعنة.. العثور على جثة شاب مجهول الهوية في نجع حمادي    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكى بالطريق الأوسطى    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    «الأعلى للثقافة» يُعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة 2024    بهجة العيد وتلاقي التهاني: عيد الأضحى المبارك 2024 على الأبواب    علم فلسطين وحجاب في أبرز إطلالات سابع أيام مهرجان كان    كيف تحمى نفسك من الإجهاد الحرارى؟ وزارة الصحة تجيب فى إنفوجراف    دعاء اشتداد الحر عن النبي.. اغتنمه في هذه الموجة الحارة    «الجنايات» تقضي بإعدام مدرس الفيزياء قاتل طالب المنصورة    الجيش الإسرائيلى يعلن اغتيال قائد وحدة صواريخ تابعة لحزب الله فى جنوب لبنان    مصدر سعودي للقناة ال12 العبرية: لا تطبيع مع إسرائيل دون حل الدولتين    "السرفيس" أزمة تبحث عن حل ببني سويف.. سيارات دون ترخيص يقودها أطفال وبلطجية    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    تعرف على تطورات إصابات لاعبى الزمالك قبل مواجهة مودرن فيوتشر    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جهاد الدينارى تشارك فى المحور الفكرى "مبدعات تحت القصف" بمهرجان إيزيس    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    رئيس الوزراء يتابع عددًا من ملفات عمل الهيئة المصرية للشراء الموحد والتموين الطبي    «الرعاية الصحية» تدشن برنامجا تدريبيا بالمستشفيات حول الإصابات الجماعية    الجامعة العربية والحصاد المر!    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    المالية: بدء صرف 8 مليارات جنيه «دعم المصدرين» للمستفيدين بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    تفاصيل حجز أراضي الإسكان المتميز في 5 مدن جديدة (رابط مباشر)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    هالاند.. رقم قياسي جديد مع السيتي    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصليب الأحمر.. هل أصبح منظمة للتواطؤ الدولي؟!
نشر في شباب مصر يوم 12 - 07 - 2010

شباب مصر حسام خفاجى : بعد أن سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية على العالم كله بأنظمته وحكوماته ومؤسساته، أعطت لنفسها حقوقاً جديدة، وأضافت معاني جديدة للكلام، ولم يعترض أحد إلا قليلاً، وعن حياء أمام القوة التي بهرت العالم، لم تنتظر الاعتراف بالمصطلحات الكلاسيكية القديمة، بما فيها صلاحيات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية، وإنما نفذت دون إذن مفاهيمها الجديدة التي تتناسب مع حجم انتصاراتها اللامتناهية، وعلى هذا النهج نفسه تعاملت منظمات الصليب الأحمر الدولي المنتشرة في أكثر من ثمانين دولة من دول العالم وارتضت أن ترضخ للأمر الواقع وللضغوط المتعاقبة سواء من جانب الولايات المتحدة أو من أوروبا أو حتى من "إسرائيل"، ولأن الرضوخ للأمر يسلب المنظمات هيبتها فقد تخلت أو كادت تتخلى منظمة الصليب الأحمر عن دورها الحقيقي في سبيل المحافظة على الدعم المادي الذي يتم دفعه سنوياً للمنظمة، وأكبر دليل على ذلك التواطؤ الذي حدث من المنظمة في تغطية جرائم الاحتلال في العراق وفي فلسطين وغيرها من الدول التي تكتظ بها الأحداث