الليل وسماه.. ونجومه وقمره وسهره وإنت والأولاد والأهل في الحسين حيث قبلة السهرانين في ليالي رمضان فما إن تطأ أقدامنا الحي حتي يتسلل إلي نفسك الهدوء والسكنية علي الرغم من امتلائه بمئات البشر مصريين وعرب وأجانب فمجرد ذكر الاسم يدخلنا في حالة خاصة جدا ربما تسببت فيها رائحة البخور التي لا يعلم أحد ما إذا كانت تفوح من محلات العطور والبخور أم من مسجد الإمام الحسين الذي ما إن ترفع عينيك إلي منارته الأسطوانية التي بنيت علي الطراز العثماني حتي تقع علي لوحة رخامية وضعت علي واجهته نقشت عليها كلمات رسول الله تذكرة للمسلمين حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا. أما عن الوجه الآخر للحسين فيظهر جليا خارج ساحة المسجد، حيث مطاعم الحسين والتي وصل سعر المقعد الواحد فيها إلي 60 جنيها أي إذا ما أراد رب الأسرة أن يصحب أسرته المكونة من 5 أفراد للجلوس فقط في رحاب الحسين وليس السهر فيه وطلب مشروبات ووجبات 300 جنيه كحد أدني. حاتي ومسمط غذاء البطون وعلي رأس تلك المطاعم الدهان أقدم كبابجي في الحي وأشهرها علي الإطلاق والذي يحدثنا عنه الحاج محمد أحمد الدهان فيقول عن المترددين علي محلات الطعام في الحسين أنها تأثرت كثيرا هذا العام بعد حادث الانفجار الأخير، فضلاً عن أنفلونزا الطيور هذا بالنسبة للسياح الغربيين أما العرب والمصريون فقد اعتادوا علي طقوس معينة في رمضان أحد أركانها زيارة الحسين وقضاء ليالي رمضان علي مقاهيه وعند الحاتي والحلواني وداخل المسمط.. فوجبة الإفطار للمصريين تكون عبارة عن كباب كفتة أو حمام إلي جانب طبق أرز مع السلطة والمشروب وهو ما يعني 50 جنيها للفرد الواحد، ويفرون من المكان قبل الزحام فدقات التاسعة تعني توافد السياح العرب علي الحسين وهم كثر حيث تبدأ سهرة العرب من التاسعة وحتي مطلع الفجر، حيث إنهم يهتمون بالسحور أكثر من الإفطار فسحورهم دسم للغاية يعشقون تناول النيفة واللحم الضاني والحمام والكفتة.. ويبدأ سعر الوجبة من 50 ويصل إلي 150 حسب حجم الطلب ربع نصف كيلو ونوعية المطلوب.. أما سياح دول شرق آسيا فلا يجرؤ أحدهم علي الاقتراب من الدهان وإنما ترضيهم مطاعم الفول والطعمية. ومن اللحوم إلي وجبات الدجاج السريعة هناك إلي جوار المسجد في أحد الحواري الداخلية المجاورة لخان الخليلي كان لقاؤنا بصاحب أحد المطاعم تقديم الدجاج المشوي الذي بدأ حديثه هو الآخر بالشكوي من وقف الحال الذي تسببت فيه أحداث الحسين الأخيرة وأثرها السلبي علي حركة البيع والشراء، فضلاً عن انتشار كل من أنفلونزا الطيور والخنازير وهو ما جعل الأجانب تخشي مجرد الاقتراب من المحل حتي السياح الوافدين من أندونيسيا وباكستان يفضلون الإفطار علي موائد الرحمن.. أما المصريون في رمضان فهم لا يخشون من المرض بقدر ما يخشون علي أن تختل الميزانية، خاصة أن هناك مصروفات أخري في الطريق كموسم دخول المدارس وشراء ملابس العيد فيقنع المصريون أنفسهم بأنهم يمكنهم صنع الطعام الجاهز وبطريقة آمنة داخل منازلهم وهو ما يؤثر علي أصحاب المحلات وعلي