لماذا يترصدون القضاة، ويحاولون فركشة صفوفهم، وبث الشائعات بينهم لهز الثقة فى أنفسهم، وبالتالى يسهل اختراقهم وتفتيت وحدتهم، وإعلان هزيمتهم !! هذه الأسئلة التى شغلت عقلاء هذا البلد، وحيرت حراسها.. أسئلة لا إجابة لها.. ولكنها أسئلة متواصلة آخرها ما تعرض له قانون السلطة القضائية عندما أدخلوه عنوة إلى مجلس الشورى لتمريره سريعا - كما هى العادة - كى يصبح أمرا واقعا تحت سطوة الإخوان.. اشمعنى يعنى القضاء يحاول التملص من سطوة الإخوان ؟! مع أن كل أجهزة الدولة ومؤسساتها استسلمت للإخوان - رغما عنها وتحت ضغوط القهر والتخويف والتجويع !! بالتأكيد نحن نعيش زمنا ملعونا.. ولكن يظل صلابة رجال القضاء ووحدة صفوفهم هى نقطة الضوء التى تقودنا للطريق الصحيح.. وهى أيضا التحدى وإعلان العدالة فوق الجميع.. ولهذا لابد من إخراس هذا الصوت.
وهكذا يتم اغتيالالقضاة الواحد تلو الآخر.
وهو ما قدمه الفيلم الإيطالى «جثث لذيذة» للمخرج الإيطالى الكبير «فرانشسيكو روزى» وعرض فى مسابقة مهرجان كان لعام 76 «أى منذ 37 عاما!!» وكنت قد شاهدته وقتها وصفقت له فى قاعة العرض بالمهرجان وسجلت تفاصيله فى صباح الخير ثم فى كتاب «سينما الزمن الصعب» الذى صدر عن مؤسسة روزاليوسف عام 1980 ثم فى الطبعات التالية التى صدرت عن هيئة الكتاب ! وأهمية هذا الفيلم أنه يبحث فى أسباب ترصد القضاة وكسر هيبة العدالة والأحداث تقع فى إيطاليا.
يفتتح الفيلم بهذا الإنسان العجوز الذى يسير فى أحد شوارع المدينة.. ويتوقف قليلا أمام شجرة الياسمين التى تتدلى أفرعها على سور أحد المنازل.. إنه يبتسم لهذا الجمال.. يمد يده ليلتقط فرعا من الياسمين.. وفجأة تصرعه رصاصة.. فيسقط جثة هامدة ويده تقبض على فرع الياسمين !
هذا الإنسان العجوز.. هو وكيل النائب العام !!
ويدوى خبر مصرعه.. فلم يسبق فى تاريخ الإجرام فى هذه المدينة. أن هدد أو ضرب رجال القضاء من أجل موقفهم، أو من أجل حكم نطقوا به!!
ويتجمع أهالى المدينة أمام الكنيسة أثناء مراسم تشييع الجنازة.. وتحيط عربات البوليس بالمكان.. وتمر عربات تلقى بالمنشورات التى تندد بهذه الجريمة وبحالة الأمن.. وتمتلئ الساحة الخارجية أمام الكنيسة بالمنشورات.. ويراقب رجال البوليس هذا الموقف ولا يتعمدون الصدام.. بينما يتفرغ المفتش روجا «يلعب الدور لينو فنتورا» لجمع معلوماته عن هذه الجريمة..
لقد أوفدته العاصمة إلى هذه المدينة ليتولى التحقيق.. وهو من أمهر رجال البوليس.. ولكن تحرياته الأولية أوشكت أن تصل به إلى الاعتقاد أنه أمام إحدى جرائم المافيا.. إلى أن تحدث المفاجأة التالية.. اكتشاف جثة قاض آخر على طريق البلدة المجاورة !!
اثنان من رجال القضاء. قتلا بنفس الطريقة فى أسبوع واحد.. وبالرغم من أن الجريمتين وقعتا فى مدينتين بعيدتين عن بعضهما.. فإن من المؤكد أن هناك خطا يستهدف اغتيال رجال القضاء.. وتقع الجريمة الثالثة ويقتل قاض آخر فى مدينة ثالثة قريبة من المدن السابقة، وللجرأة الشديدة تقع جريمة الاغتيال هذه، داخل أحد بنوك المدينة.. ويسود الهرج والرعب.. ويختفى القاتل وسط الزحام !!
