تمتاز القاهرة عن العواصم العربية الأخرى بانتشار المقاهى فى أحيائها الشعبية التى تجتذب ليس العرب فقط، إنما الأجانب أيضا حيث نجد فى مقهى مثل الفيشاوى بحى الحسين مختلف الجنسيات وألوان البشر الذين يتحدثون بلغات مختلفة ولكن يجمعهم عبق التاريخ وسحر المكان. وتعد المقاهى عالماً مختلفا عن كافة التجمعات الأخرى فهى ملتقى يومى للناس وتوجد الحكايات وتروى الأسرار وتعقد الصفقات. والمقاهى زمان كانت تختلف عن المقاهى حاليا، حيث إنها فى الماضى كانت تروى قصص أبو زيد الهلالى والظاهر بيبرس والأميرة ذات الهمة وكانت المقاهى أماكن مخصصة لرواية قصص السيرة الشعبية والملاحم، بل إن أصحاب المقاهى كانوا يجلبون رواة القصص ويعرف بعضهم باسم «الهلالية» نسبة إلى أبو زيد الهلالى «والظاهرية» نسبة إلى الظاهر بيبرس حكاوى القهاوى/U/ رغم عدم وجود مرجع تاريخى يحدد عمر المقاهى وغياب الدراسات التى ترصد أحوال هذا العالم المتكامل، فإن المقهى كان جزءا من حياة القاهرة فمنذ اتسعت القاهرة ولم تعد الحياة فيها مقصورة على الخلفاء الفاطميين وحاشيتهم فكان المقهى مختلفاً عن الآن. فالقهوة التى استمد منها اسم المكان لم تدخل مصر إلا فى القرن ال 16 الميلادى وكان أول من اهتدى إليها هو المتصوف أبو بكر بن عبد الله المعروف «بالعيدروس» فقد روى أنه عندما كان يسير فى حديقته ببغداد التقط ثمرة البن وصنع منها شرابا وأرشد اتباعه إلى شرابه حتى وصل أبو بكر إلى مصر فى عام 905 ه وهكذا أدخل الصوفية شراب القهوة إلى مصر. وقد اختلف الناس حول هذا المشروب الجديد هل هو حرام أم حلال وقد صرح البعض القهوة لما رأوه فيها من الضرر وخالفهم المتصوفة. وحسمت مشكلة تحريم القهوة بإباحتها وانتشرت فى القاهرة الأماكن التى تقدمها وأطلق عليها اسم المقاهى ولكن يبدو أن هذه الأماكن التى تقدم القهوة كانت موجودة من قبل ذلك بمئات السنين ولكن لم يطلق عليها اسم المقاهى لأن القهوة نفسها لم تكن دخلت إلى مصر وكانت هذه الأماكن معدة لتناول المشروبات الأخرى كالقرفة والزنجبيل والكركديه والحلبة ولم يكن أيضا «الدخان» أو «الشيشة» معروفا حتى القرن ال 11ه ويحدد الاسحاقى المؤرخ المعاصر ظهور الدخان فى سنة 1012 ه، كما يؤكد الجبرتى فى حوادث عام 1156ه أن الوالى العثمانى أصدر أوامره بمنع تعاطى الدخان فى الشوارع وفى الدكاكين وأبواب البيوت، وكان كلما رأى شخصا بيده آلة الدخان يعاقبه وربما وضع الحجر الذى يوضع فيه الدخان بما فيه من نار فى فمه. وصف المستشرق الإنجليزى «إدواردلين» المقاهى المصرية فى كتابه «المصريون المحدثون» وقال «لين» الذى زار القاهرة وعاش بها فى مطلع القرن التاسع عشر إن القاهرة بها أكثر من ألف مقهى والمقهى غرفة صغيرة ذات واجهة خشبية على شكل عقود تقوم على طول الواجهة ما عدا المدخل ويتردد على المقاهى أفراد الطبقة السفلى والتجار وتزدحم بهم عصرا ومساء وخاصة فى الأعياد الدينية. ويضم كتاب وصف مصر الذى أعدته الحملة الفرنسية جزءا عن المقاهى فى زمن الحملة حيث يذكر الكتاب أن مدينة القاهرة بها حوالى 1200 مقهى بخلاف مقاهى مصر القديمة 500 مقهى فى بولاق ولا يوجد فى هذه المقاهى أثاثات على الإطلاق وليس بها ثمة مرايا أو ديكورات داخلية أو خارجية ولا يوجد سوى «دكك» مقاعد خشبية تشكل نوعا من المقاعد الدائرية بطول جدران المبنى ونجد ذلك فى يومنا هذا فى مقاهى القرى والنجوع بمصر. مقاهى المشاهير/U/ ومن أشهر المقاهى القديمة فى مدينة القاهرة مقهى «السنترال» فى ميدان الأوبرا وهو الآن