انتشرت المراكز التعليمية الخاصة وتحولت إلي بديل للمدارس الحكومية خاصة أن الكثير منها يجعل مواعيد الدروس الخصوصية صباحاً في نفس مواعيد المدارس فيغيب التلاميذ عن مدارسهم ويذهبون إلي تلك المراكز التي باتت تمثل مدارس فترة مسائية تنافس المدارس العادية، وتتمثل تلك المراكز في مبان كاملة بها مدرس متخصص في كل مادة وتجدهم يلقبون هؤلاء المدرسين المتخصصين و المشهورين في موادهم كشهرة نجوم السينما بألقاب عديدة مثل" وحش الكيمياء" أو "ملك الفيزياء" أو "معجم اللغة العربية "، ونجد أن اغلب تلك المراكز ملحقة بمساجد مما يعني ان هناك بعض الجهات التي تكون لها اتجاهات سياسية معينة تدعمها بأن تكون الدروس بتلك المراكز بأسعار رمزية، وذلك طمعاً في تأييد شعبي واسع النطاق، ولكن هل ستزدهر تلك المراكز هذا العام وتلقي رواجاً خاصة في ظل وجود حالة من التهديد المستمر بالاضراب عن الدراسة في المدارس، لذلك كان لابد من فتح الملف ودراسة أبعاده التقينا محمود إسماعيل و هو المدير المسئول عن مركز نهر العلم التعليمي وهو التابع لمسجد الاستقامة بالجيزة وسألناه عن بداية عمل المركز فقال: إنه منشأ منذ عشر سنوات ويتوافد عليه طلبة لانه يقدم تلك الخدمة بأسعار رمزية حيث إن الحصة للمرحلة الثانوية يتراوح سعرها بين سبعة وعشرة جنيهات حسب كل مادة وأسعارالاساتذة وعن الجهة الداعمة لذلك المركز قال إسماعيل: إن المسجد تابع للجمعية الشرعية و كذلك المركز لذلك فهي الجهة الداعمة وأضاف ان الجمعية تدعم تلك المراكز التابعة لعدد من المساجد الخاصة بها علي سبيل تقديم خدمة حيوية للجمهور خاصة محدودي الدخل الذين يضطرون للاستقطاع من قوتهم لتوفير ثمن الدرس حيث تتراوح سعر الحصة في المرحلة الثانوية علي سبيل المثال في مادة كالانجليزي للثانوية العامة بين 40 و 50 جنيهاً واحياناً 70 جنيهاً علي حسب شهرة المدرس و ذيوع صيته و عن زيادة الاقبال علي تلك المراكز بسبب حالة الاضراب في المدارس قال: بالطبع تأثرت حيث قام الكثير من الطلبة بحجز أماكنهم من بداية العام الدراسي هذا العام خاصة مع اعلان المدرسين الاضراب في المدارس مع بداية اول يوم دراسي مما دفع أولياء الامور للإسراع الي تلك المراكز خوفاً من ضياع هذا العام علي أبنائهم . كذلك التقينا محمد كمال وهو المشرف علي مركز نور اليقين التابع لمسجد الميدان بمنطقة حلوان و سألناه عن أسعار الدروس بالمركز فقال إنه يختلف اذا كان الاتفاق علي الدفع بالمادة او الاتفاق علي جدول بالكامل - علي سبيل المثال - شمل اللغة العربية و اللغة الانجليزية والرياضيات و الكيمياء و الفيزياء والاحياء فاذا كان الاتفاق علي مجموعة كاملة بالطبع يكون هناك تخفيض عليها فيكون سعر المجموعة أسبوعياً بين 50 و75 جنيهاً حيث إن هناك اكثر من مجموعة لأساتذة مختلفين، كذلك سألناه عن ارتباط بعض مراكز الدروس ببعض المساجد التي لها توجهات سياسية دينية و هل تؤثر سلبياً علي عقول هؤلاء البراعم فقال: إن السياسة لا يتم خلطها بالتعليم فالطلبة و اولياء الامور لا يهمهم انتماءات من يدعمون تلك المراكز من الناحية السياسية علي قدر مدي تقديم الخدمة و مدي ملاءمة اسعارها للمقدرة المالية لاولياء الامور، و لكن بصفة عامة فإن الجماعات او المؤسسات التي ترعي تلك المراكز تحصل علي شهرة جماهيرية . وفي نفس السياق اكد السيد عبد السلام المشرف علي مركز حورس بمنطقة حدائق القبة ان مراكز الدروس الخصوصية من المتوقع ان تلقي رواجاً أكثر من الاعوام السابقة نظراً لإضراب المدرسين و الذي بدأ منذ أول أيام الدراسة .. مما يعد تعطيلاً للمسيرة التعليمية هذا العام بالمدارس وهو