والحروب. في هذا الملف نفتح الحوار لإبراز دور اللجنة الدولية للصليب، وهي تلك المنظمة المحايدة والمستقلة وغير الحكومية من حيث طبيعتها، وتشغيلها بعد أن أسندت إليها الدول مهمة حماية ومساعدة ضحايا النزاع المسلح، بعد أن ناهز عمرها المائة والأربعين عاماً، وبعد أن أصبحت تواجه انتقادات جادة ولاذعة بسبب سياستها الغامضة في كل من العراق وفلسطين والسودان، وحيث اتسم أداؤها بالضعف، إلى جانب صمتها المطلق عما يحدث من انتهاكات لاتفاقيات جنيف، مما جعل أصابع الاتهام تشير إليها، وإلى دورها في تغطية جرائم الاحتلال الأمريكي للعراق. وقبل أن نفتح هذا الملف لا بد أن نعود قليلاً للوراء لنتعرف على نشأة المنظمة. الزمن: 24 يونيو (حزيران) 1859. المكان: سولفرينو، بلدة في شمال إيطاليا. حيث اشتبك الجيشان النمساوي والفرنسي في معركة ضارية، وبعد ست عشرة ساعة من القتال كانت الساحة تغطى بأجساد أربعين ألف من القتلى والجرحى، وفي مساء اليوم نفسه وصل مواطن سويسري يدعى (هنري دونان) إلى المنطقة في رحلة عمل، وهناك أفزعه منظر آلاف الجنود من الجيشين الملقين في ساحة القتال بدون تقديم أي خدمات طبية أو إسعافات، وسرعان ما وجه (هنري دونان) نداءً إلى أهالي بلدة سولفرينو طالباً منهم تقديم المساعدة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هؤلاء الجنود ورعاية الجرحى مطالباً إياهم بالعناية بالجنود الجرحى من الجانبين بدون أي تفرقة لهم وعند عودته إلى سويسرا نشر (هنري دونان) كتاب (تذكار سولفرينو) الذي سرد فيه قصة تلك الواقعة مختتماً كتابه بتوجيه ندائين إلى العالم بأجمعه "النداء الأول يدعو فيه إلى تشغيل جمعيات إغاثة في وقت السلم تضمن ممرضين وممرضات مستعدين لرعاية الجرحى وقت الحرب، أما النداء الثاني يدعو فيه إلى الاعتراف بالمتطوعين الذي يقدمون تلك المساعدات في أوقات الحرب وحمايتهم بموجب اتفاق دولي مع ضمان سلامتهم". وفي عام 1863 شكلت في جنيف ((جمعية جنيف للمنفعة العامة)) وهي جمعية خيرية بمدينة جنيف، وهي لجنة تضم خمسة أعضاء لبحث إمكانية تطبيق أفكار (دونان) وأنشأت هذه اللجنة التي ضمت (غوستاف موانييه) و(غيوم - هنري دوفور) و(لوي آبيا) و(تيودور مونوار) بالإضافة إلى (هنري دونان) وأطلقت على نفسها ((اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى)) والتي أصبحت فيما بعد ((اللجنة الدولية للصليب الأحمر)) وبعد تأسيس اللجنة شرع مؤسسوها الخمس في تحويل الأخطار التي طرحها (هنري دونان) في كتابه (تذكار سولفرينو) إلى واقع وتلبية لدعوتهم ونداءاتهم المتواصلة انعقد أول مؤتمر لهم في جنيف بحضور ممثلين عن 16 دولة وأربع جمعيات إنسانية وكان ذلك في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1863، ويعتبر هذا المؤتمر هو اللبنة الأساسية لمنظمة الصليب الأحمر، والذي اعتمد فيه الشارة المميزة ((الصليب الأحمر على أرضية بيضاء)) وتلا هذا المؤتمر العديد من المؤتمرات حتى استطاعت الحكومة السويسرية أن تعقد مؤتمراً دبلوماسياً في جنيف عام 1864 شارك فيه ممثلو اثنتي عشرة حكومة من أجل إضفاء الطابع الرسمي على حماية الخدمات الطبية في ميدان القتال والحصول على اعتراف دولي بالصليب الأحمر، واعتمد ممثلو اثنتي عشرة حكومة المشاركون في المؤتمر معاهدة بعنوان (اتفاقية جنيف) لتحسين حال جرحى الجيوش في الميدان والتي أصبحت أولى معاهدات القانون الإنساني، وعقدت مؤتمرات أخرى لاحقة من أجل توسيع نطاق القانون الأساسي ليشمل فئات أخرى من الضحايا كأسرى الحرب مثلاً. