نشرة التوك شو| بطيخ مسرطن ومشادة بين "صلاح ويورجن كلوب" وبيان لصندوق النقد    موعد مباراة ليفربول المقبلة بعد التعادل مع وست هام في الدوري الإنجليزي    عاجل.. حسام البدري يفجر مفاجأة حول عرض تدريب الزمالك    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    لأول مرة بالمهرجانات المصرية.. "الإسكندرية للفيلم القصير" يعرض أفلام سينما المكفوفين    «مينفعش نكون بنستورد لحوم ونصدر!».. شعبة القصابين تطالب بوقف التصدير للدول العربية    مفاجأة جديدة في سعر الذهب اليوم الأحد 28 أبريل 2024    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    العالم الهولندي يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة ويكشف عن مكانه    أهالي الأسرى يُطالبون "نتنياهو" بوقف الحرب على غزة    مصدر أمني إسرائيلي: تأجيل عملية رفح حال إبرام صفقة تبادل    قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعشرات الانفجارات في المنطقة (فيديو)    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى غرب جنين    المجموعة العربية: نعارض اجتياح رفح الفلسطينية ونطالب بوقف فوري لإطلاق النار    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    المندوه: هذا سبب إصابة شيكابالا.. والكل يشعر بأهمية مباراة دريمز    اجتماع مع تذكرتي والسعة الكاملة.. الأهلي يكشف استعدادات مواجهة الترجي بنهائي أفريقيا    ألميريا يهبط إلى دوري الدرجة الثانية الإسباني بعد الخسارة من خيتافي    حالة الطقس اليوم الأحد 28 - 4 - 2024 فى مصر    مصرع وإصابة 12 شخصا في تصادم ميكروباص وملاكي بالدقهلية    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    أول تعليق من الأزهر على جريمة طفل شبرا    مصدر أمني يكشف تفاصيل مداخلة هاتفية لأحد الأشخاص ادعى العثور على آثار بأحد المنازل    ضبط 7 متهمين بالاتجار فى المخدرات    ضبط مهندس لإدارته شبكة لتوزيع الإنترنت    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    وفاة الفنان العراقي عامر جهاد    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    لميس الحديدى: نعمت شفيق تواجه مصيرا صعبا .. واللوبي اليهودي والمجتمع العربي"غاضبين"    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السفير الروسي بالقاهرة يشيد بمستوى العلاقة بين مصر وروسيا في عهد الرئيس السيسي    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    ضبط وتحرير 10 محاضر تموينية خلال حملات مكبرة بالعريش    «الأزهر للفتاوى الإلكترونية»: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة حرام    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    انخفاض يصل ل 36%.. بشرى سارة بشأن أسعار زيوت الطعام والألبان والسمك| فيديو    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    رئيس جامعة أسيوط يشارك اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    شرايين الحياة إلى سيناء    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآن يبدأ المستقبل - الحلقة الثالثة عشرة
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 06 - 04 - 2010

