ترجع حقيقة الصراع بين أمريكا وروسيا حول أوروبا الموحدة إلي أن تكوين اتحاد أوروبي وحلف ناتو قوي من شأنه أن ينجح في احتواء وعزل ومواجهة روسيا، وهو ركيزة أساسية في الخطط الأمريكية للسيطرة علي منطقة أوراسيا، بل أيضا سيجهض السيناريو الأكثر خطورة وهو انشاء تحالف كبير يضم الصين وروسيا ومن المحتمل ايران في مواجهة الولاياتالمتحدة. فبقراءة جديدة فيما جاء بكتاب زبيجنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق والذي صدر عام 1997 بعنوان "لوحة الشطرنج الكبيرة: التفوق الأمريكي وضرورياته الاستراتيجية"، يقول الباحث ريك روزوف في مقال نشره بمركز أبحاث العولمة الكندي اليساري ان ما اقترحه بريجينسكي في هذا الكتاب تحقق بعد أربع سنوات وهو غزو أمريكا والناتو لأفغانستان والتوسع في وسط آسيا لاعتراض المصالح الروسية والصينية والايرانية. لكن ولأن الجمهوريات السوفيتية السابقة تظل محور الاهتمام ومنطقة شد وجذب بين أمريكا وروسيا اذ يحاول كل طرف استمالة هذه الدول إلي صفه، باتت دول مثل كازاخستان وطاجكيستان وأوزبكستان تضم اليوم قواعد عسكرية غربية لا يعرف موعد رحيلها وهو فحوي ما جاء في كتاب بريجينسكي. أمريكا اليوم تستهدف أوراسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة التي وضعت لها استراتيجية خاصة تضمن حتي عدم حيادية هذه الدول وتأسيسها لرابطات مثل كومنولث الدول المستقلة الذي تكون في ديسمبر 1991.. أي في نفس الشهر الذي تفكك فيه الاتحاد السوفيتي. وكان جوهر الخطة الدفاعية التي وضعها ثلاثة من صقور المحافظين الجدد هم بول وولفويتز ولويس ليبي وزلماي خليل زاد ونشرتها جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية في مارس 1992 هو منع ظهور خصم جديد في أراض سوفيتية سابقة أو في أي مكان قادر علي أن يشكل تهديدا للنظام كما كان الاتحاد السوفيتي من قبل، وذلك علي أساس أن اجمالي القوي التقليدية للجمهوريات السوفيتية السابقة تملك أكبر قدرات عسكرية وأكثرها تطورا في منطقة أوراسيا، ولهذا لا يجب استبعاد الخطر الذي يتهدد الاستقرار في أوروبا في حال حدوث ردة قومية في روسيا أو مساعي اعادة دمج الجمهوريات المستقلة داخل روسيا مجددا مع الأخذ في الاعتبار أن روسيا هي القوي الوحيدة في العالم القادرة علي تدمير الولاياتالمتحدة. بريجينسكي يعتبر أوروبا رأس الجسر الجيوسياسي الضروري لأمريكا في أوراسيا وتوسع الناتو يضمن تعزيز النفوذ السياسي والقوة العسكرية الأمريكية في أوراسيا، ولهذا فهو يري أن أي اخفاق في توسيع الناتو قد يحيي الطموحات السياسية الروسية الخامدة في وسط أوروبا من جديد. ولهذا يمكن اعتبار الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو عامل جذب للدول الأوروبية الأخري مثلما هو الحال مع بولندا وليتوانيا اللتين يحاولان تعزيز تعاونهما العسكري مع أوكرانيا لتقريبها من الناتو، كما تتواصل المساعي لاغراء خمس دول في وسط آسيا هم كازاخستان وقرغيستان وطاجكيستان وتركمنستان وأوزبكستان الأعضاء في كومنولث الدول المستقلة عبر شراكة مغرية مع الاتحاد الأوروبي واتفاقيات لتنفيذ مشروعات في الطاقة.