بينهم أبو تريكة.. قبول طعن 121 متهمًا على إدراجهم بقوائم الإرهاب    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    الصور الأولى لأبطال فيلم "تاني تاني" قبل عرضه    رئيس بعثة صندوق النقد تشيد بالإجراءات المصرية في ملف المناخ    رئيس الوزراء: نسعى لتطوير قطاع الصناعة الفترة المقبلة    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    أسعار ومواصفات أودي Q3 موديل 2024 بعد إضافة فئة جديدة    البيئة: 550 مليون يورو استثمارات تمت وجارية بمجال التوافق البيئي في الصناعة    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبوسالم    التحقيق مع وزير الزراعة الصيني للاشتباه في ارتكابه انتهاكات للانضباط الحزبي والقانوني    «الحرية المصري»: مصر لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني    زيلينسكي: الهجوم على خاركيف قد يشكل موجة أولى من خطة روسية أوسع نطاقا    جوارديولا: مويس سيفعل كل ما في وسعه لإفساد تتويج مانشستر سيتي    تحرك عاجل من كاف قبل ساعات من مباراة الأهلي والترجي بسبب «الجزائري».. عاجل    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    الأهلي يحدد موعد عودته إلى القاهرة بعد خوض مباراة الترجي    بعد الخلافات العديدة.. إشبيلية يعلن تجديد عقد نافاس    القوافل التعليمية.. خطوة نحو تخفيف العبء عن الأسر المصرية    في انتظار عيد الأضحى المبارك: التحضير والاستعداد للفرحة القادمة لعام 2024    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. في العناية المركزة    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 9 متهمين بارتكاب جرائم سرقات بالقاهرة    ضبط قائد لودر دهس طفلة في المرج    في يومها العالمي، متاحف الإسكندرية تستقبل زوارها بالورود والحلويات (صور)    ثورة غضب عربية على الاحتلال الإسرائيلي بسبب عادل إمام    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    الرعاية الصحية: نمتلك 11 معهدًا فنيًا للتمريض في محافظات المرحلة الأولى بالتأمين الشامل    بعد إصابة المخرج محمد العدل، احذر من أعراض جلطة القلب وهذه أسبابها    الكشف على 1645 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» ببني سويف    «المصل واللقاح»: متحور كورونا الجديد سريع الانتشار ويجب اتباع الإجراءات الاحترازية    حزب الله: استهدفنا تجمعا ‏لجنود الاحتلال في محيط ثكنة برانيت بالأسلحة الصاروخية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    ب5.5 مليار دولار.. وثيقة تكشف تكلفة إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة (تفاصيل)    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    معهد القلب: تقديم الخدمة الطبية ل 232 ألف و341 مواطنا خلال عام 2024    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    "النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمهات مع مرتبة الشرف الأولى

فى عالم استثنائى وكواليس حصرية، تقضى كل أم من «ذوات الهمم» حياة مختلفة مع صغارها، تتخللها الصعاب والتحديات، لكنها تمضى على أكمل وجه فى النهاية، للوهلة الأولى تبدو الصورة محزنة للبعض، خاصة إذا شاهدوا أمًا كفيفة أو أخرى ترعى أسرتها وهى جالسة على كرسى متحرك أو ثالثة صماء، ويتساءلون: كيف تقوم على شئون أطفالها وتهتم بهم طول الوقت؟ لكن من قريب تزداد الصورة وضوحًا ويزداد المعدن النفيس لمعانًا.

«روزاليوسف» خاضت رحلة عميقة استغرقت عدة أشهر داخل بيوت أمهات ذوى الهمم، ورصدت جميع تفاصيل حياتهن، كيف يعشن ويقضين أوقاتهن؟ وكيف تتعامل كل أم مع أبنائها؟ كى لا تجعلهم يشعرون بأنها فقدت شيئًا من تكوينها الجسدى، وبعد التعمق فى العديد من القصص والحكايات كانت النهاية سعيدة إلى أقصى درجة، حيث كانت الأم البطلة الكبرى بينما شاركها صغارها دور البطولة لتخرج لنا عدة نماذج إيجابية، تدعو إلى البهجة وتثبت أن الأم تستطيع فعل كل مستحيل.