أكثر ما يلفت النظر إلي يس، مفتاحه الأصلي، هو حبه للعمل. العمل، بالنسبة له أكثر من عبادة. فيه يدفن همومه ويجد نفسه كاملة . لن تجده فارغ اليوم، فهو إما يلقي محاضرة، أو يشارك في أعمال لجنة من لجان كثيرة هو عضو بها، أو يكتب أو يقرأ . ومع ذلك فهو غالبا ًعلي سفر. لم أسأل يس عن " الجوازات " التي دوبها أو عدد المطارات التي حط بها. إن الرجل، رغم عبء السنين، يعمل بطاقة شاب في الأربعين. عندما أقول له، كلما رأيته شاحبا ً، استرخ، يرد علي بابتسامة تملأ شدقيه: عملي لا يقوم به غيري. إنه قاطرة، وابور زلط وما يطحنه يوميا ًيترجم، آخر العام، إلي كتاب جديد. أخرج يس أكثر من ثلاثين كتابا ًيمكنك النظر إليها من زوايا .. القانون، علم الاجتماع، الأدب، التحليل الثقافي والاستراتيجي . والأهم أنك، بهذه الكتب، تفهم موقعك من من خريطة المذاهب والأفكار في العالم. بل أظن أنه بدون معرفة ما يكتبه هذا الرجل لا يمكن فهم الكثير مما يكمن في هذه الخريطة من تعقدات. يس مدين بتنوعه للملل . وحين ذهب إلي فرنسا، التي أصبحت ضاحية تعصب للسامية، لم يعد بجيب مثقوب . صحيح أنه لم يحصل علي الدكتوراه، لكنه حصل علي ما هو أهم .. المعرفة، قبضة النور التي عاد بها من قبل المندهش الأعظم رفاعة الطهطاوي وطه حسين وتوفيق الحكيم ويحيي حقي ومحمد مندور وغيرهم . قال لي يس إنه يعرف شوارع باريس أكثر مما يعرف شوارع القاهرة . غير أن يس لم تهزه الصدمة الحضارية . لقد صنع منها سلما ًيربط طوابقه. فرأس يس كوزموبوليتاني وقدماه مصريتان . يس، كله علي بعضه، مواطن عالمي .
عينت عام 1957 م، باحثا ًمساعدا ًبالمركز القومي للبحوث الجنائية . أعتقد أن لهذا المركز أثرا ًفارقا ًفي حياتك . هناك بدأ مستقبلك . قل لي: كيف كنت تخطط للمستقبل . علام كنت تستند . علي حسابات مستمدة من الوظيفة أم من شخصك، أو قدراتك ؟
لم يكن لدي تخطيط تجاه مستقبلي. بل كانت لدي حيرة تجاهه. فقد تخرجت بتقدير جيد. فلم أعين في النيابة. ولم يكن هناك مفر من العمل بالمحاماة، تحت التمرين. في هذه الفترة نشر إعلان عن حاجة المركز القومي للبحوث لباحث مساعد . عملت، كما قلت لك من قبل، بجدية كاملة لمدة ثلاثة أشهر. واجتزت الامتحان التحريري ثم الامتحان الشفوي والشخصي . عينت باحثا ًفي المركز ودخلت دورة تدريبية للباحثين المساعدين . الشاهد أنه لم يكن هناك تخطيط . قبل أن أتخرج في الكلية كان عندي أمل، شأن كل حقوقي، أن أعين في النيابة، أو في مجلس الدولة . لكن التقدير خذلني . التخطيط بدأ لما دخلت المركز. خططت لنفسي كيف أكون باحثا ًعلميا ًمتميزا ً. الدكتور أحمد خليفة، مؤسس المركز وأستاذي، أعطاني وأعطي جيلي فرصة تاريخية . سنة تدريبية كاملة فيها مجموعة محاضرات تكون العقلية الموسوعية للباحث الشاب . درسنا أنثربولوجيا وعلم نفس واجتماع وفلسفة علوم اجتماعية وقانون وفلسفة قانون ..إلخ، درسنا علي كبار الأساتذة . عام كامل انتهي ببحث " رسالة ماجستير " اسمه البحث الخمسيني .
يقدم ويناقش علانية أمام مجلس إدارة المركز وأعضائه . هذا تدشين للباحث المساعد .. إنه أصبح صالحا ًللبحث العلمي . بعد ذلك استمر تخطيطي للمستقبل . أن أستكمل عدتي في علم الاجتماع الذي لم أدرسه قبل ذلك . أنا قانوني ولذلك عينت في قسم بحوث الجريمة برئاسة الدكتور سيد عويس . زملائي كلهم علم اجتماع باستثناء الدكتورة آمال عثمان .. زميلتي التي أرادت أن تلتزم بتخصصها الأصلي، لكن كان علي أن أدرس علم الاجتماع . من هنا بدأ تخطيطي كباحث في هذا العلم وبدأت رحلتي معه .
