ارتبطت كرة القدم الإيطالية علي مر التاريخ بلاعبين مخضرمين لم تنطفئ شمعتهم علي امتداد عقود من الزمن، ولا أدل علي ذلك من المكانة المرموقة التي يحظي بها إلي يومنا هذا نجوم بارزون أمثال أليساندرو دل بييرو وخافيير زانيتي، رغم أن الأول بلغ من العمر 36 عاماً مطلع الشهر الماضي ، بينما أكمل الثاني ربيعه السابع والثلاثين في شهر أغسطس الماضي. فما زالت أسماء هذين النجمين المتألقين وغيرهما من أساطير الساحرة المستديرة تتصدر عناوين الصحف في بلاد الآزوري ، كما لا تزال صورهم تملأ صفحات المجلات وتزين شاشات التلفاز، رغم ظهور جيل جديد من اللاعبين المتميزين في سماء الكالتشيو . وعندما يتعلق الأمر بمباريات الديربي ومعارك الكلاسيكو أو المواجهات المصيرية الحارقة، فإن المدربين يلجؤون إلي خدمات المخضرمين ، مفضلين عامل الخبرة والتجربة علي اندفاع الشباب ومهارة الجيل الصاعد. ومن هذا المنطلق قام الاتحاد الدولي لكرة القدم بجولة لاكتشاف عوالم هؤلاء "الكهول" الذين لم ينل منهم الدهر شيئاً ، بل بات مستواهم أكثر تطورا مع مرور المواسم وتوالي السنوات. ضد الزمن لعل فرانشيسكو أنطونيولي أكبر هؤلاء المخضرمين سناً وأكثرهم مقاومة لعاصفة الزمن، إذ ما زال يقف كالأسد الشامخ مدافعاً عن عرين تشيزينا رغم أن عمره يناهز الحادية والأربعين، لكن ابن مونزا ليس أول حارس يتخطي حاجز أربعة عقود في مسيرته بين الخشبات الثلاث، إذ سبقه إلي ذلك العملاق دينو زوف المتوج بلقب كأس العالم 1982 وهو في ربيعه الأربعين. زانيتي المكوك وفي المقابل، لم يتجاوز السن الأقصي لباقي اللاعبين في المراكز الأخري 37 عاماً حتي الآن، رغم أن السقف مرشح للارتفاع بالنظر إلي أداء خافيير زانيتي وتألقه المتواصل في خط وسط إنتر ميلان. فقد احتل المخضرم الأرجنتيني دور الكابتن منذ سنوات عديدة في كتيبة النيرازوري، حيث قاد الفريق الموسم الماضي إلي تحقيق أكبر إنجاز في تاريخه ، عندما أحرز معه لقب الدوري الإيطالي والكأس المحلية قبل أن يتربع معه علي عرش أبطال أوروبا. ولا يتواني ابن يوينس آيرس في الاستماتة دفاعاً عن ألوان الإنتر، حيث ينهي مبارياته بنفس الحماس الذي يستهلها به. ولا يتجادل اثنان في كون الفتي المدلل بين جماهير الإنتر يتمتع بلياقة بدنية عالية قل نظيرها، إذ يجوب الملعب طولاً وعرضاً وينجح في التوفيق بين مهامه الدفاعية والهجومية علي حد سواء. وقد حقق زانيتي قبل أيام رقماً قياسياً جديداً، حيث أصبح أكبر لاعب يسجل في منافسات دوري أبطال أوروبا ، ليضاف ذلك إلي سجله الحافل بالنجاحات والإنجازات، إذ يكفي التذكير بمشاركته في 137 مباراة دولية مع منتخب بلاده، ناهيك عن خوض أكثر من 700 مباراة بقميص الإنتر، كما عاد إلي صفوف كتيبة التانجو في سبتمبر الماضي، مؤكداً قدرته علي الاستمرار في العطاء والدفاع عن ألوان الأرجنتين، رغم استغناء دييجو مارادونا عن خدماته قبيل انطلاق كأس العالم جنوب أفريقيا 2010 . من شاب واعد إلي أسطورة حية مرت 17 سنة علي أول ظهور لأليساندرو ديل بييرو بقميص يوفنتوس في عام 1993 لكن معشوق جماهير قلعة البيانكونيري لم يفقد شيئاً من مهاراته علي امتداد عقدين من التفاني والإخلاص لعملاق مقاطعة بييمونتي. صحيح أن هذا المهاجم الداهية لا يتميز ببنية جسدية خارقة (173 سم و73 كلج)، الا أنه يتمتع بفنيات عالية وسرعة كبيرة ولمسات ساحرة ومهارات قل نظيرها، جعلت منه واحداً من أساطير كرة القدم الإيطالية والأوروبية والعالمية علي حد سواء. و أضاف ديل بييرو اسمه إلي القائمة الذهبية التي تضم اللاعبين الخمسة الذين سجلوا أكثر من 300 هدف في مسيرتهم