فيما كان العالم وتوازناته الدولية يشهد انقلاباً مدوياً عام 1991 بانهيار الاتحاد السوفيتي اتخذت القيادة السياسية بمصر قراراً يعكس قدراً هائلاً من بعد النظر لشكل العالم الجديد خاصة مع ظهور ما يسمي برابطة الدولة المستقلة أو مجموعة دول الكومنولث والتي تتكون من اثنتي عشرة دولة هي روسيا الاتحادية وأوكرانيا، بيلاروسيا، مولدوفا، أرمينيا، جورجيا، أذربيجان، كازاخستان، أوزبكستان، وتركمانستان، طاجيكستان، قيرقيزيا.. فجاء القرار الجمهوري في نهاية عام 1992 بإنشاء الصندوق المصري للتعاون الفني مع دول الكومنولث واتسع نطاق اختصاصه يشمل أيضاً كلاً من البوسنة والهرسك والبانيا ومقدونيا ومنغوليا وأفغانستان ووتارستان ليكون هذا الكيان أحد أهم أذرع الدبلوماسية المصرية في تحركها داخل هذه المنطقة التي عرفت ولا تزال وخاصة منطقة «آسيا الوسطي» تنافساً محموماً للنفوذ بين وحدات إقليمية أخري مهمة لاسيما كل من تركيا وإيران. وفي مطلع الأسبوع الماضي أصدر أحمد أبو الغيط وزير الخارجية قراراً بتعيين أمين عام جديد للصندوق وهي السفيرة سمية سعد وهي مناسبة لتسليط الضوء وفق معلومات دقيقة وبلغة الأرقام التي لا تعرف التأويل لما أنجزه الصندوق المصري للتعاون الفني مع دول الكومنولث خلال العام الماضي من خلال رصد المحاور المتعددة في أطر عمل أنشطة الصندوق وهي تدريب كوادر هذه الدول في مختلف المجالات علي يد متخصصين مصريين من خلال دورات تدريبية يتم تنظيمها في القاهرة، إرسال خبراء مصريين وإرسال معونات ومساعدات، التعاون مع المنظمات الدولية المعنية أو ما يعرف ببرامج التعاون الثلاثي، تمهيد وإعداد الزيارات المتبادلة. بالنسبة للمحور الأول من نشاط الصندوق الخاص بتنظيم دورات تدريبية في مصر قصيرة المدة ما بين أسبوعين إلي 3 أسابيع لكوادر هذه الدول فقد نجح الصندوق في تنظيم عدد 96 دورة تدريبية لعدد 1368 متدرباً شملت العديد من المجالات لا تقتصر فقط علي تعلم اللغة العربية والعلوم التشريعية بل امتدت لتشمل ما يقرب من 40 مجالات من العلوم الحديثة مثل الطب والصيدلة - الزراعة - الهندسة الوراثية - الكيمياء الحيوية - الري الحديث - الإعلام - السياحة - الأمن - الدبلوماسية. وبالنسبة للمحور الثاني والخاص بإرسال خبراء مصريين لهذه الدول فقد أرسل الصندوق عدد 31 خبيراً من هؤلاء الخبراء متخصصين في مجال تعليم اللغة العربية ومبعوثي الأزهر والذين تم ارسالهم إلي كل من البوسنة والهرسك - كازاخستان - اذربيجان - قرقيزيا - أوزباكستان - مولدوفا - جورجيا - ارمينيا - البانيا بالإضافة إلي ارسال أطباء من جامعة المنصورة لدراسة إنشاء لمركز أمراض الكلي في دولة أذربيجان والقاء محاضرات وعمليات تدريبية. وفيما يتعلق بالمحور الثالث في أنشطة الصندوق والخاص بارسال مساعدات عينية وتقنية إلي هذه الدول عند الحاجة أو لمواجهة الكوارث الطبيعية (مثل الزلازال والبراكين والفيضانات الخ) فقد قام الصندوق بارسال مساعدات إلي طاجكستان للمساهمة في تكاليف أعمال الترجمة الخاصة بالدورة 37 من المؤتمر الوزاري لوزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في آواخر مايو الجاري بالإضافة إلي إرسال مجموعة من الكتب الدراسية والC.D والأفلام الوثائقية إلي بعض المدارس والمعاهد والكليات التي تقوم بتدريس اللغة العربية والدينية وكان آخرها ارسال مجموعة من تلك الكتب إلي جمعية المغتربين العرب في موسكو وتشجيعهم علي الاستمرار في تعليم اللغة العربية والديانة الإسلامية حتي يستمر