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية انعقد مؤتمر دبلوماسي هام استمر مدة أربعة أشهر واعتمدت على أثره اتفاقيات جنيف الأربعة في عام 1949 التي قررت حماية المدنيين في أوقات الحرب، وأكملت هذه الاتفاقيات في 1977 ببروتوكولين إضافيين الأهداف والمهام. وبالرغم من الجهود المبذولة على المستويات كافة من أجل تحقيق الرفاهية والسلام لشعوب الأرض وخاصة في أعقاب الحرب العالمية الأولى والثانية، إلا أن النزاع المسلح أصبح السمة المميزة للواقع البشري، والذي اختار السلاح وسيلة لحسم الخلافات، مما ينجم عنه حروب ودمار ويسفر عن قتلى ومصابين، واعترافاً بهذا الواقع المرير تسعى دائماً ((اللجنة الدولية للصليب الأحمر)) للحفاظ على قدر من الإنسانية في خضم الحرب، من أجل هذا تتبنى مبدأً مهماً وهو أن للحرب حدوداً، بمعنى أنه حتى القتال له قيود على كيفية القتال وقيود على سلوك المقاتلين، تلك القيود التي اعتمدها المجتمع الدولي على صيغة اتفاقيات جنيف، وتعمل ((اللجنة الدولية للصليب الأحمر)) على المراقبة والمساعدة في تنفيذ اتفاقيات جنيف، وتعتبر مهمة اللجنة الدولية هي حماية ومساعد الضحايا المدنيين والعسكريين للنزاعات المسلحة والاضطرابات الداخلية على أساس صارم من الحياد وعدم التحيز وتشمل مهامها: زيارة أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين بالإضافة إلي البحث عن المفقودين بجانب نقل الرسائل بين أبناء الأسر التي شتتها النزاع، وكذلك إعادة الروابط الأسرية بين العائلات التي دمرت بسبب النزاعات المسلحة مع توفير الغذاء والمياه والمساعدة الطبية للمدنيين المحرومين من هذه الضروريات الأساسيات، مع نشر المعرفة بالقانون الإنساني، ومراقبة الالتزام بهذا القانون، والأهم لفت الانتباه إلى الانتهاكات والإسهام في تطور القانون الإنساني، وتتمتع اللجنة الدولية بقدر كبير من الحرية والاستقلال في ممارسة عملها، مما يعطي قدراً كبيراً من الحرية والمرونة لخدمة المصالح الحقيقة لضحايا النزاعات المسلحة. إن دور اللجنة الدولية الخاص قد عهدت إليه من قبل الدول خلال الصكوك المتعددة للقانون الإنساني، وتحاول اللجنة الدولية المحافظة على حوار مستمر مع أطراف النزاعات المسلحة والدول كافة حتى يكون في وسعها تأدية دورها المنوط به، ورغم أن ((اللجنة الدولية للصليب الأحمر)) قد نشأت عن مبادرة سويسرية، فإن عملها ونطاق اهتماماتها اكتسبت الطابع الدولي حيث إن للمنظمة مندوبين في نحو 60 دولة عبر أنحاء العالم، بينما تمتد أنشطتها لتشمل أكثر من 80 دولة، ويعمل معها عدد من الموظفين أغلبهم من مواطني البلدان التي تعمل بها، ويوفر نحو 800 شخص الدعم والمساندة اللازمين لعمليات ((الصليب الأحمر)) انطلاقاً من مقرها في جنيف، وتغطي البعثات الإقليمية تقريباً جميع البلدان غير المتضررة من النزاعات المسلحة مباشرة، وتضطلع هذه البعثات بمهمات محددة تتصل بالأنشطة الميدانية من جهة والدبلوماسية الإنسانية من جهة أخرى، ويساعد وجود هذه البعثات في منطقة من المناطق على رصد