امر وارد تكراره هذا العام اكثر من مرة، لذلك فإن اولياء الامور اتجهوا منذ بداية العام الدراسي و قبله الي المراكز لحجز الاماكن لأبنائهم . وعن رأي بعض المختصين أكد إلياس صادق رئيس رابطة أصحاب المدارس الخاصة بإدارة حلوان التعليمية و صاحب إحدي المدارس الخاصة بحلوان ان مراكز الدروس الخصوصية بالتأكيد لديه نسبة توجه كبيرة من الطلبة خاصة محدودي الدخل ولكن تلك الظاهرة نجدها تقل في المدارس الخاصة و لا يعني ذلك انها غير موجودة علي الاطلاق في المدارس الخاصة و اللغات وذلك لان تلك المدارس تعمل في المقام الاول علي إرضاء المدرس الذي هو عماد العملية التعليمية ، فاذا صلح ذلك الاساس صلح جميع البناء كذلك فيجب علي المدارس جميعها ان تختار بعناية مدرسيها و تخضعهم لاختبارات تربوية و نفسية قبل قبولهم كمدرسين لابنائنا ، فعلي سبيل المثال ان يوضع في مواقف مختلفة مع الطلبة دون علمه لقياس مدي تحمله ، كذلك فيجب الاهتمام بالناحية المادية للمدرس التي تجنبه اللجوء لعدم الاتقان اثناء شرح الدرس في الفصل و يلجأ للدروس الخصوصية و معه الطلبة الي مراكز التعليم الخاصة التي اصبحت اعلاناتها تنافس اعلانات المدارس , و لأسف فإن انتشار المراكز الخاصة للدروس ينبئ بشيء خطير يجب علي المسئولين الانتباه له و هو ان المدارس اوشك دورها علي الانتهاء و الاكتفاء بدور تلك المراكز من الناحية التعليمية فقط .. بينما سيتلاشي تماماً التربية و يضيف صادق: إن أسعار الدروس تزداد قبل الامتحانات فثمن ساعة مراجعة الثانوية يصل إلي 150 جنيها .. و يؤيد صادق القرار السابق بوقف منح تراخيص لإنشاء مراكز تعليمية لمدة عامين مع شن حملات رقابية علي القائمة بالفعل حيث هناك مراكز حصلت علي ترخيص من الوزارة للعمل بنشاط دورات تدريبية للتنمية البشرية، وتعليم اللغات، ومع الوقت تحولت إلي سنترز للدروس الخصوصية حيث يصل عدد المراكز التعليمية المخالفة للنشاط المنصوص عليه في تراخيص إنشائها إلي ما يقرب من 60 مركزا في مدينة حلوان وضواحيها فقط . و عن تلك الظاهرة يقول كمال مغيث خبير تربوي: إنه امر يجب مراجعته لإعداد عملية تعليمية متكاملة في المدارس فالتطوير يشمل المعلم، والمتعلم والمنهج وطريقة تدريسه، ولو تم الاتفاق فيما بينهم فلن تكون هناك مشكلة، وهو ما كان متحققاً حتي عام 67 حين كان الدرس الخصوصي عاراً ودليلاً علي عدم تفوق الطالب، أما الآن فتفتخر الأسر أن أبناءها يأخذون أكثر من درس في المادة الواحدة، وأصبح الكل يتصارع علي معلومة محفوظة، لكنه لو ركز في المدرسة وتعلم مهارات الفهم والتطبيق إلي جانب الحفظ فلن يواجه أي مشكلة في الامتحانات، سبب الأزمة التي نعاني منها كل عام في الامتحانات هو عدم الترابط بين عناصر العملية التعليمية، لأن الطالب يتعلم بطريقة الحفظ والتلقين والامتحانات تأتي له وبها شيء من التفكير، ولو كان تعلم بأكثر من مهارة وتعرض لمثل هذه الامتحانات لم تكن لتحدث أي مشكلة، الامتحان يأتي من المنهج وفي مستوي الطالب، لكنه ليس في مستوي ما تعلمه من مهارات، ولكن المدرسة أصبحت طاردة للطالب، والمدرس الخصوصي يقدم ملخص الكتاب المدرسي في برشامة، ومن هنا أنصح بالتغيير الشامل للعملية التعليمية ، بالاضافة الي ان تلك المراكز جعلت التعليم في مصر مهنة من لا مهنة له ، حيث إن السبب الأساسي في أزمة التعليم في مصر هو وجود عدد كبير من المدرسين غير المؤهلين تربويا ممن لديهم المادة العلمية وليست لديهم طريقة تدريسها فيقوم مدرسو مراكز الدروس الخصوصية بتحفيظ الطلبة المقررات وطرق الإجابة. و كان لابد من التعرف علي آراء أخري ففي البداية أكدت نجلاء محمد وهي