عادل امام سيظل المبدع الأعظم فى تاريخ دولة الفنون عادل إمام قادرًا على الدوام على أن يصيبنا بالدهشة التى يسبقها البهجة بفضل قيادته لتلك الموهبة العبقرية بمعلمة واقتدار ربما لم يتوفرا لأحد من قبله، وقد لا نراها أيضًا من بعده، فقد أحدث عادل إمام طوال مشواره الفنى نوبات من الجنون العبقرى بمشاركة آخرين، ولعلى هنا سأتحدث عن مشواره السينمائى، ففى مرحلة ما فى تلك المسيرة كان وحيد حامد هو الشخص الذى وقع عليه اختيار عادل إمام ليكون شريكاً فى سلسلة من الأعمال هى بالتأكيد من أنضج ما قدمه عادل إمام للسينما العربية أرخ فيها لفترات ربما شهدت صراعًا مع القوى الأكثر تأثيرًا على الساحة المصرية وهى قوى أرادت أن تجر المجتمع المصرى قرونًا طويلة إلى الوراء. ولعلى لا أحيد عن الحقيقة إذا قلت إن عادل إمام ومعه كتيبة المبدعين وعلى رأسهم وحيد حامد وشريف عرفة كانوا رأس الحربة فى مواجهة هذه القوى، بل إنهم كانوا أكثر فاعلية وقوة وأثرًا فى إحداث الوعى بين البسطاء والتنبيه إلى خطورة مثل هذه الأفكار على المجتمع المصرى الذى تعايش أقباطه ومسلموه على مدار القرون منذ مجىء عمرو بن العاص فى ألفة تحسده عليها بقية أمم الأرض.. وبلغ المنحنى أو الخط البيانى لهذا التحالف بين عادل إمام ووحيد حامد إلى أوج عظمته عندما توجا المشاركة بل أنهياها بتلك التحفة الرائعة التى وضعت أيديها على داء خطير أصاب المجتمع المصرى بجميع مؤسساته بالعجز وعزف الثنائى السيمفونية الأخيرة وكأنها لحن الفراق بين عادل ووحيد ثم يتجه هذا النادر التكرار عادل إمام وبحس لا يخطئ وقرون استشعار تحدد الهدف ولا تخطئه أبدًا، فكان اللقاء مع شاب جديد سبق أن جرب حظه فى المسرح مع النجم سمير غانم إنه يوسف معاطى الذى لم ينتبه له أحد سوى عادل إمام وتوالت الأعمال حتى انتهت نهاية مأساوية بفيلم «بوبوس» وذلك لأن الزواج فى العمل الفنى مثله تمامًا مثل الزواج فى الحياة إذا لم يكن هناك تكافؤ انتهى المشروع أى الفشل أو قل انتهى إلى بوبوس فعادل إمام نجم ليس له نظير فى الكون، بدليل أنه ظل على رأس النجوم الكبار فى دولة الفنون لما يزيد على الأربعة عقود وهو أمر ليس له مثيل لا فى عالمنا العربى ولا فى أى مكان على وجه المعمورة، ولعادل إمام دور يشبه دور السياسى والقائد والحكيم وبدون رؤية للكاتب المشارك لعادل إمام، فإن ما يقدمه من أعمال سوف يضر أكثر مما يفيد، وقد أدرك عادل إمام ذلك مؤخرًا، ولهذا كان اختياره الأحدث هو ذلك «الزهايمر» الذى عاد به إلى سيرته الأولى ممسكاً بمشرط الجراح وسماعة الطبيب يشخص ويحدد العلل ويقدم الحلول لاستئصال ما تورم فى جسد المجتمع، ومن خلال فيلم «زهايمر» قدم هذا المثير فى اختياراته المثير فى أفكاره المتجدد فى عطائه سيمفونية جديدة.. رجل يستيقظ من نومه ليكتشف أن اليوم هو الخميس مع أن الأمس كان الأحد وكل ما حوله ومن حوله يؤكد أنه فقد الذاكرة الحديثة، وأنه أصيب بمرض الزهايمر وبلا