علينا جميعاً أن نتذكر هذا الاسم جيداً. فالمهندسة الشابة المتميزة سارة سمير ليست مجرد نموذج لفتاة مصرية تستحق أن نفخر بها ونقدرها، ولكنها نموذج إنساني مشرف يستحق أن نقترب منه لنتعلم.. نتعلم معني الإرادة، نتعلم فن المقاومة، نتعلم الحماس والجرأة، نتعلم كيف نقول: «نحن موجودون ولدينا حقوق.. وعلينا واجبات»!! سارة سمير.. تحدت الظروف، تحدت إعاقتها الحركية، تحدت نفسها وضعفها حتي أصبحت قادرة علي أن تطالب بحقها وحقوق الملايين من ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر. سارة.. الفتاة الرائعة.. التي إذا تحدثت معها واقتربت منها.. أجبرتك علي احترام عقلها ورؤيتها وإرادتها وإنسانيتها.. وطموحاتها اللامحدودة. تخرجت سارة سمير في كلية الفنون التطبيقية عام 2003- قسم إعلان- وحصلت علي الماجستير وكان موضوع رسالتها «مقارنة بين الإعلان الصحفي المطبوع وبين الإعلان في الصحافة الإلكترونية (علي الإنترنت)». قبل أن تعمل سارة كمصممة مواقع وجرافيك، كانت قد التحقت لعمل «كورس» متخصص في مجال عملها، وقد حصلت علي المركز الأول من بين كل زملائها.. وكان معدل أرقامها ودرجاتها هو الأعلي مما يؤهلها للحصول علي وظيفة بشكل سريع وحاسم. وهنا قابلت سارة واحدة من المشاكل التي تثبت أن هناك شيئا «غلط» في هذا المجتمع، هناك حالة من الظلم وعدم العدالة خاصة في نظرته للمعاقين التي تلخصهم وتلخص إمكاناتهم وتعتبرهم «أعباء وليسوا شركاء».. ومن هنا جاء شعار سارة الذي تردده دائماً: «نحن ذوي كفاءات حقيقية، ولابد أن يقيمنا المجتمع تقييماً عادلاً وفق قدراتنا، فنحن شركاء في هذا المجتمع ولسناء أعباء»!! الموقف الذي تعرضت له سارة عندما حصلت علي شهادة IBM بتقديرات مرتفعة ومتفوقة عن زميلتها التي تقدمت معها لنفس العمل، فإذا بصاحب العمل يقوم بتوظيف صديقتها «الأقل منها في التخصص والتفوق» بدوام كامل وراتب أعلي، أما سارة فاكتفي بتشغيلها «بدوام جزئي» وبراتب أقل، وكالعادة- كان علي سارة- أن تتحدي- فقبلت بالوظيفة لا لاحتياجها- إنما لتثبت أنها قادرة علي الإنجاز وبشكل رائع، وهذا التحدي الذي جعل صاحب العمل يلح علي سارة ويطلب منها البقاء في العمل بعد أن قررت ترك العمل للالتحاق بمكان أفضل- لأنه أدرك مدي كفاءاتها وإخلاصها للعمل. صعوبات كثيرة وعديدة مرت علي سارة، منذ أن كانت طفلة ومنذ تم اكتشاف دعامتها الحركية.. تلك الصعوبات التي واجهتها.. ومازالت تواجهها- هي التي جعلت سارة تفكر بطريقة أكثر رحابة واتساعاً- فلم يعد تفكيرها ذاتيًا أو فردياً، إنما تحول إلي تفكير للجماعة تفكير بمنظور أعم وأشمل: «كيف يكون لذوي الاحتياجات الخاصة صوت مسموع في هذا المجتمع، كيف تعرف المجتمع بحقوق المعاقين.. كيف نعرف المعاقين أنفسهم أن لهم حقوقا عليهم أن يطالبوا بها، وكيف يعرفون أيضاً- أن عليهم واجبات- لابد أن يقدموها، لأنهم مواطنون فاعلون في هذا المجتمع وليسوا مفعولين بهم. من هذا المنطلق جاءت فكرة تأسيس حركة (7) ملايين معاق، التي كانت سارة واحدة من هؤلاء المؤسسين السبعة، وكما تقول: «كنا نفكر في ضرورة إنشاء كيان له مصداقية وصوت ورؤية، وبالفعل فكر زميلنا المهندس محمود عبدالحليم في أن يكون هذا الكيان هو «حركة» وتم إطلاق اسم «حركة 7 ملايين معاق». وتهدف هذه الحركة- وكما تقول سارة- إلي «الحقوق المتبادلة بين المجتمع وبين ذوي الاحتياجات الذين هم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، فنحن نهدف إلي أن نقول للمعاق «عليك أن تفعل كذا وكذا» مثل: عليك أن تكون إيجابياً، أن تذهب لعملك، تكون مؤثراً، تكون لديك كلمة وقرار في عملك، حيث إن هناك بعض المعاقين الذين يعتمدون علي أنهم يعملون في أماكن وفق نسبة التشغيل والتوظيف (ال5%)- لكنهم لا يذهبون إلي وظائفهم وأعمالهم إلا لتقاضي الراتب في آخر الشهر. وللأسف.. أحياناً يكون هذا هو ما يرجوه صاحب العمل نفسه، لكننا نحاول أن ندعو إلي حالة من الجرأة والمزيد من التحدي لنقول لكل المجتمع: «نحن شركاء ولسنا أعباء، نحن لدينا قدرات ويمكن أن نكون منتجين بشكل أفضل لو استغلت