ما وظيفة هذا المركز؟
نشأ هذا المركز، أول ما نشأ، من أجل إجراء البحوث في " الجريمة والعقاب " . كان اسمه المعهد القومي للبحوث الجنائية . كانت به ثلاثة أقسام .. قسم بحوث الجريمة يرأسه الدكتور سيد عويس، أستاذنا الراحل . وقسم " العقاب " يرأسه اللواء يس الرفاعي . كان مساعدا ًلمدير مصلحة السجون وانتدبه المركز، كان حجة في علوم العقاب . وقسم " المباحث الجنائية " برئاسة اللواء السباعي ومع مجموعة من ضباط الداخلية، خبراء في هذا الموضوع . مهمة المركز هي دراسة ظواهر الجريمة والعقاب والإصلاح التشريعي الخاص بهذا الموضوع .
ومن يفيد من هذه البحوث؟
- المجتمع أولا ً. نحن أجرينا ثلاثة بحوث كبري في هذا الوقت . بحثا ًعن تعاطي المخدرات أشرف عليه الدكتور مصطفي زيور . وآخر عن البغاء بإشراف الدكتور حسن الساعاتي . والثالث عن السرقة عند الأحداث، أشرف عليه الدكتور القوصي . وكان علي كل باحث أن يشترك في واحد من هذه الأبحاث . وقد اشتركت في البحث الأول . سنة 1962 تحول المعهد إلي مركز قومي . تشكلت لجنة أعادت تقسيم المركز إلي وحدات برئاسة سيد عويس وكنت عضواً بها . أسسنا وحدات جديدة تشمل كل جوانب الحياة الاجتماعية .
كان هذا المركز نقطة تحول في حياتك.
- وحياة أجيال كاملة . أعطي الفرصة لاجيال كاملة من الشباب، ليتخصص في العلوم الاجتماعية . أعود إلي سؤالك المهم عن فائدة المركز . بحوث المركز تنشر في شكل كتب للمجتمع العام . بمعني أنها توجه لصانع القرار، المثقف، أستاذ الجامعة، الاعلامي .
هذه الكتب مراجع . الدكتور خليفة ابتدع صيغة رائعة هي نشر نتائج البحث العلمي التي يتوصل إليها المركز . كان، كل سنة، يعقد مؤتمرا ًعاما ًيدعو إليه صناع القرار والتنفيذيين والتطبيقيين والباحثين وأساتذة الجامعة . تناقش فيه بحوث المركز التي انتهت وتعلن التوصيات . بناء علي هذه التوصيات حدث إصلاح لقوانين السجون ومؤسسات العقاب وغيرها .
بعد 18 سنة قضيتها هناك بماذا خرجت منه؟
- أعدت تشكيل نفسي علميا ًفي هذا المركز، تحولت من القانون الجنائي إلي علم الإجرام . من علم الإجرام إلي علم الاجتماع القانوني . ثم إلي علم الاجتماع بفروعه المختلفة .. علم اجتماع التنمية .. أنا اشتركت في بحث عن المناطق المتخلفة، درسنا مجتمع النوبة قبل السد العالي وبعده . فأصبحت متخصصا ًفي العلم الاجتماعي . في المركز تحولت أيضا ًإلي علم السياسة، درست السياسة بطريقتي الخاصة، لأسباب شتي . كأني كنت، دون أن اعرف، أعد نفسي لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام . وأنا في المركز، لما عدت من البعثة (1964 - 1967 ) التحقت بمركز الدراسات كخبير منتدب، فاقترحت علي الأهرام إنشاء وحدة بحوث لدراسة المجتمع الإسرائيلي . وبدأ تخصص جديد في حياتي العلمية هو دراسة المجتمع الإسرائيلي .