الكروية، حيث تمكن ابن مقاطعة فينيتو من زيارة الشباك في 308 مناسبات، ليسير علي خطي الأسطورة جيوسيبي مياتزا (338) وسيلفيو بيولا (364) وروبيرتو باجيو (319) وفيليبو إينزاجي (313 كما نجح هذا الموسم في تعديل الرقم القياسي الذي كان ينفرد به جانبييرو بونيبرتي، عندما هز شباك ليتشي مسجلاً هدفه رقم 178 في دوري الدرجة الأولي، وقد علق علي هذا الإنجاز بالقول: " أنا فخور بضم اسمي إلي جانب هذا اللاعب الأسطورة. لقد رفع هذا الرقم القياسي من معنوياتي، إذ أصبحت ألعب بشغف وحماس كما لو كنت صبياً في مقتبل العمر ". سوبر بيبو ومن جهته، احتفل فيليبو إنزاجي بعيد ميلاده السابع والثلاثين في التاسع من أغسطس الماضي لكنه لم يشبع بعد من حصد الأهداف وزيارة الشباك بعدما أمضي 19 موسماً في الملاعب الإيطالية، محققاً كل الألقاب الممكنة، سواء علي صعيد الأندية أو في منافسات المنتخبات. ولم تنل الانتدابات الكبيرة والصفقات الخيالية في خط هجوم الميلان من عزيمته في إضافة أهداف جديدة إلي رصيده المثالي، إذ عاد لمعانقة الشباك مرتين من أصل المباريات الثلاث التي شارك فيها. ويتطلع سوبر بيبو لخوض المزيد من الدقائق لإظهار كل الإمكانيات والمؤهلات التي ما زال يخبئها في جعبته، إذ أعرب في أحد تصريحاته الأخيرة: "ما زلت أتذكر كل هدف من الأهداف التي سجلتها، كما لو كان الأمر يتعلق بأب يتذكر أسماء أبنائه ". علي خطي العظماء يبدو أن " ماركو دي فايو" يعيش مرحلة شباب ثانية وهو في الرابعة والثلاثين من عمره. فبعد أن فشل ابن روما في إيجاد موطئ قدم له بأحد أندية العاصمة، حط المهاجم الداهية رحاله بنادي بولونيا سنة 2008 - ليسجل 44 هدفاً من أصل 76 مباراة بقميص عملاق إيميليا رومانيا، أي 44% من أهداف الفريق ككل. وقد أعرب دي فايو عن نيته مواصلة التألق في سماء الكالتشيو، حيث أوضح قائلاً: "لم أضع لنفسي أي حاجز زمني لإعلان اعتزالي، إذ ما زلت أتمتع برشاقة عالية. أنطونيو دي ناتالي وبدوره، يعيش أنطونيو دي ناتالي مرحلة مشابهة في مسيرته الكروية وهو يحتفل للتو بإطفاء شمعته الثالثة والثلاثين، إذ بزغ نجم ابن نابولي بشكل متأخر وأصبح يسجل معدلاً مثالياً لا يقل عن 15 هدفاً في كل موسم مع أودينيزي، الذي زار معه شباك الخصوم في 86 مناسبة من أصل 200 مباراة خاضها بقميصه منذ عام 2004. الثلاثي المخضرم ولا يمكن الحديث عن الكهول في إيطاليا دون الإشارة إلي نادي ميلان، الذي جدد خط هجومه بشكل كامل، دون أن يطرأ تغيير علي الدعامات الأساسية في الدفاع والوسط، حيث ما زالت إدارة الروسونيري تعول علي خدمات الثلاثي المخضرم، أليساندرو نيستا (34 عاماً) وكلارنس سيدورف (34) وجينارو جاتوزو (32 ). صحيح أن قلب الدفاع الأنيق نيستا راح ضحية عدد من الإصابات التي أبعدته عن الملاعب من حين لآخر، لكنه كان دائماً يستعيد عافيته بشكل كامل ويعود للمنافسات بنفس العزيمة والتألق، ولو أنه يميل أحياناً إلي الاعتماد علي حسه المهاري لتعويض بعض النقص الحاصل في رشاقته ولياقته البدنية. أما سيدورف وجاتوزو فما زالا يقطعان الملعب طولاً وعرضاً ويأتيان علي الأخضر واليابس في خط الارتكاز، مساهمين بذلك في تقويض عمليات الخصوم من جهة وبناء هجمات الميلان من جهة ثانية. كما يضاف إلي هذا الثلاثي المتميز ماسيمو أودو، الذي أكمل عامه الرابع والثلاثين في يونيو الماضي . ومهما بلغت درجة تألق المخضرمين في الملاعب الإيطالية ، لابد أن يأتي يوم يعلقون فيه أحذيتهم ويتركون المجال لجيل جديد من النجوم الواعدين، فهل اقتربت ساعة الاعتزال أم أن رحلة العطاء والتألق لم تعد تعرف معني الوقوف؟