هل انتقلت معركة القلوب والعقول التي بدأها المحافظون الجدد الي جبهة أمريكا الداخلية؟ سؤال راودني وأنا أقرأ عن عملية تسييس التعليم الحكومي التي تجري حاليا للكتب الدراسية لأطفال المدارس في ولاية تكساس الجنوبية التي ينحدر منها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش. القصة ملخصها أن حفنة من المحافظين سيطروا علي ادارة التعليم بالولاية بعد أن باتوا يشغلون 7 مقاعد من أصل 15 هي اجمالي مقاعد مجلس التعليم بالولاية مدعومين من حاكم تكساس الجمهوري ريك بيري. هؤلاء المحافظون قرروا اعادة كتابة المناهج في تقليد يجري كل 10 أعوام للتطوير والتجديد للكتب المدرسية بمساعدة خبراء تعليميين يضمون الداعية الانجيلي بيتر مارشال. عملية التغيير ستطال مناهج الجغرافيا والتاريخ والمجتمع المدني أو Civics التي يدرسها التلاميذ الأمريكيون في المدارس الحكومية وعددهم 7.4 مليون طالب، ليجدوا ممرا ينفذون من خلاله للعقول الصغيرة التي يسهل تشكيلها فيبثون فيهم أفكارهم بسهولة سواء كانت تتعلق بالدين أو العلوم أو السياسة فينشئون جيلا كاملا من المحافظين. التغييرات المقترحة من قبل المحافظين، وفي مقدمتهم دون ماكليروي عضو المجلس التعليمي، من شأنها أن تعرض وتروج لأفكار اتجاه واحد بعينه فهي تريد من التلاميذ الأمريكيين أن يعرفوا كيف عاد التيار المحافظ للتواجد بقوة في الحياة السياسية في الثمانينيات والتسعينيات من خلال دراسة شخصيات سياسية تنتمي للتيار المحافظ مثل نيوت جينجريتش الذي قاد الجمهوريين للسيطرة علي الكونجرس في انتخابات 1994 وفيليس شلالفلي التي أسست منتدي النسر المحافظ وكانت من أبرز المعارضين لتعديل قانون الحقوق المتساوية بين الرجال والنساء، بالاضافة إلي منظمة "الأغلبية الأخلاقية" أو Moral Majority وهي منظمة انجيلية ومؤسسة التراث أو "هيريتدج فاونديشن" وهي مؤسسة بحثية.. كل ذلك مقابل استبعاد كامل للسياسيين الليبراليين في مادة التاريخ، بينما يريد التيار المضاد أن يدرس الطلاب الأمريكيون حركات ليبرالية مثل حركة "موف أون" Move on المعارضة لحرب العراق وشبكة حرية تكساس وهي منظمة معنية بالحريات الدينية والحريات الشخصية. ماكليروي راجع بنفسه منهج الأحياء وما يقوله عن نظرية التطور لداروين ووضع علامات علي بعض الفقرات التي يريد حذفها بحيث يصبح المضمون متماشيا مع قصة الخلق كما يرويها الكتاب المقدس (الانجيل)، واصفا نظرية التطور ب"الهراء" كما جاء في مجلة "واشنطن مانثلي" الأمريكية الشهيرة في عددها الأول من العام الجديد. يؤمن ماكليروي ان أمريكا دولة مسيحية قائمة علي مبادئ المسيحية وليس دولة علمانية والأدهي أنه قال بصراحة ان تقييمه للكتب التاريخية المدرسية يتوقف علي كيفية تصويرها للمسيحية واسرائيل ثم الرئيس السابق رونالد ريجان الذي يرجع له الفضل في انقاذ العالم من الشيوعية وفي الحفاظ علي اقتصاد جيد طوال العقدين الماضيين بسبب قراراه تخفيض الضرائب. خلاصة رؤية ماكليروي كما قال للمجلة الأمريكية هي أنه يسعي لتأكيد حل معارك الحقيقة والعدل علي الطريقة الأمريكية ومقاومة من يدفع باتجاه التعددية الثقافية كأساس لحل هذه القضايا. ويقترح البعض أن تضاف أسماء مثل شون هانيتي مقدم البرامج الشهير علي قناة فوكس نيوز والمعروف باتجاهه المحافظ ومايك هاكابي حاكم أركنساس السابق والذي يقدم برنامجا الآن