للمرّة الثانية على التوالي، يتمكّن الرئيس الغيني المنتهية ولايته، ألفا كوندي، من الإطاحة بأبرز خصومه، زعيم المعارضة سالو دالان ديالو، ويحصل على تأشيرة العودة إلى قصر الرئاسة بالعاصمة كوناكري، لولاية جديدة تمتدّ ل 5 سنوات أخرى، وذلك إثر حصوله على 57.85 % من الأصوات، بحسب اللجنة المشرفة على الانتخابات. كوندي الذي فاز بأول انتخابات رئاسية جرت في 2010، ووصفها المراقبون ب "الحرة" و"النزيهة"، برهن على نضج سياسي وحنكة في إدارة شؤون البلاد، بحسب مراقبين. خبرة لا تعتبر غريبة بالنسبة لرجل بلغ عامه ال 77، وفي جرابه عصارة سنوات من النشاط السياسي الحافل "توّجت" بدخوله السجن.. فسنوات الجمر تلك منحت مسيرته نضجا كبيرا، وأهّلته لغزو السلطة والاحتفاظ بها حتى في أحلك الفترات التي شهدتها غينيا، والتي تزامنت مع انتشار فيروس "إيبولا" القاتل، وانهمار الانتقادات والاتهامات مستهدفة طرق حكومته للأزمة الصحية، من كلّ حدب وصوب. المرشّح المحظوظ الذي فاز برئاسية 2010 إثر حصوله على 52.5 % من أصوات الناخبين، مقابل 47.4 % لخصمه دالان ديالو، قال، غداة الإعلان الرسمي عن النتائج، في تصريحات للصحافة: "أنا رئيس التغيير لصالح الجميع، والمصالحة الوطنية والتقدّم للجميع". وعوداً أضاف، حينذاك، بأنه سيعرف طريق الإلتزام بتنفيذها. ومع أنّ هذا "المعارض التاريخي" المناهض لجميع الحكومات المتعاقبة على بلاده منذ استقلالها في 1958، استطاع أن يحظى بدعم الغينيين، في رئاسية 2010، مدفوعين بذلك باعتبارية الرجل السياسية، إلاّ أنّ بعض المراقبين يلمّحون إلى أنّ الأخير لم يلق، هذا العام، حجم المساندة ذاتها. مسار سياسي ملغوم بالعقبات وحافل بالأحداث لا يتقاطع، بأيّ حال، مع ما يروّج له منتقدوه من أنّ كوندي قد يسلك درب أسلافه من "الدكتاتوريين" الذين حكموا غينيا بقبضة من حديد. فكوندي، الرجل والسياسي صاحب النفس الطويل، يرى أنّ الوصول إلى أعلى منصب في البلاد، يعتبر تتويجا لمسيرة سياسية مليئة بالانتصارات والعثرات أيضا. رصيد ثري يفتخر من خلاله بصولاته ضدّ جميع الدكتاتوريات التي تعاقبت على غينيا، وهو ما كلّفه حياة طويلة في المنفى بأوروبا وحكما غيابيا بالإعدام وبالسجن في بلده. ولد كوندي في الرابع من مارس/ آذار 1938، في بوكي بغينيا السفلى (جنوب)، وينحدر من عرقية "مالينكيه" (أغلبية) المستقرة في غينيا العليا شرقي البلاد. في ال 15 من عمره، غادر مدينته لمواصلة دراسته في فرنسا، حيث حصل على شهادة في الاقتصاد والقانون وعلم الاجتماع، قبل أن يبدأ في تدريس هذا الاختصاص. وفي ستينيات القرن الماضي، قاد كوندي "اتحاد الطلبة الأفارقة السود بفرنسا"، كما أشرف على الحركات المعارضة لنظام الدكتاتور الغيني أحمد سيكو توري (1958- 1984)، أوّل رئيس لغينيا بعد الاستقلال، وهو أيضا من أصدر، في 1970، حكما غيابيا بالإعدام بحق كوندي. قضى كوندي أكثر من 20 عاما بالمنفى، قبل أن يعود إلى غينيا في 1991، حين كانت الأخيرة تحت حكم عسكري بقيادة لانسانا كونتي (الرئيس الثالث لغينيا من 1984 إلى 2008)، ويتولّى السلطة عقب وفاة كونتي. اعتقل كوندي في 1998، قبيل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي كان، حينذاك، أحد مرشّحيها (ترشّح أيضا لرئاسية 1993). عامان إثر ذلك، وتحديدا في عام 2000، نال حكما بالسجن لمدة 5 سنوات بتهمة "المساس بسلطة الدولة وسلامة التراب الوطني"، قبل أن يتمتّع، في 2001، بعفو من كونتي، جاء في نهاية ضغوط دولية، بعد أن قضى نصف العقوبة المسلّطة عليه. ولدى خروجه من السجن، أعلن أنه يتّخذ من نلسون مانديلا، السياسي المناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ورئيس البلاد من 1994 إلى 1999، "قدوة" و"نموذجا" يحتذي به، موضحا أنه ينبغي السير على خطى هذه الشخصية العظيمة، أي أن "نغفر لكن دون أن ننسى". وبسبب ما رأى فيه "نقصا في الشفافية"، قاطع كوندي، كما أبرز أحزاب المعارضة في البلاد، انتخابات الرئاسة التي جرت في 2003، وكان عليه انتظار 2010، ليصعد، أخيرا، إلى الحكم، في اقتراع شكّل، بحسب مراقبين، نهاية سعيدة لبلد يكبّله التوتر السياسي. تقلّد كوندي لمهام الرئاسة يعدّ، إذن، نهاية سعيدة للانتخابات في ذلك الوقت، حيث تمكّن من هزيمة خصمه اللدود، سالو دالات ديالو مرشح "اتحاد القوى الديمقراطية لغينيا"، أبرز تشكيلات المعارضة في البلاد. غير أنّ المقولة الشهيرة "التاريخ ليس سوى عود أبدي"، تفرض نفسها في هذا السياق، بحسب بعض المراقبين، ممّن يرون بأن كوندي، تماما مثل غيره، لم يتمكّن من الإفلات من "سحر" السلطة الذي يفجّر في النفس "جاذبية لا تقاوم" نحو البقاء في عرين الحكم. اليوم، يفوز كوندي بانتخابات الأحد، لكن فوزه هذه المرة، يأتي محمّلا بمخاوف كثيرة، في خضمّ الرفض الذي أبدته المعارضة لنتائج الاقتراع حتى قبل الإعلان عنها، بدعوى أنها "مزوّرة". بداية حافلة بالانتقادات لرجل لطالما أكّد أنّ لديه أهدافا يسعى إلى تحقيقها "من أجل وطنه" و"صالح شعبه".