محافظ الإسكندرية يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي (صور)    آخر تحديث لسعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري.. وصل لكام؟    «التضامن»: ضم فئات جديدة لمعاش تكافل وكرامة قبل نهاية سبتمبر المقبل    تفاصيل أعلى عائد على شهادات الادخار 2024 في مصر    البيت الأبيض: لا نريد احتلالا إسرائيليا لقطاع غزة    عاجل.. لحظة اغتيال القيادي بحماس شرحبيل السيد في قصف إسرائيلي    إحالة 12 متهما من جماعة الإخوان في تونس إلى القضاء بتهمة التآمر على أمن الدولة    رئيس مجلس الدولة: الانتخابات الحالية بداية جديدة للنادي    كرة يد.. الأهلي 26-25 الزمالك.. القمة الأولى في نهائي الدوري (فيديو)    طقس ال72 ساعة المقبلة.. «الأرصاد» تحذر من 3 ظواهر جوية    التصريح بدفن جثة تلميذ غرق بمياه النيل في سوهاج    شيرين تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: «أستاذ الكوميديا اللي علم الناس الضحك»    أشرف غريب يكتب: أحد العظماء الخمسة وإن اختلف عنهم عادل إمام.. نجم الشباك الأخير    الاستعدادات الأخيرة ل ريم سامي قبل حفل زفافها الليلة (صور)    النيابة تأمر بانتداب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق قرية «الحسامدة» في سوهاج    جداول قطارات المصيف من القاهرة للإسكندرية ومرسى مطروح - 12 صورة بمواعيد الرحلات وأرقام القطارت    وزير الاتصالات يبحث مع سفير التشيك تعزيز التعاون بمجالات التحول الرقمي    أوكرانيا تسعى جاهدة لوقف التوغل الروسي فى عمق جبهة خاركيف الجديدة    استمرار تراجع العملة النيجيرية رغم تدخل البنك المركزي    بعد غلق دام عامين.. الحياة تعود من جديد لمتحف كفافيس في الإسكندرية (صور)    طيران الاحتلال يغتال القيادي بحماس في لبنان شرحبيل السيد «أبو عمرو» بقصف مركبة    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    مدير إدارة المستشفيات بالشرقية يتفقد سير العمل بمستشفى فاقوس    حسام موافي يوضح أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    بريطانيا تتهم روسيا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط مقابل السلاح    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    عمر الشناوي حفيد النجم الكبير كمال الشناوي في «واحد من الناس».. الأحد المقبل    عمرو يوسف يحتفل بتحقيق «شقو» 70 مليون جنيه    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    الوضع الكارثى بكليات الحقوق    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي    رئيس جهاز دمياط الجديدة يستقبل لجنة تقييم مسابقة أفضل مدينة بالهيئة للعام الحالي    «تقدر في 10 أيام».. موعد مراجعات الثانوية العامة في مطروح    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    مساندة الخطيب تمنح الثقة    أحمد السقا: يوم ما أموت هموت قدام الكاميرا    فريق قسطرة القلب ب«الإسماعيلية الطبي» يحصد المركز الأول في مؤتمر بألمانيا    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تقهر الشعوب هزائمها؟

لا يمكن لأى زائر لبلد أن يلم بكل شئونها ويتعرف إلى عاداتها وتقاليدها من زيارة امتدت لأسبوع واحد، ولكن يمكن أن يأخذ انطباعا سريعا، قد يكون متعجلا ومبتسرا، هذا ما حدث لى فى زيارتى الأولى لليابان الأسبوع قبل الماضى، جاءتنى الدعوة من فرع منظمة القلم الدولية فى طوكيو للمشاركة فى اجتماعات الجمعية العمومية للمنظمة التى تمت هذا العام فى العاصمة اليابانية، ومع زميلى الكاتبين
د. منى ميخائيل وفؤاد قنديل.. شددنا الرحال إلى طوكيو وكلنا شوق وفضول للتعرف إلى هذا البلد الرائع الذى لا يشبه أى بلد آخر فى العالم. فاليابان لها ثقافتها وأزياؤها وطعامها ولغتها المميزة، بل طريقة التحية التى ينحنى فيها اليابانى وكفاه متلاصقتان لكل من تقع عليه عيناه.