«محروسة» سائقة تروسيكل ب«كرسى متحرك» وتعول أسرتها وزوجها المريض
غادرت باب المنزل على كرسيها المتحرك بصحبة طفليها، دفعتها ابنتها «نورهان» ذات ال 14 عامًا، واتجهت بها صوب «التروسيكل»، اتكأت الأم على كتف ابنتها بينما أسرع صغيرها «أحمد» ذو ال 7 أعوام ليمسك الكرسى، وبعد معافرة شديدة ومحاولات متكررة صعدت الأم على «التروسيكل» لتستعد للقيادة، ثم وضع الشقيقان الكرسى المتحرك فى الخلف وصعدا سويًا ليرافقا والدتهما رحلة عملها اليومية بصفتها سائقة «تروسيكل»، تقوم بشحن الأثاث والطلبات إلى الناس وتوصيلها مقابل أجر.

تقطن «محروسة سالم» صاحبة ال39 ربيعًا فى منطقة النهضة التابعة ل«مدينة السلام» برفقة زوجها وطفليها، وقد نشأت فى قرية صغيرة لم تجد الدعم والدفء ممن حولها اللهم إلا والدتها، حيث كانت تشجعها دائمًا: «جالى شلل أطفال فى رجلى الاتنين، الإعاقة بالنسبة للمكان اللى عيشت فيه كانت حاجة مش كويسة وبيعايروا بعض بيها، أخواتى رفضوا جوازى ولما اتجوزت كلهم قاطعونى، لأنهم شايفين إنى هبقى عبء على اللى هتجوزه، تمردت على كل الظروف واشتغلت ودخلت محو أمية وكملت تعليمى ونجحت الحمد لله».

تزوجت «محروسة» وعمرها 22 عامًا، وأنجبت طفلين، بدأت حياتها العملية بشغل «الكوافير»، شجعتها والدتها وقامت بشراء ماكينة خياطة لها أيضًا: «كانت دايمًا تقولى لازم يبقى فى إيدك صنعة، من شغل الكوافير كنت بساعدهم وبساعد أختى وعيالها فى المصاريف عشان كان فى مشاكل بينها وبين جوزها، اعتقاد وفكرة أهلى عنى لم تتغير غير لما نزلت انتخابات مجلس النواب اللى فاتت، محالفنيش الحظ بس اسمى نزل على القايمة، والمشاركة لوحدها كانت حلم مش موجود بالنسبالى».

مضى عامان من زواج محروسة وأصيب زوجها بعدة أمراض أحالت بينه وبين العمل، فلم تجدًا مفرًا من تحمل مسئولية المنزل: «قدمت أوراق الحصول على وحدة سكنية من وزارة الإسكان لأننا كنا ساكنين بالإيجار وكان غالى أوى، بدأت أعمل شغل يدوى «هاند ميد» لمدة 5 سنين، ولما عشت فى القاهرة الشغل اتقفل، جيت النهضة فى 2009، فاتجهت للبيع، كنت ببيع كل حاجة، بدأت بمناديل العربية ومكنتش بخجل كنت ببيع فى المواقف، واشتغلت تباعة على عربية، جوزى كان عارف وبيشجعنى مكنتش لسة الإعاقة صعبة زى دلوقت وكنت بمسح العربيات كمان».

قضت «محروسة» 6 أشهر تعمل بصفتها «تبّاعة» وعامين فى بيع المناديل، إلى أن بدأت رحلة سعيها فى الحصول على كشك: «جبت حد من البلد وشاركنى فيه هو برأس المال وأنا بالمكان، وبروحه يوميًا»، مؤكدة أن فكرة العمل على «التروسيكل» جاءتها من خلال «الموتوسيكل» الذى كانت تمتلكه: «أول ما طلع التروسيكل اللى بصندوق قدمت وجبته تبع مؤسسة بجيب عليه بضاعة وحاجات من سوق العبور وأشيل عليه أوض نوم للناس وأوصلها لبيوتهم»، مشيرة إلى أنها تعمل فى محيط النهضة والعبور والمناطق المجاورة لهم منذ 5 أعوام: «اتعرفت وبقى عندى زباين، ومعايا رقم كذا ميكانيكى عشان لو عطلت يجيلى».