أى مبالغة فى الأداء يذهب عادل إمام إلى الشخصية ويمنحها كل خبراته وعصير تجاربه فإذا بها حبة صادقة متألقة.. ويلعب القدر نفسه مع اثنين من النجباء فى دولة الفنون والجنون فتحى عبدالوهاب وأحمد رزق لكى يتولى كل منهما لعب دور الابن فإذا بنا أمام مواهب متفجرة نعلم عنها الشىء الكثير قبل «زهايمر» ولكننا نكتشف إمكانياتهما الرائعة بعده.. بالطبع الوقوف أمام عادل إمام يرتفع بالأداء إلى مستوى العمالقة الكبار وقد كان فتحى ومعه أحمد رزق على قدر المسئولية وأهلاً للثقة التى أولاها لهما عادل إمام، ويكتشف الأب عن طريق السباك يوسف عيد هذا النجم الذى خلق لكى يلعب الصغير من الأدوار بحرفة وبساطة تلقائية يحسد عليها من خلال هذا السباك يكتشف الأب الحقيقة فينقلب السحر على الساحر وتبدأ عملية الإصلاح، إصلاح جيل دهس على كل القيم، فلم يعد يرى فيها سوى قيمة واحدة ووحيدة هى المادة ولذلك فإنه يفعل المستحيل من أجل الوصول إليها حتى لو كان بلوغ هذا الهدف على جثة أغلى الناس وأقرب الناس وأحب الناس ولا ينبغى أن نمر على هذا الفيلم دون الإشارة إلى ذلك المشهد العبقرى الذى جمع رفاق رحلة العمر بحلوها ومرها عادل إمام وسعيد صالح وكأنهما يعلنان أن جيل مدرسة المشاغبين لايزال بخير وأن التعاون بين أبناء هذا الجيل يثمر دائمًا أجمل الثمار وأكثرها نضجًا وأجملها طعمًا عندما فتش عادل إمام عن أصدقاء العمر وجد أحدهم وهو أحمد راتب يؤكد له أنه فقد الذاكرة وأصيب بالزهايمر فى حين يكتشف عادل إمام أن الصديق الآخر أصيب بالفعل بهذا المرض العجيب، وأن أهله وأحب الناس إليه أولاده قد انفضوا من حوله ويستجمع سعيد صالح كل أدواته الفنية على رأس الولد الشقى طيب الله ثراه لنستمتع بمشهد يستحق جائزة عالمية بين هذا الثنائى الأخطر فى حياتنا الفنية لقد شعرت أننى أمام كيرك دوجلاس وسبسر تراس فى فيلم «سرقة قطار» أما أداء عادل إمام فى بقية الفيلم فجعلنى أشعر أننى أمام عبقرية أداء ولتر ماثيو.. ويبقى فى النهاية أن نشيد بالأساس الذى وضعه نادر صلاح الدين هذا المنتمى إلى هذه الأرض الطيبة التى قد تعقم أحيانًا ولكنها على الدوام قادرة هى الأخرى مثل عادل إمام على أن تدهشنا بطيبات الثمار وهو نفس الأمر الذى ينطبق على عمرو عرفة الشريك الثالث فى هذا العمل الذى اجتمع الناس على أنه أفضل ما قدم عادل إمام خلال سنوات طويلة وعليه يستحق أن نخلع له القبعة وننحنى احترامًا للقيمة التى يمثلها فى حياتنا وتقديرًا للمكانة الرفيعة التى وصل إليها بالفن المصرى، فأصبح محل تقدير قادة الدول وشعوبها، ويا عم عادل الوصول إلى النجاح أمر شديد السهولة ولكن ما أصعب الحفاظ عليه وأنت خلال سنوات العمر لم تهدر وقتا فيما لا طائل من ورائه واستثمرت كل لحظة من أجل الارتفاع بقيمة ما تقدمه وقامة العمل الفنى فإذا بك تبلغ الأمانى كلها الممكن منها والمستحيل.. أسأل الله أن يبقيك ويقويك فقد أصبحت سبب البهجة الأوحد فى حياتنا!!