تطور الأحداث الخطرة المحتملة، وعلى العمل كجهاز إنذار مبكر وهو ما يسمح للجنة الدولية بالاستعداد للعمل الإنساني السريع عند الضرورة. و((اللجنة الدولية للصليب الأحمر) منظمة غير متميزة ومحايدة ومستقلة، وهي غير حكومية من حيث طبيعتها وتشغيلها، وقد أسندت إليها الدول مهمة حماية ومساعدة ضحايا النزاع المسلح، من خلال اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، تلك المعاهدات التي خلفت عن جدارة اتفاقية جنيف الأولى 1864، وأن مهمة ((اللجنة الدولية للصليب الأحمر)) ووضعها القانوني يميزانها عن كل من الوكالات الحكومية الدولية كمنظمات الأمم المتحدة مثلاً، والمنظمات غير الحكومية وفي غالبية البلدان التي تعمل فيها عقدت اللجنة الدولية اتفاقيات مع السلطات، ومن خلال هذه الاتفاقيات التي تخضع لأحكام القانون الدولي تتمتع اللجنة الدولية بالامتيازات والحصانات التي لا تمنح عادة سوى للمنظمات الحكومية الدولية، وتشمل هذه الحصانات الحصانة القضائية التي تحمي اللجنة من التعرض للملاحقة الإدارية والقضائية وحصانة المباني والمحفوظات، وغيرها من الوثائق والممتلكات وهذه الامتيازات والحصانات لا غنى عنها للصفة الدولية، حيث تكفل شرطين ضروريين للعمل الذي تضطلع به أولاهما الحياد والاستقلال. ويتولى رئاسة ((اللجنة الدولية للصليب الأحمر)) حالياً (د. جاكوب كيلينبرغر) وزير خارجية سويسرا السابق، وقد شهدت مؤخراً فترة من النشاط غير المسبوق في مجالات العمل الإنساني، ورغم كل ما سبق والذي يؤكد بطبيعته استقلالية وحياد ((اللجنة الدولية للصليب الأحمر))، فإن هناك الكثير من الأصوات ترتفع من حين إلى آخر متهمة إياها بالتواطؤ مع قوات الاحتلال الأمريكي في العراق وقوات الاحتلال "الإسرائيلي" في فلسطين، وأن ((منظمة الصليب الأحمر)) تقوم بتغطية على جرائم الحرب في العراق، ولعل ذلك الاتهام يرجع إلى ما حدث في سجن أبو غريب. د. علي عاكف الباحث ب((مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيية)) يقول: فجر اكتشاف جرائم التعذيب البشعة التي ارتكبها الجنود الأمريكيون والمرتزقة في سجن أبو غريب وغيرها من السجون العراقية، وفي معتقل (غوانتنامو) أيضاً صدمة لدى الرأي العام العربي، ولم تكن الصدمة فيما فعلته القوات الأمريكية، بل الصدمة الكبرى كانت في ((اللجنة الدولية للصليب الأحمر)) وصمتها المطلق إزاء ما حدث في سجن أبو غريب، وما يحدث في العراق بصفة عامة، ومكمن الصدمة يتمثل فيما أعلنته اللجنة الدولية للصليب الأحمر نفسها عن أن رئيسها (جاكوب كيلنبرغر) قد أبلغ كلاً من (كولين باول) وزير الخارجية الأمريكي آنذاك و(كوندوليزا رايس) مستشارة الأمن القومي السابقة بوقوع انتهاكات في سجن أبو غريب، كما حث الإدارة الأمريكية على القيام بعمل تصحيحي في هذا السجن، وتوضح اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلا أن المسؤولين الأمريكيين أهملوا هذه القضية، ولم تنشر اللجنة الدولية تقريرها عن هذه الانتهاكات أمام الرأي العام إلا بعد أن فجرت وسائل الإعلام القضية، ومن المدهش أن مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر كانوا شهوداً مباشرين على أساليب سوء المعاملة أثناء زيارتهم للسجن في أكتوبر 2003، وأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، رداً