وتثير موجة الاغتيالات المتعاقبة. قلق العاصمة.. ويقدم رئيس الدولة ورئيس المحكمة العليا احتجاجهم إلى المسئولين عن الأمن.. الذين يتحركون بالتالى لمحاولة تهدئة الرأى العام الذى بدأ يثور، وتصبح التعليمات عند رجال الأمن أن يعثروا بسرعة على هذا الخطر المجنون الذى يهدد منشآت الدولة !
∎حالة من الارتباك والقلق والفوضى..
ويغرق مفتش البوليس «روجا» وسط ملفات القضايا التى نظرها هؤلاء القضاة الذين تم اغتيالهم.. لعله يجد خيطا يوصله إلى السبب !
وبعد جهد شاق، استطاع «روجا» أن يحدد ثلاث حالات لأشخاص مطلقى السراح. ويوجدون فى ذات المنطقة.
الأشخاص الثلاثة. أدينوا من قبل فى أحكام قضائية ولكنهم كانوا دائما يعترضون من أجل براءتهم.
الثلاثة هم، عاطل يقضى يومه فى الأماكن المشمسة. والثانى رجل شاذ جنسيا، والثالث صيدلى اسمه «كريس».. وحصر المفتش «روجا» شكوكه فى هذا الأخير.. وبدأ يتعقب الأماكن التى يحتمل تواجده بها.. ولكن المفاجأة المحيرة التى صادفت المفتش أن هذا الصيدلى لا توجد له صورة واحدة يمكن أن يستدل بها على شكله !!.. حتى عندما فتش منزله وجد كل الصور منزوعا منها وجهه أو جسده، حتى فى ملفات السجن الذى قضى بداخله هذا الصيدلى «كريس» عقوبته، لم يجد له صورة واحدة، ولا حتى فى أرشيف الجرائد!!
إن هناك تعمداً لإخفاء ملامحه.
وبهذا أصبح الصيدلى، شخصا غير مرئى !!
وبعد فترة قليلة، يلقى أحد القضاة مصرعه.. ويعرف المفتش «روجا» أن هذا القاضى الذى اغتيل أخيرا، كان أحد هيئة القضاة التى أدانت هذا الصيدلى.. ويصبح افتراض المفتش. يقينا !!
كمقابل لكل هذا يتم اغتيال أحد القضاة فى العاصمة كنوع من التحدى فى نفس الوقت !!.. ويجمع شهود هذا الحادث أن هناك شابين من ذوى الشعور الطويلة هربا فور الحادث فى سيارة مرسيدس بيضاء عليها أرقام مسجلة فى سويسرا !!
وتزداد حالة التذمر بين الرأى العام الذى يطالب بوضع حد لهذه السلسلة الدامية من الاغتيالات والفوضى واللا أمن.. وتسود العاصمة حالة شديدة من القلق والذعر.. اجتماعات واستجوابات متتالية.. ويظهر رئيس الدولة فى التليفزيون ليهدئ الرأى العام ويتهم فئة معينة بمحاولة نشر الذعر والفوضى.
ويتم استدعاء مفتش البوليس «روجا» إلى العاصمة، ليطلب منه رئيس البوليس بلهجة حادة قرار الاستغناء عن خدماته، ونقله إلى فرع آخر فى البوليس !
ويفهم مفتش البوليس «روجا» أنه غير مرغوب فيه، وأن هذا القرار يعنى تجميد نشاطه والبعد عن مسرح هذه القضية الخطيرة.. ويتقبل «روجا» هذا القرار رغما عنه، ولكنه إتماما لمهمته وإحساسا بالخطر القادم يطلب مقابلة عاجلة مع رئيس المحكمة العليا ليحذره من أن الدور قادم عليه فى سلسلة الاغتيالات.
ويذهب مفتش البوليس إلى منزل رئيس المحكمة، ولكنه يفاجأ برد الحارس أنه لن يتمكن من مقابلة رئيس المحكمة قبل مساء اليوم التالى، ويفاجأ أيضا عند خروجه من هذا المنزل ببعض السيارات الرسمية السوداء المسدل عليها الستائر تغادر المنزل، حاملة بداخلها بعض كبار الشخصيات من الجيش.. كما يوجد بينهم رئيس البوليس !! ويلاحظ أيضا أن وراء مجموعة السيارات الرسمية تتحرك سيارة مرسيدس بيضاء تحمل أرقاما من سويسرا!!
ويصبح هذا الاكتشاف مثيرا للغاية !.
