ارتفاع سعر الذهب اليوم في الأسواق    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 17 مايو 2024    الدولار يواصل السقوط ويتجه لتسجيل انخفاض أسبوعي وسط مؤشرات على تباطؤ في أمريكا    إيقاف رئيس حرم جامعي بكاليفورنيا لتضامنه مع طلاب متضامنين مع الفلسطينيين    حدث ليلا.. أمريكا تتخلى عن إسرائيل وتل أبيب في رعب بسبب مصر وولايات أمريكية مٌعرضة للغرق.. عاجل    شقيق ضحية عصام صاصا:"عايز حق أخويا"    غدا.. بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني للشهادة الإعدادية في البحر الأحمر    استئناف الرحلات والأنشطة البحرية والغطس في الغردقة بعد تحسن الأحوال الجوية    «الأرصاد» تكشف طقس الأيام المقبلة.. موجة حارة وارتفاع درجات الحرارة    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    باسم سمرة يروج لفيلمه الجديد «اللعب مع العيال»: «انتظروني في عيد الاضحى»    دعاء تسهيل الامتحان.. «اللهم أجعل الصعب سهلا وافتح علينا فتوح العارفين»    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. نور بين الجمعتين    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    موعد مباراة ضمك والفيحاء في الدوري السعودي    عاجل - حالة الطقس اليوم.. الأرصاد تعلن تفاصيل درجات الحرارة في محافظة أسيوط والصغرى تصل ل22 درجة    «قضايا اغتصاب واعتداء».. بسمة وهبة تفضح «أوبر» بالصوت والصورة (فيديو)    بسبب زيادة حوادث الطرق.. الأبرياء يدفعون ثمن جرائم جنون السرعة    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    وقوع زلازل عنيفة بدءا من اليوم: تستمر حتى 23 مايو    الاستخبارات العسكرية الروسية: الناتو قدم لأوكرانيا 800 دبابة وأكثر من 30 ألف مسيرة    وزير الدفاع الأمريكي يؤكد ضرورة حماية المدنيين قبل أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية    سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الجمعة 17 مايو 2024    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    لبلبة: عادل إمام أحلى إنسان في حياتي (فيديو)    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    بركات: الأهلي أفضل فنيا من الترجي.. والخطيب أسطورة    أضرار السكريات،على الأطفال    هل يشارك لاعب الزمالك في نهائي الكونفدرالية بعد وفاة والده؟    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    من أجل بطاقة السوبر.. ماذا يحتاج برشلونة لضمان وصافة الدوري الإسباني؟    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من واشنطن
العدو علي الأبواب‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 06 - 2010

سألت صديقا في واشنطن‏:‏ ما الذي يشغل إدارة أوباما اليوم؟ وجاءت الإجابة مفاجئة للغاية‏,‏ فلم تكن حول صواريخ روسيا النووية‏,‏ أو التوسع الكوني للدولة الصينية‏,‏ أو صعوبات ومعضلات الخروج الأمريكي من أفغانستان أو العراق‏. أو حتي أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية التي لا حل لها منذ ستة عقود وأكثر‏,‏ وإنما كان الرد مختصرا ومباشرا‏:‏ إنها مسألة تسرب البترول في خليج المكسيك‏.‏ ولم يأت المساء إلا وكان باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة يلقي خطابا تليفزيونيا إلي الشعب الأمريكي يقول فيه إن هناك هجوما علي الشواطئ الأمريكية بلغ ملايين البراميل من النفط التي تدفقت من منابعها داخل المياه الدولية والتي تديرها شركة البترول البريطانية واختصارها بي بي أو‏BP‏ منذ شهر إبريل الماضي‏,‏ وبدأت في الوصول إلي الشواطئ الأمريكية في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية والاقتصادية علي مجموعة من الولايات التي لم تشف بعد من المصائب السابقة لإعصار كاترينا الذي لم تمض عليه إلا سنوات معدودة‏.‏
