أثار قرار الحكومة برفع سعر الغاز بداية الشهر المقبل مخاوف المواطنين من رفع الأسعار خاصة فى ظل غياب الرقابة وانفلات حركة الشارع، وفجَّر من جديد الجدل بين رجال الاقتصاد حول قضية الدعم، ففى ذات الوقت الذى ينتقد فيه الكثيرون القرار باعتباره لا يوفر سوى مبالغ هزيلة انتقاصًا من حقوق محدودى الدخل والفئات المعدمة ويزيد من حالة الاحتقان والسخط العام لدى الشارع، مقابل عدم المساس بأصحاب الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة ممن يحققون الثراء من جراء دعم الطاقة، يعتبر البعض الآخر القرار خطوة إيجابية ضرورية نحو ترشيد الدعم ومواجهة تبعات الأزمات الاقتصادية التى تعانى منها البلاد منذ أحداث يناير 2011، خاصة أن مجلس الوزراء، أكد أن الزيادة فى سعر الغاز المنزلى لن تضر بطبقة محدوى الدخل، كما أنه لا يشمل المخابز، حتى لا يتم المساس بسعر رغيف الخبز. «أكتوبر» ناقشت المواطنين والخبراء حول السياسات الجديدة التى تطرحها الحكومة ورؤيتهم حول الإصلاح الاقتصادى وترشيد الدعم . بداية أكد مصطفى السيد موظف أنه من المستحيل موافقة المواطن المصرى على إلغاء الدعم خاصة فى ظل ارتفاع معدلات الفقر، وارتفاع الأسعار، ولذا فإنه يؤيد سياسات ترشيد الدعم ولكنه يحذَّر من إلغائه. ويتفق معه فى الرأى صالح عبدالرحمن محام قال إن ترشيد دعم المنتجات البترولية يساعد على منع انتشار السيارات ومن ثم الحد من الازدحام المرورى، حيث يؤدى انخفاض أسعار البنزين والسولار إلى زيادة الإقبال على شراء السيارات. بينما ترى منال عبدالله موظفة أنه يجب تحديد الفئات المستحقة للدعم قبل اتخاذ أى إجراءات لتخفيضه، وذلك حتى لا يجد محدودو الدخل أنفسهم أمام أعباء إضافية وهو ما يزيد من التوترات الاجتماعية. وتقول سهام أبوالفتوح ربة منزل إن الأسرة المصرية لا تستطيع تحمل أية زيادة فى الأسعار ولذلك فإنها تؤيد سياسات الإصلاح الاقتصادى بشرط عدم المساس بالأسعار ومراعاة الرفق بالأسرة المصرية. بينما يؤكد يحيى أحمد طبيب أن محاربة الوسطاء وضبط حركة السوق هى العامل الأهم فى إعادة هيكلة منظومة الدخل. مشيرًا إلى أن الدعم موجود على مستوى جميع الدول المتقدمة ولكنه يوظف بصورة تخدم الفئات المستهدفة. توظيف الآليات المتاحة من جانبه حذر د. صلاح جودة الخبير الاقتصادى من رفع أسعار الاستخدام المنزلى للغاز، مؤكدًا أنه من الأفضل رفع الدعم عن الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة التى يحقق أصحابها أرباحًا طائلة من جراء دعم الطاقة مؤكدًا أنه على سبيل المثال تبلغ تكلفة طن الإسمنت 196 جنيهًا بينما يباع بالأسعار العالمية حيث يبلغ سعر الطن 740 جنيها انطلاقًا من ذلك يطالب بضرورة حصول أصحاب هذه الصناعات على الطاقة بأسعار منطقة المتوسط وفقًا لقواعد الاستثمار المعمول بها عالميًا. ويتبنى د. جودة مقترحًا آخر لزيادة الاستفادة من رفع أسعار الطاقة بعيدًا عن محدودى الدخل يتضمن ضرورة توصيل الغاز الطبيعى للمناطق شديدة الثراء فى مصر وفى مقدمتها الساحل الشمالى بأسعار مضاعفة مما يخدم الطرفين حيث يستفيد مستثمرو هذه المناطق من خدمات الغاز وفى ذات الوقت تستطيع الحكومة توفير هامش ربح معقولًا يصب فى صالح الموازنة بعيداً عن محدودى الدخل. ويتفق مع هذه الرؤية د. إبراهيم زهران خبير البترول الدولى