البلطجية وناهبي ثروات الشعب ومصاصي الدماء وأصحاب الامتيازات التي فقدوها يقولون : (آسفين يا ريس). فالمليارت المنهوبة ما زالت في أيدي اللصوص وأيدي نسائهم وأبنائهم ، وما زالوا على دأبهم يستأجرون البلطجية، ويدفعون لهم بسخاء من أجل أن يقفوا في عناد شديد وبلاهة أشد ليقولوا : آسفين يا ريس. لو كان هؤلاء أصحاب قضية فعلا لعرفناهم من منطقهم و مستوى ثقافتهم، ولكن لأن ثقافتهم الضحلة تفضحهم ومنطقهم الفاسد لا يستقيم مع فداحة ما ارتكبه النظام السابق من جرائم، ولأنهم لا يعرفون غير ترديد عبارات جوفاء يجاهدون أنفسهم على ترديدها وحفظها بصعوبة، لذلك أجزم أنهم بلطجية مأجورون. هم معذورون على أية حال، فقد كانوا ضحية نظام فاسد حرمهم من حق الحياة ومن الثقافة ومن الوظيفة، ومن الحلم بحياة نظيفة، وأشعل في حياتهم حرائق الأسعار وباع مصانعم ونهب ثرواتهم وتركهم نهباً للجوع والتعطل ومن ثم راح يستأجرهم لتنفيذ جرائمه. كان النظام يعرف ما يصنع، وهو يفسد أخلاق أبناء هذا الشعب، وهو يصَّنع جيشاً أسود من المرتزقة الجياع ، وكان يطمئن لهم ، فهم بلا عقول ولهم أصداغ وأكتاف وعضلات ، ولديهم طاقة الشباب وفتوته ، وهو لديه المال اللازم لاستئجارهم، اليوم يستأجرهم باعتبارهم عضلات أيضاً، ولكن بعد تجميل ملبسهم، وتحفيظهم بعض العبارات والشعارات التي تبدو نبيلة ومتسمة بوفاء الكلاب، ليقف بهم في ميدان مصطفى محمود، أو أمام أكاديمية الشرطة أيام جلسات محاكمة المخلوع. أما بعيداً عن هؤلاء البلطجية ومن يدفعون لهم فلا يوجد أحد يمكن أن يقول لحسني مبارك: آسف، غير أصحاب الامتيازات التي فقدوها، وبعض المتسلطين الشرطيين الذين يُزوِّرون شهاداتهم أمام القضاء لتبرئة نظام كان يسمح لهم أن يستمروا في وظائفهم كمصاصي دماء. وربما بعض المثقفين غير الحقيقيين الذين كانوا يستمتعون بعلف النظام في حظيرته الطرية، وبعض الأشخاص المتغولين من نواب الحزب المنحل. ولأني لم أكن يوماً من مثقفي النظام الذي انهار؛ لذلك لن أقول لحسني مبارك: آسف، كنا نعرف أننا أحرار هذا الوطن وحماة ثقافته في الوقت الذي كنا متأكدين فيه أنهم سيذهبون إلى مذبلة التاريخ حتى وإن لم يسقط حسني مبارك؛ فالتاريخ الحقيقي يحفل بالحقيقيين، ويُسقط النخبة التي لم ينتخبها أحد، هؤلاء الذين فتحوا كروشهم قبل عقولهم، ودخلوا حظيرة النظام طوعاً واستبدوا مع استبداده، ورضوا أن يكونوا سلعة تُشترى، وأن يملأوا ضمائرهم بحواسهم . ولأني لست واحداً من الإرهابيين السلطويين الشرطيين الذين يحملوا على أكتافهم طيوراً معدنية ميتة، وقلوب أكثر مواتا وهم يسحلون ويكهربون ويعذبون ويقطعون لحم أبناء هذا الوطن خلف غرفهم الموبوءة بانتهاك حقوق الإنسان، ربما لذلك لن أقول لحسنى مبارك :آسف. ولأنني لست من بلطجية النظام لن أقول لحسني مبارك آسف، كنا نعرف أنهم أشرار، يتبعون نظاما شريراً يدفع لهم بسخاء، من أجل إفساد الحياة السياسية، وتزوير الانتخابات وإرهاب الأحرار من المعارضين والشرفاء. ولأنني لست لصًًا، ولست واحداً من لصوص النظام الذين تفرقت بهم السبل مع ملياراتهم، بين هارب ومسجون وفلول تترنح بأموالها وتختبئ خلف المأجورين والمرتزقة من البلطجية الذين لا يزالون يبحثون عن لقمة عيشهم التي اعتادوا عليها؛ لذلك لن أقول لحسني مبارك: آسف. ولأنني لست مُطبِّعا، ولست ممن يسترضون الصهاينة أو يسعون إلى كسب ودهم على حساب قضايا الأمة ومصيرها ومستقبل أجيالها، لذلك لن أقول لحسني مبارك :آسف. ولأنني لم أكن واحداً من مهربي الآثار، وتجارها، لن أقول لحسني مبارك: آسف، كنا نعلم أنهم يستولون على آثار مصر ويتاجرون بها في الداخل والخارج، لدرجة أنهم أرادوا استصدار تشريع يسمح لهم بفتح متاحف خاصة، هكذا كانوا أكثر وقاحة وهم يعلنون عن امتلاكهم لآثار كثيرة تسمح لهم بفتح متاحف خاصة. إذا كان من آسف فسوف أتوجه به إلى هذا الشعب، الذي حاصره النظام بحصار الفقر وأمية الثقافة، وفصل بينه وبين مصادر ثقافته الحقيقية، كنا نعلم أن النظام يسير بنا إلى الهاوية، واكتفينا في أغلب الأحيان بالرفض الصامت، ربما لذلك يجب أن نعلن الآن عن أسفنا لهذا الشعب. كنا نعلم أن أموال الشعب المنهوبة تملأ خزائن أوروبا في الوقت الذي يقف فيه المطحونون من أبناء الشعب تحت لهيب الشمس في طوابير مؤلمة من أجل الحصول على رغيف خبز غير صالح للاستخدام الآدمي. كنا نعلم أن النظام يُفسد العقول ويميع الرأي، ويزدري ثقافة الشعب، كما كان يسعى إلى إفساد العدالة وازدراء القضاء. كنا نعلم، وكنا نعلم واكتفينا طويلا بالصمت ، ربما لهذا يجب أن نعرب للشعب عن أسفنا. آسف أيها الشعب العظيم الصبور، وأدعوك إلى اجتياز المرحلة بكثير صبر، وإصرار على صنع شيء حقيقي من أجل مستقبل أبنائنا ومن أجل مصير هذا البلد الحضاري العريق.