هذه القدرات وتم توظيفها بشكل سليم»!! أجمل ما في سارة أنها تتحدث بجرأة وبقوة وبانفتاح، تتحدث عن الصعوبات التي واجهتها في حياتها، فتحكي عن اعتراض أهلها في البداية لالتحاقها بكلية الفنون التطبيقية- رغم أن أغلب أفراد عائلتها تخرجوا في نفس الكلية- لكنهم كانوا يرون أنها كلية صعبة ولا تتناسب مع ظروف إعاقة سارة، ولكن سارة كانت تري شيئاً آخر، ورغم أن والدها قدم أوراقها في كلية التجارة، ورغم أن سارة لم تكن تنتمي بشكل رسمي إلي كلية الفنون التطبيقية، إلا أنها أصرت لدرجة أنها كانت تحضر المحاضرات في كلية الفنون- رغم أنها طالبة في كلية التجارة- ذلك الإصرار والتحدي الذي جعل والدها يعيد النظر ويحول لها أوراقها إلي كلية الفنون التطبيقية، ومع هذا كان بداخل الأسرة بعض الهواجس بأن سارة لن تستطيع المواصلة، ولن تتمكن من النجاح، وكان رهانهم بأنها سترسب.. وكان رهان سارة الفعلي الذي كسبته وباقتدار هو أن تنجح وتتفوق وتثبت ذاتها، فنجحت سارة وحصلت علي الماجستير وتستعد الآن للتسجيل في الدكتوراة! تحكي سارة قائلة: للأسف.. العائلة جزء من المجتمع، ونظرتهم إلي وإلي إعاقتي بأنها ستكون حجرا يعرقل مستقبلي أكبر من إيمانهم بقدراتي الحقيقية، والمشكلة أنني بعد أن أثبتَّ قدراتي الدراسية والعملية، يظل هناك شك من قبلهم في تحقيق أشياء أخري مثل الزواج والارتباط والإنجاب. هذه النظرة السلبية جعلتني أمشي في طريقي بمنتهي الإصرار، لدرجة تجعلني لا أهتم إلا بعمل ما هو صحيح، وكانت حركة (7) ملايين معاق أحد هذه السبُل والطرق لتغيير نظرة المجتمع، ولكن الأهم هو- أن نغير نظرتنا- نحن المعاقين إلي أنفسنا، علينا أن نثق أكثر بقدراتنا وبمواهبنا علينا أن نكون أكثر تحديا وجرأة، فلا يصح أن نعامل أنفسنا كمستضعفين حتي لا يعاملنا المجتمع بنفس الشكل. علينا أن نتعلم نقول «لا»! هذا ما فعلته سارة.. حيث قالت لي: «أنا ماكنتش كده، أنا في الأول كنت ضعيفة، وبأقول مفيش فايدة، لكن لما اتعلمت أقول «لأ» و«Stop» علي ما لا يعجبني.. أصبحت أكثر قوة وأكثر قدرة علي التعامل مع المجتمع، وجزء كبير من قدرتك علي قول «لأ» هو أن تعلم حقوقك هذا الأداء جعلني قادرة علي مواجهة المجتمع وبشكل إيجابي وعملي. وأعتقد أن لو كل منا تعامل بنفس القوة، سنصبح بالفعل قوة مؤثرة وعندما يصبح هناك ملايين الأفراد أقوياء، سيزداد المجتمع كله قوة. كل ما أحلم به هو أن ننجح كحركة مجتمعية، أن تزداد ثقافة المجتمع، أن يتم التعايش الحقيقي الفعال بين جميع أفراد المجتمع، وهذا ما سيحقق الانتماء، وكما تقول سارة: «شباب كتير بيهاجر وبيعمل ورقه علشان يسافر.. خسارة إن مصر تكون طاردة لأولادها»!! عن الحلم الشخصي.. تحدثت سارة وقالت: أنا كأي بنت- لدي مشاعر وأحلام- وعلي وعي تام بأن الحياة لابد أن تسير في إطارها ومسارها الطبيعي، ولو وجدت من يناسبني ويحترم عقلي وإمكاناتي سأرتبط به، فكما أقول لك: «المشكلة في طريقة تفكيرنا كمجتمع.. فالشاب المعاق يريد أن يتزوج من شابة «سليمة»- لكي تخدمه رغم اعتراضي علي استخدام كلمة «سليم وغير سليم»- ولكن للأسف هذا هو المصطلح المستخدم، والشاب غير المعاق نادراً إذا فكر في الزواج بفتاة معاقة.. فحكمنا علي الأمور وعلي البني آدمين سطحي ومظهري ولا يتسم بالعمق. سألت سارة عما يعجبها في شخصية البنت المصرية وعما تكرهه منها فأجابتني: البنت المصرية جدعة بشكل عام.. لكنني أكره سلبيتها في كثير من الأحيان، أكره ضعفها وخجلها من المطالبة بحقها ليس لديها الجرأة أن تطالب بحقها، خاصة في التعبير عن مشاعرها لا تعرف كيف تقول «لا».. مادامت لا تفعل شيئاً ضد الأخلاق أو ضد القانون. سارة سمير.. الفتاة الرائعة التي تجاوزت ضعفها بمنتهي القوة وتحدت إعاقتها بمنتهي الشجاعة والإيجابية.. عما تراهن في المستقبل؟ أنا مراهنةعلي صوت المعاقين.. مراهنة علي أنهم من كترة ما تعبوا وأرهقوا من حالة التردي التي يعيشونها.. سيستطيعون أن يقولوا «لا» وكفاية بدلاً من أن يقولوا «مفيش فايدة»!! أما سارة.. فهي بنت مصرية تستحق أن نراهن علي مستقبلها الجميل أيضاً.