ما معنى تواجد كل هذه الشخصيات المهمة فى منزل رئيس المحكمة العليا ؟! وما معنى وجود هذه السيارة البيضاء التى أجمع الشهود من قبل أنهم رأوها فى مصرع قاضى العاصمة ؟!
ويستجمع مفتش البوليس «روجا» كل مهاراته فى محاولة كشف هذا السر الغامض.. وبخدعة يدبرها يتمكن من الاتصال برئيس البوليس الذى يدعى أن هذه السيارات الرسمية التى كانت تحمل كبار الشخصيات، كانت فى حفل استقبال أقامته السفارة البرتغالية !!
وبمكالمة تليفونية أخرى مع السفارة البرتغالية، يكتشف أن السفارة مغلقة فى إجازة منذ اسبوع !!.
ويفهم «روجا» أن سلسلة اغتيالات القضاة مرتبطة بهذا الاجتماع السرى لكبار رجال الدولة !!
إذن القضية أكبر وأخطر مما يتصور !
وبالرغم من قرار إبعاده عن التحقيق فى هذه القضية، فإنه يدرك أن عليه دورا يجب أن يؤديه.. ويعرف أن هناك حفل استقبال يقيمه هذا المليونير صاحب الأسطول البحرى، وهذا الحفل يضم كبار شخصيات الدولة، كما يحضره رئيس المحكمة العليا وهو ما يسعى إلى مقابلته لتحذيره.
ويدخل إلى الحفل، غير مدعو من أحد، ويقابله الجميع بتجاهل أو استنكار أو بابتسامة سخرية.. ولكنه يحدد هدفه بالاتجاه فورا إلى حيث يقف رئيس المحكمة العليا.. وعندما يبدأ فى الكلام معه، يشعر فجأة أنه وجها لوجه أمام الصيدلى «كريس» الذى ظهر واختفى كشبح !! ويسرع بمحاولة البحث بين الحجرات ولكن لا أثر له !!
ويخرج من هذا المكان وقد ازداد الأمر غموضا !
هل هذا الصيدلى « كريس» أداة رجال السلطة وسلاحهم ؟
إذن الأمر أخطر من عملية اغتيالات بعض القضاة.
إنها مؤامرة كبرى تستهدف نظام الحكم كله !!
وعندما يتوصل مفتش البوليس «روجا» إلى هذه النتيجة.. يحاول أن يتصل بصديق الطفولة، هذا الصحفى الذى ينتمى للحزب الشيوعى، لكى يحدد موعدا معه ليشرح له ما يحدث.. حتى يمكن بعد ذلك تدبير لقاء مع سكرتير الحزب الشيوعى.
ويختار المفتش «روجا» أن يتم لقاؤه مع صديقه الصحفى فى حديقة الحيوانات بالمدينة.. فهو يشعر تماما أنه تحت المراقبة. إن حركاته وكلماته مسجلة ولهذا اختار مكانا مزدحما وفى الهواء الطلق.
ويتم اللقاء.. ولكن هناك هذا الشحاذ الضرير الذى يجلس على أحد المقاعد ومعه كلبه الضخم.. إن هذا الشحاذ أحد رجال البوليس، وهذا الكلب مثبت فى جسمه ميكروفونات دقيقة للتنصت!
ويطلق الشحاذ كلبه الضخم فى اتجاه المفتش «روجا» وصديقه الصحفى..
وفى المقابل نسمع ما يدور بينهما فى حجرة رئيس المحكمة العليا.. إن الميكروفونات المثبتة فى الكلب.. موصلة لاسلكيا بجهاز استقبال موجود فى حجرة رئيس المحكمة.. إنه يسمع كل النتائج التى توصل لها المفتش.. ويسمع طلبه بتحديد موعد مع سكرتير الحزب الشيوعى.. ويسمع بالموعد المحدد الذى يحمله إليه الصحفى.
وفى اللحظة التى تنقل فيها أجهزة التنصت فى حجرة رئيس المحكمة، خبر الموعد المحدد.. تنطلق رصاصة مجهولة تقتل رئيس المحكمة على الفور.. الرصاصة تأتيه فى رأسه.. فيسقط على جهازالتنصت مضرجا فى دمائه !!
المتآمرون يقتلون بعضهم..
ويذهب مفتش البوليس «روجا» ليلتقى بسكرتير الحزب الشيوعى فى الموعد والمكان المحدد.