تصطحب «محروسة» «نورهان وأحمد» أثناء رحلة عملها على «التروسيكل»، حيث يتعاونان معها فى وضع الأشياء وترتيبها: «نورهان وأحمد حتة منى مش بسيبهم فى حتة، أحمد بيفك التروسيكل لوحده ونورهان بتساعدنى أقعد على الكرسى، بشتغل وأنا فرحانة ومبسوطة، ونفسى أجيب عربية وأشغلها سيدات بس»، تبدأ المرأة الثلاثينية يومها باصطحاب أولادها ب «التروسيكل» إلى المدرسة ثم تذهب إلى السوق لشراء طلبات الزبائن: «لو الطلب ب10 ج، باخد 15 حق الحمولة، برجع البيت أعمل الأكل وأروح أجيبهم من المدرسة، كل تعبى ومعافرتّى عشان مصاريف دروسهم وعلاج أبوهم اللى بيعدى ال3 آلاف جنيه»، تكمن اهتمامات «محروسة» فى القراءة وكتابة الشعر، فهى موهوبة فيه بالفطرة، وتضيف: «عايشة لوحدى مع عيالى واعتبرت إنى مقطوعة من شجرة وبكافح عشانهم».



الطفلة «سلمى» تترجم الأفلام لوالديها بلغة الإشارة


تجلس الأم أمام التلفاز بجوار ابنتها، يشاهدان فيلمًا «أبيض وأسود» من بطولة الفنان الراحل «إسماعيل يس»، تنصت الصغيرة إلى مشاهد الفيلم باهتمام بالغ وتتولى ترجمتها بلغة الإشارة لوالدتها، تندمج الاثنتان سويًا فتتشاركان لحظات الضحك والحزن معًا، تبدو الحياة داخل المنزل هادئة نوعًا ما، فالأم والأب من الصم والبكم، لكن أصوات الطفلين تقطع هذا الهدوء كثيرًا لا سيما إذا تحدثا إلى بعضهما أو تشاركا اللهو واللعب معًا، فتتعالى ضحكاتهما لتملأ المنزل دفئا وطمأنينة.

تعيش «نسمة محمد السيد» ذات ال 34 ربيعًا بمنطقة «عزبة النخل» برفقة زوجها وابنتها «سلمى» ذات ال10 سنوات وابنها «طه» صاحب الثمانية أعوام، تولت شقيقتها «سعاد الجوهرى» ترجمة حديثها، فقد تخصصت فى التعامل مع ذوى الهمم، كما أنها تتقن لغة الإشارة أيضًا، التقت «نسمة» بزوجها صدفة، حيث كان يعمل فى المترو وطلب منها الزواج منذ الوهلة الأولى، تقول: «اتقدملى وبابا رفض وقاله لما تخلص دراستها واستنانى 3 سنين واتقدملى واتخطبنا، وكنت رافضة أتجوز حد سليم، عشان الصم هيفهمنى وهيحس بيا».

مضت 10 أعوام على زواج «نسمة» ولم تخش أبدًا أن يرزقها الله بأطفال من الصم مثلها هى وزوجها حتى رزقها الله ب «سلمى» و«طه» وعلمت أنهما يسمعان ويتحدثان جيدًا: «سلمى أول ما اتولد عرفت إنى صماء من عند ربنا، مكنتش بتنادى عليا بصوتها كانت بتطبطب عليا عشان تلفت نظرى وأفهم وأبص لها، ولما بدأت تكبر كانت بتشوفنى أنا وباباها بنتكلم بالإشارة لحد ما اتعلمتها وبدأت تستوعب لوحدها».