وبالمصادفة البحتة فقد كنت في الولايات المتحدة للبحث والتدريس خلال ذلك الوقت من صيف عام‏2005‏ عندما جاء الإعصار الرهيب لكي يدمر مدنا بأكملها‏,‏ ويحول حياة ملايين من البشر من الدعة والطمأنينة إلي حياة اللاجئين في المدارس ومعسكرات الإيواء وانتظار المنح والمعونات‏.‏ وكم كان المشهد في ذلك الوقت رهيبا عندما غمرت المياه كالطوفان مدينة نيو أورليانز الشهيرة بعد أن دمرت سدودها وقناطرها وخرج الناس منها فارين كما لو أن التاريخ يعيد قصة النبي نوح مرة أخري مع مطلع القرن الحادي والعشرين‏.‏ أما هذه المرة‏,‏ فأنا في زيارة للولايات المتحدة في أمور تخص شركة الأهرام الدولية في أمريكا الشمالية‏,‏ ولكن السياسة الأمريكية فرضت نفسها كما هي العادة عند كل لقاء أو مقابلة أو حتي وقت غداء أو عشاء‏,‏ وبعد أيام قليلة من الزيارة ظهر أن ما شاهدته يوم وصولي لم يكن سوي قشرة رقيقة تخفي الكثير وراءها‏.‏ وما حدث يوم الوصول كان أن العاصمة الأمريكية خرجت عن بكرة أبيها لمشاهدة المباراة الأولي للمنتخب الأمريكي في كأس العالم مع المنتخب البريطاني‏,‏ فظهرت شاشات ضخمة تم نصبها في الميادين العامة‏,‏ وأخري لا تقل ضخامة‏,‏ وضعتها الفنادق والحانات ومجمعات التسوق الهائلة لكي تجتذب مشاهدين قرروا خوض معركة ربما لم يحدث مثيل لها منذ حرب الاستقلال الأمريكية في عام‏1776,‏ أو ربما منذ حرب عام‏1812‏ التي قامت فيها القوات البريطانية والأسطول البريطاني بحرق واشنطن كلها‏.‏ كان الأمريكيون متحمسين في مباراة لكرة القدم التي لا تأتي ضمن أنواع الرياضات المفضلة في الولايات المتحدة‏,‏ فالأمريكيون يهيمون بلعبة البيسبول وكرة السلة ونوعية خاصة من كرة القدم هي تطوير عنيف للعبة الرجبي البريطانية‏,‏ ولكن يبدو أن حمي الكرة وصلت أخيرا إلي أمريكا‏,‏ أو أن الخصم هذا اليوم كان جديرا بهذه الدرجة من الحماس‏.‏
فسرعان ما ظهر أن المسألة كانت أكبر من مباراة في كرة القدم‏,‏ لكن كان وراءها الدولة الأمريكية في مواجهة الشركة البريطانية‏,‏ حينما بدأت الحقائق تتكشف عن تهديد بالغ‏,‏ وخطر حال‏,‏ علي الأمن القومي الأمريكي لم يأت من دول معادية تقوم بالهجوم والغزو‏,‏ وإنما جاء نتيجة أنواع جديدة من التهديد والأذي أصبحت تضع الدولة الأمريكية المعاصرة تحت تهديد بالغ‏.‏ وربما يتضح الأمر لو عدنا بالذاكرة إلي ذلك الفيلم الأمريكي الشهير العدو علي الباب‏TheEnemyOntheGate‏ الذي صور الجيش الألماني وهو يقف علي أبواب ستالينجراد السوفيتية كما كانت معروفة في ذلك الوقت من أيام الحرب العالمية الثانية‏,‏ بينما يقوم الجيش والشعب السوفيتي بالدفاع عنها حتي تم النصر وهزيمة العدو‏.‏ وكانت تلك هي الصورة الكلاسيكية والنقية للتهديد الذي يأتي من الخارج ومن قبل دولة وجيش متفوق يحاول بكل العنف فرض السيطرة والهيمنة المسلحة بينما تحاول الدولة الدفاع عن نفسها وصد الهجمات بالقدرة والشجاعة‏.‏
