هى تعد من المرات النادرة التى تستحق أن نفخر بها عبر قارتنا السمراء التى شهدت بزوغ ديمقراطية وليدة ترد وبقوة على الصيحات الهدامة التى تتجاهل عن عمد تجربة غينيا كوندى الرئاسية والتى وصفها الجميع بأنها كانت انعكاسًا لنظام سياسى يحترم القانون واجه بكل شجاعة كافة التحديات والمخاطر التى تهدد بلاده، وذلك لكونها كانت إحدى المستعمرات الفرنسية لمدة تزيد على مائة عام حتى نالت حريتها عام 1958 وتلى ذلك سقوط البلاد فريسة لصراعات وخلافات سياسية وعرقية تسببت فى وقوع العديد من المذابح والانقلابات وسقوط آلاف الضحايا وكان الصراع على السلطة هو الشرارة لكل تلك الخلافات حتى جاءت تجربة الرئيس (الفا كوندى) لتضرب المثل الحى على احترام القانون من خلال انتخابات ديمقراطية ونزيهة حسمت نتائجها فى جولتها الأولى منذ أيام ليفوز كوندى بفترة رئاسية ثانية لمدة خمس سنوات قادمة، وذلك رغم تصريحات زعيم المعارضة سيلو دالين ديالو والمنافس الأقرب لكوندى على مقعد الرئاسة والذى وصفها بأنها كانت مزورة، متجاهلاً بذلك الحشد الجماهيرى المؤيد للرئيس كوندى المعارض المخضرم صاحب التاريخ الحافل بالتحديات والمخاطر والذى توج مشواره الطويل بالوصول لكرسى الحكم، وقال كوندى عقب فوزه "إنه يعتبر هذا الانتصار تتويجًا لمسيرته السياسية التى يفتخر بها أمام كل الأنظمة الديكتاتورية التى تعاقبت على بلاده وما عاناه من سنوات النفى الطويلة وحكم غيابى بالإعدام والسجن عند عودته لبلاده". كوندى من مواليد مارس 1938، وهو ينتمى لقبيلة المالينكية التى تشكل 35% من سكان غينيا البالغ عددهم 11مليون نسمة وهم ينتمون ل 24 مجموعة عرقية، وقد سافر وهو فى سن الخامسة عشرة لفرنسا لمواصلة دراسته حتى نال درجة الدكتوراه من السوربون فى مجال القانون والاقتصاد، وعمل بالتدريس عقب عودته لبلاده، وله العديد من المؤلفات والكتب، وقد عمل بالسياسة أثناء فترة تعليمه ورأس اتحاد الطلبة الأفارقة السود فى فرنسا وانضم لجبهة المعارضة لنظام الديكتاتور الرئيس الغينى أحمد سيكو تورى أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال، وقد أمضى كوندى 20 عاما بالمنفى حتى عاد لينضم مرة أخرى لجبهة المعارضة للرئيس الثالث لغينيا (لا نسانا كونتى) الذى أحكم قبضته على البلاد وتخلص من معارضيه بالقتل والسجن، وقد أصدر كونتى قرارا باعتقال كوندى عام 1998 وقبيل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والتى كان كوندى أحد مرشحيها وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة الخيانة والتطاول على سلطة البلاد وبعد مرور عام تم الإفراج عنه استجابة للضغوط الخارجية، وبعد خروجه أعلن كوندى أنه سيكون مانديلا غينيا الجديد ليقود بلاده نحو الديمقراطية والوفاق الاجتماعى ونبذ الصراعات العرقية، وقد فاز كوندى بمدته الرئاسية الأولى عام 2010 فى جولتها الثانية. وخلال حملته الانتخابية الأخيرة استعرض كوندى حصيلة الإصلاحات التى حققها وإنجازه مشروع كاليتا للطاقة الكهرومائية للتصدى لمشكلة نقص الكهرباء، والشفافية التى يتبعها فى عقود التعدين، وتعهده بمواصلة سياسته الإصلاحية، وتعهده أيضا بالقضاء على مرض إيبولا، وهو فى سبيل ذلك سمح للأطباء بالإقامة فى قصره ودعا الطلبة والعاملين السابقين والحاليين فى مجال الطب للانضمام لمحاربة المرض، والغريب أنه بالفعل استجاب الآلاف لدعوة رئيسهم لمواجهة هذا المرض المميت، ولعلها تكون البداية لعصر جديد يحترم فيه الحاكم إرادة شعبه ووطنه.