العاملين بها وأجورهم ونفقات المحل من كهرباء ومياه وغاز وتجهيزات. وعن وجبة الإفطار يقول هي مكونة من نصف فرخة أو فرخة كاملة حسب الطلب وطبق أرز وسلطة ويتراوح سعرها من 20 إلي 25 جنيها أما العاملون في المحل فلا يفطرون بالمحل وإنما علي موائد الرحمن أمام المسجد فهم لا يملكون ثمن الوجبة. حلاوة زمان عند عم سيد ولضيق ذات اليد يمكنك أن تتجاوز حلواني المالكي إلا إذا كنت من عشاق أم علي فلا سبيل أمامك سوي أن تطرق أبوابه علي استحياء وإياك أن تخدع بلافتة حلواني الحرم الحسيني التي وضعت علي عربة غير مكتملة المعالم تحتل الجانب الغربي من شارع مشهد الحسين فبمجرد أن تقترب ستكتشف أنه بائع طواقي ولا يوجد أثر لبيع الحلوي سوي صواني قديمة من الألومنيووم يجلس إلي جوارها كهل تجاوز الثمانين يدعونه عم سيد عبدالجليل أقدم حلواني في حي الحسين. وبسؤاله عن سر تحوله عن صنع الحلوي وبيعها فأجاب أنه لم يغير صنعته ولكن هي الظروف التي اضطرته لاستبدالها بشكل مؤقت فالناس في شهر رمضان لا تتوقف كثيراً لتبتاع الحلوي لأنها تصنعها بالمنزل علي اختلاف أنواعها بينما تشتري الطواقي الفيومي والأسواني، والسبح والمصاحف فضلاً عن ارتفاع سعر السكر وجوز الهند الذي لم يتجاوز سعره في الخمسينيات 3 تعريفة والزبيب ب50 تعريفة ووقة الكنافة ب3 تعريفة فقد كان العمل وقتها بنظام الوقة أفضل كثيراً من الكيلو فبعده اشتعلت أسعار الأشياء.. أما الآن وقد زحف المرض إلي جسده وتثاقلت سنوات عمره لم يعد يقوي علي صناعة الحلوي التي كان يشتهر بمهاراته في صناعتها خاصة البقلاوة والكنافة الشامي حيث قضي سنوات طويلة في سوريا تعلم فيها أسرار المهنة وعاد إلي القاهرة ليحتل ذلك الموقع المجاور للمسجد في شارع مشهد الحسيني الذي لقب بهذا الاسم لأنه شهد دخول رأس الإمام الحسين إلي مصر، وحارب من أجل موقعه هذا الذي يستأجره من وزارة الآثار وخاض حرباً قضائية مع وزارة السياحة ليحتفظ به وزادت خبرته خلال زيارته للقدس بعد توقيع الرئيس محمد أنور السادات لمعاهدة السلام 1979 . يؤكد عم سيد أن أشياء كثيرة تغيرت عن ما قبل ثورة يوليو فيذكر أنه أدي الخدمة العسكرية في سلاح الفرسان حيث كان رمضان له طابع خاص في الجيش المصري في عهد الملك فاروق فإفطار الجندي كان لابد من أن يحتوي علي اللحم وإن اختفي يكون البديل عنها البلوبيف والبيض والجبن والزيتون كانت سنوات جميلة شارك خلالها في حرب 1948 مع حسين الشافعي وبعد خروجه من الجيش لجأ إلي تعلم حرفة فتعلم صناعة الحلوي. كما يذكر أن أصدقاءه من السفراء العرب وطلبة البعوث الإسلامية وزوار المقام يتذكرونه ويحرصون علي زيارته كسفير السعودية الذي يمنحه تأشيرة الحج كل عام. الشاي الاخضر باسعار سياحية وبعد حلواني الحرم الحسيني يمكنك أن تتوقف لالتقاط الأنفاس علي إحدي مقاهي الحسين وأول مقهي يتبادر إلي ذهنك مقهي الفيشاوي فهو الأقدم والأكثر شهرة في خان الخليلي والذي مازال محتفظاً بزحامه وأسعاره السياحية رغم ما مر بالحي من ظروف وحوادث صعبة فقد بدأ المقهي حملة تجديدات قبل