ولكن المسألة هذه المرة اختلفت‏,‏ وسواء كان الأمر أثناء إعصار كاترينا أو تسرب ما يقرب من‏60‏ ألف برميل بترول يوميا من بئر معطوب منذ شهر إبريل الماضي فإن الكارثة لم تكن أقل عنفا‏.‏ وربما كان الفارق هو أنه في الحروب التقليدية‏,‏ والتهديدات المعروفة للأمن القومي‏,‏ فإن وسائل المخابرات‏,‏ وأساليب الدفاع والمواجهة‏,‏ لها تراث طويل في الفكر الاستراتيجي‏,‏ وهناك مؤسسات لديها من الإمكانيات والقدرات ما يجعلها تستطيع صد الهجوم‏,‏ أو لتعبئة الشعب من أجل ردعه وهزيمته‏.‏
ولكن الأعداء الجدد يختلفون كثيرا عما اعتادت عليه الدول‏,‏ وسواء كانت ثورات الطبيعة من الأمور الطبيعية في التاريخ أو أن هناك عوامل جديدة مثل الاحتباس الحراري باتت تجعل الطبيعة غاضبة أكثر مما اعتادت‏,‏ أو أن الكارثة جاءت من خطأ إنساني جسيم كما حدث مع شركة البترول البريطانية‏,‏ فإن الدولة الأمريكية لم تكن جاهزة علي الإطلاق ولا أدري عما إذا كانت دول العالم الأخري علي درجة كافية من الاستعداد للتعامل مع هذه المواقف أم لا‏.‏ وليس سرا علي أحد أن هزيمة جورج بوش وحزبه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية كانت وراءها ثلاثة أنواع من الفشل‏:‏ الأول هو العجز عن التعامل مع الحرب في أفغانستان والعراق‏,‏ والثاني كارثة كاترينا التي فشلت الإدارة الأمريكية في التعامل معها‏,‏ حين اجتاح إعصار كاترينا‏,‏ بقوته التي بلغت الدرجة الخامسة‏,‏ في أغسطس‏2005‏ ثلاث ولايات في جنوب الولايات المتحدة هي لويزيانا ومسيسبي وألاباما‏,‏ مدمرا منطقة تبلغ مساحتها نحو‏235‏ ألف كم مربع‏,‏ أي ما يوازي نصف مساحة فرنسا أو مساحة رومانيا بأكملها‏.‏ وقد قدرت الخسائر الناجمة عن الإعصار بنحو ثلاثمائة مليار دولار‏,‏ وهو ما يوازي وفقا لبعض التقديرات ما تم إنفاقه خلال السنوات‏(2001-2005)‏ علي حربي الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق‏.‏ كما أدي الإعصار إلي إغلاق‏711‏ بئرا نفطية في خليج المكسيك‏,‏ فتوقف‏92%‏ من إنتاج النفط و‏83%‏ من إنتاج الغاز الطبيعي‏.‏ وهو ما أدي لارتفاع سعر جالون البنزين لأكثر من‏3‏ دولارات‏,‏ وهو معدل لم يحدث من قبل‏.‏ ولمن لا يعلم فإن منطقة الساحل الأمريكي لخليج المكسيك وبصفة خاصة الشريط الممتد من مدينة موبيل المجاورة لنيو أورليانز‏(‏ لويزيانا‏)‏ إلي ميناء بورت أرثر القريب من هيوستن‏(‏ تكساس‏)‏ أكبر تجمع عالمي لصناعة التكرير وواحدة من أضخم شبكات الأنابيب‏.‏ ولو أن خليج المكسيك دولة مستقلة مجازا‏,‏ لاحتل المرتبة ال‏29‏ ضمن أكبر اقتصاديات العالم‏,‏ حيث يسهم كل من قطاعات النفط والسياحة والصيد والسفن في هذا الخليج بنحو‏234‏ مليار دولار سنويا‏,‏ ويبلغ نصيب الولايات المتحدة منه الثلثين والباقي للمكسيك‏.‏ فعلي سبيل المثال‏,‏ يسهم قطاع النفط والغاز ب‏53%‏ من اقتصاد المنطقة وكذلك يسهم قطاع السياحة بما يقرب من‏46%‏ من اقتصاد المنطقة‏,‏ بما يفوق‏100‏ مليار دولار سنويا‏.‏ والثالث هو الفشل في التعامل مع الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت أمريكا وبقية دول العالم‏.‏
