علي مسرح الجامعة الأمريكية بالقصر العيني، وبحضور مجموعة كبيرة من أساتذة الجامعات والفنانين التشكيليين، وعدد كبير من طلاب الجامعات أقيمت محاضرة للفنان الدكتور أحمد نوار بعنوان "التأثير المتبادل بين العمارة والفنون التشكيلية"، رصد فيها رحلة تأثر الفنون بالعمارة تاريخياً، وتأثر الفنانين نحتيا ومعماريا وتشكيلياً بتاريخ الفنون. في بداية الندوة تحدث "نوار" قائلا: الإنسان البدائي كان دائم البحث والتنقيب، ونتج عن ذلك البحث العديد من الاكتشافات لقوانين الطبيعة التي أصبحت مرجعية وثوابت راسخة للتقدم العلمي في جميع المجالات، فكانت الكهوف هي الإبداع الأول البدائي والتلقائي كحيز فراغ منحوتا أو طبيعيا في عمق الجبل، ويأتي الفن التشكيلي موازيا بل لاحقا في نحت ورسم جدرانها برسوم بدائية عناصرها الإنسان والحيوان عبر بها الإنسان عن أحلامه ورغباته, ومن هنا نشأت علاقة الفراغ الداخلي بالفنون التشكيلية.، امتدت خلالها العلاقة إلي الكتلة ككيان معماري مع بداية بناء الأكواخ، ولم تتوقف هذه العلاقة التزاوجية بل تطورت بأشكالها وأنواعها المختلفة متحدة متكاملة، ومن خلال العلاقات الهندسية والإنشائية ونظم الربط الرأسي والعمودي المتحد وتطورت التصميمات إلي أشكال هرمية ونصف كروية، ونتج عن ذلك توحد وإبداع متكامل يحمل دلالات إنسانية وجمالية عميقة استندت علي ثقافة فطرية وعقائدية, وأصبحت أحد مكونات الفكر الإبداعي المعماري, وهذا المفهوم حول المشهد العام إلي عمل فني متكامل مجهز في الفراغ. وأكمل: المرحلة الثانية هي مرحلة فارقة في حياة وإبداع الإنسان من التأثر بعمارة وفنون الإنسان المصري القديم، تجلي فيها التأثير المتبادل بين فن العمارة والفن التشكيلي، فحينما نتأمل كيف صممت ونفذت المعابد المصرية نجد حقائق وأصالة الإبداع وجمال إيقاع التكامل والتبادل الفكري والفني خارج وداخل الكتلة من خلال منظومة توزيع وترتيب العناصر المعمارية والتشكيلية، فهي معزوفة إبداعية متكاملة, فنري المشهد التتابعي لمنظومة التصميم العام، فتؤكد لنا أن التمثال ككتلة معمارية منشأة في الفراغ ، كمعادل بصري للعمود الذي تتألق فيه نسبه المعمارية والجمالية، والمسلة كإبداع معماري وتشكيلي بليغ, ويتعاظم هذا الإحساس البنيوي التصميمي الرائع بتوحد جميع العناصر من خلال طاقة إبداعية فذة, وبتعميق الرؤية وإطلاق الخيال نشعر بطاقة الإنسان المبدع المصري التي تمتليء بروح الحضارة الإنسانية، وبول جوجان تأثر في بعض أعماله بالفن المصري القديم, كما تأثر بمحمود مختار. وأضاف: أما مقابر المصريين القدماء المنحوتة في عمق أسفل الجبال فتعد نموذجا طقسيا ومتفردا كونه تصميما معماريا لفراغ داخلي بمكوناته كالأعمدة وحجرات الدفن وغيرها، وهذا يتطلب خيالا واسعا وفكر تقني سلبي التنفيذ أي من خلال النحت داخل الكتلة، وذلك عكس بناء الكتلة التي تعتمد علي التشكيل في الفراغ وفق التصميم المسبق، وكأن فن النحت توأم لفن العمارة كونهما يتعاملان مع الكتلة في الفراغ الخارجي والداخلي، وهذا الفعل المعماري الإبداعي الطقسي شكل عند الفنان التشكيلي بعدا فكريا جديدا يتوحد مع الإبداع المعماري وكأنهم يتبادلون المواقع الإبداعية. وأكمل: ومرحلة أخري يتجلي فيها التأثير المتبادل بين العمارة والفنون التشكيلية في الكنائس والمساجد علي نحو طقسي بليغ، حيث نجد منظومة تصميمية متكاملة وكل من الفنون أثر في الآخر بتجانس وتوافق بنائي يتسم بالجمال والجلال, ويتجلي ذلك في مسجد السلطان حسن بالقاهرة، وقصر الحمراء بالأندلس بأسبانيا. وفي المكسيك الفنان النحات "سبسيتيان" الذي شارك في سمبوزيوم أسوان فقد تأثر بالفن الإسلامي من حيث المتواليات والتكرار وتوالد الأشكال، وأيضا تأثر بالفن الفرعوني، قام بعمل معماري ونحتي تأثر بالهرم المدرج، وعمل آخر تأثر شكل المسلة ، أعماله تحمل تزواج بين العمارة الإسلامية والفن الفرعوني. ونبه نوار قائلا: نحن ورثة الحضارات ونملك فكراً إبداعياً، فلا بد من إعادة تنظيم تماثيل الميادين العامة، توزيعها، ففكرها الحالي عشوائي وهي تفتقد إلي معايير الجمال، والعمارة أصابها التشويه لا تنم عن فكر إبداعي.