عندما يتكلم المنتجون عن مسلسلات رمضان يستخدمون دائما لغة الأرقام، سواء ميزانية التصوير أو الإعلانات التى حققها كل مسلسل، إذن المسلسل بالنسبة لهم «سلعة» يقومون بترويجها فى موسم الدراما الكبير، وعندما يشترى أى مستهلك سلعة ويجد فيها عيوباً فإنه يتوجه على الفور لجهاز حماية المستهلك، إذا كانت هذه السلعة سيارة أو ثلاجة أو حتى جهاز محمول، لكن من يجد نفسه أمام مسلسلات لا تقدم له شيئًا مفيدًا بل يصل له من خلالها عبارات وشخصيات تدفع بالذوق العام إلى الوراء، لمن يلجأ إذا أراد أن يعترض ويرفض ما يراه أمامه على معظم الشاشات. بداية لا يمكن اعتبار حجة الريموت كونترول فعالة فى هذه الأيام، فالمسلسلات التى تعانى من انهيار فى لغة الحوار منتشرة على كل المحطات، وهذه النوعية من المضمون الدرامى والبرامجى هى بالمناسبة السبب فى خصام الكثيرين للقنوات العامة ولجوئهم للقنوات الدينية المتشددة، ليس هذا فحسب، بل ما يثير العجب أن النجوم يخرجون فى الصحافة للكلام عن مسلسلاتهم بفخر شديد، والمنتجون ومديرو القنوات يؤكدون أنهم الأنجح والأهم فى سباق رمضان، ف«الكلام معلهوش جمرك» كما يقول المثل المصرى الشهير، لكن إذا جلس المشاهد أمام التليفزيون ليتابع حلقة من مسلسل وفوجئ وهو بين أطفاله بألفاظ غريبة وإيحاءات خادشة وتلميحات ليس لها سوى تفسير سلبى، فلمن يشكو وإلى من يلجأ فى هذه الحالة، وإلى متى يظل المشاهد مجرد متلقٍ عليه أن يتابع ما يراه على الشاشة وإذا لم يعجبه الوضع يغلق التليفزيون لينام مبكراً. «صباح الخير» فى إطار طرحها لهذا الملف بنهاية شهر رمضان الكريم، تطرح سؤالا أساسيا، هو: متى يكون للمشاهد حق الاعتراض بعيدا عن دور الرقابة لأن الرقابة بمعناها السياسى والقانونى شىء، ورفض المجتمع لما يحدث على الشاشة شىء آخر تماماً. * وعى المشاهد الدكتور صفوت العالم - أستاذ الرأى العام بجامعة القاهرة - يؤكد أن تدنى لغة الحوار فى دراما رمضان 2010 لم يتوقف عن الألفاظ الغريبة والشتائم فقط وإنما امتد إلى اللغة غير اللفظية مثل الإشارات والإيماءات والملابس غير اللائقة التى ليس لها أى ضرورة درامية، بالإضافة لزيادة المشاهد التى تتم فى الملاهى الليلية مع أنه كان من الممكن تصوير البطل وهو يخرج ويدخل منها فقط، كذلك يتم تقديم العلاقات بين أفراد الأسرة فى صورة سلبية للغاية ودون أى وجه إيجابى، وذلك حتى تكون هناك نهاية جاذبة لكل حلقة من الحلقات الثلاثين، فتزيد الأحداث المفتعلة التى تعتمد على العنف بكل أنواعه، وفيما تهتم الفضائيات بجلب الإعلانات وتقع تحت سيطرة وكالات الإعلان لن يفكر أحد فى المشاهد الذى أصبح مطالبا بأن يتفرج ويصمت، لأنه حتى نسبة الإعلانات إلى الدراما يجب الحفاظ عليها لأنه حق من حقوق المشاهد فالمتفرج الذى يريد أن يشاهد حلقة من مسلسل مدته 45 دقيقة لا يصح أن يشاهد بسبب ذلك ساعة إعلانية كاملة بين مشاهد المسلسل، حتى تكرار بث المسلسل نفسه عدة مرات يهدر حق المشاهد فى متابعة شاشة متنوعة ومتجددة، بالتالى نجد القناة تنتج ما يوازى 6 ساعات فقط وتعيد وتزيد باقى اليوم، بالتالى يفتقد المشاهد لحق الاختيار ويتابع ما يراه بالإجبار، والحل على المدى الطويل تدعيم نسق التربية الإعلامية حتى يتعلم الناس طرق التعرض السليم للوسائل الإعلامية ليرفضوا من أنفسهم