هناك مقولات سجلها التاريخ لعدد من زعماء مصر.. كل مقولة منها تدل علي مكان هذا الزعيم وفكره ومواقفه ومدي انتمائه لشعب مصر. »هم لسّة شافوا حاجة؟« هذه العبارة الشريرة هي آخر ما وصلنا من اقوال الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك. وقد تسربت الينا عن طريق واحد من الاطباء الشبان الذين يشرفون علي علاجه في محبسه بالمستشفي العسكري. وقد تناقلت الصحف العبارة ونشرتها في عناوين الصفحة الأولي وقد تأكد صدور هذه المقولة من رئيس مصر السابق عن طريق شاهدة عدل لا يمكن الشك في صدقها ونزاهتها وتحريها للحقيقة هي المستشارة الفاضلة نهي الزيني التي وقفت في وجه نظام مبارك في عنفوان قوته وكشفت كقاضية عن تزوير انتخابات مجلس الشعب في عام 5002. وقد اكدت المستشارة الزيني صدور هذه العبارة من مبارك في حوار تليفزيوني مع الاعلامي الشهير خيري رمضان في برنامج هنا العاصمة وذلك نقلا عن احد اصهار الرئيس السابق المقربين. وعبارة »هم لسّة شافوا حاجة؟« تفوح منها كل معاني الكراهية والشماتة والرغبة في الانتقام والانفصال الكامل عن الشعب المصري الذي عبر عنه الرئيس السابق باستخدام كلمة »هم«.. وهو نفس الاستخدام الذي جاء في خطابه الخائب الذي وجهه الي الشعب قبل ان يرحل عن الحكم واصفا شهداءنا بكلمة »شهداءكم«.. بمعني انهم ليسوا شهداءه.. فهم ينتمون الينا ولا ينتمون اليه إلا اذا كان يمكن ان يكون هناك انتماء بين القاتل والمقتول، والعبارة ايضا تدل علي التآمر.. فما الذي يقصده مبارك بقوله اننا لسّة ما شفناش حاجة وذلك تعقيبا منه علي بعض احداث الفوضي الامنية التي حدثت مؤخرا.. أليس هذا القول يعد اعترافا منه بأنه علي علم بما دبر وما يدبر للوطن من مؤامرات؟ وأليس هذا القول هو تعزيز لقوله ان علي الشعب ان يختار بينه وبين الفوضي؟! ألا يدل ذلك صراحة علي انه يقف خلف الثورة المضادة هو وعملاؤه الذين يقبضون بالدرهم والدولار والريال والشيكل الإسرائيلي من أصحاب جماعة »احنا آسفين يا ريس« و»انت ابونا يا ريس« فعن أي شيء يتأسف هؤلاء المرتزقة ويعتذرون؟! هل يعتذرون عن حكمه الرشيد الذي دام ثلاثين عاما من الظلم والنهب وضياع الأحلام وهو ان شعب مصر علي الاصدقاء قبل الاعداء؟ وبأي أمارة هو أبوهم وقد كان يعيش منفصلا عن الجميع بفكره وجسده في محمية بشرم الشيخ بجانب جريمته الكبري في انه اراد ان يورث الوطن لابنه الذي ابغضه الناس. فأي حاكم وأب هذا الذي لم يفكر في صالح الشعب الذي يحكمه.. والذي لم يعرف قلبه الرحمة بابناء الوطن. ولم يفكر في عدالة السماء حتي وهو يواجه موت أعز الاحباب. لقد كان المفروض ان يعتذر مبارك إلي شعب مصر عن الجرائم التي ارتكبها نظامه او علي الاقل ان يقول مثل زميله المخلوع بن علي للشعب التونسي »فهمتكم«.. ولكنه لم ينطق بكلمة تدل علي الاعتذار أو علي انه قد فهم.. ومازال علي عناده وغطرسته التي اوصلته الي مصيره التعس.. ومازال يكابر ويتوعد الشعب المصري ويهدده بأنه ماشافش حاجة ويا كل احزاب وطوائف وفصائل شعب مصر.. اتركوا جانبا