»كُتب علينا أن نرث الدم ونرفض الكفن ونتربص بأبناء قريتنا لنواجههم بالموت فنثأر لآبائنا وأجدادنا.. كُتب علي أطفالنا أن يولدوا في غيبتنا وأن يحرموا من أبوتنا عشرة أو خمسة عشر عامًا خلف أسوار السجون، وربما مدي حياتهم في إعدامنا.. الموت ليس في حبل المشنقة، بل الموت الحقيقي عندما »ورثنا الدم، وأخذنا بالثأر»!».. كلمات بسيطة اختصر بها شاب عشريني هارب من جريمة زهق نفس تعد الثانية في حياته ترعرع في »حمرا دوم» قرية »الدم والنار» بمدينة نجع حمادي في محافظة قنا. »سقطت أحلامي بصمتي في مواجهة وصايا أبي وعمي.. كنت صغيرًا أحب الزرع أقتفي من الزهور نضارتها.. أُنصت لأم كلثوم ومحمد فوزي.. لم أكن تلميذًا مثاليًا، فقط كنت الطالب المجتهد.. التحقت ب»الحقوق» وحلمت بالنيابة، ومع كل خطوة لتحقيق الحلم كانت كوابيس الثأر تلاحقني.. نعم؛ قتلت وقضيت خلف القضبان خمسة أعوام رُزقت فيها بمولودي الأول.. »قتلت مرة وقتلني الثأر للأبد»!».. لم تذهلني كلماته قدر ما أدهشني أسلوبه؛ أصغر مني سنًا لكن يكبرني همومًا وآلامًا، لم أعرف من الفاعل الحقيقي في جريمة مكتملة الأركان ضاعت فيها أحلام شاب عشريني لديه أسرة أنبتت زهرتين لم تتجاوز الكبري 6 سنوات!.. فالثأر لا يزهق فقط نفسًا؛ إنما أسرة كاملة ومجتمع بأكمله.. إذن، من يكون الجاني الحقيقي؛ من يرث الثأر والسلاح؟! أم من يهمل - عمدًا - تعليمهم وتثقيفهم وحقهم في الحياة؟!.. »بعد موت عمي اجتمعت العائلة لتنصيبي »الكبير»، وكأنه فرض عين أن أحمل سلاحًا لأقتل دفاعًا أو ثأرًا!.. غلبني الصمت مرة ثانية؛ فالمجادلة نوع من العار.. لكن قررت ألا أقتل إلا دفاعًا؛ حاولت الهرب من مصير صديقي وزميل المدرسة خريج »اقتصاد وعلوم سياسية» الذي تلقي رصاصة في صدره لفظ بها أنفاسه الأخيرة أمام بيته بين أحضان أبيه وأمه!.. ليس هناك من يتفقد أحوالنا »النقل» و»التعليم» و»الصحة» وغيرها؛ فلا طريق سهل ولا مدرسة قائمة ولا طبيب بمستشفي، كلها مبان خاوية!.. يتنصلون منا وكأن إنكار وجودنا »نياشين» علي صدورهم!.. حتي »الداخلية» تُحرم علينا »الأمن» وتعتبرنا قرية »أشباح»؛ كلنا جاهزون لتنفيذ أي عقوبة ثابتة بحكم عادل علي أي منا.. فقط نريد منها »الأمان»!».. بين أحضان الجبل تقع قرية »حمرا دوم».. يصعد إليها خارجون عن القانون للحماية داخل ما يعلوها من كهوف معرضين أهلها لخطر الحملات الأمنية وهدم منازلهم.. لا حُرمة للدماء في »حمرا دوم» ولا عين لأسلحتها؛ فالشرطة تشارك أهل القرية في دفع فاتورة الجهل والإهمال، لها من الشهداء عشرات بين جُنُود وضباط علي مدار عقود آخرها استشهاد ضابط وإصابة آخر الأسبوع الماضي.. السادة وزراء الداخلية والصحة والنقل والتربية والتعليم والسيد محافظ قنا والسيد مدير الأمن.. رجاءً فلتكن تلك مبادرة بإعمار قرية »حمرا دوم».. أحلام أبنائها »حلال»؛ إنهم يطلبون »الحياة»، فهل هي »جريمة»!! »حفظ الله مصر ، و أهلك كل من يُفسد فيها»