تدب الحركة فى أرجاء الشقة فى السادسة صباحًا، تستيقظ «سلمى» وشقيقها «طه»، يستعدان للذهاب إلى المدرسة بينما تتجه الأم إلى عملها فى إحدى الشركات، مؤكدة أنها تنهيه وتذهب إلى المدرسة لتأخد أبناءها إلى المنزل: «بحضر الأكل وبعدين بيروحوا دروسهم الساعة 6 وبروح معاهم وبستنى معاهم لحد ما يخلصوا، ولما بتواصل مع المدرسين سلمى اللى بتشرح لى كل حاجة بالإشارة وبتترجم للمدرسين، فى ناس بتفهمنى من حركة الشفايف والجسم شوية، وناس مبعرفش أتواصل معاهم خالص، فبتصل بحد من إخواتى أو أهلى وأخليه يكلمهم».

تتولى «نسمة» أعمال المنزل بمفردها وفى الإجازة تعاونها سلمى فى بعض الأشياء، وأحيانًا تشارك أبناءها اللعب ب «الكوتشينة» وكثيرًا ما يشاهدون التلفاز معًا، أو يقومون بزيارة أقاربهم أو الذهاب إلى النادى أو الأهرامات: «لو بنتفرج على فيلم سلمى اللى بتترجملى كل الأحداث، بحب الأفلام الكوميدية خاصة الأبيض والأسود لإسماعيل يس».

تعود الأم من الدروس ثم تبدأ مهمة المذاكرة، حيث ترافق أبناءها أثناء كتابة واجباتهم، تلتقط منها «سلمى» أطراف الحديث قائلة: «أنا فى سنة 5 ابتدائى ونفسى أطلع دكتورة، لما ماما بتقولى اكتبى الواجب بكتبه، بساعدها وبغسل المواعين وهى كمان بتلعب معانا بالكوتشينة، بس بتضايق عشان صحابى فى المدرسة بيفضلوا يقولولى ياللى أمك مش بتفهم حاجة ومش بتتكلم وخارسة».



«سعيدة» مصابة بالشلل وأم لطلفة: إعاقتنا أصعب من السرطان

تجلس الأم على الأريكة تراقب صغيرتها التى لم تتجاوز عامًا من عمرها، تزحف الطفلة ذهابًا وإيابًا إليها داخل الغرفة، فتداعبها وتبتسم إليها ثم تعود أدراجها، مضت دقائق ودخلت الطفلة فى نوبة من البكاء، انحنت الأم سريعًا واقتربت من ابنتها ثم التقطتها من الأرض لتحملها بين أضلاعها وتربت على كتفها بحنان بالغ لتهدئ من روعها، ثم أعطتها «ببرونة» صغيرة مملوءة باللبن الصناعى الدافئ، إلى أن سكنت الصغيرة وراحت تغرق فى نوم عميق.

تعيش «سعيدة على» بنت ال 33 عامًا، فى شقة صغيرة بمنطقة «البساتين» جنوب القاهرة، برفقة زوجها «مصطفى» وابنتها البكرية «علياء». تعانى الأم من شلل الأطفال فى قدمها اليسرى، لذا تعتمد على العكاز فى سيرها وأحيانًا تتكئ على أثاث المنزل لتنتقل بشكل أسرع، تقول: «بابا كان معترض على فكرة جوازى، وكان بيرفض كل اللى بيتقدمولى، لحد ما قابلت مصطفى وقدر يقنعه واتجوزنا من 4 سنين، وهو عنده إعاقة حركية فى دراعه بسبب حادث وأثر على دماغه كمان».

عملت «سعيدة» بصفتها باحثة فى خدمة المواطنين بالمجلس القومى لشئون الإعاقة لفترة، لكنها حصلت على إجازة «دون مرتب» وتفرغت لرعاية طفلتها التى أنجبتها بعد ثلاثة أعوام من الزواج: «لما اتأخرت فى الخلفة قالوا إنى مش هخلف، وشوية يقولوا المشكلة منى وشوية من جوزى، خدت علاج كتير لكن الحمل جه من عند ربنا الحمد لله».

