«أردوغان فقد عقله» ومعه فقد كل أصدقائه بالشرق الأوسط، عبارة وردت على لسان عدد من المحللين والمراقبين السياسيين تعليقا على حالة الهيستيريا التى أصابت رئيس الوزراء التركى «رجب طيب أردوغان» عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسى. وفى تطور لم يكن متوقعا شهدت العلاقات المصرية التركية انتكاسة فى الفترة التى أعقبت ثورة 30 يونيو بسبب المواقف التركية المعادية لمصر والداعمة للإخوان المسلمين، والتى تجاوزت كل الحدود وعلى وجه التحديد تصريحات ومواقف رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان الذى لم يعط مصر قدرها وتجاوزت أقواله وأفعاله كل التوقعات حينما تجاوز المواقف الأوروبية والأمريكية فى وصف ما شهدته مصر وكيفية التعاطى معه حيث ذهب أردوغان أبعد من اللازم حينما اعتبر ما جرى يوم الثالث من يوليو انقلابا عسكريا صارخا فلم يتورع عن السعى لتدويل المسألة المصرية وتأليب المجتمع الدولى ضد المصالح المصرية عبر مطالبة مجلس الأمن الدولى وعدة جهات دولية أخرى بالتدخل فى الشأن المصرى حيث دعا أردوغان مجلس الأمن الدولى إلى الانعقاد سريعا للبحث فى الشأن المصرى ووجه نفس الدعوة للجامعة العربية ومنظمات دولية وأقليمية أخرى. وقد طالت هجمات أردوغان الشرسة على مصر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وبخاصة عن قال فى تصريحات صحفية وجهها اليه «أن التاريخ سيلعن أمثالك لوقوفك إلى جانب مدبرى الانقلاب» وهو ما فجر موجة عارمة من الغضب والاستياء فى مصر من قبل جميع الاطياف التى طالبت بالرد على تطاول أردوغان فى حق شيخ الأزهر، إلا أنه لم يقف عند هذا الحد فخرج خلال الأيام الماضية بتصريحات قال فيها أنه لا يكن أى احترام لمسئولين يعينهم الجيش فى إشارة إلى أولئك الذين أطاحوا بمرسى وهو ما جعل السلطات المصرية تتخذ موقف بطرد السفير التركى من القاهرة ردا على كل تلك التجاوزات. وقد لاقت تصريحات أردوغان انتقادات قوية من قبل الصحف العالمية التى حذرت من أن هذه التصرفات الهوجاء من قبل رئيس الحكومة التركية تشكل ضربة قاضية للسياسة الخارجية لأنقرة والتى تقود إلى زيادة عزلتها إقليميا ودوليا، وأوردت صحيفة تودايز زمان التركية المقربة من الحكومة أن الموقف التركى من الحكومة المصرية المؤقتة فى مصر زاد من تعقيد السياسة الخارجية لأنقرة خاصة أنها متوترة أساسا مع القوى الكبرى مثل واشنطن والاتحاد الأوروبى وموسكو، إضافة إلى احتدام الصراع فى أقليم شرق المتوسط بين تركيا وقبرص من جهة واليونان وقبرص اليونانية من جهة أخرى وعلاقاتها مع إسرائيل التى تحولت إلى علاقة نبذ وكراهية إضافة إلى العلاقات السيئة مع رئيس الوزراء العراقى والأمر نفسه ينطبق على العلاقة مع سوريا وأخيرا علاقات متوترة مع مصر يصاحبها عزوف سعودى وإماراتى وكويتى عن تطوير علاقاتهم مع تركيا والاكتفاء بعلاقات سياسية باردة وأخرى اقتصادية عادية، مما حولها من بلد صاحب أقوى العلاقات مع دول الشرق الأوسط إلى بلد شبه معزول إقليميا، وتعبيرا عن حالة السخط حيال مواقف وتصريحات أردوغان، قال زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو أن رئيس الوزراء رجب اردوغان لم يعد له مكان يذهب إليه بالشرق الأوسط بعد أن فقد كل أصدقائه بالمنطقة، وقال السفير التركى السابق فى واشنطن فاروق أوغلو نائب رئيس حزب الشعب الجمهورى المعارض أن تركيا اليوم هى البلد الذى يسبح وحده فى الفراغ. ويرى محللون أن ارتباط أردوغان العاطفى والسياسى بجماعة الإخوان المسلمين عائد لما قام به الإخوان من دعاية لما اصطلح على تسميته بالنموذج التركى والتى جاءت كخطوة لاستعادة تراث الخلافة العثمانية تحت قيادة اردوغان وإن عزل مرسى قضى على احلام اردوغان فى قيادة المنطقة بالإضافة إلى قناعة أردوغان بأن افول تجربة الإسلام المعتدل فى الحكم على مستوى العالم العربى اثر سقوط الإخوان من شأنه أن يوجه ضربة للدور الإقليمى لتركيا ولطموحات أردوغان الشخصية بعد أن كانت تقدم نفسها للعالم كنموذج للاسلام الليبرالى المعتدل الذى يسد الباب أمام صعود الإسلام الجهادى المتطرف وأن حكم الإخوان فى مصر هو حلقة فى هذا المسلسل لذا حرص اردوغان على دعم الإخوان فى مصر إلى مستوى أوحى للكثيرين وكأنه يربط مصيره بمصيرهم وقد جاء هذا التأييد غير المحدود بنتائج عكسية جعلت تركيا تتراجع بين جيرانها كما جعلتها فى خلفية المشهد السياسى العام حيث لم يعد النموذج التركى فى الصدارة كما كان فى السابق، وذكر الباحث الفرنسى أن جان ماركو إن تركيا كانت ترغب فى أن توصل للعالم من خلال مصر إن الإسلام التركى هو التجربة النموذجية ولكن سقوط الإخوان تسبب فى صفعة كبرى للجهود التركية كما أن تركيا لا تزال حبيسة تجاربها مع الجيش وهو ما يثير رعب الطبقة الحاكمة فى تركيا من مواجهة نفس المأزق والمصير، وهو ما أشار إليه أردوغان نفسه فى أكثر من مناسبة إلى أن ما يحدث فى مصر قد يتكرر فى تركيا واعتبر أن من أراد الانقلاب على مرسى يحاول أيضا الانقلاب عليه فى تركيا وأن وراء الحركتين قوة واحدة. ويرى محللون إنه بعد أن توصلت الدول الكبرى وإيران فى جنيف إلى اتفاق بشأن النووى الإيرانى وفى ظل تصدع الجبهة التى كانت تتشكل بين القاهرة وانقرة والدول الخليجية يعتقد إن إيران ستكون عنصرا فاعلا مع روسيا وأمريكا فى المستقبل خاصة بعد أن أصبح الموقف السياسى التركى بالغ الحساسية، وهو ما ينبىء بتضاؤل الدور التركى إلى حد كبير فى منطقة الشرق الأوسط الجديد التى تتشكل معالمها حاليا وخاصة إذا نجح الاتفاق النووى الإيرانى.