مدرسة بإحدي المدارس الخاصة ان احد المراكز عرض عليها تدريس مادة اللغة العربية والرياضيات للمرحلة الابتدائية لتتقاسم مع المركز ثمن الحصة حيث إن نظام الدفع المتبع بالمراكز بالحصة. وأضافت أنها رفضت لعدم جدوي إعطاء الدروس بالمراكز حيث تكون عشوائية ومليئة بالفوضي ولا تكون بنفس فائدة الدرس الخصوصي الذي يكون فيه تركيز الطلاب أعلي لأن أعداد الطلاب أقل كما أن الدروس تكون في منزل أحدهم وبالتالي يكون هناك نوع من الهدوء ينعم فيه الطلاب بمناخ أفضل للتعلم والاستفادة. وقالت نهلة محمد ولي أمر طالبة بالصف الثالث الثانوي إضراب المعلمين.. مستوي تعليمي منخفض.. ومدارس لا تقوم بالعملية التعليمية علي الوجه المطلوب كلها عوامل أدت إلي الطريق نفسه وهو طريق المدرس "الخصوصي" ولكن هذه المرة لا نتحدث عن الدروس الخصوصية والكم الذي تلتهمه من ميزانية الأسرة المصرية ولكن الحديث عن نوع آخر من الدروس هو "بيزنس" مختلف فلا يوجد أسهل من تأجير شقة في أحد العقارات التي تقع في منطقة مزدحمة وتضع لافتة معلنا عن افتتاح مركز يتضمن الاعلان عن مواعيد وأسماء بعض المواد التي تدرس داخل المركز بالاضافة إلي أسماء المدرسين حيث تجد أسطورة اللغة العربية وصاحب توكيل ال50 درجة في علم النفس والفلسفة ومع المفاجأة الكبري مادة التاريخ لمرحلة الثانوية العامة تنتهي في 7 حصص. وأكدت ان المراكز قد تصلح لطلاب المرحلة الابتدائية والاعدادية حيث إنها مراحل يكفي فيها النجاح أما الثانوية العامة فهي مسألة حتمية "للي عايز يجيب مجموع عالي". وقالت هبة عبدالعزيز: إن هناك بعض المراكز التي تكون علي درجة من الكفاءة ولا تكون مجرد بيزنس للربح بمعني أنه قد يكون في عمله أشبه بالمدرسة حيث إن عدد الطلاب في المادة الواحدة كبير ويصل إلي أكثر من 30 طالبا ويستفيد منه الطلاب علي عكس مراكز اخري تستغل بعض الظروف مثلما يحدث هذا العام بسبب إضراب المعلمين في معظم المدارس فبدأوا الدعاية مبكرا قبل بدء الدراسة وبدأوا التعامل بوسائل تكنولوجية تجذب الطلاب مثل توزيع سيديهات تحوي منهجا كاملا لاحدي المواد أو مراجعات شاملة ويكون الاقبال عليها كبيرا لأن الكثير من الطلاب يريدون المواد مختصرة للتخلص من عناء المذاكرة و أضافت ان هذا العام لم تكن الدعاية للمراكز مجرد اعلان يتم توزيعه عليك في الشارع ولا إعلان علي الحوائط بل وصل الأمر إلي شاشات عرض قامت بوضعها بعض المراكز في شوارع الأحياء الشعبية لحث أولياء الأمور علي الالتحاق بالمركز "الأوفر" من الدرس الخصوصي. و عن الوضع الاقتصادي والقانوني لتلك المراكز يتحدث الدكتور رشاد عبده استاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة القاهرة.. حول انتشار مراكز الدروس الخصوصية التي لا تمارس عملها ضمن إطار قانوني لكنها مجرد سبوبة لصاحبها تساعد علي تدهور العملية التعليمية وتزيد الوضع سوءا. ولكنه في الوقت نفسه يرفض فرض ضرائب علي هذه المراكز لأنها ستعطيها نوعا من الشرعية وأكد انه لا سبيل عن محاربة هذه المراكز والدروس الخصوصية بشكل عام وذلك من خلال جهاز مراقبة لرصد المخالفات التي تتم ومن خلال تغليظ العقوبات المفروضة من وزارة التربية والتعليم علي من يخالف ذلك. ويري د. رشاد أن هذه المراكز تدخل ضمن إطار الاقتصاد السري الذي لا يمكن السيطرة عليه مهما صرحت وزارة التربية والتعليم عن محاربة الدروس الخصوصية وأن رقم ال12 مليار جنيه من ميزانية الأسرة تخصص للدروس الخصوصية يعبر عن حجم الكارثة الذي يؤكد انهيار المنظومة التعليمية عندما يتعلم جيل كامل عن طريق مراكز غير متخصصة يديرها مجموعة أشخاص يشغلهم الربح المادي فقط.