هبطت طائرة مصر للطيران فى «مطار ناريتا الدولى»، الذى تم افتتاحه عام 1978م، وكانت المفاجأة السعيدة أن وجدنا الدبلوماسية المصرية مى خليل والمستشار الإعلامى وليد حجاج فى انتظارنا على باب الطائرة. وعلى مدى ما يقرب من ساعة إلا ربع - المسافة من المطار إلى الفندق 55 كم - قدمت لنا القنصل مى خليفة فكرة سريعة عن اليابانيين كشعب شديد الأدب والهدوء يعشق النظام ولا يقبل عنه بديلا.
وفى لقاء على الغداء بمنزل السفير المصرى وليد عبد الناصر سألته : كيف تغلب الشعب اليابانى الذى يقترب تعداده من 128 مليون نسمة ويتفرق فى أكثر من 3000 جزيرة على مشاعر السخط والخزى بعد هزيمته الساحقة فى الحرب العالمية الثانية، وانتفض فى كبرياء ليتحدى العالم، واستقل صاروخا عبر به القارات لتصبح بلاده واحدة من أغنى دول العالم وأكثرها تطورا. بينما نعيش نحن مناحة سنوية نندب فيها هزيمة يونيو 67 ونعزى إلى أشخاص ماتوا منذ سنوات طويلة خيبتنا الاقتصادية والسياسية بل والاجتماعية، ورغم أن اليابان - مثلنا - لا يكفيها ما تنتجه أراضيها من غذاء، ومن أكبر الدول المستوردة للمنتجات الزراعية فى العالم، وبلادهم قليلة الموارد الطبيعية، وتعانى من البراكين والزلازل الكثيرة فقد انطلق اليابانيون يعيدون بناء المدن التى دمرت تماما أثناء الحرب العالمية الثانية، واستطاعوا أن يشيدوا اقتصادا قويا يناطح اقتصاد أقوى دول العالم.
قال السفير وليد عبد الناصر : لقد خلقت الهزيمة فى قلب اليابانيين طاقة هادرة للعمل والإنجاز وأشعلت جذوة الاختراع والابتكار. فقبل الحرب العالمية الثانية كانت اليابان دولة مشاغبة اعتدت على جارتها الصين، فلما فرضت عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها مقاطعة اقتصادية ضربت ميناء «بيرل هاربر» فى ديسمبر 1941 وفى نفس الوقت قامت القوات اليابانية بغزو ماليزيا، وإندونيسيا، والفلبين واحتلت سنغافورة، وظلت فى شد وجذب مع العديد من الدول، ولم تتوقف إلا فى أغسطس 1945 بعد أن أسقطت الولايات المتحدة على هيروشيما قنبلة ذرية أودت بحياة أكثر من 200 ألف نسمة، وأعقبتها قنبلة أخرى على ناجازاكى، بعدها أعلنت اليابان الاستسلام.
تلك الهزيمة الثقيلة لا يمكن أن تقاس بهزيمتنا فى يونيو 67 لقد لقى هذا الشعب الذى نغبطه اليوم على مستوى المعيشة والتقدم مهانة لم يعانها إلا القليل من الشعوب ويكفى أنه بعد كل ما ذكرت منع من رفع العلم اليابانى ونزع سلاحه لفترة وظل لسنوات يعانى من نقص الطعام بعد أن دمرت محلات بيعه، ونزعت السلطة من الإمبراطور هيروهيتو سليل أقدم أسرة حاكمة فى العالم، وأصبح مجرد رمز للدولة ولم ينته الاحتلال إلا عام 1951،وكان استقلال اليابان منقوصا فقد وضعت الحكومة الأمريكية جزيرتين تحت سيطرتها حتى أوائل السبعينيات. ومازال حوالى47000 جندى أمريكى فى اليابان اليوم.
وعلى الرغم من ازدحام جدول المؤتمر وكثرة الاجتماعات واللقاءات بين وفود 129 دولة شاركت فيه فقد استطعت أن ألم بفكرة سريعة عن طوكيو. أهم ما بهرنى فيها - إلى جانب النظافة الشديدة وانسياب المرور - تلك الابتسامة المشرقة التى تضىء وجوه الشباب والانحناءة المهذبة التى تلقاها فى كل مكان، فى الفندق وفى الطريق العام. لقد درجنا على تسمية اليابان بلاد الشمس المشرقة، ولكنى أفضل أن أسميها بلاد الابتسامة المشرقة، ولماذا لا يبتسم اليابانى وكل شىء من حوله يتميز بأقصى درجة من الجمال والنظافة والترتيب.. !؟ فى كل مكان تسير فيه فى طوكيو تلقى دليلا على عشق هذا الشعب للطبيعة، وحرصهم على أن يمسوا كل شىء بعصا سحرية تضفى عليه رونقا وجمالا، ويبدو أن الابتسامة اليابانية معدية فقد كان طاقم المضيفين فى طائرة مصر للطيران المكون من مصريين ويابانيين دائمى الابتسامة، وقدموا خدمة عالية ومميزة لكل ركاب الطائرة مما جعلنا نتحمل ساعات الانتظار الطويلة فى المطار «خمس ساعات» ومدة الطيران من طوكيو إلى القاهرة 12 ساعة متواصلة!