والآن‏,‏ ومع باراك أوباما‏,‏ فإن الأسباب تبدو كافية للمقارنة‏:‏ فمشكلة العراق وأفغانستان لا تزال باقية كاللعنة الأبدية‏,‏ والأزمة الاقتصادية رغم شواهد العبور منها‏,‏ إلا أن الأمر كما يقال في مصر لم يصل إلي الإنسان العادي بعد‏,‏ وعندما لا تصل نتائج الخروج من أزمة اقتصادية إلي الإنسان العادي‏,‏ فمعني ذلك أن الأزمة لاتزال باقية‏,‏ ولسعتها أعنف بحكم طول الزمن والانتظار الذي طال‏.‏ ولم يكن أوباما يحتاج حتي تكتمل المقارنة إلي كارثته الخاصة‏,‏ التي لم تأت فقط عندما لم تنجح شركة البترول البريطانية في إتمام حفر بئر بحرية يوم العشرين من إبريل الماضي‏,‏ ولكن عندما عجزت أيضا عن سد الفجوة الناتجة عن الحفر‏,‏ فكانت النتائج الإنسانية والاقتصادية مروعة‏,‏ فمع الانفجارات التي حدثت في موقع البئر الفاشلة قتل أكثر من‏11‏ شخصا من إجمالي‏126‏ عاملا علي المنصة‏,‏ ولم يفلح ما قيل عن تجمع أفضل العقول الإنسانية في وقف التدفق الهائل من آلاف البراميل من النفط بلغت بعد شهرين من الأزمة ملايين‏.‏
وكما يحدث في هذه الحالات فإن الشركات‏,‏ والدول أيضا‏,‏ تميل إلي التقليل من شأن القضية‏,‏ فجاءت التصريحات تهون من التسرب‏,‏ وتضع حجمه فيما لا يزيد علي تسرب خمسة آلاف برميل‏,‏ بينما الشركة البريطانية لديها القدرة علي التعامل مع‏250‏ ألف برميل من التسرب‏.‏ ولكن سرعان ما ظهر أن التسرب يزيد علي‏60‏ ألف برميل يوميا‏,‏ وأن قدرات الشركة لا تزيد علي خطط ورقية ثبت أنه لا وجود لها في الواقع‏.‏ ورغم التكرار الدائم من جانب الرئيس أوباما بأن هناك أكثر من‏1900‏ سفينة و‏20‏ ألف شخص يساعدون في القضاء علي التسرب فإن النتيجة هي حدوث أسوأ تسرب تشهده الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها‏,‏ بل إنه ينذر بكارثة سواء علي الصعيد الاقتصادي أو البيئي‏.‏
وهكذا وجد أوباما نفسه ليس فقط في مواجهة حروب عليه أن يخوضها‏,‏ بل أيضا أمام كارثة عليه أن يثبت فيها كفاءته السياسية والإدارية‏,‏ وانتظر الأمريكيون ردا مختلفا عما حدث خلال فترة جورج بوش‏,‏ ولكن كان هناك داخل إدارة الرئيس من هون أيضا من شأن الكارثة‏,‏ ودعا إلي أنه لا يجوز أن تصرف الأحداث في خليج المكسيك نظر الإدارة عن تنفيذ البرنامج الذي وضعته لنفسها‏.‏ وبالطبع لم يمض وقت طويل حتي باتت الكارثة من الإلحاح بحيث يستحيل علي الرئيس الأمريكي تجاهلها‏,‏ ومن ثم شمر الساعد لكي يتعامل مع الكارثة ونتائجها السياسية والاقتصادية‏,‏ وكما هي العادة لكي يحولها من مخاطرة سياسية كبري إلي فرصة عظيمة لتنفيذ برنامجه الخاص بالطاقة الجديدة والنظيفة أيضا لكي تحل محل الطاقة الكربونية وفي المقدمة منها البترول‏.‏
مثل ذلك الذي حدث كان كفيلا بأن يعيد إلي الأذهان نقاشا عنيفا داخل الولايات المتحدة حول النفط وبدائله‏,‏ وهو النقاش الذي ينبع من مصالح متعددة بين الشركات والولايات التي لها توقعات اقتصادية من مصادر الطاقة المختلفة‏.‏ ولا يخلو الأمر بالطبع من نوازع فكرية وأيدلوجية تري الطاقة الكربونية الفحم والبترول والغاز من مصادر تدمير الكوكب‏;‏ ولم تكن هناك صدفة في أن يتم استدعاء المخرج الأمريكي جيمس كاميرون صاحب تايتنك وأفاتار إلي ساحة الكونجرس لكي يبدي الرأي في ضرورة الحفاظ علي كوكب نظيف‏.‏ ولا كانت هناك صدفة في استدعاء الممثل كيفن كوستنر الذي عرف فجأة أنه يمتلك شركة كبري لتنظيف البحار من تسرب النفط‏.‏ ومن المؤكد أن الظهور المفاجئ لجيمس كاميرون وكيفن كوستنر يعكس واحدة من الخصائص الأمريكية في عدم القدرة علي استبعاد هوليوود في ساعة أزمة حزينة‏;‏ ولكنه من ناحية أخري يعكس تلك الحالة من الحيوية التي لا تستبعد أحدا من الحوار العام في ساعة أزمة لا يعرف أحد حلا لها علي وجه التحديد‏.‏
