هو رجل جلس يوما يحدّث ويقول: أوصاني خليلي (سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم) بسبع.. أمرني بحب المساكين والدنو منهم.. وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني، ولا أنظر إلى من هو فوقي.. وأمرني ألا أسأل أحد شيئا.. وأمرني أن أصل الرحم.. وأمرني أن أقول الحق وان كان مرّا.. وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم.. وأمرني أن أكثر من: لا حول ولا قوة إلا بالله. ولقد عاش أبو ذر الغفاري هذه الوصية، وصاغ حياته وفقهه، حتى صار "ضميرا” بين قومه وأمته.. وقال عنه الإمام علي رضي الله عنه: ”لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر” عاش يناهض استغلال الحكم، واحتكار الثروة.. عاش يدحض الخطأ، ويبني الصواب.. عاش متبتلا لمسؤولية النصح والتحذير.. يمنعونه من الفتوى، فيزداد صوته بها ارتفاعا: ويا ليت المسلمين استمعوا يومئذ لقوله ونصحه.. إذن لماتت في مهدها تلك الفتن التي تفاقم فيما بعد أمرها واستفحل خطرها، وعرّضت المجتمع والإسلام لأخطار، ما كان أقساها من أخطار ما زالت قائمة إلي اليوم ... لنعيش مع أبو ذر سكرات الموت في الربذة.. المكان الذي نفي أليه اثر خلافه مع عثمان ، فتعالوا بنا إليه نؤد للراحل العظيم تحية الوداع، ونبصر في حياته الباهرة مشهد الختام. وهو يقول لهذه السيدة السمراء الضامرة، الجالسة إلى جواره تبكي، ابنته.... ويسألها: فيم البكاء والموت حق..؟ فتجيبه " لأنك تموت، وليس عندي ثوب يسعك كفنا.. ذلك رجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا، ومن ثم أفاء الله عليه نور البصيرة.. ومن ثم مرة أخرى أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر فتحاشاها.. كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت من وبال وخطر، فتحاشاه أيضا، ورفع صوته لا سيفه بكلمة الحق ولهجة الصدق، لا أطماع تغريه.. ولا عواقب تثنيه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبو ذر بعد معركة تبوك : " يرحم الله أبا ذر.. يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده"" كم نحتاج أن نتأسى هذه الأيام العصيبة بأبي ذر الغفاري ومعارضته السلمية ولكن بصوت جهوري يصل صداه إلي الجميع .. والأهم للسلطة الظالمة التي تستأثر بالثروة وتحرم منها الشعب .. دون أن يقتل أو يحرق .. رحمك الله يا أبا ذر فما حاربت ضده وضحيت من أجله ومت وحيدا بسببه في صحراء جرداء مازال يسيطر علينا حتى اليوم ومازال السادة يستأثرون دون شعوبهم بالسلطة والثروة كم نحتاج من يسيرون علي دربك اليوم يا أباذر كم نحتاج أن تتأسي بسيرتك العطرة .. ولو فعلنا ذلك ما كان هناك اليوم لا وهابية ولا إخوان ولا قاعدة ولا داعش .ولا شيعة. ولا كان هناك حكام ظالمون يدعون أنهم خدام الحرمين الشريفين وهم مجموعة من القتلة واللصوص أحفاد بني أمية .. فهم وشيوخهم لا يعبرون عن الرسول ولا عن رسالته العظيمة التي حاول أبو ذر الغفاري أن ينبه لها المسلمين منذ أربعة عشر قرنا فلم ينصتوا إليه .. ولكنها عبرت عن حال المسلمين المزري اليوم ..عن حال أمة يغيب عنها العدل والمساواة و احترام حقوق الإنسان الضعيف .. وتنتشر بينها ثقافة العنف .. التي تودي بأرواح الغلابة ممن لا ذنب لهم .. الإسلام هو تلك الرسالة التي فهمها أبو ذر الغفاري أفضل فهم .. كما فهمها علي بن أبي طالب رضي الله عنهما .. وليس إسلام الطلقاء من بني أمية الذي يسيطر علي المسلمين هذه الأيام .. رحم الله أبا ذر الغفاري .. كم نحتاجه هذه الأيام عمرو إسماعيل كاتب وباحث مصري