هذه الأسماء ماذا تمثل لك .. يوسف مراد؟
- يوسف مراد أحد مؤسسي علم النفس في مصر . كان أستاذا ًكبيرا ً، وقد تتلمذت عليه في كلية الحقوق . درس لي علم النفس الجنائي . وتتلمذت عليه في مركز البحوث الجنائية . لهذا الرجل انجازات فارقة . كان موسوعة . مرة، وكنت أعمل معه، صادفت مصطلحين من مصطلحات علم الاجتماع الألماني، لم أعرف كيف أترجمهما . فعرضتهما عليه . وفي غمضة عين شرح لي ما غمض علي، قال : تعال يا سيد نتناقش ونحاول أن نصل إلي نتيجة . أعطاني درسا ًفي تواضع العلماء . أن التلميذ والأستاذ قد يتشاركان في حل مصطلح أو مشكلة . ذكرياتي معه طيبة . وقد أثر في تكويني العلمي .
مصطفي سويف.
- مصطفي سويف . لما كنت في كلية الحقوق . كنت أقرأ لمصطفي الشمالقة، حكيت لك عنه، كتاب مصطفي سويف " الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة "، فدخلت من هذا الكتاب إلي عالم سويف مبكرا ً. وفي مكتبة البلدية قرأت كتابه " الأسس النفسية للتكامل الاجتماعي "، لكنني لم أفهما، فقد كانت بحاجة إلي قراءات تسبقها في علم النفس العام . المهم حين أصبحت باحثا ًفي المركز كان سويف النموذج الذي أحب أن أحتذيه . أسلوبه في منتهي الدقة والبلاغة في نفس الوقت . كنت تلميذه وفيما بعد أصبحنا أصدقاء . أعتقد أنني تأثرت بهذا الرجل وأسلوبه .
واستأذنت يس . حكيت له هوامش عابرة جمعتني بسويف .
مصافحة بالمنيا، أثناء مؤتمر عنه في كلية الآداب- وقتها- 1993 كنت أدرس في السنة التمهيدية للماجستير، وفي أمسية شعرية قلت قصيدة كان المجد الذي حصلت عليه منها هو اعجاب سويف بها، حتي جسمه دقيق يليق بعقل وروح عالم، صافحني الرجل بحرارة هو وأحمد مستجير، وبعدها بسنوات طويلة، أثناء عملي مذيعا ًبصوت العرب اتصلت بالرجل، أستأذنه في عمل سهرة عنه، ذكرته بنفسي مبديا ًهذه الرغبة، لكن الرجل، بأدب جم، اعتذر، قال : أنا لا أحب التعامل مع وسائل الإعلام ظللت طوال عمري، هكذا ولا أعتقد أنه قد طرأ علي ما يجعلني أغير رأيي . أنا آسف يا أستاذ بهاء كان المفروض ألا أفرح برفضه، لكن ما حدث أنني فرحت برد خمنته واحترمته قلت : هؤلاء هم ورثة الأنبياء. ولأنني أردت أن أشم رائحة الرجل من قريب، لا رائحة كتبه فحسب، اتصلت ب "أم أولاده" الدكتورة فاطمة موسي، رحمها الله، ففضلا ًعن قيمتها أردت أن أري فيها ظله . ظل سويف الرجل الذي يكتب اعتزاله . أعظم انجازاته علي الإطلاق . وعدت إلي يس أسأله عن "علي عيسي" الذي لا أعرفه، للأسف . ووجدت حرجا ًفي أن أسأل يس: من علي عيسي . قلت من رده سأعرف . قال يس: علي عيسي، تتلمذت عليه في السنة التمهيدية بمركز البحوث . لكن علاقتي به لم تكن وثيقة !، إنما كانت علاقتي وثيقة بأحمد أبو زيد
كنت لسه هاسألك عنه.