ما يحدث ولا يستسلموا له، فإذا شعر المنتجون أن المشاهد وصل لحالة من الوعى تسمح له بأن يختار سيفكرون ألف مرة قبل تقديم هذه النوعية من الأعمال ووقتها لن تكون هناك أهمية للرقابة الرسمية لأن رقابة المجتمع ستكون أكثر فعالية. * استطلاع للأكثر رقياً الإعلامية الكبيرة سوزان حسن ترى أن هذه الأعمال يجب أن يتم تقويمها من الداخل أى عندما يشعر صناعها أنهم يقدمون أشياء لا ترضى الجمهور حتى لو كان مجبرا على متابعتها، وهنا يظهر أيضا دور النقد والنقاد المتحملين لمسئولية كبيرة فى توجيه الجمهور للأعمال الجيدة والتحذير من الأعمال التى دون المستوى، لأن العمل الدرامى مطلوب أن يرتقى بالناس لا أن ينزل بهم إلى أسفل، فلو كانت لغة الشارع وصلت لمستوى متدنٍ فليس من الحكمة أن ننشر تلك المفردات على الجميع فيعرفها من لم يسمعها من قبل، بل أن نقدم البديل الصحيح وندفع من يتكلمون تلك اللغة للتنازل عنها، وكلما كان دور النقد إيجابيا ستضطر الجهات المنتجة إلى تحسين مستوى النص والإخراج واختيار أفضل للأبطال، كما يجب أن تكون هناك استطلاعات رأى ليس للأفضل والأسوأ وإنما للأكثر رقياً لتشجيع هذه النوعية من الأعمال.. وترفض سوزان حسن حجة الواقعية مؤكدة أن هناك أفلاما عديدة فى تاريخ السينما المصرية قدمت الأحياء الفقيرة بأسلوب محترم، فمن قال أن بيوت الفقراء غير نظيفة، وحتى لو كانت تعانى من مظهر سيئ دورنا أن نوجه الناس لكيفية تحسين أوضاعهم فى إطار إمكاناتهم المادية، فالناس تفتقد للوعى الذى يجب أن يصل لهم من خلال التليفزيون لا أن يكون الجهاز الإعلامى المؤثر عاملاً مساعداً فى ترسيخ الواقع لا تغييره للأفضل. * الاختيار الحر من جانبه يطالب الممثل القدير فاروق الرشيدى - أستاذ الإخراج بالمعهد العالى للسينما - بالتوازن بين هذه النوعية من الأعمال والمسلسلات التى تخاطب الشرائح الأكبر من الجمهور، فحتى لو كان هناك البعض الذى يريد متابعة هذه المسلسلات لكن لا يفرض ذلك على الكل، بل يجب أن تتعدد الأنماط التى تتيح للمشاهد الاختيار الحر ليس بين عدد كبير من المسلسلات كلها تدور فى إطار واحد، وإنما بين نوعيات درامية متعددة، والدليل على كلامى اختفاء المسلسل الدرامى أو التاريخى تماماً بينما هناك عدة مسلسلات كلها تدور حول قصة واحدة.. ويطالب فاروق الرشيدى المنتجين وأصحاب الفضائيات بالرجوع دائما للجهات الأكاديمية المختصة لتقييم هذه الأعمال لأن هناك بعض المسلسلات كان ممكنًا أن تكون أفضل لو تجنب سلبيات بسيطة خصوصا أن الجهات الأكاديمية مستقلة ولا مصلحة لها عكس الوكالات الإعلانية التى تحكم على المسلسلات من وجهة نظر تجارية فقط. * الحركة النقدية وينضم الدكتور مدكور ثابت - الرئيس الأسبق للرقابة على المصنفات الفنية - للمطالبين بأن تكون الحركة النقدية فى مقدمة سبل مواجهة تدنى الحوار فى الدراما والسينما، لأن الاعتماد على الرقابة وحدها يقيد حرية الفنان ويظلم الأعمال التى تحتاج لمزيد من الحرية، بل نريد حركة اجتماعية تدعم الأعمال الجيدة وترفض الأعمال الرديئة لكن مع توافر الحق للجميع فى عرض تلك الأعمال، وبالتدريج سيقوم المبدعون أنفسهم عندما يدركون ماذا يريد الجمهور، خصوصا أن الأعمال التليفزيونية تختلف عن السينما فى أنها تدخل البيوت بدون استئذان وتحيط بالمشاهدين عبر