منتقدًا التوجه العام للحكومة بالسعى لتوفير مصادر تمويل إضافية على حساب الشرائح الفقيرة والمعدمة فى ذات الوقت الذى ينعم فيه أصحاب الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة بثراء الأفيال انتقاصًا من حقوق الفقراء، موضحًا أن ما تستطيع الحكومة توفيره خلال تلك الإجراءت لا يتعدى 3% من قيمة المبلغ المستهدف توفيره من إصلاح منظومة الدعم بواقع 800 مليون جنيه فى مقابل 140 مليار جنيه مستهدف توفيرها، انطلاقا من ذلك أكد ضرورة تراجع الحكومة عن مثل هذه الإجراءات التى تؤجج غضب الشارع وتزيد معاناة محدودى الدخل فى مقابل توفير مبالغ هزيلة غير مجدية لا يمكن أن تعوَّل عليها الحكومة فى السعى نحو الإصلاح الاقتصادى، وأضاف أنه من الأفضل وضع خطط وسياسات إصلاح شاملة للدعم بعيدًا عن المساس بمحدوى الدخل. ومن جانبها أوضحت بسنت فهمى، أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للعلوم المالية والاقتصاد، أن الزيادة فى سعر الغاز التى ستبلغ قيمتها من 2 إلى 5 جنيهات، ستضيف عبئا جديدا على طبقة الفقراء ومحدودى الدخل، الذين سيتحملون ارتفاع الأسعار، فى أغلب السلع الأساسية. وأضافت أن الحكومة ما زالت تفكر وتعمل بالاستراتيجيات التقليدية للحكومات السابقة، التى لا تراعى ولا تهتم بالفقراء، مؤكدة أن رفع سعر الغاز يجب أن تتحمله الطبقة الثرية بالمجتمع، وساكنو المناطق الراقية، وليس الطبقات الفقيرة ومحدودى الدخل. البدء بالأثرياء فشلت السياسات الاقتصادية على مدار أكثر من 20 عامًا فى توصيل الدعم لمستحقيه وهو ما ترتب عليه أن الدعم الذى أصبح يزيد على180 مليار جنيه يذهب للوسطاء وينعش السوق السوداء ،هذا ما بدأ به فتحى ياسين الخبير المصرفى ورئيس مجلس إدارة البنك الأهلى سابقًا، مؤكدًا ضرورة إلغاء الدعم بشكل تدريجى على أن يتم استهداف الفئات الأكثر ثراء، وعلى سبيل المثال يتم إلغاء الدعم عن البنزين 95 ثم 92 ثم 90 وذلك لتفادى بعض التأثيرات السلبية لإلغاء الدعم. ومن ناحية أخرى أوضح د. محسن خضيرى الخبير الاقتصادى أنه من الناحية الاقتصادية لا يوجد ما يسمى بمصطلح الدعم إنما التوصيف العلمى هو أنه توجه سياسى يخدم مصالح النظام الحا كم من خلال التدخل فى آليات السوق، مشيرًا إلى أن النظام السابق فى مصر وظف الدعم لتحقيق مصالحه، وهو ما أدى إلى عدم وجود برامج حقيقية للإصلاح الاقتصادى، وانطلاقًا من ذلك أكد ضرورة إعادة النظر فى حزمة الدعم بمختلف أشكاله، ويتفق مع الآراء السابقة فى التأكيد على الإلغاء التدريجى للدعم. ويرى د. يسرى طاحون أستاذ الاقتصاد جامعة طنطا أنه يجب ترشيد الدعم وتحويله إلى دعم نقدى وهو ضرورة حتمية لتوصيل الدعم للفئات المستهدفة والقضاء على الوسطاء ممن ينهبون المال العام تحت مظلة الدعم، ويقترح تقسيم فئات المجتمع إلى ثلاث شرائح، الأولى ممن يقل دخلها الشهرى عن 2000 جنيه تحصل على دعم كامل، والثانية ممن يتراوح متوسط دخلها الشهرى من 2000 حتى 5000 جنيه تحصل على دعم جزئى، والثالثة التى يزيد دخلها الشهرى على 5000 جنيه لا تحصل على الدعم، مؤكدًا أن الدعم النقدى هو الأفضل للمواطنين حيث يمكنَّهم من الحصول على سلع وخدمات أفضل. وفى السياق نفسه أضاف عبدالرحمن عليان، عميد معهد الاقتصاد، أن الزيادة فى رفع سعر الغاز، لن تؤثر على طبقة محدودى الدخل، موضحا