- أحمد أبو زيد تتلمذت عليه في السنة التمهيدية وشاءت الظروف أن نتشارك في بحوث علمية منها بحث كنت أشرف عليه عن " السياسة الثقافية " . وغيره من بحوث . أحمد أبو زيد قيمة وكتابه " مدخل إلي البنائية " من أعظم ما كتب في الموضوع . وكتبه الأخري مراجع أساسية في علم الاجتماع المعاصر والفلسفة المعاصرة.
حسن الساعاتي.
- تتلمذت عليه في السنة التدريبية أيضا ً. ثم عملت معه في بحث النوبة . كنا فريق عمل يضم المهندس حسن فتحي، مكرم سمعان، نادية حليم، نور فرحات، أستاذ القانون المعروف.
محمد نور فرحات.
- بالضبط، عملنا مسحا ًللنوبة لمدة شهر . أخدنا مركباً من مراكب الآثار . عملنا مسحا ًشاملا ًللنوبة من أسوان لأدندة . مسحا ًمعماريا وثقافيا.
سيد عويس.
- سيد عويس قصة طويلة. أنا عملت معه في وحدة بحوث الجريمة . كان رئيس القسم د.سيد عويس، كان معنا أعضاء القسم د. محمد عزت حجازي، د. هدي مجاهد، د. يوسف صبري، د.زين العابدين سليم، رحمه الله، أ.خيري محمد علي، د.آمال عثمان. سيد عويس شخصية مصرية فريدة. هو أخصائي اجتماعي، خريج معهد خدمة اجتماعية، من رواد الخدمة الاجتماعية في مصر. كان علي درجة رفيعة من الإنسانية، ولديه قدرة هائلة علي التفاعل مع البسطاء. عمل في مؤسسات الأحداث، وكان لديه طموح أن يكمل دراسته فسافر إلي لندن وحصل علي الماجستير من هناك وعاد إلي مصر. بعدها سافر إلي أمريكا، وهو كبير السن نسبيا ً، من أجل الحصول علي الدكتوراه في علم الإجرام ثم عاد 1956 .
لما الدكتور خليفة سمع به عينه خبيرا ًفي المركز، رئيسا ًلقسم بحوث الإجرام . أنا عملت معه وتولدت بيننا صداقة عميقة، كان لديه منهج خاص في التعامل مع الناس، سواء أكانوا زملاء أو تلاميذاً، كبارا ًأو من الشباب . وكان قادرا ًعلي التوحد مع مشاكلهم وحلها . النقاش معه كان متعة . سيد من الشخصيات النادرة . وقد اثر علي جيل كامل من الباحثين، لا علي شخصي فقط . ظل في المركز ثم أصبح مستشارا ًبه أو أستاذا ً، لا أذكر . لكنه، بعد الخروج إلي المعاش، كتب مذكراته.
التاريخ الذي أحمله علي ظهري.
- كان جزءاً من هذا الكتاب تصفية حسابات مع عدد من زملائه ومع الدكتور خليفة . كنت واحدا ًممن اعترضوا علي ما نسبه من سلبيات لأشخاص أعرفهم . كانت هناك مبالغة من جانبه وتضخيم لبعض الأخطاء . أنا كنت ضد هذا . في السير الذاتية لا ينبغي أن نصفي الحسابات.
علي غرار رءوف عباس وعبد الرحمن بدوي.
- بالضبط . لذلك حدثت مشكلة في المركز، وفي عهد الدكتورة ناهد صالح أنهت خدمته . بعدها اعتكف . لكنه يبقي معلما ًمن معالم المركز والبحث الاجتماعي في مصر.
احك لي عن رحلة النوبة. عن حسن فتحي.
