بالقرب من برج مصر للسياحة بمنطقة العباسية، تجلس على حجر كبير وأمامها صندوق الأحذية، تمسك بالفرشاة وتفركها بيدها المتصبغة بالورنيش عدة مرات، وتتفحص حذاء الراجل الواقف أمامها بخبرة 27 عاما في المهنة، قبل أن تشرع في تنظيفه. قمر محمد كمال، سيدة في منتصف الأربعينات، اعتادت أن تشارك زوجها في العمل على هذا الصندوق الصغير الذي ساعدهما في تربية 6 أبناء، منذ تزوجت وعمرها كان مازال وقتها 18 عاما. ترفع قمر عينها للرجل ليبدل القدم الموضوعة أمامها بالأخرى لتعيد نفس خطوات التنظيف بداية من الفرشاة المتصبغة بالورنيش، ثم فرشاة التلميع، انتهاء بقماشة لإزالة ما تبقى من صبغة رطبة على الحذاء، قبل أن يضع الرجل في كفها جنيهين وينطلق. لا ترى قمر فى عملها على صندوق تنظيف الأحذية أى شقاء أو إهانة لأنوثتها كونها مهنة ذكورية، لكن ما لفت انتباهها أن "ساعات رجالة يتكسفوا يحطوا رجلهم في وشي أكمني ست فبيقلعوا الجزمة أنضفها"، هي تساعد زوجها "علشان لقمة العيش"، ومنذ تزوجته وهي يعمل في هذه المهنة. تحمل قمر الصندوق الصغير وعدة التنظيف في ظروف مرض زوجها، وتخرج من منزلها بمنطقة السيدة عائشة، وتذهب حتى العباسية وتجلس بالقرب من محطة المترو الجديدة، أو عند برج السياحة. بنيتها نحيلة جدا.. لديها آثار حروق قديمة تملأ يدها ووجهها، تضفي على ملامحها مسحة من الصلابة والبؤس، وبشرتها سمراء تصبغت بفعل إشاعة الشمس، كما أنها ترتدي عباءة كحلية اللون ومن فوقها جاكيت مهترئ وطرحة سوداء تدل على الجنيهات القليلة التي تعود بها في نهاية يومها. اختارت قمر وزوجها أن يخرج أبناؤهما من التعليم لضيق ذات اليد، وحددت مصير البنات بالجلوس في المنزل وعلى الأولاد أن يعملوا منذ نعومة أظافرهم لمساعدة الأسرة. أكثر إنجاز تفتخر به قمر إنها "جوزت اثنين من عيالى"، وتظل تجلس كل يوم في هذا المكان محنية الظهر على صندوق "الورنيش" إلى أن تستطيع أن تنجز باقي المهمة "استر البنتين اللي فضلين". حاولت قمر بعد وصول الرئيس مرسي إلى منصب رئيس الجمهورية، أن تغيير هي الأخرى مهنتها الشاقة، وتبحث عن زيادة دخلها طلبت "كُشك" من الحكومة وتقدمت بعدة طلبات رفضت جميعها، وقارنت حالها بحال "البلطجية" الذين أقاموا أكشاك عنوة في المكان الذي تفترشه، وتساءلت "هو أنا عشان عايزة أعيش بما يرضي الله، يحصلي كدة؟ والا الحكومة بقت بتمنع الرسمي وتسيب البلطجي؟". اليوم العالمي للمرأة يتمثل بالنسبة لثقافة قمر البسيطة في أنه "يوم تخرج فيه كل ست بتشتغل عشان تطالب بزيادة مرتبها وحقوقها"، لكنها لا تشارك أبدا في تلك الاحتجاجات "النسوية"، اعتقادا منها أن "الطلبات والحقوق دي بتاعة المتعلمين بس لكن أنا واللي زي مالناش فيها". قمر لم تشارك في الانتخابات التي مرت على مصر قبل أو بعد ثورة 25 يناير "ماحدش يستاهل إني انتخبه لا اللي فات والا اللي جاي"، وعبرت عن ضيقها من الرئيس المنتخب "لو كان عمل حاجة كويسة كنا وقفنا جنبه، لكن هو من ساعة ما مسكها وهي خربت أكتر ما كانت خربانة". تدعي ربها ليل نهار ليقويها على جمع المال لزيجات بناتها، وكذلك زيارة بيت الله الحرام، لكنها لا تملك المال الكافي لأي من تلك الأمنيات، لكنها مؤمنة بأن إرادة ربنا أقوى من المال، وعندما يشاء الله أن تجهز بناتها وتحج ستفعل ولن تتمنى من الدنيا أكثر من ذلك. أخبار متعلقة: في اليوم العالمي للمرأة.. 5 وجوه من مصر رجل و8 فتيات في "ثورة البنات": نطالب بتجنيد النساء.. والرجال أيضا يتعرضون للتحرش بالصور| الحاجة تحية "بائعة المشلتت": كنت "متستتة".. ونزلت الشارع أساعد جوزي لما طلع معاش بالفيديو| أم كريم "بائعة الخرشوف": نفسي أسدد ديوني.. ويبقى البلد فيها "أمان" و"فلوس" بالفيديو| نادية "المنتقبة": انتخبت شفيق ورفضت حكم الإسلاميين .. وأطالب برفع القهر عن النساء