جزء من ملهى صغير فى الميدان نفسه. وهذا الملهى يضم مقهى من طابقين ويعرف باسم «كازينو الأوبرا» وكانت تعقد به الندوات الأدبية لنجيب محفوظ كل يوم جمعة. «مقهى متاتيا» ومكانه ميدان العتبة الخضراء وكان رواده جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده وسعد زغلول وعباس العقاد والشيخ فهيم قنديل صاحب «جريدة عكاظ» التى كانت تصدر سابقا فى القاهرة وفى هذا المقهى كانت تعقد الندوات الثقافية والحوارات. «مقهى التجارة» من أقدم مقاهى القاهرة ويزيد عمره الآن على 120 سنة ولا يزال قائما حتى الآن فمعظم الرواد من الموسيقيين العاملين فى الفرق التى يطلق عليها «حسب الله» الذى كان أحد الموسيقيين لدى الخديو إسماعيل وعندما خرج من الخدمة شكل أول فرقة للموسيقى تقدم الجنازات والأفراح. «مقهى الكتبخانة» ويقع فى نهاية شارع محمد على أمام دار الكتب وكان من رواده حافظ إبراهيم والمطرب عبد المطلب والشيخ عبد العزيز البشرى والشيخ حسن الآلاتى. «مقهى عكاشة» وهذا المقهى أنشئ فى الأربعينيات بناه أولاد عكاشة أصحاب الفرقة المسرحية المشهورة وكان المقهى مزودا بأجهزة استماع للموسيقى يجلس «الزبون» إلى طاولته يضع السماعات على أذنيه ويطلب سماع أية اسطوانة يرغبها وأصبح هذا المقهى عاديا فيما بعد. «مقهى الفيشاوى» وعمر هذا المقهى يتجاوز 100 عام وكان يشتهر بالشاى الأخضر والأحمر الذى يقدم فى أكواب زجاجية صغيرة، وفى شهر رمضان يكثر رواده من الفنانين والكتاب والناس العاديين، حيث إن للمقهى سحره الخاص وكان يجلس الحاج فهمى الفيشاوى صاحب المقهى وعلى بعض خطوات منه حصانه العربى الأصيل وفوقه أقفاص الحمام الذى كان مغرما بتربيته. أما «مقهى سى عبده» فيقع على مقربة من الفيشاوى فى نقطة منخفضة من الأرض وكانت على شكل دائرى يضم عدة مقصورات تتوسطها نافورة مياه. وقد وصف نجيب محفوظ هذا المقهى فى «الثلاثية» حيث كان يلتقى عبد الجواد بصديقه فؤاد الحمزاوى وقد اختفى المقهى تماما وبنى مكانه الآن بعض المبانى الحديثة. أشهر المقاهى القديمة/U/ أما «مقهى عرابى» وهو من أشهر مقاهى القاهرة القديمة والباقية حتى الآن ويقع بميدان الجيش عند نهاية شارع الحسينية وصاحب عرابى كان أحد الفتوات المشهورين فى أوائل القرن العشرين وكان من رواده نجيب محفوظ حيث يلتقى بأصدقائه القدامى وزملاء الطفولة وفى هذه الجلسات التى كانت تعقد كل خميس تتعالى فيها ضحكات الأديب العالمى. أما «مقهى الفن» فى مواجهة مسرح «رمسيس» الريحانى حاليا وكان رواده من صغار الفنانين والكومبارس ومن أشهر الفنانات كانت مارى منصور وزينب صدقى، ودولت أبيض وأمينة رزق وعزيز عيد وفاطمة رشدى. ومن أشهر مقاهى وسط البلد «After Eight» التى يتردد عليها نخبة من الفنانين التشكيليين وخاصة الشباب الذين يقدمون أعمالهم أمام جمهور من الناس على المقهى. أما مقهى «البورصة» الذى يتجمع به معظم الصحفيين مساء كل يوم من مختلف المؤسسات والتيارات ليناقشوا أهم الأخبار ومقهى الندوة الثقافية بباب اللوق وكذلك زهرة البستان ومقهى «ريش» بالإضافة إلى المقاهى وCAFE المتفرنجة مثل الأمريكيين اكسيلسيور والكثير من CFie والكافيتريات فنجد أيضا شارع فيصل تكثر فيه المقاهى وال CFIE تقدر بحوالى 70 مقهى على الصفين. هذه جولة سريعة فى مقاهى القاهرة وأحيائها وضواحيها. ولكن هذه الخاصية التى اختص بها المصريون عندما يهاجرون للخارج بكل عاداتهم فنجد كثير من المقاهى المصرية فى جميع أنحاء العالم لأن المقاهى هى ابتكار وسما للمصريين فقط.