على هذا الانتهاكات أوقفت زيارتها للسجن ليفعل الأمريكان ما يحلو لهم، والجدير بالذكر أن تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول سجن أبو غريب المكون من 24 صفحة ظل طي الكتمان، ولم ينشر إلا بعد توجيه النقد للجنة الدولية لسكوتها عما يحدث في سجن أبو غريب إلى جانب تراخي اللجنة الدولية في إنقاذ مدينة الفلوجة العراقية، وتأخر المساعدات تجاه سكان المدينة، بحجة منع قوات الاحتلال لأعضاء اللجنة الدولية من ممارسة عملهم، ويؤكد عاكف أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لم تقم بدورها المطلوب منها في العراق، بل هناك عيوب شائنة وملحوظات لا تقبل الشك عن وجود تواطؤ دولي من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق مع القوات الأمريكية، ويزال الغموض والالتباس إذا ما علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بالمساهمة بحاولي 25% من ميزانية اللجنة الدولية، والاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر، وقد سبق للولايات المتحدة استخدام هذا الدعم من أجل إجبار الحركة على أن تعتبر ((نجمة داود الحمراء)) إحدى شارات الحركة الدولية للصليب الأحمر، وهددت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ستمتنع عن دفع اشتراكاتها المالية لمؤسسات الحركة، بالإضافة إلى إيقاف دعمها المالي والرسمي لعمليات الإغاثة التي تقوم بها مؤسسات الحركة الدولية. ويؤكد د.
منير وهبة من ((مركز الحرية لحقوق الإنسان بالقاهرة)) أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر يجب أن تغير من سياساتها تجاه ما يحدث في كلٍ من فلسطين والعراق، فإن عمر المنظمة يناهز المائة والأربعين عاماً بذلت خلالها جهوداً مضنية من أجل خدمة أهدافها السامية، إلا إن سكوتها وتخاذلها ومساهمتها في التغطية على جرائم الاحتلال في العراق يمثل انتكاسة خطيرة في تاريخ المنظمة الدولية، فشهود العيان في العراق وخاصة في منطقة الفلوجة قد ذكروا أن مساعدات الصليب الأحمر تأخرت تماماً، وإن الصليب الأحمر التزم الصمت تجاه الانتهاكات الأمريكية ويوضح وهبة أن هذا الموقف ليس في العراق فقط بل يمتد إلى فلسطين التي شهدت مظاهرات حاشدة أمام مكتب الصليب الأحمر في غزة والضفة، وقاموا بتسليم ممثل الصليب الأحمر في الأراضي المحتلة "رفائيل كارون" رسالة أعربوا فيها عن ضرورة قيام الصليب الأحمر بدور فعال في مساعدة الشعب الفلسطيني وحمايته من المجازر اليومية التي ترتكب بحقه، وطالبوا بضرورة قيام الصليب الأحمر بفضح الانتهاكات "الإسرائيلية" أمام العالم وهيئة الأمم المتحدة، ويعرب وهبة عن دهشته من موقف الصليب الأحمر الصامت فيما يحدث في الأراضي العربية، وتيارات تبين موقفها مما يحدث للفلسطينيين وموقف من الجنود "الإسرائيليين" الذين قام ((حزب الله)) باحتجازهم، حيث هب مطالباً بتوفير الحماية الفورية لهم، وطالبوا العالم بممارسة الضغوط على ((حزب الله)) من أجل حماية الجنود "الإسرائيليين" وبين موقفه من الفلسطينيين حيث عمدت إلى تخفيض عدد العاملين في الأراضي المحتلة إلي جانب تقليص عملياتها في الضفة الغربية احتجاجاً على اعتداء "الإسرائيليين" على قوافلها الطبية، وكأنها تعاقب "الإسرائيليين" وليس الفلسطينيين! وهذا