رغم ظهور أدوات متقدمة للتلميع وتنظيف الحذاء مما يعلق به من أتربة، تفيد فى إتاحة القدرة على الاستغناء عن «البويجى»، نجد أن هذه المهنة لم تنقرض، بل أخذت تزداد انتشارا فهذا ليس غريبا على المصريين ولكن الغريب هو أن يكون «البويجى» امرأة أو فتاة تعمل فى مثل هذه المهنة التى ليس لها تأمين والمعروف أن النسبة الغالبة من المشتغلين فى هذه المهنة هم الأطفال والرجال كبار السن، وترى بعضهن أن الميزة المهمة هى أن رأس مال بسيط جدا، ولا تحتاج إلى أى مهارات نوعية حتى يطلق عليها مهنة من لا مهنة له، لكنها فى الوقت نفسه تدر مبلغا لا بأس به. تقول الحاجة أم حسن الحاصلة على دبلوم تجارة وأشهر بويجية بمنطقة الجيزة والتى وجدتها تعشق هذه المهنة لتبدأ قولها معى الشغل مش عيب ومفيش حاجة اسمها انا ست وانت راجل، احنا فى بلد فيها مساواة ومفيش فرق بينا ولازم الستات تشتغل كل حاجة وتجرب كل حاجة وعن تجربتها فى مهنة تلميع الاحذية تقول «أم حسن»، أنا كنت اجد هذه المهنة فى البداية صعبة ومرهقة وخطيرة لانها مهنة لم تعتدها النساء بل كانت قاصرة على الرجال ولكن اصبحت معتادة عليها لاعلم ابنائى واربيهم احسن تربية ويكونوا احسن ناس فى الدنيا كلها بعد وفاة زوجى، أنا لا اريد ان الجأ الى الحلول السهلة التى يفضلها الكثيرون الذين يمرون بظروف صعبة مثلى فلم اقبل ان امد يدى لأسأل الناس أو انضم لطوابير المتسولين او خادمة فى البيوت، بل قررت أن اقتحم مجال العمل الشاق ويا له من عمل يظنه البعض مهينا وأراه أنا وسام شرف على صدرى. «الصندوق الخشب الصغير والورنيش والفرشاة والصبغة فقط ثم الرزق على الله». هكذا بدأت حديثها الحاجة «أم إبراهيم» 53 عاما» زوجى كان يعمل فى نفس المهنة باليومية وتوفى وترك لى 5 أبناء صغار فوجدت نفسى بدون عائل يحمينا وبلا دخل نعيش منه فبدأت التفكير فى العمل لكى اتكفل بتربية أولادى وتكملة تعليمهم وحتى لا أمد يدى لأحد، ورفضت أن اعمل فى أى وظيفة مريحة أتقاضى منها أجرا ضئيلا لا يكفينى أنا وأولادى الخمسة. وتكمل «أم إبراهيم» بالفعل اخذت مستلزمات الشغل، وذات صباح ذهبت إلى محطة المترو بمنطقة الحسين ففوجئت بصف كبير من الرجال ماسحى الأحذية يجلسون فى ذلك المكان، فتوكلت على الله وجلست بعيدا عنهم قليلا ولكن لم يقترب منى أحد لكى امسح له حذاءه، فلم أيأس وذهبت يوما ثانيا ثم يوما ثالثا وبقى الحال كما هو. فما كان منى إلا أن أبحث عن مكان آخر، فذهبت إلى منطقة أرض اللواء وجلست بجوار كشك بائع جرائد وولد يعمل أيضا بمسح الأحذية وتعرضت منهما لمضايقات كثيرة وقاموا بإخطار أحد رجال المحافظة وكان تبعهم وما كان منه إلا أن طردنى من المكان وأهاننى فقررت فى المرة الثالثة ان اجلس عند مزلقان أرض اللواء من الخارج على الرصيف الجانبى وبالفعل من وقتها حتى الآن وأنا أجلس هناك يوميا وتعرفت على كل الناس والحمد لله الجميع يحبوننى جدا وتعاونوا معى كثيرا حتى وقفت على رجلى وتمكنت من المهنة ولم اجد صعوبة فى التعامل مع تلميع احذية الرجال بالشوارع». وتقول الحاجة «عزة حامد» 49 عاما «ان هذه المهنة فخر لى لأنى لم افعل شيئا عيبا او غلط» فأنا أكسب من عرق جبينى مش بستنى حاجة من حد فإذا انتظرت الشفقة من احد فإذن كل تعبى راح بلا فائدة وعمرى راح هدر فمن يتمنون أن يحملوننى عندما يكبرون على أكتافهم ويأتون بمن يخدمنى، لكننى لا أتمنى من الله إلا أن استطيع أن اعمل حتى آخر يوم فى حياتى ولا احتاج لأبنائى أنا فعلت كل ذلك بحب دون انتظار لأى شىء منهم. وتضيف حامد انه يجب على الشباب والفتيات ان يشجعوا انفسهم على العمل فى جميع المهن المختلفة وتغيير افكار المجتمع الذى يقتنع دائما بأن هذه المهنة عيب، فالعيب هو البطالة وقلة الحيلة وليس نوعية المهنة. وتعلق الطفلة «أسماء» 11 عاما وهى تحمل الصندوق الخشبى الذى بداخله العلب المختلفة الالوان وفرشاة التلميع والتنظيف نشاط يومى تقوم به هذه الطفلة الصغيرة ابتداء من الساعات الأولى من الصباح لتمارس حرفتها « البويجية» فتستأنف جولتها بين المقاهى والمحلات والارصفة تتلمس خطوات المارة وأحذيتهم المتسخة لتجلس عند أول طلب على ركبتها وتفتح صندوقها الخشبى وتشرع فى إخراج العدة المعروفة، تختار الألوان حسب نوعية الأحذية وأشكالها.