- كنا نعيش في مركب واحد ليل نهار لمدة شهر . حسن شخصية فذة. ومثقف موسوعي وصاحب حساسية فائقة. أذكر أنه أيقظنا من النوم مرة الساعة ستة الصبح . قال : قوموا . لماذا ؟ كي نري الشمس تتعامد علي معبد "أبو سمبل" . فقمنا ورأينا المعجزة . كيف يأتي شعاع الشمس وينير التماثيل الأربعة بالتدريج . كأنه شعاع ليزر . لو لم أر بأم عيني ما صدقت . كيف يحدث ذلك . كيف تمت هذه الحسابات العقدة منذ آلاف السنين . شعاع الشمس ينفذ من مدخل المعبد إلي وجوه التماثيل .. الأول فالثاني فالثالث فالرابع . معجزة أتاحها لي حسن فتحي.
هل كانت، في هذا الوقت المبكر، ثمة إيماءات إلي أنه سيصبح المهندس الأول للعالم؟
- كان له تاريخ، قبل ذلك.
متي كانت رحلة النوبة ؟
- 1963 .
هل جمعتكما علاقة ود أو صداقة؟
- تبادلنا الود، وترددت علي بيته في القلعة أكثر من مرة، لكن الظروف لم تسمح بأكثر من ذلك.
أعود إلي الأسماء التي ربطتك بها علاقة في الماضي، حيث بدأ مستقبلك . عبدالحميد صبرة.
- تتلمذت عليه في فلسفة العلوم الاجتماعية . ثم شاءت الظروف أن أدعي لجامعة هارفارد، لإلقاء محاضرة . كان هو أستاذا ًهناك . ولما التقينا فكرته بنفسي، لكن علاقتي به لم تكن وثيقة .
يبدو أن هذا الجيل، ولو أني لا أحب قول ذلك، لن يتكرر؟
- الأجيال قد تتكرر بشكل مختلف، أميل إلي التخصص الأعمق . وانجازات أيضا ً. الجيل الذي نتكلم عنه تربي في العصر الليبرالي . وأتيحت لبعضهم فرص سفر متعددة إلي الخارج، أحمد أبو زيد . خريج أكسفورد . صبرة خريج جامعة لندن . تلميذ كارل بوبر . علي عيسي أيضا ًدرس في الخارج . الساعاتي درس في لندن . عويس درس في أمريكا . فجمعوا بين التكوين الداخلي في مصر والدراسات العليا في الخارج . حصلوا خبرات عالية ونقلوها لنا بطرق مختلفة.
أصبحت، فيما بعد، أستاذا ًفي المركز القومي للبحوث وعضو مجلس إدارته . هل أتاح لك ذلك استكمال ما كنت تراه فيه من نقص أثناء العمل به موظفا ؟
- بالطبع . عندما كنت عضو مجلس إدارة وأستاذا ًفيه، كنت أقدم مقترحات بشأن إجراء بحوث، ترشيد العمل العلمي، وأفكار أخري اكتسبتها من عملي باحثا ًفي المركز لمدة 18 سنة.
في شهادة لك قلت إنك تعلمت في هذا المركز أن الحقيقة ليست مطلقة . أعتقد أنه ليست هناك حقائق كاملة . دائما ًهناك أنصاف أو حتي أرباع حقائق نعاملها نحن علي أنها حقائق كاملة؟
- العلم يعطيك هذا الدرس البليغ .. هناك صياغة قلتها في معرض الرد علي البعض ممن يحاولون إثبات الإعجاز العلمي للقرآن ..إلي آخر هذا الكلام بتاع الدكتور زغلول النجار وغيره . قلت العلم يقوم علي الشك والدين يقوم علي اليقين . أنا لا أستطيع أن أحرج النص الديني بالمنهج العلمي . ولكارل بوبر نظرية شهيرة : إن النظرية العلمية التي لا يمكن دحضها، ليست نظرية علمية . لماذا، لأن العلم تراكمي . العلم هو تاريخ صعود وسقوط النظريات العلمية . بعكس الدين الذي يقوم علي اليقين . من هنا لا يمكنك أن تطبق البرهنة العلمية علي النص الديني . أنا تعمقت في فلسفة العلم وعلم اجتماع العلم، ولا أنسي نصيحة سويف : من أجل أن تكون باحثا ًجيدا ً، لا بد أن تقرأ في تاريخ العلم . هذه القراءة لتاريخ العلم تضع يدك علي نسبية الحقيقة .