أيضاً ما فعلته في العراق بعد تفجير مقرها في بغداد حيث أوقفت عملها ببغداد احتجاجاً على هذا الانفجار الذي يعكس آراء البعض من موقفها المتخاذل مما يحدث في العراق. بينما يرى د. مصطفى بدوي الخبير ب((مركز الوحدة للدراسات السياسية بالقاهرة) أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد شهدت مؤخراً انتقادات حادة من جانب الرأي العام، نتيجة للقصور الذي شاب عملياتها في العراق وفلسطين والسودان، ويؤكد أن للوبي الصهيوني دوراً كبيراً في تراخي المنظمة عن القيام بدورها، ويبرهن بدوي على ذلك من خلال تراجع اللجنة الدولية للصليب عن رأيها في الاستيطان، وأنه يمثل جريمة حرب حيث كان (كلينبرغر) رئيس اللجنة الدولية للصليب أعطى جواباً في هذا المعنى في رسالة وجهها إلى بعض أعضاء مجلس النواب الأمريكي، وسرعان ما هب اللوبي الصهيوني مما حث المنظمة أن أعلنت على لسان (فينسان لوسير) المتحدث الرسمي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن اللجنة الدولية تؤكد "أنها لن تستخدم بعد الآن تعبير جريمة حرب في حديثها عن الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية"، إلى جانب ما أعلنه (إيمانويل ناخشوم) المتحدث باسم وزارة الخارجية "الإسرائيلية" لوكالة الأنباء السويسرية، "أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قدمت اعتذاراً إلى (ياكوف ليفي) السفير "الإسرائيلي" لدى الأمم المتحدة في جنيف"، وأضاف "إن إسرائيل تعتبر الحادث انتهى"!، تلك الحادثة تدل على مدى توغل اللوبي الصهيوني إلى حد اعتذار اللجنة عن رأي أعرب عنه رئيسها، إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تقف صامتة عما يحدث في العراق وفلسطين والسودان وتلقي دائماً باللوم على الجانب العربي، تلك اللجنة التي برأ تقريرها جيش الاحتلال "الإسرائيلي" عما حدث في مخيم (جنين) وتقريرها المشبوه الذي أدان المدنيين العزل أصبحت تمثل عبئا على الجانب العربي، حيث تستخدم أدواته من جانب قوات الاحتلال الأمريكي في تعقب المطلوبين، إلى جانب عدم تدخلها إلا بعد انتهاء العمليات العسكرية، مما يعني سقوط الكثير من الضحايا، وأن من أهم مهام اللجنة الدولية للصليب الأحمر وحسب قانونها الأساسي هو لفت الانتباه إلى الانتهاكات ومراقبة الالتزام باتفاقية جنيف، وإلى الآن لم يصدر تقرير يدين ما يحدث في العراق وكأن ما يحدث في سجون العراق ومدنه لا يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، بل يمتد إلى السخرية من العرب أن يعلل (جاكوب كيلينبرغر) رئيس منظمة الصليب الأحمر، تأخر المساعدات إلى عدم توافر الحماية اللازمة، رفض (كيلينبرغر) الحماية العسكرية من قبل القوات الأمريكية معلناً أنه لن يعمل من خلال أي حماية عسكرية، ولن يسمح لأي قوة بابتلاعهم، وهو في الوقت نفسه يطلب الحماية حتى تستطيع اللجنة الدولية القيام بمهامها، فأي حماية يطلبها؟ لعله يطلب حماية العراقيين المحتلين العزل!، ويؤكد بدوي "أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ستستمر على نهجها، ما دامت الولايات المتحدة تتحكم في مجريات الأمور من خلال مساهماتها بأكثر من ربع ميزانية اللجنة ومادام العرب قابلين بتهميش دورهم"

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.