تروي الأساطير الإغريقية القديمة أن أحد ملوك ذلك الزمان ويدعي سيزيف ارتكب حماقة في حكمه، كأن خدع مريديه مثلاً لسنوات طويلة بأن اللائحة التنظيمية لحكمه لا تسمح بشيء ما ثم أقر هذا الشيء علي حين غفلة من أهله، أو قضي علي العقول المفكرة في جماعته وأودي بها، أو أراد أن يرجع بأهله إلي زمن التخلف. ونتيجة لذلك، قضت عليه الأآهة بعقاب شديد.. قضت عليه الآلهة وفق هذه الأسطورة بأن يحمل علي ظهره حجراً من أسفل الجبل ويصعد به إلي أعلي الجبل، حتي إذا ما وصل إلي قمة الجبل، بعد إعياء وتعب شديدين، وقع الحجر إلي أسفل الجبل، فيقوم سيزيف بالنزول إلي أسفل الجبل، ويحمل الصخرة علي كتفه مرة أخري إلي أعلي الجبل! حتي إذا ما وصل إلي قمة الجبل سقط الحجر مرة أخري، ونزل سيزيف إلي أسفل الجبل ليحمل الحجر.. وهكذا في صعود وهبوط مستمرين، وفي عذاب وتعب شديدين إلي نهاية عمره!!!! وعادة ما يشير الفلاسفة والمفكرون إلي هذه الأسطورة للإشارة إلي أن بذل الجهد بلا فائدة يعد أكبر عقاب وأقسي عذاب للفرد. وفي ثقافتنا الإسلامية إشارة إلي ضرورة حفظ قوة الفرد، وإلي ضرورة توجيه جهوده إلي ما يفيد، وإلا سيصبح مثل الذي " لا ظهراً أبقي، ولا أرضاً قطع". وفي الأمثال الشعبية، يقولون عن الشخص الذي يبذل مجهوداً بلا فائدة إنه "يؤذن في مالطة"، أو " يحرث في بحر ". وعادة فإن أمثال هؤلاء الأفراد يكون صوتهم مرتفعاً، وصياحهم للسماء، ويصدق عليهم في الغالب القول الشائع " ما لي أسمع قعقعة ولا أري طحيناً"!!! ولقد كشفت الأحداث الأخيرة التي لحقت بالجماعة المحظورة، ولا أقول حدثت لها، عن مدي العقاب الذي لحق بها، وعن مدي الهوة السحيقة التي هبطت إليها.. ولا أعتقد أن الجماعة قد مرت علي مدار العقود الثمانية الماضية، وهي كل تاريخها، بالموقف الذي تمر به حالياً، والذي ألخصه في ثلاث نقاط أساسية، أولاها، أن الجماعة حكمت علي نفسها حكماً لم يكن أشد أعدائها يستطيع أن يصدره عليها.. لقد حكمت علي نفسها بالعودة إلي المربع الأول في تاريخها، وحكمت علي نفسها بالتخلص من أي شائبة للتعقل أو مظهر للتعلم، وحكمت علي نفسها بأن تهبط إلي أسفل الجبل مرة أخري وأن تبدأ في مسيرة الصعود مرة أخري، وهو أمر قد لا يكون ميسراً كما كان في المرة الأولي.. وثانيها : أن الجماعة فقدت أي تعاطف معها من قبل المتابعين لشئونها، أو حتي من قبل كثير من أبنائها. لقد أسفرت الأحداث الأخيرة عن وجه غير مقبول للجماعة من الصعب إخفاؤه أو التقليل من حدته في السنوات التالية .. وثالثها، وهو أكثرها أهمية، أن هذه الجماعة قد انقسمت علي نفسها، وبيديها لا بيدي عمرو، قضت علي حاضرها، وتخلصت من مستقبلها.. لقد اختارت الجماعة لنفسها أن تسكن في الماضي، وهي تريد أن تفرض هذا الاختيار علي أبنائها وعلي غير أبنائها، وهو خطأ وخطيئة تستحق عليهما بالطبع عقاب سيزيف!!!