حلول الشهر الكريم بأسبوعين غلب عليها الطابع الإسلامي وتعليق فوانيس رمضان بالمقهي ولكن دون المساس بالمرايات الموجودة علي الحائط والتي حرص الحاج فهمي الفيشاوي علي وضعها لتسهل مهمته في مراقبة مداخل ومخارج المقهي.. الذي يحدثنا عن عمل المقهي فيقول إن استقبال الزبائن يتم طوال اليوم باستثناء فترة الإفطار ففي الصباح يشغل المقهي السائحون الأجانب أما فترة ما بعد العصر إلي ما بعد المغرب بساعة هي فترة يستعد فيها العاملون بالمحل لاستقبال السهرانين بعد إفطار الذي يطول مكوسهم داخل المقهي إلي الساعات الأولي من اليوم التالي وبعضهم يرحل بعد صلاة الفجر في مسجد الحسين. ولعل أشهر المشروبات التي يقبل عليها رواد المقهي الشاي الأخضر بالنعناع وسعره 20 جنيهاً وهو ضعف سعر كوب الشاي العادي فضلاً عن العصائر الرمضانية كالكاركديه والخروب والعرقسوس والدوم والتي تتراوح أسعارها ما بين 9 إلي 15 جنيها والشيشة تبدأ من خمسة جنيهات حسب النكهة وهي أسعار سياحية معروفة لزوار المقهي الذين اعتادوا عليها. مسك وعنبر ومصحف للبركة مهلاً قبل مغادرتك ساحة الحسين يجب أن تحصل علي تذكار تحمله معك لأقاربك وأحبائك يحمل رائحة الحي والمقام الشريف ويمكنك الحصول عليه من تلك الدكاكين المتراصة إلي جوار المسجد إنها محلات العطور والبخور حيث المسك والعنبر والفل والإسكادا والتي يحدثنا عنها الطيب فيقول إنها بركة المقام هنا تجد عيدان البخور الهندي والتي يفضلها الأجانب أما العرب فيفضلون خلطة البخور التي تحتوي علي عين العفريت فهم يجيدون اشعالها بالفحم بعد الصلاة والمصريون أيضاً يفعلون المثل يوم الجمعة ولا يزيد سعرها عن جنيه ونصف الجنيه أما جميع العطور فأسعارها لا تتجاوز 2 جنيه، أما الكتب الدينية فيزداد الإقبال عليها خلال الشهر الكريم عادة من كتب السيرة النبوية وكتب قصص حياة آل البيت الحسن والحسين والعائشتين ونفيسة العلم والسيدة زينب رضي الله عنهم جميعاً ولكن شهر رمضان هذا العام لم يشهد إقبالاً لا المصريين ولا العرب علي شراء الكتب بوجه عام ويرجع ذلك لانتشار مرض انفلونزا الطيور والخنازير وخوفاً من الإصابة بالعدوي ولكن يبقي مصحف التهجد هو مقصد المسلمين سواء المصريين أو طلاب البعوث في العشر الأواخر من الشهر. وهو مصحف ضخم يختلف عن المصاحف الأخري مثل السلسلة وهو يعلق في السيارات للبركة والمصحف الصغير وهبته 5 جنيهات لا غير. الحرم الزينبي بدون سرادق نظرة يا أم هاشم يا بنت بنت النبي جايلك يا طاهرة يا طيبة مدد يا سيدة زينب مدد كلمات يرددها القادمون من الأرياف للتبرك بزيارة السيدة زينب فيصومون في النهار وهم جالسون علي أعتابها ويفطرون علي موائدها ويتجولون بين سرادقاتها لشراء الفوانيس ويا ميش رمضان منبهرين بالزينة والأنوار المنبعثة من الحرم الزينبي لتفيض علي المنازل والمحلات والمقاهي ولكن هذا العام تبدل المشهد فقد غابت الأنوار وسرداقات الفوانيس والخيام وفرحة رمضان عن ميدان السيدة زينب. يوضح محمد الشحات صاحب أحد المقاهي بالميدان أن مراسم الاحتفال بشهر رمضان