يمر يوم المرأة الثلاثينية مع ابنتها هادئًا أحيانًا وعاصفًا كثيرًا، حيث تقوم بجميع أعمال المنزل أثناء نومها، مؤكدة أنها كثيرًا ما تستيقظ قبل أن تنهى مهامها فتلجأ إلى اصطحابها معها إلى المطبخ وتضعها فوق «الغسالة» وتداعبها من بعيد أثناء قيامها بغسل الصحون وإعداد الطعام: «بعد ما بخلص كل حاجة بقعد ألعب معاها، وأكتر حاجة بتخوفنى عليها إنى أسيبها على السرير أو الكنبة عشان بخاف إنها تقع لأنها لو وقعت مش هلحق أجرى وأجيبها، ولما بكون فى المطبخ بقعدها على الغسالة وبتكون قريبة منى أو بحطها جواها».

تمضى الحياة طبيعية، حيث تقوم «سعيدة» بكل أدوارها نحو ابنتها ومنزلها، لكن الشىء الوحيد الذى تجد فيه صعوبة هو الخروج فى نزهة أو فسحة عائلية: «مينفعش نخرج لوحدنا لازم حد معانا يشيل علياء»، موضحة أن أمهات ذوات الهمم لا يختلفن عن الأمهات الأسوياء فى شىء، بل إنهن أكثر حرصًا على أطفالهن وتعبًا ومشقة: «قبل ما نتجوز محدش بيتوقع إن الأم المعاقة بتشيل مسئولية زوج وطفل وبيت وشغل كمان، وده من حقنا، مش هينفع نعيش رهن إشارة اللى حوالينا الناس بتبص للمعاق بنظرة محدودة جدًا، طالما قاعد بياكل ويبشرب مع أهله طب ليه يكوّن حياة تانية، رغم إنه إنسان عادى وطبيعى، مش عشان فقد جزءًا من حياته يبقى يخسرها كلها».

توضح سعيدة أن ذوى الهمم يختلفون عن المرضى فى أن إعاقتهم تظل ملازمة لهم طيلة حياتهم، لكن المريض يتماثل للشفاء: «إحنا مش بنحارب مرض لكن بنحارب طاقة سلبية ودى أحيانًا بتكون أشد من مرض السرطان، مريض السرطان بيلاقى الدعم والطاقة والتشجيع من اللى حواليه، لكن إحنا معندناش لا دعم نفسى ولا معنوى»، مشيرة إلى أنها قامت بشراء كل جهازها قبل الزواج ولم تلجأ لأحد من أهلها، وزوجها أيضًا لم يتلق أى مساعدات من ذويه حيث كانوا يعترضون على زواجه من فتاة معاقة.

تتمنى «سعيدة» أن تكبر ابنتها وتلتحق بالثانوية العامة لتستكمل مشوارها، ولكن بإرادتها، وتضيف: «كنت عاملة عملية ومكملتش ثانوية عامة ورحت تجارة، فنفسى هى تكمل طريقى، بتمنى تبقى أحسن واحدة فى الدنيا وتاخد حقها فى الحياة».




«سارة» ترى الحياة بعيون طفلتيها: «أسعد لحظاتى لما يعتمدوا على نفسهم»
تجلس على السرير برفقة طفلتيها، بعدما اختارت إحدى القصص الإنجليزية لتقصها عليهما، تتولى الابنة الكبرى مهمة القراءة وتهجى الحروف، بينما الأم والابنة الأصغر يطرقان السمع إليها، انتهت القصة وغرق الاثنان فى نوم عميق، غادرت الأم الغرفة واتجهت إلى المطبخ لتحضير ال «اللانش بوكس» الخاص بكل منهما كى لا يتأخر استعدادهما للذهاب إلى المدرسة فى الصباح الباكر.

