«زينب» سيدة قاربت على الستين من عمرها.. عذبها المرض عذابا ما بعده عذاب، ولكن عذاب الحاجة وذلها كان أشد وأقسى.. تشعر بالمرض وقسوته.. تكتوى بنار الحاجة وذلها.. ولكنها إرادة ربها.. كان عذابها بالمرض العضال الذى أصابها أقل بكثير من عذابها بالمرض الذى داهم زوجها.. بل أقل من عذابها بحاجة اولادها.. تتعذب كل ساعة.. بل كل دقيقة.. تعيش رحلة عذاب طويلة.. طويلة بطول المسافة بين القرية الصغيرة التى تعيش فيها مع أسرتها على ساحل البحر المتوسط والقاهرة.. تشعر بمرارة المرض وذل الحاجة.. تقطع هذه المسافة فى أكثر من أربع ساعات بالقطار.. وخلال إحدى رحلات المرض جلست بجوار نافذة القطار وسرحت بعينيها وخيالها بعيدًا.. بعيد التعود بالزمن إلى وقت ما كانت فى الثامنة عشرة من عمرها.. تعيش فى أسرة بسيطة محدودة الدخل لم تنل أى قسط من التعليم.. وبسبب ظروفها وظروف أسرتها الاجتماعية والاقتصادية من الحاجة وضيق ذات اليد تتزوج سريعًا.. فقد تقدم لها الكثيرون ووقع الاختيار عليه.. وكأى بنت شعرت بالفرح.. فهى بهذا الزواج سوف تنتقل من حياة الفقر والأسرة ذات العدد الكبير إلى مكان واسع مع زوج تشعر معه بالارتياح.. وكان لها ما تمنت وتخيلت.. شقة صغيرة أصبحت مملكتها.. وبدأت حياتها الجديدة.. عاشت معه على الحلوة والمُرة.. انجبت البنين والبنات.. كانت فَرحة سعيدة بهم وبحياتها.. تصحو من الفجر تساعد أولادها ليذهبوا إلى المدرسة.. تجهز ما يحتاجون إليه.. تجلس معهم بعد عودتهم منها.. كانت تطلب منهم أن يكدوا ويجتهدوا..تلبى طلبات الزوج وهى سعيدة.. ولكن دوام الحال من المحال الزوج يشعر بآلام فى عينيه.. زغللة.. الدموع تملؤها.. يحاول أن يستخدم قطرة للعين بدون استشارة الطبيب ربما تخفف الأعراض المؤلمة التى يشعر بها.. ولكن الحالة تطورت وبدأ يشعر بعدم القدرة على الرؤية بوضوح.. الرجل يعمل أرزقيًا ودخله يكفى بالكاد الاحتياجات الضرورية للأسرة والأولاد.. وكثيرا ما كانت الأيام تمر وهو غير قادر على تلبية هذه الاحتياجات «وزاد الطين بلة» عندما تطور المرض وأصيب بفقدان البصر.. واضطر إلى المكوث بالمنزل لا حول له ولا قوة.. وهنا اضطرت الزوجة للخروج إلى العمل.. حملت الهم.. حملت المسئولية بكاملها.. ومرت السنوات وزادت الأحمال على أكتافها.. ولكن الأكتاف ناءت بحملها.. وفجأة سقطت من طولها آلام بجميع أنحاء جسدها.. ارتفاع بدرجة الحرارة.. ابنتها طلبت منها الذهاب إلى المستشفى ولكنها رفضت فالعين بصيرة واليد قصيرة.. ولكنها لم تنتظر طويلا فقد شعرت بأن هناك ورمًا بالثدى الأيمن.. وهنا اضطرت للذهاب إلى المستشفى العام بعد الفحص طلب الأطباء منها إجراء تحاليل وأشعة والتى أكدت أنها مصابة بأورام سرطانية وطلب منها الأطباء السفر إلى القاهرة والتوجه إلى المعهد القومى للأورام دارت الدنيا بها وتساءلت كيف لها أن تذهب إلى المعهد وتترك أولادها وبيتها وزوجها الكفيف؟.. ومن يقوم على خدمتهم ورعايتهم؟.. وكيف لها أن توفر مصاريف السفر والإقامة؟ استدانت لتقوم بالرحلة وجاءت إلى معهد الأورام.. تم إجراء تحاليل وأشعة وكانت النتيجة النهائية هى إجراء جراحة لاستئصال الثدى الأيمن المصاب.. كان ظنها أن هذا هو نهاية المطاف وأنها ستعود إلى بيتها وأولادها.. ولكنها اكتشفت أن هذا أوله فقد اكتشف الأطباء أن هناك ورمًا آخر بالثدى الأيسر ويحتاج إلى جراحة ثانية لاستئصاله ودخلت غرفة العمليات مرة أخرى وخرجت من المعهد بعد معاناة لشهور عادت بعدها إلى قريتها.. ولكن المرض دخل جسدها وعشش داخله ورفض أن يتركها.. شهور قليلة وانتابتها آلام وأصيبت بنزيف وعادت مرة أخرى إلى المعهد وكان التشخيص أن السرطان اللعين ضرب هذه المرة الرحم فكان لا بد من استئصاله هو أيضًَا.. وأصبحت حطام امرأة بعد أن طحنتها طاحونة المرض اللعين.. وفجأة استيقظت على صدمة مروعة الزوج الحبيب لا حول له ولا قوة أصيب بالسرطان اللعين ورحمه الله فما هى إلا أسابيع قليلة واسترد الله وديعته وصعدت روحه إلى بارئها وأصبحت وحيدة ليس لها سند أو معين فالأولاد تزوجوا وتركوها مع مرضها فقد أصابها التهاب كبدى وبائى فيروس (C) وحَّولها الأطباء من المعهد القومى للأورام إلى معهد الكبد حتى تتم متابعة الحالة وإعطاؤها العلاج المناسب لها وعليها الآن أن تتردد على القاهرة للعلاج من السرطان والكبد دخلها لا يتعدى 323 جنيها وتحتاج لأكثر من ذلك بكثير لتسد به احتياجات مرضها وأرسلت تطلب المساعدة من يرد فليتصل بصفحة مواقف إنسانية.