إن طوكيو المزدحمة بثلاثين مليون ساكن، التى تعج شوارعها التجارية بالمشاة وتعانى من ازدحام يفوق ازدحام شوارع القاهرة تتمتع بالهدوء والنظام. لا ميكروفونات تصرخ فى وجهك ولا أغانى تنطلق من أجهزة تليفزيون، ولا راديو ولا كلاكسات سيارات تصم أذنيك.. الكل ينزلق فى هدوء فلا تجمهر ولا أزمات مرورية.
عن أغرب ما فى اليابان.. وعن المؤتمر لابد أولا أن نتذكر مقولة شاعرنا العربى الحصيف الذى قال فى شطر بيت «إن القلم أمضى سلاحا من السيف»، فقد بدا العالم كما لو كان يعيش حربا بين خصمين: الكتاب المتمردون والحكومات الاستبدادية. والغريب أن أسلوب الصراع يتكرر ويتشابه بين كل الشعوب. الكتاب والنقاد والصحفيون والناشرون سلاحهم الكلمة والمقال والكتاب والفيلم والمسرحية إلخ، بينما بعض الحكومات لا تجد غير السلاح والعقوبات البدنية والاعتقال والمحاكمات الصورية وسائل ردع لخصمها اللدود القلم، على الرغم من أن كل تلك الحكومات قد وقعت على المادة 19 من المعاهدة الدولية لحقوق المدنية و السياسية. وفى الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضى التقيت بكتاب جاءوا من كل بلاد العالم إلى العاصمة اليابانية طوكيو ليرفعوا صوت الكلمة ويزودوا عن القلم ويفضحوا حكوماتهم ويطالبوا بحقوق زملائهم المضطهدين.
أعلن وفد الصين أن حكومة بلادهم مازالت تمارس ما يسمى بإعادة التعليم من خلال العمل، وسيلة ابتدعتها الحكومة الشيوعية لتأديب كل كاتب يتجرأ على نقد الحكومة أو الاعتراض على أى إجراء تتخذه، وقد يستمر السجن لمدة عامين أو ثلاثة بدون تهمة واضحة وبدون محاكمة ويتم خلال تلك السنوات تلقين الكاتب آداب الخضوع والامتثال لأوامر الحكام، فالحكومات الاستبدادية تعتبر الكاتب الذى لا يخضع لها ولا يسخر قلمه لخدمتها شخصا منحرفا غير مرغوب فيه ولابد من تأديبه وإصلاحه، وهناك تهم عديدة جاهزة للكتاب المتمردين، حسبما أوضح بيان الكتاب، هى «تهديد الأمن القومى والاجتماعى» و«التحريض على تخريب وتدميرقوة الدولة» وتسريب أسرار الدولة وممارسة أعمال غير مشروعة والاتهام بالسب والقذف.. إلخ.
ولا تقتصر تلك الإجراءات التعسفية على الكتاب بل إنها امتدت إلى أصحاب المواقع والمدونات الإلكترونية، وقد وصل الاضطهاد إلى درجة اعتقال أعضاء نادى القلم الصينى المستقل لمدة عشر سنوات ورئيس النادى أحد عشر عاما!
ولا تتوقف القريحة الاستبدادية عن اختراع وسائل تعذيب للكتاب مثل المنع من السفر للخارج ومنع استخراج جواز سفر والتهديد والهجوم والاستجواب والاعتقال لفترات قصيرة بدون إبداء أسباب وكل أنواع التحرش فى العمل وفى الحياة الخاصة.
ولا تتورع بعض الحكومات العسكرية عن اتخاذ التصفية الجسدية وسيلة للتخلص من خصومها فقد أعلن مندوب إريتريا أن الحكومة اعتقلت 35 كاتبا فى معسكر تأديبى ولم يبق منهم على قيد الحياة سوى عشرين كاتبا، وفى هندوراس تم اغتيال أحد عشر إعلاميا منذ الانقلاب الذى وقع فى 21 يونيو 2009 وعادة ما تتبرأ الحكومة من جرائم الاغتيال السياسى إلا أن الجناة يفلتون من المحاكمة ومن العقاب. ويبدو أن مذيعى التليفزيون فى تلك الدولة أصبحوا يقضون مضجع المجرمين وعصابات المافيا وبتحريض من الحكومة، ومشاركة من المسئولين ارتكبت جرائم عديدة ولم يوقع أى عقاب على من ارتكبوها.