كل خلافاتكم حتي لا تساعدوا علي تحقيق النبوءة المشئومة لمبارك.. ويكفي ما رأيناه مدة ثلاثين عاما في ظل حكمه غير الرشيد. أقوال.. وأقوال! هناك مقولات سجلها التاريخ لعدد من زعماء مصر.. كل مقولة منها تدل علي مكان هذا الزعيم وفكره ومواقفه ومدي انتمائه لشعب مصر. منذ سجل التاريخ للزعيم احمد عرابي باشا وقفته امام الخديو توفيق في ميدان عابدين وصيحته التي خلدها الزمن »لقد خلقنا الله احرارا.. والله لن نستعبد أو نورث بعد اليوم«. أما الزعيم مصطفي كامل باشا فإن عبارته الخالدة التي يهتز لها وجدان كل مصري هي »لو لم أكن مصريا لوددت ان اكون مصريا«. ومن اقوال الزعيم سعد باشا زغلول قوله »الحق فوق القوة.. والأمة فوق الحكومة«. وكان الزعيم جمال عبدالناصر هو صاحب عبارة »ارفع رأسك يا اخي فقد مضي عهد الاستعباد«. أما الزعيم انور السادات فهو القائل بعد الانتصار علي إسرائيل »سوف اذهب إلي آخر الدنيا.. لو كان في ذلك حقن لدماء ابنائي.. فإذا وصلنا إلي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك فإن أهم اقواله التي جاءت علي لسانه خلال ثلاثين عاما من الحكم فهي: »إما أنا.. أو الفوضي وخليهم يتسلوا هم لسة شافوا حاجة«. وصحيح كل اناء ينضح بما فيه. عتاب للمستشارة نهي الزيني! أحمل للمستشارة نهي الزيني احتراما واعجابا شديدين.. فهي نموذج للمرأة المصرية الشجاعة المستنيرة.. وموقفها البطولي من تزوير انتخابات 5002 معروف لكل الناس.. وقد شاهدتها مؤخرا في حوار في برنامج العاصمة مع الإعلامي الصديق خيري رمضان.. واعجبت بتحليلها للمرحلة الانتقالية التي نعيشها بعد الثورة. ولكن فلتسمح لي المستشارة الفاضلة ان اختلف معها في قضية من تلك القضايا الكثيرة التي أثيرت معها.. وارجو ان اكون قد أخطأت في فهمها او اسأت السمع. فقد ذكرت السيدة المستشارة في حوارها التليفزيوني انها كانت من الذين قالوا »لا« في الاستفتاء علي تعديل مواد الدستور الذي تم في مارس الماضي وانها كانت تري ضرورة أن يأتي الدستور اولا قبل الانتخابات وهو نفس الرأي الذي تبناه معظم خريجي القانون وانا واحدة منهم.. ولكن المستشارة الفاضلة عادت تقول انها عدلت عن رأيها لانها اكتشفت يوم المظاهرة التي قامت بها القيادات السلفية في ميدان التحرير ان عددهم يتعدي المليونين وانها باعتبارها تؤمن بالديمقراطية وباحترام رأي الاغلبية فإنها عادت واتفقت معهم علي خريطة الطريق التي اختاروها لأنهم الاغلبية.. وانها رغم معرفتها بأن النتيجة سوف تكون غير جيدة الا انها تنزل علي رأي الاغلبية! ويا سيدتي المستشارة الفاضلة.. لقد ازعجني كثيرا قولك أن السلفيين لمجرد تواجد مليونين مهم في يوم تجمعوا فيه من كل انحاء البلاد في ميدان التحرير انهم الاغلبية؟ من أين جاء لك هذا اليقين؟ وماذا عن ملايين المصريين الذين لم ينزلوا إلي ميدان التحرير أو أي ميدان آخر وهم من مؤيدي الثورة.. وانا واحدة من هؤلاء.. فلم انزل التحرير واشارك في فعاليات الثورة لسبب قهري هو انني كنت مصابة بكسر مضاعف في ذراعي.. وكانت أقل حركة وأي لمسة تؤلمني ألما مبرحا بحيث كان من المستحيل ان انزل التحرير أو حتي انزل من فراشي.. ثم انني رأيت ان مشاركتي بالرأي والكتابة لا تقل اهمية عن التواجد الفعلي ما دام لدي العذر القهري وهناك ملايين مثلي لم ينزلوا التحرير أو أي ميادين أخري لاسباب مختلفة تخصهم.. لكنهم ساعة الجد والانتخابات التي تحدد مصير الدولة التي نريدها ديمقراطية مدنية سوف ينزلون بإذن الله.. انهم حزب الكنبة كما يطلق عليهم البعض.. ثم هناك ملايين من الشباب الثائر الذي يؤمن بمدنية الدولة.. وهناك الاحزاب المختلفة.. ومن هنا فأننا لا نستطيع ان نقول ان السلفيين.. بالمعني الحزبي الضيق هم الاغلبية.. فكل مسلمي مصر سلف. ولكنهم لا يخلطون الدين بالسياسة بل هم يؤمنون بوسطية الدين الاسلامي التي يقودها الازهر الشريف.. ثم ان اقوال بعض السلفيين تجعلنا نقلق علي المستقبل.. وآخر ما قرأته علي لسان واحد من شيوخهم ان المرأة لا يجوز لها ان تنتخب او تُنتخب.. ومن باب أولي ان المرأة لا يجوز لها ان تكون قاضية او سفيرة او وزيرة او رئيسة للجمهورية.. فإذا كانت هذه هي نظرتهم للمرأة المصرية التي شاركت ودفعت ضريبة الدم في الثورة.. فما الذي ينتظر منهم من اراء أخري متطرفة؟ ربما تمنع اراءهم المرأة من التعليم ومن الخروج من بيتها والمشاركة في الحياة العامة.. وربما يخفي بعضهم الآن آراءه التي يمكن ان تعيدنا إلي عصور الجاهلية.. فالإسلام كرم المرأة ورفع من شأنها واعطاها من الحقوق ما لم تعطه لها قوانين دول الغرب.. اعطاها الذمة المالية المستقلة واعطاها حق اختيار زوجها وحق الاحتفاظ باسم عائلتها كما اعطاها حق التعليم والعمل.. وقد شاركت النساء في مبايعة الرسول صلي الله عليه وسلم.. ودافعت إحدي النساء عن الرسول الكريم في غزوة أحد بالسيف.. وكانت النساء يشاركن في الحروب.. وعين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب امرأة وزيرة للمالية او مراقبة علي الاسواق.. وقال عمر رضي الله عنه »اصابت امرأة واخطأ عمر« حينما ناقشته امرأة في المسجد في قضية المهور وكل هذه الأمور يعرفها أصغر دارس للشريعة الإسلامية.. فأحكام الشريعة وضعت لكي تطبق في كل زمان ومكان.. ومع ذلك فهناك من يريد تقزيم دور المرأة المسلمة اي نصف الامة وقهرها وحرمانها من حقوق المواطنة ثم ان القضية ليست فقط قضية المرأة وانما هي ايضا قضية الرؤية المستقبلية للوطن في جميع المجالات.. قضية اخوتنا الاقباط.. وقضية ابنائنا الذين يعملون في السياحة وفي البنوك وفي الفنون.. وعشرات القضايا الأخري التي تنتج عن التشدد وعن رفع أعلام دولة اخري في يوم هذه المظاهرة التي افزعت الكثيرين. لقد ازعجني ان يكون رأيك يا سيدتي المستشارة ان التيار السلفي هم الاغلبية.. وحتي لو كانوا كذلك فعليهم ان يطلبوا من بعض مشايخهم ألا يفزعوا الناس بأقوالهم التي لا تتمشي مع جوهر احكام الشريعة التي تتسم بالسماحة واحترام حقوق الناس، لذلك يا سيدتي المستشارة ارجو ان اكون قد اسأت فهم قولك أنك مادمت تؤمنين بالديمقراطية فانك