الارتباط كما تم ارسال كتب في مجال القانون إلي مركز المستقبل للتدريب القضائي بكابول في افغانستان كما قامت الأمانة بشحن كتب في مجال اللغة العربية إلي جورجيا وجار ارسال أجهزة حاسب آلي وكتب دراسية لمدرسة سوزان مبارك في محافظة أبشيرون بجمهورية أذربيجان بالإضافة إلي الكتب التي أرسلت في عام 2009 ، كما تم شحن معدات طبية إلي قرقيزيا. وفيما يخص المحور الرابع المتمثل في زيادة التعاون مع المنظمات الدولية - خاصة المؤسسات المالية منها - فقد نجح الصندوق في ابرام اتفاقية للتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية قيام البنك الإسلامي بتحمل تكاليف عدد من الدورات التي تعقد لكوادر من دول الكومنولث خاصة تلك الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي كشرط للاستفادة من هذا الدعم المالي - وبالفعل تم الاتفاق علي عقد خمس دورات تدريبية خلال عام 2010 للكوادر من دول (ألبانيا - طاجكستان - أوزبكستان - قرقيزيا (بعد استقرار الأوضاع السياسية بها). أما بالنسبة للمحور الخامس والمعني بزيادة تبادل الزيارات بين كبار المسئولين في هذه الدول ومصر فقد نجح الصندوق في المشاركة والإعداد لزيارات عديدة من كبار المسئولين وهذه الدول شملت زيارات ( وزير الصحة المولدوفي - ونائب رئيس البرلمان المولودوفي - وزير الأمن في البوسنة والهرسك الزيارات السابقة لرئيس جمهورية أذربيجان - رئيس جمهورية كازاخستان - رئيس جمهورية أوزباكستان). وفي المقابل قام وزير الخارجية أحمد أبو الغيط بزيارات مهمة لهذه الدول وكان أول وزير خارجية يقوم بزيارة البوسنة والهرسك بالإضافة إلي مولدوفا وأذربيجان وجورجيا. ومن المنتظر أن يكمل وزير الخارجية هذا النشاط بزيارات الدول الأخري في المنطقة خاصة الدول الإسلامية منها (دول وسط آسيا) لتفعيل النفوذ المصري بها في مواجهة ازدياد نفوذ بعض الدول المحورية والرئيسية الأخري في منطقة الشرق الأوسط داخل هذه الدول وفي مقدمتهم تركيا وإيران وإسرائيل. بالنسبة للمحور السادس والذي يتناول مباشرة أبعاد العلاقات الثنائية بين مصر وهذه الدول فقد شارك الصندوق في الإعداد لعقد جولات اللجان الثنائية المشتركة بين مصر والعديد من هذه الدول والتي كان آخرها (عقد اللجنة المصرية البوسنة والهرسك - اللجنة المصرية المولدفية - اللجنة المصرية الجورجية). ومن جانبها أوضحت السفيرة سمية سعد أمين عام الصندوق المصري للتعاون مع دول الكومنولث أن مصر حريصة علي توطيد علاقاتها مع دول الكومنولث وأشارت في تصريحات لروزاليوسف إلي أن الصندوق منذ إنشائه وحتي يونيو الجاري قام بتنظيم 1007 دورات تدريبية لكوادر هذه الدول استفاد منها 19.363متدرباً وهذا يعكس الدور الفعال الذي يلعبه الصندوق للتواصل وتوثيق العلاقات مع دول هذه المنطقة وأن الأمانة العامة للصندوق تهدف في عملها إلي أن تكون أداة من أدوات الخارجية المصرية البناءة في التأكيد علي دور مصر المحوري والرائد علي جميع المستويات الإقليمية والدولية ومساعدة شعوب هذه الدول في تحقيق التنمية والازدهار، وشددت سمية سعد علي الأهمية الاستراتيجية التي تحتلها الدول التي تقع في دائرة نشاط الصندوق وخاصة تلك المطلة علي بحر القزوين والبحر الأسود موضحة أن مجالات عمل الصندوق تسعي لتأهيل كوادر هذه الدول في مجالات الأمن والدبلوماسية والقانون والمجالات المالية والاقتصادية والآثار والصحة والإعلام موضحة أن الصندوق باشر كل هذا النشاط الضخم خلال الثلاث سنوات الماضية بأكثر من 68 مليون جنيه مصري.