الشاشات المختلفة، بالتالى على الجميع أن يتحمل مسئوليته تجاه المشاهدين وعلى الجمهور أن يعبر عن نفسه بكل الطرق المتاحة، لكن رغم ذلك لا يحبذ مدكور ثابت تكوين جهة اجتماعية هدفها استطلاع رأى الجمهور أولا بأول لأن هذه الجهة قد تتحول إلى رقابة موازية بالتدريج. * إعلام نظيف أما الدكتور محمود علم الدين - رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام- فكان الأكثر غضباً من تجاوزات مسلسلات رمضان وبدأ كلامه بجملة صادمة سمعها فى مسلسل «عايزة أتجوز» هى من وجهة نظر صناع المسلسل مجرد نكتة، لكنها من وجهة النظر الإعلامية إهانة لرمز مصرى، حيث تقول الممثلة إن «فلان وصل بالبراشوت الذى استخدمه والده فى حرب أكتوبر»، وكأن المناسبات القومية أصبحت بدون حماية من صناع الإيفيهات.. ويتوقع علم الدين أن تكون الرقابة لم تجد الوقت الكافى لمتابعة هذه المسلسلات كما ينبغى، كما أن القنوات الخاصة أحيانا لا تلتزم بالمحظورات الرقابية فالكل يعرض أولا ثم ينتظر ماذا يحدث وحسب حجم الاحتجاجات التى تركز للأسف على أعمال بعينها وتتجاهل أعمالا أخرى لسبب أو لآخر، ويضيف: برامج مثل «100 مسا» و«الجريئة والمشاغبون» من المسئول عن وصولها للناس وكأنهم لا تصل لهم الانتقادات التى يطلقها الجميع. ويرى محمود علم الدين أن حل الأزمة يبدأ من منظمات المجتمع المدنى والجهات الأكاديمية المتخصصة، تلك المنظمات التى تركز فى مجالات معينة فقط، لكنها لا تحمى حقوق المجتمع المصرى فى الحصول على إعلام نظيف، فنحن بحاجة إلى مضمون إعلامى يحترم الثوابت من جهة ويغير الناس إلى الأفضل من جهة أخرى، مضمون إعلامى يرسخ لقيم المواطنة واحترام الأديان والرموز لكنه فى الوقت نفسه يماشى العصر والتطورات التى يشهدها هذا المجال. * خدعة الريموت كونترول ورداً على دعوة النقاد لمواجهة هذه النوعية من الأعمال يقول الناقد الكبير الدكتور أحمد سخسوخ: إن النقاد المحترفين الذين يطبقون قواعد النقد الفنى كما هى لا تفتح لهم أبواب الإصدارات التى يقرأها الجمهور، بل احتل المساحات النقدية غير المتخصصين والذين يهتمون أولا بمجاملة صناع هذه الأعمال وأحيانا عندما يكون العمل شديد السوء لا يتم الهجوم عليه ولا الدفاع عنه، بحيث لا يغضب النجم وفى نفس الوقت لا يتم توجيه الجمهور لمساوئ هذا العمل. ويضيف د.سخسوخ: التليفزيون وباقى وسائل الإعلام مؤسسة متقدمة عن المجتمع، فلو كانت لغة الشارع تعرضت للانهيار، فدور هذه المسلسلات الارتقاء بها، لا مجاراة تلك اللغة ونشرها للجميع من خلال سطوة التليفزيون.. ويتعجب من اختيار وقت الذروة لعرض هذه النوعية من الأعمال والسبب من وجهة نظره سيطرة التفكير التجارى بينما البرامج الثقافية تعرض والناس نائمون، كما أن الرقابة سياسية فقط ولا تركز إلا فى الأمور السياسية، كذلك فإن الإنتاج الكثيف للمسلسلات يحاصر المتفرج المطالب بأن يتابع كل هذا الكم، وفكرة أن الريموت كونترول فى يد المشاهد خادعة تماماً لأن الخيارات محدودة والريموت هنا لا لزوم له، فمعظم المسلسلات تدور فى قصة واحدة، أى أننا نطلب من المشاهدين الاختيار بين عدة مسلسلات، أسماؤها مختلفة ومضمونها واحد، ولن تتحسن الصورة إلا إذا اقتنعت وسائل الإعلام أن دورها هو الحفاظ على حقوق المشاهدين والارتفاع بهم لا الهبوط إلى أسفل.