كتبت أكثر من مرة عن مقاهي "القاهرة" وأثرها في الحياة الثقافية المصرية واختصصت "مقهي زغلول" بشارع قصر العيني بجانب مؤسسة روزاليوسف ، حيث كنت أجالس فيها أصدقاء، زملاء من أهل مهنة الكلمة، وأشهر من كان يرتادها المرحوم الأستاذ "مجدي مهنا"، و"حمدي رزق"، و"إبراهيم خليل" (صاحب أشهر مقعد فيها) وكانت جلساتنا تمتد في الليالي الرمضانية من بعد الإفطار حتي السحور وخلال تلك الجلسات كانت كل موضوعات المناقشة متاحة. ويشهد التاريخ المعاصر خاصة في العقد الثاني من القرن التاسع عشر وبداية العشرينيات حيث بزغ في سماء المسرح المصري نجم متألق وهو المرحوم الأستاذ "توفيق الحكيم" حيث استهل تاريخه المسرحي بمسرحية سياسية "الضيف الثقيل" عام 1919، وكان يقصد "بالضيف" الاحتلال الإنجليزي لمصر!!. فكانت مقاهي القاهرة في ذلك الوقت أشبه بمنتديات ف(قهوة الفن) يجتمع فيها نقاد الفن، كما كان يجتمع الأدباء أمثال "طه حسين، الحكيم، وأبو شادي، ود. ناجي (مؤلف الأطلال)، وأحمد رامي) وكانوا ينظمون الشعر (في كواكب عماد الدين) وكان كثيراً ما تشهد (القهوة) معارك حامية بين النقاد وأصحاب الفرق المسرحية، ويأتي مقهي "متاتيا" أو ما يعرف بمقهي السياسة والساسة الوطنية، حيث كان يرتاد مقهي "متاتيا" "عبد الله الأفغاني، ومحمد عبده، وسعد زغلول، والعقاد، والمازني، وحافظ إبراهيم، وكذلك أصحاب الجرائد، مثل الشيخ "فهيم قنديل" صاحب جريدة "عكاظ" وتقع "متاتيا" في ميدان العتبة الخضراء، خلف الأوبرا المصرية (المحترمة) والمنشأ مكانها الآن جراج القاهرة القبيح!! . أما القهوة التجارية في مدخل شارع "محمد علي" فكان منتدي للفنانين حتي أصبح وكأنه مقر لنقابتهم، ثم استولي عليها الآلاتية ورثة "حسب الله" السادس عشر!! وهناك كان أيضاً مقهي "الكتبخانة" ويقع موقعه أمام دار الكتب المصرية، حيث يتصدر الرواد "حافظ إبراهيم" وفي أوقات العمل الرسمية، يذهب إليه موظفو الدار والأدباء والظرفاء، وعادة ما كان يجالسهم الشاعر "حسن الناياتي، وعبد المطلب، والبابلي، والشيخ عبد العزيز البشري ويأتي "بار اللواء" وهو مقهي خاص بالحزب الوطني (القديم) والذي يحمل اسم جريدة "اللواء" وكان يتردد عليه الزعيم "مصطفي كامل" وأخوه "علي كامل" والشيخ "عبد العزيز جاويش" والصوفاني، وأنطوان جميل، ومحجوب ثابت وغيرهم وينافس بار اللواء في اجتذاب المثقفين والوجهاء بار "الأنجلو وبارتز" في وسط البلد. أما بار "سان جيمس" وبار "صولت" فكان أشهر جلسائهما أمير الشعراء "أحمد شوقي"، وتكتمل الجلسة في تلك المقاهي عادة في العاشرة مساء فلا تنفض قبل الواحدة صباحاً، ومن مقاهي الفن والأدب وسائر طبقات المجتمع في الحقيقة، وخاصة في شهر رمضان المعظم "قهوة الفيشاوي" في سيدنا الحسين، وكان هناك في شارع (خيرت) ما بين "السيدة زينب ولا ظوغلي" مقهي مرح يعلو فيه صوت ظرفاء هذا الشارع، وتميز بأصوات "إمام العبد"، "وحسين الترزي" وهما يتنادران والأخير من أساتذة "أم كلثوم" في فن النكتة. ومقهي "البوديجا"، ومقهي "بيروت" وبوفيه "الكوزنجران" ومقهي "أستراليا" ومقهي "دينالسكا"، ومن أشهر المقاهي أيضاً مقهي "عثمان أغا" حيث يقع وسط حديقة الأزبكية وبه اشتغل "عبده الحامولي"، أما مقاهي "روض الفرج" الخشبية علي ضفاف النيل فكانت تعج بالفنانين، أصحاب الأسماء الكاريكاتورية ومن أهم مقاهي القاهرة - مقهي وبار (ريش) - حيث الأرضية الرملية الحمراء والأمسيات والليالي الغنائية التي طالما أحياها "صالح عبد الحي" والشيخ "أبو العلا محمد" وتلميذته "أم كلثوم" والتي كانت ترتدي العقال العربي والبالطو وتنشد التواشيح ويرددها أبوها الشيخ "إبراهيم" وأخوها الشيخ "خالد"، وكما غنت "أم كلثوم" في مقهي "ريش" غنت في مقهي "البوسفور" كما غني محمد عبد الوهاب أيضاً، كما غنت "أم كلثوم" في محل "سانتي" المشهور برواده من الأرستقراط، كما غنت "أم كلثوم" في النادي الأهلي وعلي ذوقه كانت تتحدد ثقتها في أغانيها الجديدة - فإذا نجحت في النادي الأهلي نجحت خارج. "أغلب هذه المعلومات مأخوذة من مرجع للأستاذة الدكتورة نعمات أحمد فؤاد (أطال الله عمرها)!!