تزوجت «سارة أشرف» بنت ال 30 عامًا فى العام 2011 وأنجبت «جويرية» 6 أعوام «وجوينة»، وذلك بعد أن تخرجت فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية الألسن، جامعة عين شمس وكان ترتيبها الثانية على الجمهورية فى مرحلة الثانوية العامة، أنجبت الطفل الأول، لكنه توفى بعد ساعات من ولادته، تقول: «أول ما خلفت جويرية كنت خايفة عليها جدًا وحاسة بإحساس غريب، خايفة حد يمسكها وأنا أمسكها وكنت عاوزة أحس بكل تفاصيل وشها وبقيت أسال هى شبه مين، فكرة إنك متبقاش شايف زى فكرة إنك بتسمع الراديو، فأنا بتخيل وبكون الصورة فى خيالى».

تقطن المرأة الثلاثينية بجوار والدتها، الأمر الذى ساعدها كثيرًا على الاهتمام بطفلتيها، حيث تشاركها فى كل الأعمال المنزلية وإعداد الطعام أيضًا: «الموضوع بيتوقف على الظروف مش إنى بشوف ولا لأ ماما ساكنة جنبى فكانت بتساعدنى كتير»، مؤكدة أن بناتها استوعبوا باكرًا أنها كفيفة، حيث لاحظوا أنها تلمس الأرض كثيرًا لتبحث عن الأشياء: «فهموا إنهم لازم يدوا لماما الحاجة فى أديها مينفعش من بعيد، وأنا ماشية معاهم بيقولولى إن فيه رصيف عشان أخلى بالى، جويرية لازم تقولى إن فى سلم وعلى طول بخرج معاهم لوحدنا، وباباهم بيشوف بس عنده عين ضعيفة والتانية مش بيشوف بيها».

بدأت صعوبات «سارة» فى الحياة حينما اتجهت إلى مدرسة «نوتردام» التابعة للراهبات بشارع أحمد سعيد بالعباسية، لتسجيل ابنتها «جويرية»، لكنها صُدمت عندما أبلغتها إدارة المدرسة، أنه لا يمكن قبول ابنتها لأن الوالدين مكفوفين: «كانوا شايفين إنى مش هقدر أهتم بيها ولا أتابعها، وبعد ما اتجهت للصحافة المشكلة اتحلت الحمد لله واعتذروا عن موقفهم».

تتابع الأم مراحل نمو أطفالها وتغير ملامح وجوههم باهتمام بالغ، حيث تتحسسهم دائمًا، كما يقومون بوصف كل شىء لها أيضًا: «الكبيرة تقولى أنا شبهك يا ماما، والتانية تقولى أنا شعرى بُنى، تعايشوا مع الوضع ومش مسبب ليهم أى مشكلة الحمد لله»، تحضر «سارة» اجتماعات أولياء الأمور فى المدرسة بانتظام كما أن طفلتيها متفوقتين دراسيًا وموهوبتين أيضًا: «الكبيرة بتلعب كرة طايرة والصغيرة بتحب الرسم جدًا ولما اكتشفت موهبتها بدأت أديها كورسات».

تكمن لحظات «سارة» السعيدة فى الشعور بأن طفلتيها صارتا تعتمدان على نفسيهما، وراحتا تأكلان دون مساعدة وترتديان ملابسهما أيضًا، وتضيف: «مهما بعمل معاهم بحس إنى مقصرة، نفسى أوصلهم للأحسن، هما أشقيا جدًا ودايمًا يعملوا كوارث من ورايا عشان مش ببقى شيفاهم، ممكن يحطوا من ال«ميك أب» بتاعى كله على وشهم وبعرفهم من ريحته، ممكن ينزلوا كل مواعين المطبخ ويقولوا لى كنا بنطبخ ليكى عشان إنتى جعانة، ومواقف كتيرة أوى بس بتبقى مضحكة وجميلة بالنسبالى، نفسى يتعلموا أحسن تعليم ويشتغلوا أحسن شغل ويبقى نصيبهم فى الحياة أحسن منى».