ويتعرف كل منهما بالآخر.. ولكنهما لا يتكلمان خوفا من عملية المراقبة التى يشعران بها.. ويتجولان فى المتحف .. حتى يصلا إلى إحدى الصالات الخاوية من الجمهور.. وما أن يبدأ المفتش فى الكلام.. حتى تأتيه رصاصة عاجلة تستقر فى ظهره..
ويسقط قتيلا قبل أن يتمكن من إخراج مسدسه.. ويحاول سكرتير الحزب الشيوعى الدفاع عن نفسه.. ولكن تأتيه هو الآخر رصاصة.. فيتهاوى جسده غارقا فى الدماء !!
وتتكوم الجثتان فى صالة المعرض بالمتحف !!
بينما يظهر رئيس البوليس ليدلى بتعليقه على الحادث فى التليفزيون.. فيقول إن المفتش «روجا» كانت تعذبه منذ فترة مجموعة من الأوهام الكاذبة، فاختل توازنه العقلى، وأصيب بالاكتئاب والجنون.. وتصور أن سكرتير الحزب الشيوعى يدبر مؤامرة.. فأطلق عليه الرصاص.. وتمكن سكرتير الحزب الشيوعى أن يخرج مسدسه ويقتله.. وهكذا قتل الاثنان بعضهما !!
الكذبة واضحة ودنيئة.. ولكن من يملك الحقيقة الآن ؟!
وتجتاح المظاهرات الشعبية شوارع العاصمة المحاصرة بالمدرعات وقوات الأمن.
ولكن المفاجأة الأخيرة تأتى من الحزب الشيوعى نفسه.. عندما يقف أحد المسئولين ليلقى بتصريحه فيقول : «الحقيقة.. ليست دائما ثورية»!
وينتهى الفيلم بهذا التصريح السياسى الغريب والمثير حقا !!
وفيلم «جثث لذيذة» الذى أخرجه ببراعة «فرانشيسكو روزى» يجعلك تلهث فى غموض المؤامرة.. ثم يتركك وقد استحوذت عليك تماما صدمة المفاجأة.
لماذا يقتل المتآمرون هؤلاء القضاة.. كيف واتتهم الفكرة.. وكيف يقودون أداتهم ؟
ثم.. كيف بدأ المتآمرون يقتلون بعضهم ؟
ولماذا وقف الحزب الشيوعى هذا الموقف المائع؟ وبالرغم من أنهم يعرفون كل الحقائق ؟! إن كل هذه التساؤلات يضمنها «فرانشيسكو روزى» فى نسيج فيلمه الذى يأخذ طابعا بوليسيا، ولكنه فى الحقيقة فيلم سياسى من الدرجة الأولى، إنه يفضح كل المحاولات للاستيلاء على السلطة.
إن هدف كل هؤلاء المتآمرين الذين حصدوا هذا العدد الضخم من الجثث وتسلقوا عليها، أن يحققوا غرضهم فى إثارة الفزع والتوتر والفوضى حتى يثبوا إلى السلطة.. وعندما أدرك الحزب الشيوعى هذه اللعبة السياسية اكتفى بالمراقبة بالرغم مما أصابه من رذاذ المؤامرة وفقده لاحد أعضائه البارزين.. ثم تصريحه المثير فى النهاية : «الحقيقة.. ليست ثورية»!!
وقصة الفيلم مأخوذة عن رواية للكاتب الإيطالى «ليوناردو سكياسكيا»
وقد اشترك فى كتابة السيناريو مع المخرج «فرانشيسكو روزى».. كل من «تونينو جييرا» و«لينو جانيوزى».
يقول المخرج «فرانشيسكو روزى» عن فيلمه : «أنا لا أعطى دروسا سياسية.. ولكنى أترجم حالات النفس البشرية».
ويقول أيضا «أريد أن يكون هذا واضحا تماما. إن فيلمى ليس تحليلا للموقف السياسى فى إيطاليا اليوم، وقد تكون نهاية الفيلم مثيرة ولكنى اخترتها هكذا تعبيرا عن القلق الاختيارى الذى أوصلتنا إليه الرواية» !
