عذاب المرض.. عذاب ما بعده عذاب.. أما عذاب الحاجة فأشد وأقسى.. تشعر بالمرض وقسوته.. وتكوى بنار الحاجة وذلها.. ولكنها إرادة الله.. عذابها بالمرض الذى أصابها أقل بكثير من عذابها بمرض زوجها.. حاجة أولادها.. تتعذب كل ساعة.. بل كل دقيقة تعيش رحلة عذاب طويلة.. طويلة.. بطول المسافة بين قريتها التى تعيش فيها على ساحل البحر المتوسط والقاهرة.. تشعر بمرارة المرض وذل الحاجة.. تجلس بجوار نافذة القطار وتسرح بعينيها بعيدا.. بعيدا لتعود سنوات عمرها عندما كانت بنت الثامنة عشرة.. من أسرة بسيطة محدودة الدخل لم تنل أى قسط من التعليم.. يسعى من فى مثل ظروفها وظروف أسرتها وحياة الحاجة وضيق ذات اليد.. إلى الزواج السريع.. تقدم لها أكثر من عريس ووقع الاختيار عليه.. شعرت بالفرح.. فهى سوف تنتقل من حياة الفقر وعدد أفراد الأسرة الكبير إلى مكان واسع مع زوج تشعر معه بالارتياح.. وكان لها ما تخيلت.. شقة صغيرة أصبحت مملكتها الخاصة.. وبدأت حياتها الجديدة كانت تحاول أن تتقبل أى وضع.. عاشت معه على الحلوة والمرة.. أنجبت البنين والبنات.. كانت فرحة سعيدة بهم وبحياتها.. تصحو مبكرا لتساعد أولادها فى ارتداء ملابسهم والذهاب إلى المدرسة.. تجهز ما يحتاجون إليه.. تجلس معهم عند عودتهم للمنزل.. تطلب منهم أن يجدّوا ويجتهدوا.. تلبى طلبات الزوج وهى سعيدة.. ولكن دوام الحال من المحال.. «الزوج يشعر بآلام فى عينيه.. زعَللة.. الدموع تملؤها يحاول أن يستخدم أية قطرة للعين ربما تخفف من الأعراض المؤلمة ولكنه بدأ يشعر بعدم قدرته على الرؤية بوضوح.. الرجل يعمل أرزقيا ودخله القليل يصرفه على الاحتياجات الضرورية للأولاد وقد تمر أيام كثيرة وهو غير قادر على تلبية هذه الاحتياجات وزاد «الطين بلة» عندما أصيب بالمرض فى عينيه أصبح لا يستطيع أن يخرج للعمل بصفة دائمة أو حتى متقطعة ذهب إلى المستشفى وحاول الأطباء علاجه وبعد رحلة معاناة مادياً ونفسياً أصيب بفقد كلى للبصر وجلس بالمنزل لا حول له ولا قوة.. وهنا اضطرت الزوجة للخروج للعمل.. حملت الهم.. وحملت مسئولية الأسرة بكاملها.. وبمرور السنوات زادت الأحمال على أكتافها.. وأصبحت تنوء بحملها وفجأة «برك الجمل» آلام بجميع أنحاء جسدها.. ارتفاع بدرجة الحرارة.. الابنة تطلب منها أن تذهب إلى المستشفى ولكنها رفضت فالعين بصيرة واليد قصيرة.. ولكنها لم تنتظر طويلا فقد شعرت بأن هناك ورما بالثدى الأيمن.. وهنا اضطرت إلى اللجوء للمستشفى العام بمحافظتها بعد الفحص طلب الأطباء تحاليل وأشعة والتى أكدت أنها مصابة بأورام سرطانية وطلب منها الأطباء الذهاب إلى المعهد القومى للأورام بالقاهرة.. دارت الدنيا تحت قدميها وتساءلت كيف لها أن تذهب إلى القاهرة وتترك بيتها وأولادها وزوجها الكفيف؟.. من يقوم على خدمتهم ورعايتهم؟.. وكيف لها أن توفر مصاريف السفر والإقامة؟.. وقف الأهل بجوارها وقاموا برعاية الأولاد.. استدانت لتقوم بالرحلة وجاءت إلى معهد الأورام وتم إجراء تحاليل وأشعة كانت النتيجة فى النهاية إجراء جراحة استئصال الثدى الأيمن المصاب.. وكانت تظن أن هذا نهاية المطاف وأنها ستعود إلى أسرتها وبيتها.. ولكن اكتشف الأطباء أن الثدى الأيسر هو الآخر مصاب بأورام وتم إجراء جراحة لأخذ عينة من الورم لتحليلها وكانت النتيجة أنه ورم سرطانى أيضاً ودخلت غرفة العمليات مرة أخرى وتم إجراء جراجة استئصال للثدى الآخر وخرجت من المعهد بعد معاناة شهور وعادت إلى قريتها.. ولكن المرض دخل جسدها وعشش داخله ورفض أن يتركها فما هى إلا شهور قليلة إلا وانتابتها آلام وأصيبت بنزيف وعادت مرة أخرى إلى المعهد وكان التشخيص أن السرطان اللعين ضرب هذه المرة الرحم فكان لابد من استئصاله هو أيضاً. وأصبحت حطام امرأة بعد أن طحنتها طاحونة المرض اللعين.. تنظر إلى حالها وحال أولادها.. بل حال زوجها الكفيف الذى لا حول له ولا قوة وتبكى من الآلام فهى لا تجد ما تسد به احتياجات مرضها وأسرتها فكل دخلهم 140 جنيها معاش ضمان اجتماعى أرسلت خطابا تطلب المساعدة فمن يرغب من أهل الخير وأصحاب القلوب الرحيمة فليتصل بصفحة مواقف إنسانية.