«عبير» نصيبها من الحياة ابنها و«كرسيها المتحرك»
بالقرب من محطة ال 70، بمدينة الشروق، تسير «عبير إبراهيم» صاحبة ال40 عامًا، على الرصيف بكرسيها المتحرك، يدفعها ابنها «محمد» ذو ال 10 أعوام، يتبادلان معا أطراف الحديث، فيضحكان ويتناقشان ويتناولان بعض المسليات، فهذا هو الجزء الأجمل فى حياتهما، هو المرفأ الذى يلجآن إليه بعد إبحار طويل فى روتين الحياة الممل وضغوطها ومسئولياتها التى لا تنتهى، اتخذ كل منهما الآخر صديقًا له، حيث يتقاسمان الهموم والمتاعب سويًا، كما أن كلًا منهم لا يفعل شيئًا دون الآخر.

تزوجت المرأة الأربعينية منذ 10 أعوام، وكانت زوجة ثانية لطبيب صيدلى، تقول: «كنا عايشين عيشة حلوة مش بطلع من البيت ومش شايلة هم حاجة، لحد ما انفصلنا، ومشى من غير ما يظبط لينا حياتنا ولا يقولنا هنعمل إيه من غيره، حتى النفقة ممتنع إنه يدفعها وأنا اللى شايلة مسئولية محمد والبيت كلها لوحدى».

بحثت «عبير» عن عمل فى كل المجالات، لكنها قوبلت بالرفض فى كل الوظائف التى لجأت إليها بسبب إعاقتها، إلى أن قررت أن تفتح «حضانة» داخل شقتها: «فضيت الصالة وعملت الحضانة فيها لمدة سنة، لما العقد خلص واتنقلت لشقة تانية، صاحب الشقة رفض إنى أفتح الحضانة وخيرنى بينها وبين الشقة، كنت نقلت كل عفشى وكان صعب أسيبها وبقيت مجبرة إنى أقفل الحضانة».

اتجهت «عبير» إلى البيع عبر الإنترنت لتسد احتياجات ابنها وتدفع إيجار الشقة الذى يبلغ ألف جنيه: «أخويا بيساعدنى، بس فى لحظة الظروف بتتغير عشان كده معتمدة على نفسى فى جميع الأحوال، وبجيب معلبات وببيعها، أى حاجة ممكن تجبلى رزق بسعى إليها»، بدأ «محمد» فى دفع والدته بالكرسى منذ عام، بعدما أيقنت أنه كبر وبات قادرًا على مساعدتها، حيث كانت تخشى عليه أن يدفعها وجسمه مازال ينمو: «فى الأول كنت باجى على نفسى وأزق الكرسى لوحدى لحد ما كبر وبدأت أعتمد عليه».

رغم صعوبة الانتقال داخل مدينة الشروق، لكن «عبير» تحرص دائمًا على التردد على مدرسة ابنها لتطمئن عليه وتتابع أداءه الدراسى، مؤكدة أنه يحمل معها المسئولية ويدرك جيدًا أنهم بمفردهم ويعتمدون على بعضهم البعض: «بتحكم فيه كتير وبرخم عليه بس إحنا أصحاب فى الآخر، ملناش غير بعض بعد ربنا، مش بنعمل حاجة من ورا بعض، بنعمل الحاجة اللى شايفينها صح، وهو دايمًا بيجى من برا يحكيلى حصل كذا وكذا ويومه مشى إزاى، بيغسل معايا المواعين، بيكنس ويغسل الحوض أو يصبن الحمام، لو الصالة مش نضيفة يرتبها وينضفها ومتعاون معايا جدًا بس الطفولة بتغلبه كتير. بحاول أوفر له حياة كويسة فى البيت عشان ميطلعش الشارع ولا يختلط بحد، نفسى يطلع ويعرف إن كل حاجة وصلنا ليها بتعبى وشقايا، نفسى الناس تعرف إننا فى تحدى وبنعافر عشان نعيش وإننا مش مصدر شفقة».