تنزلين علي رأي الاغلبية حتي ولو كانت النتيجة ليست جيدة.. فما دامت النتيجة ليست جيدة فإن الديمقراطية تقول بأن اقف أمامها وان أقول »لا« حتي لو وقفت وحدي. أبنائي رجال الشرطة.. عودوا إلي حضن مصر اعترف بأنني منحازة بعواطفي لرجال الشرطة.. ولماذا لا انحاز وزوجي الراحل و»ابو اولادي« رحمه الله عليه كان رجل شرطة؟! وقد عشت معه اربعين عاما خبرت خلالها طيبة قلبه وتدينه وانسانيته في التعامل مع الناس.. حتي المساجين في الليمان الذين التقيت ببعضهم وجاءوا لزيارته في بيته بعد خروجهم من السجن وصفوه بأنه كان ضابط سجن انسان.. وأنه أول ضابط سجون يسمح للسجناء بالقيام بنشاطات فنية.. وقد سجل ذكرياته في السجن في كتاب صدر تحت عنوان »مذكرات ضابط ليماني«. وقد دفع زوجي مثل كثير من ضباط الشرطة ثمنا غاليا من صحته بسبب حادث وقع له أثناء ادائه الخدمة.. وأجري جراحة خطيرة بسبب الحادث تم فيها استئصال إحدي كليتيه التي تهتكت وكان عمره وقتها خمسة وثلاثين عاما..وعاش بعدها العمر كله بكلية واحدة.. نقلت له اثناء العمليات المتعددة التي اجريت له واستمرت عامين كاملين كميات كبيرة من الدم كانت ملوثة بفيروس »سي« فأصيب مع الزمن بتليف في الكبد وعاني في السنوات الاخيرة من عمره من سرطان الكبد الذي مات بسببه.. وهناك مئات ان لم يكن ألوف من رجال الشرطة الذين اصيبوا واستشهدوا وهم يقومون باداء واجبهم في حفظ الامن وحماية أرواح المواطنين واملاكهم واعراضهم.. ولكن الغريب ان احدا لم يعد يذكر لرجال الشرطة سوي انحرافات بعضهم.. وهم اقلية بالنسبة لعدد رجال الشرطة الذين يعدون بمئات الالوف.. وطبعا فانني أول من يوافق علي توقيع عقاب صارم علي كل من يخرج علي القانون من رجال الشرطة.. وخصوصا هؤلاء الذين قاموا بالتعذيب.. وبالقتل.. مثلهم في ذلك مثل اي مجرم عادي.. لكن ذلك لا يعني ان يظلم جميع رجال الشرطة الشرفاء.. وقد عرفت منهم الكثيرين. لقد سبق ان كتبت في يوميات نشرت قبل الثورة ان هيبة الشرطة من هيبة الدولة.. وقد اصبحت أشد ايمانا بهذه الحقيقة.. خاصة بعد ان حدث ذلك التوتر الغريب في علاقة الشرطة بالشعب.. وهو أمر لابد ان يوضع له حد حتي ينتهي لان الحياة بدون أمن تصبح مستحيلة. ويا رجال الشرطة الشرفاء.. لا اعتقد انه يرضيكم ما يحدث في مصر الان بسبب غيابكم وبالامس فقط علمت من رجل أمن العمارة التي اسكنها عم »محمود«.. المواطن المكافح الصالح ان ابنه الشاب مصطفي قد اصابه البلطجية في حي روض الفرج بالرصاص في عينه.. وان شظية قد استقرت في قاع العين.. وانه يحتاج إلي ثلاث عمليات لاستخراج الشظية واصلاح العين.. وانه يحتاج الي مبلغ عشرة آلاف جنيه للعمليات.. او لقرار لعلاجه علي حساب الدولة. ان مأساة عم محمود وابنه مصطفي تتكرر في كل يوم.. وفي كل ساعة وفي كل حي وشارع.. وقد ادرك الآن كل المصريين -ماعدا البلطجية - ان محاولة عزل الشرطة عن الشعب هي مؤامرة مدبرة لاجهاض الثورة.. بل للقضاء علي الدولة.. ويكفي ان نتذكر ما يتوعدنا الرئيس المخلوع به من »أننا لسّة ياما حنشوف«.