وفى إيران مازال الوضع ملتهبا بعد مرور أكثر من عام على الانتخابات المثيرة للجدل التى فاز فيها أحمدى نجاد بفترة تالية لحكم البلاد. وقد أصدر الوفد الإيرانى بيانا أعلنوا فيه أنه رغم إحكام الرقابة على الكتب والصحف والأفلام والإنترنت وكل الفنون تتخذ الحكومة العديد من الإجراءات التعسفية ضد الكتاب المتمردين ويتم ترحيلهم إلى معتقلات دون أن يحاكموا حتى وصل عدد الكتاب المعتقلين إلى 37 كاتبا.
أما الوفد المكسيكى فقد أعلن أن حوادث الاغتيال والخطف بعد التهديد والاعتداءات التى يقوم بها عسكريون مثل خطف كاميرات المصورين وانتزاع الأفلام أو تحطيم الكاميرا أو محو كل ما بها من صور تتكرر بلا انقطاع. وأعلن وفد المكسيك أن الحكومة عادة ما تتبرأ من تلك الجرائم وتصدر الوعود بمواجهتها واتخاذ إجراءات أمن سريعة ولكنها لا تفى بوعودها.
وتحدث الوفد السيريلانكى عن اختطاف رسام كاريكاتير منذ يناير الماضى ولم يظهر له أثر حتى اليوم. أما الحكومة التركية التى يتغنى بعض كتابنا بديمقراطية رئيسها فقد فضحهم الوفد الكردى الذى أعلن أن الحكومة الإسلامية قامت بالقبض على 5000 طفل كردى بدعوى إلقائهم الحجارة على الجيش التركى وبعد فترة أفرجت الحكومة عن ألفى طفل فقط وتركت ثلاثة آلاف طفل رهن الاعتقال فى سجون الكبار من عتاة المجرمين إلى جانب اعتقال عدد كبير من الساسة من بينهم عمد منتخبون من الشعب. وهكذا لم يجد رجب طيب أردوجان من وسيلة لمقاومة الأكراد المطالبين بحقوقهم فى تركيا سوى التنكيل بأطفالهم. وكم تتشابه الظروف بينما تختلف الشعوب فقد أعلن الوفد الفيتنامى أن حكومة بلادهم تفعل نفس الشىء فتسجن كتاب المعارضة وسط عتاة المجرمين ويعاملون أسوأ منهم ويحرمون من الزيارات العائلية ومن الأدوية والعلاج من أمراض مزمنة فى سجون تعانى من أسوأ أنواع الإهمال والقذارة، إلى جانب التعذيب ومن بين الكتاب المعتقلين شاعرات وعضوات اتحاد الكتاب وأدباء ورجال دين بينهم راهب بوذى فى الثمانين من عمره، وجميعهم تمت محاكمتهم سريا بدون محامين.
ثقافة الشاى
وهربا من كآبة الواقع السياسى فى معظم بلاد العالم ولكى أنسى قليلا الأهوال التى يلاقيها حملة القلم وحراس الكلمة من شهداء حقوق الإنسان، رحت أبحث عن فنجان شاى «أروق» به دماغى، فإذا بى ألتقى بأغرب ما لفت نظرى فى أول زيارة لى لطوكيو.
ففى حفل أعده مضيفنا فرع القلم اليابانى للمشاركين فى المؤتمر انتهزت الفرصة كى أتابع «السادو» أو طريقة عمل الشاى فى حفل تقديم الشاى الأخضر للضيوف ورحت أتأمل معد الشاى بجلسته التى تشبه جلسة الكاتب المصرى القديم استقامة الظهر مع استرخاء الكتفين والحرص على استقامة الذراع عند صب الشاى، ثم بدأ يملأ القدح الأول إلى الربع والثانى الى النصف والثالث إلى ثلاثة أرباع، ثم عاد يصب الشاى لملء الأقداح بمنسوب واحد حتى يكون الشاى فى جميع الأقداح بلون واحد وقوة واحدة.