بالقناة نفسها فضلا عن راش ليمبو المقدم التليفزيوني ذائع الصيت والاتحاد القومي للبنادق National Rifle Association.. فيما يبدو وكأن موجة محافظة ضربت المدارس الأمريكية. المبررات التي يسوقها المحافظون لتمرير ما يعتبره البعض عملية "غسيل مخ" للأطفال الصغار تبدو واهية منها ما يقوله ديفيد بارتون نائب رئيس الحزب الجمهوري في تكساس سابقا الذي يعتبر أن الولاياتالمتحدة هي دولة جمهورية أكثر منها ديمقراطية وبالتالي فان الوصف المناسب أكثر لقيمها سيكون جمهوري أكثر منه ديمقراطي وهكذا يصبح من المهم مناقشة ما وصفه ب"القيم الجمهورية" في الكتب المدرسية. كما يريد بارتون ادماج وثائق أمريكية قديمة تخلط الدين بالسياسة ليصور الأمر وكأن هذه المبادئ هي التي شكلت الدستور الأمريكي متجاهلا حقيقة أن القانون الأمريكي واضح في فصله بين الدين والسياسة. وبرغم ادراكه أهمية دراسة شخصيات تاريخية مثل مارتن لوثر كينج، الا أنه لا يعطيه ميزة تحسين حقوق الأقليات في الولاياتالمتحدة. أما علي الصعيد الخارجي، فيحاول بارتون ارجاع الحرب علي الارهاب التي تشنها أمريكا ضد ما يعتبره "الارهاب الاسلامي" إلي الحروب البربرية في القرن التاسع عشر مصورا المسلمين آنذاك تحت حكم الامبراطورية العثمانية بأنهم معتدين. المعركة المدرسية ان صح القول بدأت صيف العام الماضي وما زالت مستمرة بين شد وجذب من المحافظين من ناحية والمدرسين والعلماء من ناحية أخري اذ يري الفريق الثاني أنه من الضروري عرض كافة التيارات والأفكار علي الطلاب الصغار الذين لا تزال آرائهم في مرحلة التشكيل. ومن المقرر أن يحسم مجلس التعليم في تكساس هذا الجدل في شهر مارس القادم عندما يصوت علي المحتوي النهائي للكتاب المدرسي، لكن ما يزيد من سخونة المعركة هو وضع تكساس المميز اذ تعتبر الولاية الجمهورية ثاني أكبر أسواق الكتب الدراسية في الولاياتالمتحدة بعد كاليفورنيا ذات التوجه الليبرالي وبالتالي فان السلطات في الولايات الأخري والناشرين ينقلون عنها الكثير، بينما امتنعت كاليفورنيا السوق الأول للكتب المدرسية عن شراء كتب مدرسية جديدة واجراء تغييرات في المناهج حتي عام 2014 علي الأقل بسبب الأزمة الاقتصادية وهو ما يفتح الباب لانتشار أكبر لأفكار المحافظين الجدد انطلاقا من تكساس لمدارس ولايات أخري. والواضح أن القضية تثير حنق الكثير من الأمريكيين وهو ما تشعر به عند قراءة التعليقات الواردة علي مدونة موقع مركز التقدم الأمريكي "سنتر فور أمريكان بروجرس" التقدمي الذي ناقش القضية. بعض التعليقات تقول ان اللجوء للنصوص القديمة التي تبث الخوف في النفوص من شأنها ألا تشجع علي التفكير واعتماد المنطق وهو ما يريده المحافظون للبعد عن الحقائق الموجودة في الكتب الحديثة ليسمموا عقول الأطفال، كما وصف البعض الحزب الجمهوري بالحزب الفاشي والمحافظون بالبهلوانات واعتبروا أن تكساس تتجه للوراء وتتخلف لمستوي معرفة القرن الثامن معتبرين أنه من الأفضل اعادة الولاية للمكسيك لأن الولاياتالمتحدة ستكون أفضل بدون تكساس.. فيما تساءل أحد الأمريكيين ماذا يفعل داعية انجيلي في تطوير المناهج التعليمية؟! واتهم البعض في تعليقاتهم المحافظين بالمسئولية عن تخلف بعض الولايات في مجالي العلوم والرياضيات وباتباع سياسة الاملاء التي تلغي العقل مشبهين تكساس بالصين لحجبها المعلومات وبجمهورية الموز!