تراجعت هذا العام بشكل ملحوظ والجميع تأثر بها من محلات وباعة جائلين حتي السكان اعتادوا علي رفع الزينات والإعلام وتعليق اللمبات الملونة ولكن شيئًا من هذا لم يحدث وعلي مقهاه كان يجتمع المشاهير منهم شاعر العامية بيرم التونسي شكوكو وفريد شوقي رحمهم الله والفنان عبدالعزيز مخيون ولكن الآن انقلب كل شيء رأساً علي عقب لتصبح الصورة باهتة فبعد منع السرادقات الفوانيس والعطارة والمخلالات اختفي المظهر الذي اعتاده المصريون للحي في هذا التوقيت من العام فهو يحمل عطر هذا الشهر بكل طقوسه ومراسمه فيأتي المصريون والعرب للحرم الزينبي خصيصاً لمشاهدة الشهر وكأن هلال رمضان ميلاده من هذا الحي فيكفي أن تتجول في أروقة السيدة زينب بعد أداء الصلاة لتجد كل ما تشتهيه فالباعة سهرانين معك حتي صلاة الفجر. وعن رمضان في السنوات السابقة يقول محمد أنه كان يفتح المقهي نهارا ولكنه شعر بالخجل من نفسه إذا ما إرتاد المقهي مفطرون مدعين المرض وكان الربح وقتها أفضل من أرباحه في المساء فقرر العام الماضي ألا يفتح المقهي نهاراً نظراً للمشاكل التي تتسبب له فيها المحافظة من آن لأخر هو وباقي الباعة وأصحاب المحلات بالسيدة زينب فلا يجرؤ أحدهم علي الاعتراض وإلا طبق عليهم قانون الأداب 1946 والذي يضعهم سواء مع المتسولين وأصحاب مهن الدعارة بعد ما كانت مقاهي السيدة زينب مركز إشعاع ثقافي وديني. ويؤكد محمد الشحات أن السر في هذا التغيير إلي قررات المحافظة والبلدية التي قضت علي جميع السرادقات والخيم ومظاهر الاحتفال بالشهر الكريم والتي منعت أصحاب المقاهي أيضا من إخراج كراسي المقهي خارجة كالعادة لجلوس العائلات في مواجهة الحرم الزينبي. إلغاء الاحتفالات اخفي الباجور والحلة أما عم محمود بائع عرقسوس في الميدان فيقول رمضان هو شهر الخير علي كل المسلمين ولكن لا يعرف ماذا حدث لأحباب السيدة قلت زيارتهم وتراجع إقبالهم علي الميدان فخفتت الأصوات مبكراً وقلت الصحبة الحلوة التي كانت تجتمع من مختلف البلدان والجنسيات. ويري فتحي حافظ باحث في التاريخ الإسلامي وعضو اتحاد كتاب مصر أشياء كثيرة تغيرت في الميدان لم يعد كسابق عهده مليئًا بالحركة والأنوار فمسجد السيدة زينب منذ قديم الأذل يفد إليها البسطاء الحالمون من جميع أنحاء مصر قبلي وبحري ومن أقصي الصعيد طالبين العون من أم العواجز وفي شهر رمضان يبيتون في فنادق الدرجة الثالثة المجاورة للحرم الزينبي وأكثرهم لا يملك ثمن الغرفة في الفندق أو اللوكاندة فيأتون مصطحبين لعدة السفر أطباق وباجور الجاز وحلة ويبيتون ليالي رمضان والمواسم في ظل حائط المسجد أو في إحدي الزوايا المجاورة له وهناك بعض الأهالي يشفقون عليهم من النوم في الخلاء فيسمحون لهم بالمبيت داخل ساحات المنازل وبعض المدارس كانت تفتح لهم أبوابها في أيام العطلات فهم مريدو أم هاشم. أما عن إلغاء الاحتفالات لهذا العام فيقول فتحي السبب معروف يرجع لقرار وزير الصحة بمنع التجمعات العامة بكل أشكالها في الأماكن المغلقة بالنوادي الاجتماعية والرياضية والفنادق خلال شهر رمضان