توضح المرأة الأربعينية أنه لا فرق بين الأم التى تجلس على كرسى متحرك والأم السوية، بل إنها أفضل، مشيرة إلى أنها أتقنت الأعمال المنزلية منذ صغرها، الأمر الذى ساعدها كثيرًا بعدما تزوجت، حيث تنجز كافة الأشياء فى بضع دقائق، وتضيف: «المواعين بتاخد منى 10 دقايق بطلع على كرسى خشب وأعملها على الحوض، الحمام ياخد 10 دقايق، الطبيخ بعمله على طول الحمد لله، لكن الفرق أن الأم المعاقة بتبقى حنينة على عيالها وخايفة عليهم جدًا، لاغية نفسها وعلى طول همها عليهم، بتفكر تخلى عيالها كويسين عشان تثبت للناس إنها صح».




«وفاء» لديها استيجماتيزم وعتامة فى عينيها: بذاكر لعيالى بكشاف الموبايل

غربت الشمس واحتل الظلام أرجاء المنزل وبدأت المهمة العسيرة لدى الأم، فرغم وجود لمبات إضافية فى كل الغرف، لكن الرؤية تبدو صعبة لديها، حيث تعانى من «الاستيجماتيزم» فى العين اليسرى وعتامة فى العين اليمنى، الأمر الذى جعل كل أنشطتها على ضوء النهار، جلست على الأريكة بجوار ابنتها الصغيرة «يسر» لتكتب الواجب معها، أضاءت كل أضواء المنزل لتساعدها على الرؤية، لكنها لجأت إلى كشاف هاتفها المحمول لتسلطه على الكلمات حتى تستطيع قراءتها جيدًا.

لدى «وفاء عبدالفتاح» 38 عامًا، 4 أبناء فى مراحل دراسية مختلفة، تقطن فى قرية «أكوة الحصة» التابعة لمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، تبدأ يومها فى السادسة صباحًا، حيث يذهب أبناؤها إلى مدارسهم، ثم تتجه إلى المطبخ لتحضير جزء من طعام الغداء، وفى الثامنة صباحًا تتجه إلى عملها بمركز الشباب التابع للقرية: «عينى تعبانى من وأنا صغيرة وكان لازم أعمل عملية بس معملتهاش، لكن الأمور بقيت أسوأ لما جبت توأم ولد وبنت، واكتشفت إن البنت مش بتسمع، من كتر عياطى عليها عينى أتأثرت ومبقتش بشوف كويس.

مضت 10 أعوام على إصابة «وفاء» بمشكلة حادة فى النظر، كانت تجتهد خلالها فى القيام بدورها نحو أبنائها، لكنها واجهت الكثير من الصعوبات أيضًا: «كنت بقص لبنتى الصغيرة ضوافرها، عوّرتها عشان مش شايفة كويس وأديها جابت دم، ومن وقتها وأنا مش بقص ليهم ضوافرهم كلهم، أبوهم اللى بيقوم بالمهمة دى، مبعرفش أخيط بالإبرة أى حاجة مقطوعة فى هدومهم، جوزى بياخدها للخياطة، بذاكرلهم بالنهار دايمًا ولو الدنيا زنقت والوقت جرى، بذاكرلهم بليل بس نادرًا ولازم أستخدم كشاف الموبايل عشان أشوف الكلام».

تشترى وفاء كل أحذية أبنائها بلاصق، فهى لا تقدر على رؤية الثقوب الخاصة بالأحذية التى تحتوى على رباط، وتضيف: «أبوهم بيسافر عشان شغله وبيرجع كل شهر يقعد معانا أسبوع، بعمل كل حاجة لوحدى ماعدا الأكل، لازم يكون حد معايا فى المطبخ عشان لما بقرب من النار مش بشوف كويس، يومى كله معاهم، بحبهم جدًا وعمرى ما بزعلهم ولا بضربهم لأنى قعدت 4 سنين من غير خلفة وعارفة قيمتهم وغلاوتهم، وببقى فرحانة بشقاوتهم وصوتهم وهما حواليا فى البيت».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.