تبدو إدارة باراك أوباما مرتبكة علي الرغم من مضي عشرة أشهر علي دخول الرجل البيت الأبيض وإحاطة نفسه بعدد كبير من الاختصاصيين في شئون العالم؟ بين هؤلاء وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي امضت قبل تولي منصبها ثمانية أعوام في البيت الأبيض إلي جانب زوجها الذي عرف باكرا مخاطر التورط في أي حروب خارجية. كان لافتاً أن بيل كلينتون لم يزج الجيش الأمريكي في أي معارك مباشرة. وكان اقصي ما ذهب إليه استخدام سلاح الجو لإسقاط حكم الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش... وعندما تعرضت "القاعدة" لأهداف أمريكية في كينيا أو تنزانيا، علي سبيل المثال، لجأ إلي قصف أهداف في السودان أو أفغانستان بواسطة صواريخ "توماهوك" بعيدة المدي كي يقول إنه لم يستسلم للإرهاب وأن الولاياتالمتحدة تمتلك قوة رادعة! ربما كان باراك أوباما يسير علي خطي بيل كلينتون. تكفيه التركة الثقيلة لجورج بوش الابن وإدارته في أفغانستان والعراق التي جعلت من الصعب علي الجيش الأمريكي خوض حروب جديدة وربما حتي زيادة عديد قواته في أفغانستان. كان لافتاً أن الرئيس الأمريكي يخشي الآن اتخاذ قرار بزيادة عديد القوات في أفغانستان، علي الرغم من أن هذه الخطوة تبدو أكثر من ضرورية وأن لا مجال لتفاديها في نهاية المطاف. ولكن يبقي السؤال هل يمكن أن تصل الزيادة إلي اربعين ألف عنصر؟ من أين سيأتي الجيش الأمريكي بهؤلاء نظرا إلي أن مثل هذه الزيادة لعدد الجنود في أفغانستان تفرض ضغوطا كبيرة علي القوات المسلحة علي كل المستويات. هل باراك اوباما ضعيف ام قوي؟ ليس في الإمكان الإجابة عن السؤال في الوقت الراهن نظرا إلي أن عليه القتال علي جبهات عدة. علي الصعيد الداخلي، هناك الأزمة الاقتصادية التي لا تزال تعصف بالولاياتالمتحدة. وهناك معركة مشروع الضمان الصحي الذي يسعي إلي تمريره في الكونجرس. وتبدو هذه المعركة قاسية. في حال مرر أوباما مشروع الضمان الصحي، سيكون لديه عندئذ هامش واسع من الحرية للتصرف علي الصعيد الخارجي وفرض أجندته التي تستند إلي ما يمكن وصفه ب"القوة الهادئة". من هذا المنطلق، تبدو معركة الضمان الصحي في غاية الأهمية في وقت يسعي غير طرف إلي تكبيل الإدارة الأمريكية. علي رأس الذين يسعون إلي تكبيل إدارة أوباما وتطويقها من الداخل والخارج، تأتي إسرائيل. من اللافت، لمن يزور واشنطن هذه الأيام، أن معظم مؤيدي إسرائيل في الكونجرس وفي المعاهد والمؤسسات المختصة بالأبحاث التابعة بطريقة أو بأخري للوبي الإسرائيلي، متضايقون من أوباما. لا يخفي هؤلاء اعتراضهم علي سياسات الرئيس الأمريكي في مجالين محددين. المجال الأول طريقة تعاطيه مع إيران والآخر الكلام المستمر الذي يصدر عن هذا المسئول الكبير أو ذاك عن حل الدولتين استنادا إلي خطوط العام 1967، من الواضح أن العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية ليست علي ما يرام هذه الأيام. تعتبر حكومة بنيامين نتانياهو، بكل بساطة، أن الوقت يعمل لمصلحتها في فلسطين وأن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون تابعة لإسرائيل بل ملحقا بها وأن حدودها، في حال كان لا بد من أن تكون لها حدود ما في يوم من الأيام، يجب أن تستند إلي حدود المستوطنات الإسرائيلية. أكثر من ذلك، تري إسرائيل أن الأولوية يجب أن تعطي لإيران وأن علي الولاياتالمتحدة أن تدعم السياسة الإسرائيلية تجاه إيران بغض النظر عن فحوي هذه السياسة. كل ما في الأمر أن المطلوب إسرائيليا أن تكون السياسة الأمريكية في خدمة حكومة بنيامين نتانياهو التي تريد استغلال الملف النووي الإيراني لتكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية. تلتقي إيران بدورها مع إسرائيل عندما يتعلق الأمر بإضعاف إدارة أوباما، خصوصا أن هدفها الأول التوسع في المنطقة وفرض هيمنتها عليها وحمل العالم علي التعاطي معها بصفة كونها المرجع الأول والأخير في الشرق الأوسط وفي منطقة الخليج والعراق خصوصا. ولذلك، ليس هناك تضايق إيراني من أي كلام إسرائيلي عدائي عندما يتعلق الأمر بالبرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك الكلام عن ضرورة اللجوء إلي ما يسمي "خيار بين". يعني هذا الخيار أن علي إسرائيل قصف المواقع التي لها علاقة من قريب أو بعيد بالبرنامج النووي الإيراني، علي غرار ما فعلته إسرائيل في عهد حكومة مناحيم بيجن في يونيو من العام 1981 عندما قصفت المفاعل النووي العراقي "اوزيراك" قرب بغداد ودمرته بالكامل. يناسب التصعيد الكلامي بين إيران وإسرائيل الجانبين. إنه يخدم نتانياهو الذي لا يريد التركيز إلا علي "الخطر الإيراني" ويخدم إيران الساعية إلي خطف القضية الفلسطينية من الفلسطينيين والعرب عموما والظهور في مظهر المدافع الأول عن حقوق الفلسطينيين، فيما العرب "مقصّرون". هل ينجح الجانبان في ذلك؟ الكثير يعتمد علي ما إذا كانت إدارة أوباما ستخرج قوية من معركة الضمان الصحي. ليس مطلوبا بالطبع التفاؤل كثيرا، أو علي الأصح المبالغة في التفاؤل. لكن ما لا بد من التوقف عنده أن الرئيس الأمريكي الحالي يتعلم من اخطائه سريعا. والأهم من ذلك، أنه ليس مدينا للوبي الإسرائيلي في واشنطن بشيء وقد نجح حتي الآن في الحصول علي تأييد اليهود الليبراليين الذين يعتقدون أن تسوية معقولة في الشرق الأوسط في مصلحة الولاياتالمتحدة في المدي الطويل وأن مثل هذه التسوية القائمة علي خيار الدولتين تقطع الطريق علي التطرف والمتطرفين أكان ذلك في إيران أو إسرائيل...