أن فاتورة الغاز فى الأساس لا تتعدى قيمتها من 10 إلى 15 جنيها، مؤكدا أن طبقة محدودى الدخل من أقل الطبقات المستهلكة للغاز، لذلك فلن يلحقها ضرر فى أعقاب رفع أسعاره. كما أوضح «عليان» أن الحكومة ستحمَّل رفع سعر الغاز، على طبقات الأثرياء، ولن يؤثر ذلك على طبقة محدوى الدخل. ويصف الخبير المصرفى أحمد قورة رئيس مجلس إدارة البنك الوطنى المصرى سابقًا توجه الحكومة الجديدة لإلغاء الدعم بأنه يعد البداية الحقيقية للاصلاح الاقتصادي، موضحًا أن السياسات الاقتصادية التى تبناها النظام السابق كانت تعتمد على المسكنات وليس الحلول الجذرية فى مواجهة التحديات الاقتصادية. لذا فإنها أبقت على الدعم بما يخدم مصالحها. من جانبه قال د. تامر أبو بكر، رئيس لجنة الطاقة ورئيس غرفة البترول والتعدين باتحاد الصناعات من خلال دراسة بعنوان مشاكل الطاقة بمصر 2014، أكد فيها أن «سوء إدارة ملف الطاقة»، خلال السنوات العشر الأخيرة، يعود فى الأساس إلى الجمود والتردد والخوف مع الخلط والمغالطة لأفضاليات اقتصاديات الاستخدام للطاقات الجديدة والمتجددة، وذلك فى إطار الدعم الشديد والسافر للبترول. وتحتم طبيعة المشكلة المتفاقمة اتخاذ قرارات جريئة غير تقليدية حازمة وحاسمة بعيدة عن الروتين والبطء والتباطؤ لمواجهة أزمة الطاقة الطاحنة الواردة فى الفترة المقبلة، خاصة أن دقائق المشكلة مرصودة جيدا والحلول معروفة لدى المسئولين والخبراء، ومن ثم فلابد من الإقدام والجرأة فى علاج أزمات هذه المنظومة، وذلك مع مراعاة أهمية مصارحة الشعب بالموقف الحقيقى للآثار السلبية لاستمرار الدعم بالآلية الحالية، بشفافية وذكاء مع مراعاة عدم المساس بمحدودى الدخل، وذلك من خلال آلية دعم جديدة تختلف عن آلية الدعم العينى الحالية، شريطة أن تحظى هذه الآلية بقبول مجتمعى. حتمية إصلاح الدعم ويدلل على حتمية إصلاح الدعم، كما جاء فى ورقة العمل، التى أعدها د. أبو بكر بعنوان «معالجة مشاكل الطاقة بمصر 2014»، أن نسبة استفادة الفقراء من دعم الطاقة أقل من 30% من إجمالى الدعم (21% بوتجاز 9% بنزين 80)، وأن زيادة أسعار المنتجات تدريجيا خلال 4 سنوات يترتب عليها وفرة قدرها 22 مليار جنيه فى السنة الأولى، و55 مليارًا فى السنة الثانية، و90 مليارا فى السنة الثالثة، و126 مليارا فى السنة الرابعة، ويتوقع أن يصل نصيب كل بطاقة تموين من الوفرة كدعم نقدى نحو 323 جنيها شهريا، علاوة على تخصيص 9.2 مليار جنيه دعم للصادرات. واقترح د. أبو بكر استراتيجية تقوم على عدة محاور تتمثل فى ضرورة تبنى خطة قومية للتحول إلى استخدام الغاز الطبيعى بدلاً من المنتجات البترولية، والعمل على الاستيراد الفورى للغاز السائل بالناقلات بحرا، على أن يتم استيراد كميات إضافية من المازوت بدءا من مايو ولمدة 6 شهور لعبور فترة الصيف الحرجة، فى حال تعذر توفير الغاز المسال فورا، والبدء فى التفاوض مع شركات البترول العالمية المكتشفة للغاز بالبحر المتوسط، وذلك لرخص سعره بمقدار 50%، وسرعة سداد المستحقات المتأخرة للشركاء الأجانب، والعمل على تطوير البنية الأساسية لشبكات الغاز وشبكات المنتجات البترولية. ولابد، أيضا، الحرص على زيادة استخدام الوقود الأحفورى (الفحم) لصناعتى الأسمنت والحديد، وتأمين احتياجات البلاد من قدرات توليد كهربائية تقدر ب 75 ألف ميجا وات فى عام 