الاحتفاء الشديد بالشاى أمر يستوقفك فى اليابان. قد يدعوك زميل يابانى إلى شرب الشاى فى بيته أو فى بيت للشاى أو حفل الشاى اليابانى (تشانويو) فتذهب و فى ذهنك تلك القعدة المرحرحة التى نتمتع بها فى بلادنا عند شرب الشاى وجلسات الرغى التى تصحبها أنواع الحلويات التى تقدم معها.. إلخ. فى طوكيو الأمر مختلف تماما. إن شرب الشاى هناك له طقوس وتقاليد تكاد تكون مقدسة. والأمر لا يقتصر على وجود غرفة فى البيت مخصصة لشرب الشاى وإنما يمتد ليشمل زراعة البستان الذى تطل عليه ونوع الخزف الذى صنعت منه الآنية وفن الخط والتاريخ والدين التى يتعين على مقدمى الشاى المتخصصين أن يدرسوها كى يمارسوا عملهم على أكمل وجه.. إن اليابانيين لم يعرفوا الشاى إلا منذ حوالى 800 سنة عندما عاد أحد الرهبان البوذيين من الصين ومعه ذلك العشب الأخضر العجيب واكتشف الرهبان مفعوله الرائع فبدأوا يستخدمونه خلال ساعات تأملهم ليساعدهم على التركيز، وانتقل ذلك الى الأسرة الحاكمة التى وجد أفرادها متعة كبيرة فى متابعة راهب بوذى تخصص فى تقديم الشاى ثم ظهرت وتطورت تدريجيا طقوس تناول الشاى منذ القرن السادس عشر. واليابانى يقدم الشاى لضيوفه بمجرد وصولهم إلى بيته كتعبير عن ترحيبه بهم،
فقد يعد الشخص المضيف الشاى و يقدمه مع الطعام إلى ضيوفه، أو يستخدم متخصصا ليقوم بالطقوس بدلا منه، ولابد أن تزين حجرة الشاى وتنسق بعناية كبيرة والحديقة التى تطل عليها، وعليك فى النهاية أن تبدى كضيف إعجابك بالشاى وبالطقوس حتى لا يصدم مضيفك. ولا يشرب اليابانيون الشاى فى فناجين أو أكواب مثل سائر شعوب العالم بل فى أطباق عميقة صغيرة الحجم من الفخار.
وفى كتيب وزع قبل الاحتفال معلومات كثيرة جدا مضاف إليها الصور حول بيوت (أكواخ) الشاى وأنواعه وتاريخه وآنيته وأنواعها وطريقة جلوس المعد والجو الروحى الذى يسود الاحتفال والقصائد التى دبجت فى مديحه وأنواع الزهور والنباتات التى تزرع فى الحديقة التى تطل عليها غرفة الشاى. إن غرفة تحضير الشاى وتقديمه لا بد أن تبنى من الخشب الخفيف وأبوابها ونوافذها من الورق الأبيض الخفيف الذى يلصق بعيدان الخشب، فتتشكل منه لوحة على شكل مربعات جميلة، أما أرضية الغرفة فهى من ورق «تتامى» الذى يشبه خوص النخيل.
وتحضر أدوات الشاى فى إحدى زوايا الغرفة، ويقوم معد الشاى بتنظيفها أمام الضيوف قبل تقديم الشاى، أما الضيف فلابد أن يغسل يديه بالماء ويخلع حذاءه ويدخل إلى غرفة الشاى من باب صغير يشبه النافذة ثم يجلس ساكنا إلى أن يقوم المضيف بتحضير الشاى أمامه، ثم تقديمه إليه، وللأسف لم أستسغ أبدا الشاى الذى قدم لنا فى آنية صغيرة جميلة فقد كان مر المذاق و يختلف كثيرا عن الشاى الأحمر الذى أدمنه.
إنها حقا ثقافة «رايقة» يمكن أن نسميها ثقافة الشاى، ولذلك يبدعون ويبتكرون ويتفوقون وللأسف لم يسعفنى الوقت لتجربة أحدث وأروع اختراعاتهم «القطار الطلقة» Bullet train الذى ينقلهم من مكان لآخر فى ثوانٍ، فالزمن فى اليابان له قيمته الكبرى إلا فى مسرح الكابوكى حيث يؤدى الرجال أدوار النساء وتتم الحركات بالسلو موشن أى ببطء شديد.
ولقد وضح تميزهم الشديد واختلافهم عن كل الثقافات التى حضرت ذلك الاحتفال ولم يبد أبناؤها الاحتفاء والاحترام الكافى لتلك الطقوس التى تابعتها أنا وزميلى فؤاد قنديل ومنى ميخائيل وعدد ضئيل من المدعوين، بينما انشغل الآخرون بالثرثرة وأخذ الصور لبعضهم البعض واحتساء كئوس الشراب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.