تعتقد أن أحمد خليفة قد سلمك مفتاح الطريق.
- هو أستاذي . هو الذي شكل مستقبلي العلمي . أعطاني الفرصة التي مكنتني من أن أكون باحثا ًعلميا ًموسوعيا ً. وأعطاني فرصا ًنادرة للتقدم العلمي . سنة 1963 أرسلني في بعثة علمية لليابان لمدة شهر . لأدرس، في معهد بحوث الجريمة الذي تديره الأمم المتحدة والحكومة اليابانية، دورة عن حقوق الإنسان . كان هدفه أن أنظم الدورة الأولي في أفريقيا عن حقوق الإنسان . وقد حدث . سنة 63 لم يكن أحد يعرف حقوق الإنسان يعني إيه ؟ كانت أول زيارة لي لليابان . أذكر أن مدير السجون الإنجليزي السابق كان يحاضر في هذه الدورة وأخطأ فصححت له . وشه احمر . واستدرك معترفا ًبالخطأ . أحمد خليفة هو الذي أرسلني، رغم اختلافنا في هذا الوقت، إلي بعثة فرنسا .
الملاحظ أن العلوم الطبيعية يا أستاذ سيد تقفز بخطوات سريعة، بينما العلوم الإنسانية تسير ببطء السلحفاة .
- العلوم الطبيعية تقوم علي التجربة . علي المنهج التجريبي، ويستطيع العالم أن يهيمن ويسيطر علي كل المتغيرات، بينما عالم الاجتماع لا يستطيع أن يفعل ذلك . هو ليس في معمل . إنما في مجتمع أكثر تعقيدأ ًمن أي معمل . من هنا كان التراكم المعرفي في العلم الطبيعي أسهل . لأن هناك معايير مقننة لحسم صحة النظريات . هناك التجربة الحاسمة . أما العلوم الإنسانية فتتعامل مع الإنسان والثقافة والمجتمع .
هل تعتقد أننا تطورنا، بشكل كاف، لنولي العلوم الإنسانية ما تستحقه من عناية، بدلا ًمن النظر إليها علي أنها ذات أهمية ثانوية في بناء المجتمعات؟
- لم نتطور بعد في هذا المجال . تدرس هذه العلوم في الجامعات وفي مراكز الأبحاث، إنما المجتمع في قراراته الأساسية لا يعتمد عليها، لأسباب شتي . جزء منها يتعلق بصانع القرار وجزء آخر يتعلق بأخطاء العلماء الاجتماعيين الذين يصوغون أبحاثهم بلغة معقدة لا يفهمها صانع القرار . من الخطأ أن نقدم أبحاثنا بلغة تستعصي علي الناس، سواء في ذلك صانع القرار وغيره . علينا أن نتخلص من التحذلق . صانع القرار ليس لديه الوقت لفك شفرات هذه الأبحاث . المسألة مشتركة بين صانع القرار والباحث العلمي الذي يستطيع أن ينجز أو ينتج خطابا ًمفهوما ًأو لا .
وهل نفيد بالقدر الواجب من تطبيقات هذه العلوم ؟
- إلي حد ما، ليس بالكامل، لأنه قد تفرض سياسات معينة أحيانا ًبغير دراسة . خذ التعليم مثلا ً. أو تدريب القوي البشرية . هناك أبحاث لا حصر لها . من المفروض أن تبني السياسة علي البحث العلمي . وهذا لا يحدث في مصر.
وهل واكبت هذه العلوم التغيرات المجتمعية الحاصلة الآن في مصر؟
- ليس بالقدر الكافي أيضا ً. لأن أساتذة الجامعات مشغولون بالتدريس أكثر من انشغالهم بالبحث .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.