2030، وذلك بتنويع مصادر الإنتاج، لتبلغ نسبة مساهمة الطاقة الشمسية 18%، والرياح 8%، والفحم والمخلفات 6%، والمائى 3%، والغاز 54%، مما يستوجب تحفيز القطاع الخاص على مزيد من الاستثمارات فى مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة. ويرهن د. أبو بكر نجاح الاستراتيجية بوضع التشريعات اللازمة، وخلق آليات وأدوات التمويل، وزيادة مجالات البحث والتطوير وخفض التكلفة والتدريب، بالتزامن مع رفع أسعار المنتجات البترولية وأسعار الكهرباء تدريجياً مع دعم الفقراء من خلال توزيع 40% من الوفر على حاملى بطاقات التموين الذكية، و20% كدعم للصادرات، على أن يتم توزيع باقى الوفر على موازنة التعليم والصحة والبحث العلمي، وإعادة هيكلة سوق الطاقة تدريجيا بحيث يكون سوقا مفتوحًا من خلال بورصة للطاقة خلال 10 سنوات تحت رقابة جهاز لتنظيم سوق الطاقة وحماية المستهلك، مما يستوجب المضى قدما فى إنشاء مجلس أعلى للطاقة. ويلزم، كما ذكر د. أبو بكر، لتنفيذ هذه الاستراتيجية أن تحرص الحكومة على اتخاذ عدد من الإجراءات، أهمها، بدء رفع أسعار المنتجات البترولية تدريجياً، بحيث نصل إلى سعر التكلفة خلال 4 سنوات، والحرص على أن يتم رفع الأسعار على مستوى الدولة كلها، وأن تكون أسعار المنتجات متناسقة مع بعضها فى كل مرحلة، وتحديث قاعدة بيانات البطاقات التموينية الذكية، لضمان وصول الدعم النقدى إلى مستحقيه، ووضع خطة قومية للتحول إلى استخدام الغاز الطبيعى، وعدم تشغيل أية محطة كهرباء بالمازوت. وكانت وزارة المالية قد أعلنت قبل عامين عن خطة لهيكلة وإصلاح دعم الطاقة، تقوم على تنفيذ مشروع لتوزيع السولار والبنزين 80 وأسطوانات البوتجاز بنظام الكروت الذكية، بحيث يتم تخصيص كميات محددة لكل سيارة تكفى الاستهلاك الطبيعى بالأسعار المدعومة فيما تتاح الكميات فيما يزيد على هذه المخصصات بأسعار تقترب من سعر التكلفة الحقيقية، ورفع أسعار الغاز الطبيعى والمازوت للقطاع الصناعى بواقع 25% سنويا لمدة 4 سنوات، وفك الاشتباك بين وزارتى البترول والكهرباء من خلال دخول وزارة المالية كمسئول عن التمويل، والتحول إلى الغاز، وأخيرا، السماح للقطاع الخاص باستيراد الغاز الطبيعى. مشروعات سابقة تدنى الكفاءة الاقتصادية لمنظومة الدعم، فى رأى د. ماجدة قنديل، المستشار السابق فى صندوق النقد الدولى، تجعل من الضرورى الإسراع فى تنفيذ السياسات والإجراءات، التى من شأنها علاج التشوهات التى تعانى منها هذه المنظومة التى تستحوذ على أكثر من 30% من الموازنة العامة، يذهب أكثر من 70% منها إلى دعم الطاقة، الذى يذهب80% منه، كما تأكد بالدراسة، إلى من لا يستحق، علاوة على أنه لم يساعد بشكل ملحوظ فى جذب المزيد من الاستثمارات، ولم يترتب عليه تحسن ملحوظ فى أداء الميزان التجاري، فإنه من الضرورى أن تكون هناك جهود فاعلة لترشيده. لكن لابد أن يأتى التدخل متدرجا للوصول إلى النقطة المثالية، فالمصانع كثيفة الاستخدام للطاقة تنتج للتصدير، وبالتالى لا يصح أبدا أن يتم دعم هذه المنتجات من الموازنة العامة، لابد أن تتحمل هذه المصانع مسئوليتها بأن تمد يد العون للحكومة للبدء فى تنفيذ هذه الخطة، وأنه لا مانع من أن تقوم الدولة بدورها فى إقرار خطة بديلة لدعم هذه الصناعات، وربط الدعم بأجندة للتوظيف وزيادة الإنتاج والصادرات، وزيادة تنافسية