وعن موقف الحزب الشيوعى كما أظهره المخرج فى فيلمه.. يقول محللا وجهة نظره : «إن القضاة ليسوا سوى متفجرات استخدمها المتآمرون بدلا من إلقاء القنابل فى القطارات أو البنوك لقد كان المطلوب من قتل القضاة هو الإثارة والتهييج.. وبعد هذا تفرض القوة لإزالة الحكومة الضعيفة وتثبيت قدم المعارضة.. أما الحزب الشيوعى فقد آثر أن يحتفظ بالموقف فى يده، ولم يقع فى الفخ.. لأنه يعلم أنه إذا فضح المتآمرون وأعلن عن أسمائهم لثارت الجماهير.. ونجحت خطة المعارضة.. وبالنسبة لليسار أهم شىء بالنسبة له هو الحفاظ على سلطته والعلاج السطحى لمجتمع يحتضر.. وعندما يصرح المسئول عن الحزب «الحقيقة ليست دائما.. ثورية».. فمعنى هذا أن الحزب يصدق على التصريح الرسمى للأحداث.. وفى السياسة.. نقيض الحقيقة ليس دائما هو الكذب.. والنضال طويل ويومى ومستمر والثورة السحرية التى تغير كل شىء بين يوم وليلة عرفناها، وانتهت.. وبالنسبة لى فأنا أرتاب فى نظام شيوعى - ديمقراطى مسيحى.. ولقد أخذت بتحذير مؤلف الرواية الأصلية «سكياسكيا» والذى يتعلق بموقف إيطاليا...
لماذا هؤلاء الذين بقوا فى السلطة ثلاثين عاما، لم يصبحوا بشكل ديمقراطى، قوة معارضة شرعية وبناءة؟!
وعن شخصيات فيلمه.. يقول المخرج «فرانشيسكو روزى» محللا:
«لقد اخترت الممثل «لينو فنتورا» ليلعب شخصية رجل البوليس المثقف.. المركب الشخصية.. لقد ترك لى الكاتب الأصلى للرواية حرية اختيار هذه الشخصية.. ولقد كنت أتصور هذه الشخصية.. بطلا إيجابيا ثابتا ليس به أى نوع من السذاجة.. ولكنه شريف وصلب، بلا مشاكل خاصة، وقوى وقلقه يجعلنا نقلقمعه بالتالى».
«شخصية الصيدلى كريس بدأت بجرائمه الأولى الانتقامية ثم تحول إلى الذراع العنيفة للمؤامرة بعد أن استخدمته عصابة المتآمرين.. فالعدالة هى النظام الأكثر استقرارا وعندما تهدم العدالة يصبح كل شىء ممكنا.. وتحقق المتآمرون من أن هذه وسيلة جيدة وفعالة لإرهاب الجماهير. وأصبح القضاة كبش الفداء».
ولكن من هو العقل المدبر لهذه المؤامرة ؟
يقول المخرج «روزى» : «إنه رئيس البوليس الذى أوقف المفتش «روجا» عن بحثه. والذى يملك الوسائل التكنيكية للتجسس، والذى أعطى فى النهاية التصريح الرسمى للتليفزيون عن الجريمة، وهو تصريح كاذب وملفق»!
ما هو دور المليونير صاحب الأسطول البحرى والذى استطاع أن يضم إلى حفلته كل هذه الشخصيات الرسمية بالإضافة إلى المتآمرين ؟
يقول المخرج «روزى» : «القوة الاقتصادية هنا تأكل فى أكثر من مكان، وبأكثر من أسنانها وتشرب حتى الثمالة»!!
وهذهالتحليلات التى يقدمها المخرج «روزى» تأكيد على درايته الكاملة وفهمهم العميق لأبعاد البناء الأساسى للرواية. وكيف حولها إلى صورة سينمائية بليغة مملوءة بالحركة والتوتر والمعنى !
ولعب الممثل الإيطالى العظيم «لينو فنتورا» دوره بإتقان شديد، كان إنسانا بكل ضعف وقوة وحيرة الإنسان.. لم يكن يمثل شخصية رجل البوليس السوبر مان الذى يمكن أن يتواجد حيثما يريد وأن يفعل مايريد.. بل كان معبرا عن حالة السقوط فى الدوامة بكل إحساس المرارة لبشاعة هذه الدوامة.
وشارك فى بطولة الفيلم «فرناندو راى» وماكس فون سيدوف».
والمخرج «فرانشيسكو روزى» يعتبر واحدا من ألمع مخرجى السينما السياسية فى إيطاليا.. فهو صاحب فيلم «قضية ماتيه».. و«الأيدى فوق المدينة» و«التحدى» و«سلفاتورى جوليانو».. وهى أفلام بارزة فى تاريخ السينما الإيطالية المعاصرة.