والحقيقة هي أن القضية باتت لها عدة وجوه أمريكية وعالمية‏:‏ أولها أنه مع النمو الاقتصادي العالمي الهائل خلال العقود الأخيرة أصبحت الحاجة إلي النفط تدفع للبحث عنه دون استثناء المنالطق الصعبة‏,‏ وفي المناطق الصعبة يوجد دائما مجال واسع لأحداث غير متوقعة‏.‏ وثانيها أن الشركات الكبري‏,‏ في سعيها للربح وإرضاء المساهمين فيها باتت تبالغ في اختصار الكثير من إجراءات الأمان اعتمادا أو اعتقادا في قلة المخاطر‏.‏ وثالثها‏,‏ أن القيود التي فرضتها الحكومات الغربية‏,‏ وبالذات الولايات المتحدة علي عمليات التنظيف حتي تتم حماية الحياة البرية والبيئة البحرية في العموم خلقت صعوبات كبيرة أمام عمليات التنظيف السريعة الممكنة‏.‏ ورابعها‏,‏ أن الأمر لا يخلو أيضا من انتهازية حيث تدافعت الحكومات المحلية للضغط علي الشركة البريطانية من أجل الحصول علي تعويضات عادلة عن كل شيء سييء سواء كان واقعا قبل الكارثة أو بعدها‏.‏ وخامسها أن القضية برمتها ليست منفصلة عن النقاش الدائر داخل الولايات المتحدة وخارجها أيضا حول دور الدولة والقطاع الخاص بما فيها الشركات الدولية العملاقة في التنمية الاقتصادية‏.‏ وسادسها أن الأمر برمته جديد‏,‏ ومع بداية الأزمة قدمت الشركة البريطانية تعويضات قدرها‏1.6‏ مليار دولار للجهات المضارة‏,‏ ولكن الحكومة الأمريكية طلبت‏20‏ مليار دولار للتعامل مع الأزمة بينما لا يوجد لدي الشركة لدي البنوك إلا سبعة مليارات فقط‏,‏ وهو الأمر الذي ربما كان سببا في اتفاق الرئيس أوباما مع الشركة علي إنشاء صندوق تعويضات بقيمة ال‏20‏ مليار دولار لتعويض المتضررين‏.‏ وسابعها أن عمليات الإنقاذ كلها تحتاج إلي تمويل أضخم مما تستطيع الشركة البريطانية تقديمه‏,‏ ومن ثم هل يجوز فرض ضرائب جديدة تبلغ‏50‏ مليار دولار للإنفاق علي هذه المهمة؟ وثامنها أن كل هذه الأمور واقعة ضمن الصراع السياسي والأيديولوجي الدائر في الولايات المتحدة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري استعدادا لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس‏,‏ ومن بعده تلوح الانتخابات الرئاسية من جديد‏.‏ وتاسعها‏,‏ أن شبح المحافظين الجدد ظهر من جديد مبشرا بفشل تجربة أوباما الليبرالية‏,‏ ومنذرا بأنه آن الأوان للعودة إلي أجندة جورج بوش مرة أخري التي يري المحافظون أن أحد أسباب فشلها هو خيانة بوش نفسه لها خلال فترة رئاسته الثانية‏,‏ وتخليه عن الكهنة العظام للفكر المحافظ الجديد‏.‏ ولمن يشعرون الآن بالسخط علي أوباما‏,‏ فربما يكون عليهم الانتظار حتي تأتي أيام أخري تقود فيها سارة بالين الولايات المتحدة الأمريكية‏!.‏
إلي أين يأخذنا ذلك كله؟‏.‏ الإجابة عن ذلك السؤال لابد أن تأتي في إطار النظر تجاه الولايات المتحدة باعتبارها دولة من الأهمية بحيث يجب متابعتها عن قرب‏;‏ وفي إطار النظر تجاه مصر حيث الأسئلة فيها مطروحة بنفس الدرجة والحدة المطروحة بها في الولايات المتحدة‏.‏ وكل ذلك مع الأخذ في الاعتبار الفارق بين البلدين في معطيات كثيرة‏,‏ ولكن التحديات واحدة في كل الأحوال‏.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.