المنتج المحلى. ونجاح هذه الخطة، وفقا ل د. «قنديل»، مرهون بقدرة الحكومة على الجلوس مع أصحاب المصانع كثيفة الاستخدام للطاقة للوصول إلى أنسب قرار بخصوص هذا الملف، لأن شعور هؤلاء المستثمرين بأنهم شاركوا فى صناعة قرار اصلاح الدعم، الذى يستهدف تقليل عجز الموازنة سيكتب النجاح لهذا الأمر، فالغريب فى الامر أن دعم الطاقة كلما زادت القدرة المالية للشخص كانت فرصته فى الحصول على الدعم أكبر، وبالتالى لا يليق أن نحافظ على دعم يستنزف أكثر من 130 مليار جنيه، لا يخدم الفقراء. وهناك 4 سيناريوهات، بحسب د. قنديل، لخفض الدعم، أولها، تعديل أسعار المنتجات البترولية تدريجيا دون تعويضات، وثانيها، تعديل أسعار المنتجات البترولية مع زيادة التحويلات النقدية الحكومية لأفقر 40%، وثالثها، تعديل أسعار المنتجات البترولية، وتحويل 50% مما يتم توفيره من ذلك لكافة الأسر، ورابعها، تعديل أسعار المنتجات البترولية، وتحويل 50% مما يتم توفيره جراء ذلك للشريحتين الأشد فقرا. ارتفاع الأسعار رفع أسعار الطاقة، فى رأى د. غادة البياع، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، سوف يؤجج التضخم، وبالتالى موجات عنيفة من الارتفاع فى الأسعار، وهذا كلام لا يحتمل التخمين، بل أمر يقترب من اليقين ولا يحتاج لدراسات لإثباته، وهذا ما يطرح استفهامات عديدة حول مدى استعداد الحكومة لما يمكن أن يترتب على قرارات رفع الأسعار، والتى بدأته بقرار رفع أسعار الغاز للمنازل والمنشآت التجارية، ومن الوارد أن يتبع بزيادة أسعار البنزين والسولار. وعلى الحكومة أن تبدأ إجراءات لتفعيل قانون التظاهر لأنها فى حال رفع أسعار الطاقة، كما يبدو، سوف تحتاج إلى قانون التظاهر، لأن الفقراء سيجدون أنفسهم مضطرين أمام مثل هذه القرارات التى بدأت الحكومة فى اتخاذها فى إطار تنفيذها سياسات غير مدروسة تتسم بالانحياز ضد الفقراء دون وجود برامج حماية كافيه لهؤلاء الفقراء، بما يعنى استمرار نفس العبث والغباء. ارتفاع أسعار الطاقة، وفقا ل د. «البياع»، سوف يؤدى بالتبعية لارتفاع أسعار سلع أخرى خاصة المواد الغذائية، وبالتالى فإن المتضرر الأساسى هم الفقراء، إن هؤلاء ينفقون الجزء الأكبر من دخولهم على الغذاء، وحتى إذا كان تعديل الأسعار ضروريًا، فمن الضرورى إيجاد سياسات لحماية هؤلاء الفقراء، لأنه بدون ذلك سوف تتزايد وطأة مشكلة الفقر، وبالتالى تزايد الاضطرابات السياسية، وهو ما سيزيد الطين بلة، فالحكومة فى الوقت الحالى فى حاجة لسياسات تصالح بها عامة الشعب. هذا الملف يحتاج إلى خطوات مدروسة وتدريجية، وإن كانت الظروف الحالية غير مناسبة أصلا لطرح الموضوع لحوار مجتمعى لأن الناس مشغولة الآن بقضايا أهم، وكان الأجدر بالحكومة أن تبحث عن بدائل لترشيد الإنفاق فى الموازنة العامة بدلا من الدعم، فمسألة الحد الأقصى مطلوب الآن أكثر، وكل ما يرتبط بها من قضايا أخرى تستهدف فى النهاية تحقيق طموحات وآمال الشارع حتى يترتب على هذه الإجراءات مصالحة. فالاستقرار الاجتماعى والسياسى، كما تذكر د. البياع، أمر هام فى ظل هذه الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد، ومن ثم التوقيت غير مناسب لمثل هذه السياسات غير محسوبة النتائج، والبيئة غير مؤهلة لمثل هذا القرار، الذى سيترك آثارا اقتصادية واجتماعية لغير مأمونة العواقب.