كانت برلمانات مبارك صورةً صادقةً لنظامه بتوجُّهاته وتوجيهاته نحو ممارسة البلطجة السياسية .. ولم يكن من المأمول أن يكون عضو البرلمان أكثر من بلطجي سياسي نجح بالتزوير والبلطجة أو بالتحالفات القبلية البغيضة التي تُقَرْصِن على الحياة السياسية في المناطق المتخلفة، أو بتعيين حسني مبارك نفسه صاحب الضربة الجوية في قلوبنا وصاحب ثقافة كبر دماغك و بلْطِج ودوس على قلب الشعب دوس. وقد كانت شخصية البرلماني عموماً صورة صادقة لتلك المرحلة التي تركزت فيها السلطة والثروة في أيدي قلة بغيضة مهمومة بتزوير إرادة الشعب وسفح أمواله وتهريبها والاستيلاء على أراضي الدولة ، وتقوية الصلة بينها وبين النظام الحاكم والحصول على امتيازات خاصة ومنافع مؤقتة ، غير ما هنالك من معارضة شكلية مشتراة كانت تساهم في ترسيخ دعائم النظام وممارسة المماينة والمهادنة السياسية مقابل وجودها الشكلي الذي كان يحافظ النظام الحاكم عليه أكثر من الأحزاب المهادنة نفسها. ولم يكن مستغرباً أن يكون نائب الشعب بلطجياً كبيراً أو مهرباً دولياً ابن غسالة أموال، أو قبَليّاً متخلفاً زعيم عصابة القبيلة ، أو رأسمالياً مصاص دماء مهموم بالقروض والمتاجرة في الشعب وبالشعب، أو ممايناً سياسياً رخيصاً يبوس اليد والقدم، أو سياسياً شكلياً جاهلاً و "شُرَّابة خرج" ، أو نفعياً محترفاً يجيد المشي تحت إبط النظام. ومن ثم فلا غرو أن يكون ضمير البرلماني ميِّتاً وصدره خالياً من الحس الوطني والمروءة، لا يهمه المحافظة على مصالح الوطن والمواطن، وأخلاقه "يوك" شاذة أو نشاز أقرب إلى أخلاقيات البلطجية وأبناء الشوارع، وألفاظه ألفاظ عربجية، ومنطقه غريب مِعْوَج، وثقافته ضحلة ملوثة أقرب إلى ثقافة الحسالات وأبناء الزناة الذين يعيشون بغير شرعية أو نسب يؤكد انتماءهم للشعب المصري الذي صدَّر الحضارة إلى العالم غير نادم. بالتأكيد إن صورة البرلماني بعد الثورة سوف تكون مختلفة أو لابد أن تكون مختلفة من حيث الثقافة والأخلاق والوطنية والإخلاص للعمل السياسي المهموم برفعة الوطن والمواطن وسموهما. من المهم أن يكون البرلماني المصري صورة لشعب مصر أمام العالم الذي تعلم كيفية التحضر من هنا.. من مصر وليس من غيرها .. من المهم أن يكون البرلماني معبراً عن هذه الحضارة الكامنة في دمائنا والتي نترجمها في سلوكياتنا وأساليب حوارنا وتعاملنا مع الآخرين، وتعبر عن رؤيتنا للحياة بشكل عام.. من المهم أن ينضح البرلماني ثقافة شعبه، وأن يكون مُشِِفَّاً عنها منتمياً بشدة إليها، عندما يتحلى بأخلاقيات الحوار الراقي وأساليب التعامل الحضاري بداية من اختيار اللفظ إلى أسلوب الحوار انتهاءً بالسلوك العملي المتحضر، ليس لشيء إلا لأنه قدوة وحامل أمانة ونموذج راقٍ ، اختاره الشعب ليمثله ويعبِّر عنه.. فكل نائب برلماني ومهما تكن الفئة أو الجماعة أو الفصيل أو الحزب أو القبيلة التي انتخبته هو في النهاية نائب الأمة وصاحب رسالة باتجاه مجمل الوطن ، وهو فوق هذا قدوة لأبناء وطنه، يقف في نفس المكان الذي وقف فيه زعماء مصر وقادتها وقدوتها على مدى التاريخ السياسي المصري. لا نتمنى أن تكون صورة البرلماني بعد الثورة أنيل وأزفت وأخس من صورة البرلماني في عهد حسني مبارك، وأن تكون ألفاظه أقرب إلى ألفاظ العربجية والحَمَّارة وأبناء الزناة. لاشك أنني من المعجبين ببداية مجلس الشعب القوية، وكم الاستجوابات المقدمة، ونوعية القضايا التي يناقشها، ومعجب بشدة بأداء المجلس وحماسه ووطنية أعضائه، وأتمنى له استمرار التوفيق بنفس الحماس والقوة .. كما أنني معجب بالحس الوطني المسيطر على النقاشات والاهتمامات وأسلوب العمل.. إن برلمان الثورة يجب أن يكون ابن شرعي للثورة التي هبت بسبب استشراء الفساد وتدهور أخلاقيات الشعب بتدهور أخلاقيات النظام الحاكم الذي لم يكن همه سوى ازدراء الشعب وثقافته، ولم يكن أكثر من نظام معني بوضع رأس الشعب بين سندان الأزمات الشديدة ومطرقة البوليسيين الجبابرة الأغبياء. ومن ثم كانت الفضيلة والأخلاق هما الضحية أمام اشتداد الأزمات وطغيانها، ولذلك إذا ما كنا ننشد أن يكون البرلماني قدوة فيجب أن يكون ذلك متمثلاً في أخلاقياته وثقافته قبل أي مكون آخر في شخصيته. فليس البرلماني هو من يجيد القدرة على الجعجعة أو الهتاف أو الاعتصام أو المزايدة أو سلاطة اللسان، غير أنه ليس طالب الشهرة، أو الثورجي الأرعن أو العاشق لمبدأ "خالف تُعرف" أو السبَّاب اللعَّان، كما أنه ليس صاحب الأسلوب المتدني الرخيص، أو الخطيب الأجوف، أو الإمعة السمج، أو المخلص للجماعة أكثر من إخلاصه للمجموع. إننا ننشده أخلاقياً وطنياً مخلصاً ،عفيف اليد واللسان، قوي الحجة سليم المنطق والبيان، موضوعياً، واعياً بقضايا وطنه وأمته والعالم، مثقفاً راقي الأسلوب، وإن لم يكن كذلك فليبحث له عن شعب آخر غير شعبنا ليمثله. من المهم أن نبدأ بداية صحيحة ونظيفة وقوية، ليس على المستوى السياسي فقط بل على المستوى الأخلاقي والثقافي أولا ، ومن المهم أن يكون البرلماني قدوة المرحلة .. هي دعوة لرجال البرلمان المصري أن يكونوا عند هذا المستوى الأخلاقي والثقافي الذي يشف عن حضارة هذا الشعب وأخلاقه وثقافته. [email protected]